المقالات - الخليج والبحث عن التوازن الإقليمي في قدرات الذكاء الاصطناعي . |
: 9 | |
|
الخميس,4 ديسمبر 2025 - 04:23 م د.عادل عبد الصادق
تشهد منطقة الخليج تحولاً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء على مستوى تبني الاستراتيجيات الوطنية الطموحة للذكاء الاصطناعي وإطلاق مشاريع البنية التحتية الضخمة أو من خلال جذب الشراكات الدولية الاستراتيجية،
|  اضغط للتكبير
|
وتتسابق دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين لدمج الذكاء الاصطناعي في اقتصاداتها. وتؤكد كل هذه التحركات الاستراتيجية في دول الخليج أن هذه التوجهات ليست مجرد أتمتة محلية، بل هي محاولة لتكون لاعباً عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن ثم كان هناك دمج بين تصاعد الاهتمام بالأبعاد المدنية للذكاء الاصطناعي وذلك إلى جانب الاهتمام بالأبعاد الأمنية والعسكرية.
تسعى دول الخليج إلى دمج الرقمنة والذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجياتها لتنويع اقتصاداتها الوطنية، وتقليل الاعتماد الكلي على الموارد النفطية، وتأمين فرص العمل من خلال التوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومواجهة الطلب المتزايد على العمالة في دول الخليج، ولعب دور محوري في أسواق الذكاء الاصطناعي العالمية بما في ذلك التطبيقات العسكرية المستقبلية. تُسجّل دول الخليج أسرع نمو اقتصادي متوقع بناءً على تبنيها للذكاء الاصطناعي، فتتصدر الإمارات العربية المتحدة، تليها المملكة العربية السعودية وقطر ثم إسرائيل. ولكن نصف استثمارات المنطقة تقريباً في الذكاء الاصطناعي من السعودية، ويتوقع أن يساهم بنحو 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
تتمتع دول الخليج بميزة استراتيجية تتمثل في وفرة الطاقة، وهو عنصر حيوي لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ووفرة رؤوس الأموال الضخمة، وإقامة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت الانفتاح المحسوب على التعاون مع شركاء دوليين آخرين، والانخراط في التوجهات العالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمنحها فرصة للدخول بقوة في سباق الذكاء الاصطناعي الإقليمي والعالمي.
وقد حققت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تقدماً فيما يتعلق بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالسماح بتصدير أشباه الموصلات، وبناء شركات مع شركات أمريكية في الداخل، ومن جهة أخرى المشاركة في الاستثمار في شركات خاصة بالذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، وبناء تحالف جديد للتعاون الرقمي في مجال تنمية القدرات في مجالي الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، والاستثمار في التقنية.
ويأتي ذلك في ظل توجه جديد لإحلال مبدأ النفط مقابل الأمن، والذي كان في القرن الماضي، إلى التحول إلى ركيزة جديدة قائمة على "رأس المال والاستثمار مقابل التنمية"، وهو يعني حماية مراكز البيانات بدلاً من التركيز على حماية منشآت النفط. ويأتي ذلك من جهة أخرى بعد تنامي الأصوات المعارضة في الولايات المتحدة لسياسة القيود المفروضة على تصدير الرقائق، والتي تُعتبر نتائجها عكسية. هذه القيود تفتح الباب أمام منافسيها، مثل "هواوي"، لتقديم بدائلها المحدودة ولكنها تشهد تطوراً مستمراً. وتحديداً، تقدم الصين مساراً آخر للتعاون من خلال شركات مثل "هواوي" و"علي بابا كلاود" و"داهوا"، دون شروط سياسية مرفقة.
وبذلك، لا تقتصر الأضرار على تقليص إيرادات الشركات الأمريكية وإضعاف قدرتها على الحفاظ على تفوقها التقني فحسب، بل تتيح للدول الأخرى تطوير قدراتها بمعزل عن النفوذ الأمريكي. وما زالت دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، تواجه مخاطر توفير الاستثمارات الضخمة، خاصة في السعودية وفي منطقة نيوم، وإمكانية تعرض ذلك لمخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي وتداعياتها. ومن جهة أخرى، تواجه دول الخليج تحدياً يرتبط بالعمالة الماهرة، وهي التي تعتمد على جذب العمالة من الخارج. وعلى الرغم من توجهات دول الخليج لتبني الذكاء الاصطناعي السيادي، إلا أنها تواجه تحدي الاعتماد على الرقائق والبنية التحتية الأمريكية، والتي تتطلب موافقة أمريكية قد تؤثر على مستقبل النمو. ويؤثر ذلك في خريطة التوازن الإقليمي من جهة أخرى بظهور دول الخليج كلاعب إقليمي ودولي جديد في الذكاء الاصطناعي، ومن جهة أخرى تأثير ذلك في اتساع الفجوة في دول الإقليم.
|
| |
|