المقالات -
القبيلة الإلكترونية

: 209
الاثنين,11 اكتوبر 2021 - 05:42 ص
مأمون فندي
الشرق الاوسط

هناك ظواهر اجتماعية يبدو أن مجتمعاتنا - رغم كل مظاهر الحداثة - غير قادرة على تجاوزها، وأولها فكرة القبيلة كمجتمع ومنظومة قيم وسلوك. لافت للنظر، في وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا، أن السلوك العربي فيها هو سلوكٌ قبليٌّ بامتياز. فمثلاً نجد أن «فيسبوك» أو «تويتر» أو مؤخراً «كلوبهاوس» هي تجمعات قبلية بمعني أننا ننجذب فيها إلى المشابه (نوع من المثلية الفكرية) ونتجنب المخالف في الرأي، نتابع على تويتر وكلوبهاوس من يشاركوننا الفكر لا من يختلفون عنا، ونحتفى على صفحات فيسبوك أيضا بأصدقاء يشاركوننا التوجهات نفسها. ترى لماذا لسنا قادرين على الاشتباك مع الأفكار المغايرة؟

القبيلة الإلكترونية
اضغط للتكبير
بداية وحتى لا أكون ظالماً هناك جزء من الظاهرة ليس اجتماعياً، وإنما مرتبط بالخوارزمية التي بنيت عليها السوشيال ميديا، بمعنى أن محركات البحث ذاتها تمنحك ما يشبه ذوقك في الفكر وفي المشتريات، فالخوارزمية أو الحوسبة الخاصة بهذه الوسائل تدفعنا دفعاً في اتجاه ما يؤكد أفكارنا ورغباتنا. فمثلاً إذا اشتريت شيئاً من متجر إلكتروني تجد أن المتجر نفسه يرسل لك رسائل باستمرار، ليس فقط بخصوص ما اشتريته ولكن أشياء مشابهة لما اشتريت،
فيخبرك البرنامج أن الناس الذين اشتروا هذا الصنف أيضاً اشتروا أشياء أخرى قد تناسبك.
وهذا يحدث أيضاً على صفحات السوشيال ميديا الأخرى بأن ترى السوفتوير يدفع باتجاهك أصدقاء محتملين لأنهم أصدقاء آخرون تعرفهم. الخوارزمية الخاصة بالسوشيال ميديا هي خوارزمية السوق ترى أن كل الموجودين على هذه البلاتفورمز هم مجرد مستهلكين. فلسفة السوق والتسليع هي التي تحكم السوشيال ميديا، ومن هذا المنطلق ليس كل ما يحدث على السوشيال ميديا سلوكاً قبلياً، ومع ذلك فالقبلية وأفكارها وقيمها ظاهرة تستحق النقاش، القبلية الإلكترونية بكل أدواتها من تليفونات ذكية وكومبيوترات هي القبيلة القديمة ذاتها بنعراتها وفزعاتها، مع اختلاف وحيد هو أن شيخ القبيلة الإلكترونية لو مات فلن يخرج في جنازته عشرات الملايين من المتابعين الذين يتباهى بهم في حياته، ربما يخرج عشرة أو عشرون ممن يعرفهم في الواقع الفعلي ليدفنوه، إلا اذ تم تأبينه افتراضياً.
ظاهرة القبيلة الإلكترونية تتجلَّى في سلوك الأفراد وأساليب الكثيرين منهم ممن يتبنون القدح والشتائم كأسلوب حياة على السوشيال ميديا، فالسوق هنا ليس فلسفة بل السوقية هي التي تسيطر على اللغة.
لافت أيضاً على السوشيال ميديا معاداة الفكر، فمعظم ما يكتب لا يمثل أفكاراً بل مجرد قص ولصق للدرجة التي يتشابه عليك فيها البقر.
السؤال هنا، إذا كان المصدر للأفكار التافهة سيقدم المحتوى نفسه دوماً، فهل من الممكن أن نعيد ترتيب عقولنا كمستهلكين لتجنب ما هو متشابه أو نعود أنفسنا على الانتقاء كأسلوب للتعاطي مع السوشيال ميديا؟ بمعنى آخر إذا كان البائع مشكلة فهل يمكن للمستهلك أن يمتنع عن شراء تلك التفاهة التي تشبه المخدرات؟
المستهلك وليس المنتج هو المشكلة دوماً، والسوشيال ميديا اليوم تقدم لنا كثيرا ولكن التحدي الأكبر هو قدرة المستهلك في ألا يصبح سلعة في عالم أساسه فلسفة السوق، وينتقل من حالة المتلقي السلبي إلى شخص إيجابي يبحث عن المختلف لا المتشابه، يبحث عن التفرد لا أن يصبح جزءاً من جحافل القبائل الإلكترونية.
المستهلك العربي اليوم للسوشيال ميديا يعيد إنتاج فكر القبيلة وسلوكه سلوك أفراد القبيلة وأفكاره تنام في الخيمة نفسها لا يحركها إلا المتشابهات. في هذا الجو الملوث من التفاهة والسطحية نحتاج إلى حوار جاد حول القبائل الإلكترونية ومستقبل الثقافة في مجتمعات ظاهرها الأدوات الحديثة من آيفون وآيباد، ولكن مرجعيتها هي المرجعية الحاكمة نفسها لمجتمعات ما قبل الحداثة. قبائل تحمل آيفون ليس إلا.

Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • التهديدات السيبرانية المتزايدة تثير شواغل ملحة حول الاستقرار المالي
  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ