وأصبح هناك دور متصاعد للجهات الرسمية عبر المنشورات الخاصة بالرؤساء والدبلوماسيين .إلى جانب صعود فاعلين جدد غير رسميين فى التأثير عبر المنصات الرقمية. وأثر ذلك فى طبيعةِ دور السياسيين والدبلوماسيين من جهة وفى عملية صنعِ القرارِ المرتبط بالسياسةِ الخارجيةِ للدولة من جهة أخري.
وأصبح هناك حالة من التفاعل عبر التغريدات أو المنشورات على الحسابات الرسمية للرؤساء أو رؤساء الوزراء فى العديد من الدول عبر المنصات الرقمية، وذلك فى شكل خطاب سياسى موجه يحمل الاختصار الشديد والتفاعل السريع مع الأحداث، والقدرة على التفاعل والاتصال السياسى المباشر مع الرأى العام العالمي، والمشاركة الآنية فى القضايا الدولية، أو فى تعزيز عملية بناء العلاقات الخارجية، والتضامن وإدارة الصراعات والتفاوض فى مواقف الحرب أو السلام. وفرض ذلك فرصة تاريخية للقيام بمهمة الإعلام الخارجى للدولة بشكل رخيص ومتعدد الفاعلين ما بين جهات رسمية وغير رسمية. وَحَظِيَ بذلك الخطابُ الرسميُّ بقوةٍ إضافيةٍ تتمثل فى قدرتهِ على مخاطبةِ الأجيالِ الجديدةِ وإنتاجِ محتوى قابلٍ للانتشارِ وسهلِ ترجمتهِ آليًّا للغاتٍ مختلفةٍ عبر الذكاءِ الاصطناعي. وإتاحة التواصل المباشر بين الشعوب، ومشاركة الداخل فيما يجرى فى الخارج والعكس، بما يعزز من دور المواطن كمراقب وشريك ومؤثر فى حركة وشفافية التفاعلات الدولية. وساعد ذلك فى إحداث طفرة فى قدرات الإعلام الخارجى للدولة ليصبح أمام فرصة تاريخية للتأثير والتواصل مع العالم والدفاع عن المصالح الوطنية بين جمهور الأعداء والمؤيدين المحتملين والمؤيدين لمواقف الدولة.
ووَقَفَ خَلفَ ذلكَ طبيعة التحول فى الانتشارَ والنفاذَ للرقمنة، وتصاعد استخدام الهواتفِ الذكيةِ والشبكاتِ الاجتماعية من بين مُستخدمى الإنترنتِ عالميًّا، الذينَ يَستخدمُ منهم نَحوَ 63.9% وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، بما يَصلُ إلى 5.24 مليارَ شخصٍ ويُمثلونَ 94.2% من إجمالى مُستخدمى الإنترنت، وأصبحَ لدى الغالبيةِ العُظمى من رؤساءَ ومسئولى الدولِ والحكوماتِ حساباتٌ رسميةٌ على المنصاتِ الرقمية، وأثر هذا التحولُ من جهة أخرى فى فكر وممارسةِ الدبلوماسيةِ سواءً فى تقديمِ الخدماتِ القنصليةِ أو الدبلوماسيةِ او فى تبنى «سفاراتٍ رقمية» وليس بالضرورة بوجود مقار أو مكاتب خارجية.
ورغم ذلك، تواجه دبلوماسية التواصل الاجتماعى تحديات، منها تضخيم الرسائل، وإنشاء غرف صدي، ونشر المعلومات الخاطئة، وإمكانية التعرض للاختراق أو القرصنة أو قطع الاتصال بالإنترنت، وإشكالية تحيز الشركات فى التعامل مع المحتوي، وهو ما طرح إشكاليات القوة السياسية لشركات التواصل الاجتماعي، وعدم اعترافها بالأعراف الدبلوماسية التقليدية، أو ما يعرف بالحصانة الدبلوماسية. كما تحتفظ هذه الشركات بالمنشورات الرئاسية بعيدًا عن السجلات الرسمية التى تحتفظ بها لاعتبارات تاريخية وقانونية. وبكون المحتوى الرسمى مصدرًا للمعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر، مما يكشف عن نية أو توجهات القائم به، أو ممارسة التضليل والخداع الاستراتيجى وشن الحرب النفسية، على نحو ما لعبته تغريدات ترامب ضد إيران. وإمكانية أن تؤدى عملية زيادة تدفق المعلومات إما إلى تهدئة التوترات وبناء الثقة أو إضفاء مزيد من التوتر والتصعيد. ومدى تأثير التفاعل الفورى على إحداث أزمات دبلوماسية أو سياسية، خاصة فى وقت الأزمات أو الكوارث.
وهناك تحدٍ آخر يتعلق بالموقف من سياسات المنصات الرقمية فى التعامل مع الحسابات الرئاسية فى حالة انتهاك سياستها بشأن حوكمة المحتوي، وكيفية تحقيق التوازن بين حرية التعبير والحاجة إلى مكافحة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، وتوظيف الحسابات الرسمية فى الحملات الانتخابية وتجاوز مبدأ الحياد أو الصمت الانتخابي، او فى التعليق على نتائج الانتخابات وكيفية تطبيق الحصانة الدبلوماسية عليها وتفرض القدرات السهلة والرخيصة والسريعة لانتشار المحتوى فى شن الحملات المغرضة ضد الدولة، والتى يمكن تحويلها لفرصة لتحديث المنصات الرسمية لمخاطبة الجمهور الخارجي، والأخذ بعين الاعتبار دور الشركاء الجدد من المدونين والفاعلين غير الرسميين، وامتلاك المهارات الرقمية التى تؤثر فى العقول والقلوب فى معركة مفتوحة.
وتوظيف الذكاء الاصطناعى فى تعزيز قدرة المحتوى على الانتشار والجاذبية، وتحديث وتنوع استخدام حسابات المنصات الرقمية المرتبطة بالهيئات المختصة بالإعلام الخارجى والأخرى المعنية بالشئون الخارجية، وتطوير القدرات الوطنية فى مجال البنية التحتية الرقمية، وتعزيز دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة فى رفع الوعى لدى المواطن وكركيزة لصد الحملات الخارجية المغرضة. ورصد المخاطر المرتبطة بالفجوة ما بين التوقعات والإحباطات وما يمثله ذلك من ضغوط على صانع القرار خاصة مع محدودية الموارد.
وبناء قدرات سيبرانية مستدامة فى مجال التأثير وممارسة القوة الناعمة خاصة فى ظل ما تملكه مصر من تاريخ ممتد وسياسة خارجية تعلى من شأن القانون الدولى واحترام سيادة الدول الأخري، وهو الأمر الذى يفرض تبنى خطاب رسمى يعبر عنه بأدوات حديثة ومتنوعة ومرنة وواقعية، وقائم على الشراكة مع المجتمع الدولى من جهة ومع الجهات الرسمية والأخرى غير الرسمية من جهة أخري، وهو الأمر الذى يتطلب تطوير إستراتيجية إعلامية ـــ سيبرانية شاملة تدمج المواطن فى جهود الدولة.