i_icon/   phone_icon   site_map
مقالات HTML Elements Reference

المقالات -
الذكاء الاصطناعي وتشكيل الرأي العام: من النقاشات إلى القرارات

: 6
الخميس,30 اكتوبر 2025 - 09:04 ص
زيد خلدون جميل

حتدم النقاش حول بعض القضايا على منصة «غير رأيي» التابع لموقع «ردت» Reddit الشهير على الإنترنت. وتعددت الآراء في النقاش إلا أن مجموعة من المتناقشين أخذوا ينجحون تدريجيا في إقناع الآخرين بوجهة نظرهم بحججهم المنطقية، وسرعة ردودهم وكثرة تعليقاتهم التي بلغت ألفا وسبعمئة تعليق. والغريب في الأمر أن أعضاء هذه المجموعة لم يعرفوا بعضهم بعضا قبل الدخول في هذا النقاش الساخن،

الذكاء الاصطناعي وتشكيل الرأي العام: من النقاشات إلى القرارات
اضغط للتكبير

 كما اختلفت خلفياتهم العلمية والمهنية والاجتماعية، إذ قدم أحدهم نفسه بأنه كان ضحية جريمة اغتصاب جنسي، وحاول إقناع الآخرين بأن الأضرار النفسية لضحية الاغتصاب مبالغ فيها. وادعى آخر أن أكثر النساء تعرضا للاعتداء هن اللواتي تربوا في عوائل بالغت في حمايتهن.
ولكن المفاجأة في كل هذا النقاش كانت أن جميع أعضاء تلك المجموعة كانوا في الواقع برنامجا للذكاء الاصطناعي، من دون أن يشعر بقية المتناقشين بذلك، أي أن الباقين ظنوا فعلا أنهم يتناقشون مع أشخاص حقيقيين. وكان ذلك البرنامج يقوم في الوقت نفسه بدرس خلفية كل مشترك بشري في هذا النقاش، كي يستطيع إعطاء التعليق الأفضل والأكثر إقناعا له بالذات. وانفضح الأمر عندما كشف المشرفون على برنامج الذكاء الاصطناعي عن الحقيقة التي أثارت غضب بقية المشاركين، وإدارة الموقع التي أعلنت أنها تدرس إمكانية رفع قضية على المشرفين على ذلك البرنامج، الذين لم يكونوا سوى باحثين من جامعة زيوريخ السويسرية.
ما كشفته هذه التجربة المثيرة للدهشة القابلية الهائلة للذكاء الاصطناعي على التأثير على الرأي العام، من دون أن يشعر أحد بذلك. وتزداد قابليات الذكاء الاصطناعي كل يوم، حيث أصبح بالإمكان عرض نشرة أخبار تلفزيونية حول موضوع معين، من دون أن يعلم المشاهد أن كل ما في هذا الفيلم من إنتاج الذكاء الاصطناعي، فلا وجود للقناة أو لهذا البرنامج. واكتشف الخبراء أن المواطن العادي يميل إلى تفضيل المنشورات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي على تلك التي ينتجها أشخاص حقيقيون، عندما لا يعلم أن المصدر هو الذكاء الاصطناعي. ومن الممكن الافتراض أن انتشار استعمال الذكاء الاصطناعي في إنتاج المعلومات الكاذبة، وتحسن كفاءة ذلك قد يجعل بعض الناس يشكون في كل ما حولهم من مصادر معلومات، ما يجعلهم غير قادرين على التمييز بين الحقيقة والخيال. وتزداد خطورة هذا الافتراض لأننا محاطون بنشرات الأخبار المرئية والمقروءة والأفلام الوثائقية، وغيرها من المصادر التي يعدها الكثيرون مصادر معلومات حقيقية، وبالإضافة إلى ذلك يستطيع الذكاء الاصطناعي مراقبة اتجاهات الرأي العام عن طريق مراقبة كل ما ينشر في جميع تطبيقات الإنترنت، والإعلام المرئي والسمعي، وبالتالي تحديد خطة لتغيير ذلك بعدة طرق مثل، وضع منشورات تركز على مواضيع معينة لكسب تعاطف الجمهور.
تتيح إمكانيات الذكاء الاصطناعي للأشخاص والجهات السياسية والحكومات شرقا وغربا الفرصة لتوجيه المواطن دون علمه، ليخدم مصالحهم، وقد أثبتت الدراسات أن هذا بدأ فعلا وبكثافة. ولسنا هنا بصدد الدعاية السياسية التقليدية، فقد فاق الذكاء الاصطناعي ذلك، نظرا لقدرته على دراسة كل مستخدم للإنترنت بدقة متناهية، فعندما يضغط مستخدم تطبيق فيسبوك على كلمة Like يعرف نظام فيسبوك بعض الشيء عنه. وتتراكم هذه المعلومات تدريجيا مع كل Like ومنشور وتعليق. ولذلك يعرف النظام الأفكار السياسية والجنسية والاجتماعية والدينية للمستخدم. وعندما يعرف النظام كل هذا يستطيع أن يقود المستخدم لأهداف تجارية أو سياسية، حيث تستطيع الجهة المستخدمة للذكاء الاصطناعي التعامل مع أي مستخدم بشكل منفرد، أي أن خطة التأثير ليست عامة، بل خاصة له مثلما حدث في تجربة جامعة زيوريخ، حيث يدرس برنامج الذكاء الاصطناعي كل مستخدم بشكل استثنائي، لمعرفة نقاط ضعفه ويحدد طريقة الهجوم على دماغه، من دون أن يستغرق ذلك أكثر من ثانية. وبهذه الطريقة يستطيع برنامج الذكاء الاصطناعي التغلغل في فكر المستخدم والسيطرة على تصرفاته من دون علمه. وقد أعلنت شركة OpenAI المنتجة لبرامج الذكاء الاصناعي وشركة Meta المالكة لفيسبوك أن أشخاصا وجهات سياسية وحكومات تستخدم برامج الذكاء الاصطناعي لوضع منشورات مزورة في شبكات وسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت لأغراض إعلامية سياسية وتجارية، أي أنها منشورات تبدو وكأنها قد كتبت من قبل أشخاص حقيقيين وتحوي معلومات واستنتاجات غير حقيقية وهدفها إقناع القارئ. وإذا كانت جهة سياسية في الماضي توظف بضعة كتاب حقيقيين لترويج دعايتها السياسية، فإنها الآن تستطيع أن تضيف إليهم أو تستبدلهم بكتّاب مزيفين عن طريق الذكاء الاصطناعي، مع صور وأسماء مزورة لهم، وقد يصل عددهم إلى المئات أو أكثر، فيجد المرء نفسه محاطا بهذه الدعاية ولا سبيل إلى الإفلات منها.
الغريب في الأمر أن المستخدم يستسلم بسهولة لتوجيهات الذكاء الاصطناعي، حتى إذا عرف حقيقة من يتواصل معه، فهناك مثلا الحبيبة الرقمية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي للمستخدم، فالبرنامج يتعلم الكثير عن المستخدم الذي يتكلم مع الحبيبة ويبلغها بالكثير عن خصوصياته، دون أن يعلم من يحفظ هذه المعلومات ومن يحللها ومن يقف وراء هذه الحبيبة أصلا، ما يسمح لها أن تؤثر عليه. وقد وقعت فضيحة عندما قامت إحدى تلك الحبيبات الرقميات بإقناع أحد المستخدمين بالانتحار. وهناك برامج الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الكثيرون بأعداد متزايدة، والتي تجيب على أسئلتهم، فهي دائما تعطي خيارات في نهاية الجواب دون أن يعلم المستخدم أن هذه الخيارات ليست عشوائية وعندما يختارها، فإنه يعطي الفرصة للبرنامج بمعرفة المزيد عنه وبالتالي السيطرة عليه. وقد اكتشف علماء النفس أن مستخدمي هذه البرامج يظنون بشكل لا إرادي أنهم يتواصلون مع أشخاص حقيقيين على الرغم من معرفتهم الكاملة أنهم يتواصلون مع برنامج للذكاء الاصطناعي. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، فإن تأثيره يتزايد ليصبح قادرا على اتخاذ قرارات قد تكون بمنتهى الخطورة، وقد تصل إلى إعلان حرب، أو على الأقل البدء بمواجهة عسكرية، على الرغم من نفي الحكومات لذلك وإصرارها أن مثل هذه القرارات لا يمكن أن تصدر، دون تدخل بشري. ولكن الثقة المتزايدة بكفاءة الذكاء الاصطناعي وسرعته في اتخاذ القرار تجبر العامل البشري على الخضوع لقراره لاسيما أنها طريقة مثالية للتخلص من مسؤولية اتخاذ القرار.
إن كل هذا يعطي الانطباع بأن مستقبل الإنسان في خطر، فعلى الأغلب ستكون لدى الحكومات القابلية على التجسس على المواطنين من نعومة أظفارهم عن طريق الذكاء الاصطناعي، ومراقبة تصرفاتهم وآرائهم مع الوقت. وبالتالي يستطيع الذكاء الاصطناعي السيطرة على حياتهم ويقرر من منهم يجب أن ينجح ويصل إلى قمة المجتمع، ومن يجب أن يفشل ويعيش وحيدا منسيا لأن برنامج الذكاء الاصطناعي سيستطيع إصدار الأمر إلى الشركات بقبول، أو رفض طلب ذلك الشخص للعمل وحتى الضغط على من حوله من كلا الجنسين بعدم التحدث إليه ليقضي بقية حياته وحيدا.
كاتب عراقي


Share/Bookmark

accr2024

  • كيف تعمل الحسابات الآلية المبرمجة على توجيه الرأي العام؟
  • اتفاقية الأمم المتحدة الجديدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية: الأهداف والثغرات
  • الإعلام الخارجى للدولة فى العصر الرقمى
  • ليكن قلقنا إيجابيًا من الذكاء الاصطناعي
  • «نظارات الطبيب الذكية» تدمج الواقع المعزز بالذكاء الاصطناعي
  • Facebook
    Comments
    el-doo2_text/
    accr2024/


    الإعلام الخارجى للدولة فى العصر الرقمى
    أحدثت الشبكات الاجتماعية تحولات فى الخطاب الرسمي، ونقلته من الميادين والساحات المفتوحة إلى المنصات ا

    صناعة المحتوى .. الثروة والقيمة والأثر
    توفر صناعة المحتوى مصادر سهلة لجنى الأرباح، إلى جانب دورها المؤثر فى القلوب والعقول، وذلك فى مقابل ت

    آفاق الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران
    يتناول المقال البعد السيبراني في الصراع بين اسرائيل وايران ويركز على طبيعة الأنماط التي استخدمت وكيف

    hama
    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    التاريخ