وتنوع غرضه ما بين محتوى ترفيهى أو تعليمى أو تجارى أو إعلاني، أو برصد سلوك يومى للفرد أو للغير، وأتاح الذكاء الاصطناعى قدرات إضافية لتعزيز إنتاج المحتوي، ومن ثم فرصًا جديدة لزيادة الأرباح وعدد المتفاعلين حوله وانتشار تأثيره، ويتحقق الدخل من صناعة المحتوى من الإعلانات، والاشتراكات، والبيع المباشر للمنتجات، والرعاية، والتسويق بالعمولة.
وتحولت صناعة المحتوى إلى صناعة رأسمالية تخضع لاعتبارات السوق والعرض والطلب، وتصاعد تأثير سيطرة المال على إنتاج المحتوى وليس بالضرورة لاعتبارات ثقافية أو رفع الوعى الوطني،وذلك مع احتكار الشركات التقنية ضخ الإعلانات الرقمية،أو عبر توفير رموز رقمية للشراء والبيع مثل منصة تيك توك وغيرها، وهى التطبيقات التى تجذب المراهقين والشباب، وهم الأكثر استخدامًا وتأثرًا وتعرضًا لمحتواها من الفيديوهات القصيرة والمتوالية. واعتمد الأفراد فى إنتاج المحتوى على مهاراتهم الرقمية، إلى جانب تحالف بين من يمتلكون مهارات إنتاج المحتوى و«بطل» القصة، والذين يرون فيه محتوى مختلفًا وقابلًا للانتشار، وهو ما أدى إلى ظهور فئات جديدة ناشطة على المنصات الرقمية.
ودور خوارزميات المنصات الرقمية فى خلق دوائر مغلقة وفقًا لنوعية الاهتمام بالمحتوي، فتتفتت القضايا والرؤي، وسيطر ما هو خاص على ما هو شأن عام، والبحث عن غير المألوف وتصعيده بحثًا عن جذب الانتباه والمشاهدات، وتوظيف البُعد الكمى القياسى للمشاهدات أو التحميلات أو الإعجابات والتفاعلات كمعيار للانتشار والتأثير، ومحاولة فرضه كقيمة. وظهرت تحديات أخرى أمام صناعة المحتوى مثل التأثيرات السلبية على القيم، سواء عبر تحفيز اتساع نطاق السلوكيات السلبية، أو بتحفيز ظهور سلوكيات أخرى أو بتوفير غطاء سرى لنموها، وتصاعد استخدام الشائعات والتزييف العميق وانتهاك الخصوصية، واستغلال المحتوى ليس فقط لجلب الأموال بل كذلك كوسيط لارتكاب جرائم أخرى يقودها «الفاعلون»، أو بتوظيفهم علاقاتهم المتشعبة عبر المنصة فى الإعلان عن المنتجات أو فى القيام بأعمال إجرامية كمشروعات توظيف أموال أو غسلها. وعلى الرغم من أن محتوى المنصات الرقمية يعتمد على العلانية لجذب المشاهدين، ومن ثم زيادة الأرباح، فإن هناك تطبيقات أصبحت تعتمد على السرية أو الاشتراك فيها، مثل تطبيقات المواعدة،والمراهنات والألعاب،أو النصب الإلكترونى وغيرها،وهو ما يكون له تأثير فى التضليل وانتهاك القيم وإهدار الأموال والموارد البشرية. وذلك مثل تأثيرات المحتوى الضار فى التحريض على العنف والكراهية أو تهديد السلامة الجسدية والعقلية والنفسية للمستخدمين.ولإدراك خطورة ذلك، تبنت بعض المنصات الرقمية سياسات لحوكمة المحتوى تحدد فيها معايير المجتمع التى تفرض قبولا أو حظرا أو تقييد نشر أو إزالة المحتوي،أو حظر الحسابات المنشئة،ويتم ذلك إما عبر المنصة أو من خلال الاستجابة للبلاغات التى تقدم من قبل المستخدمين، والاتجاه لتعزيز الأمن والخصوصية وحماية حقوق الملكية الفكرية.
وأصبحت صناعة المحتوى تواجه تيارين متضادين، ما بين نشر التفاهة والإشاعات والتضليل والاستثمار فى المعلومات الشخصية للمشاهير، وما بين نشر العلم والوعى والانتماء ودعم الصلابة المجتمعية فى مواجهة الأزمات، وما بين نشر محتوى هابط يخدر العقول ويهدر الوقت ويلعب على الغرائز واللهث وراء الثراء السريع، وما بين محتوى آخر جاد يقدمه هواة ومحترفون يساندون الدولة فى معاركها التوعوية، والذين أصبحوا بحكم مواقعهم شركاء للمؤسسات الإعلامية الوطنية، لما يتميزون به من المرونة والإبهار والسرعة فى إنتاج المحتوي.
من جهة أخري، فرض ذلك اتجاهًا متزايدًا لدى العديد من الدول لممارسة سيادتها السيبرانية على التطبيقات العابرة للحدود فيما يتعلق بالمحتوي، وذلك عبر سن تشريعات وطنية أو إقليمية، أو فرض قيود وغرامات على الانتهاكات، أو تشجيع استخدام منصات رقمية وطنية بديلة.
وعلى الرغم من أهمية ما يقوم به المواطنون من تقديم بلاغات ضد الأشخاص المنتجين لذلك المحتوى الهابط، فإنها تركز على معاقبة الشخص وليس حذف المحتوي، والتركيز على النتيجة وليس السبب، وعلاقة ذلك بتوفير بيئة خصبة لنمو محتوى مضاد يحفز القيم الإيجابية ويملأ الفراغ الذى يستغل لنشر التفاهة، وذلك لأسباب اقتصادية وثقافية، وعلاقته بما يجرى فى المجال العام من محتوى هابط فى وسائل الإعلام والسينما والأغانى وغيرها. ومن ثم فإن صناعة الوعى والرقابة الذاتية مهمة ليس فقط فى إنتاج المحتوى بل كذلك فى استهلاكه أو نشره، وهى التى تتكون كذلك من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وأن يرتكز إنتاج المحتوى على تنمية الفكر النقدى والإبداع والابتكار، وحرية الرأى والتعبير.
وأهمية مواجهة تحديات نمو المحتوى الرقمي، مثل رقمنة الإنتاج الثقافي، وتنمية المهارات الرقمية، ودعم البنية التحتية، والمعاملة الضريبية لمنتجى المحتوي، أو بمواجهة استغلال الشركات التقنية الكبرى للمحتوي، أو بتقنين عمل المؤثرين الجدد مع المنتجين التقليديين للمحتوى مثل الإعلاميين والصحفيين، وأن يُنظر إلى المحتوى الرقمى باعتباره صناعة وطنية تدر دخلًا للاقتصاد الوطني، إلى جانب وظيفته فى تعزيز القوة الناعمة للدولة المصرية، ودور القيم المادية والروحية فى احتواء الأجيال الجديدة من أجل ألا تقع فريسة لأعداء الوطن والحقيقة وتصبح قوة فى الحاضر والمستقبل.