فالمجتمعات في السابق تقدمت حينما عرفت كيف تزرع أو تبني أو تصنع
أما في الوقت الحاضر ارتبط التقدم بمدى القدرة على مضاعفة وتخزين وتحويل كميات كبيرة من المعلومات التي زادت بمعدلات هائلة في السنوات الأخيرة ليتم توظيفها لاحقا في مجالها ومداها لخدمة البعد السياسي سواء أكانت في شكل حكومات الكترونية أو آليات التعبير عن الرأي أو آليات التصويت في العملية الانتخابية أو التنظيم السياسي والمعارضة ، وما احدث ذلك من ثورة في طبيعة ونمط الاتصال بين الحاكم والمحكوم وفي أداء المؤسسات السياسية وفي طبيعة القيم الديمقراطية
وتغير شكل ونمط العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين النخبة والجماهير لتمد لتشكل كافة التفاعلات السياسية التي تتم ما بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والرأي العام والإعلام وعلى قوة الدولة القومية .وكذلك في إعادة تشكيل القوة والثروة بين إطراف المجتمع وبين غيرها من المجتمعات ، وأصبحت الانترنت بمثابة الدم لمجتمع المعلومات الذي يمد النظام السياسي بعناصر وجودة وأدوات اتصاله والتعبير عن تفاعلاته ومخرجاته خاصة مع ارتباط الانترنت بالإعلام الالكتروني الجديد ،
وكان لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات دورا في تحقيق التفاعل والتواصل من اجل غايات وأهداف معينة والتي قد تكون سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، وتكشف العملية السياسية برمتها عن حجم التفاعلات السياسية التي تتم عبر المؤسسات والإجراءات والقيم التي تتحرك داخل النظام السياسي وتشمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وتضم العملية السياسية مجموعه المدخلات التي تؤثر في حجم وكيفية أداء التفاعلات داخل النظام السياسي لتخرج في شكل منتج سياسي يتم تسويقه للرأي العام .
و يعبر النظام السياسي عن تنظيم مجموعة من الفوائد التي تتصل بنظام الحكم في الدولة غايتها تنظيم السلطات العامة فيها وتحديد اختصاصاتها والعلاقة بينها مبنية في الوقت نفسه على حقوق الأفراد وواجباتهم في الدولة، فالنظام السياسي لا يقتصر على ذلك فهو يضم في إطاره مجموعة واسعة من العناصر التي تدير السلطة في المجتمع وعليه فالنظام السياسي بهذا الشكل هو أحد الأنظمة التي تسهم في بلورة أهداف المجتمع. ويتكون النظام السياسي من مجموعة من العناصر مثل القواعد السياسية والوعي السياسي والتنظيمات السياسية والعلاقات السياسية وهذه تتفاعل وتؤثر مع بعضها لتكون نظاماً كلياً للمجتمع.
ويختلف النظام السياسي من دولة إلى أخرى تبعا لقوة الأحزاب السياسية والديمقراطية والمنظمات الوسيطة بصفة عامه ، ويتميز النظام السياسي بأنه يمتلك السلطة الفعلية في المجتمع وأن قرارات النظام السياسي ملزمة للجميع فهو يتمتع باستقلال ذاتي نسبي كما إن للنظام السياسي يمكنه التأثير في المجتمع و توظيف طاقاته من اجل الغايات
ولهذا فأنه يكون في حالة من التفاعل مع باقي أنظمة المجتمع بالرغم من ممارسته السلطة العليا فيه. ويعمل النظام السياسي على تطابق وانسجام الحياة السياسية لعموم المجتمع من خلال الأدوار والوظائف التي يؤديها داخل المجتمع . كما إن النظام السياسي يمكن إن يستغل طاقات المجتمع من اجل توفير درجة بقائه وتدعيم شرعيته واهدافة الذاتية الخاصة بوجوده بعيدا عن الأهداف المجتمعية التي تشكل تحقيقها جزءا هاما من وظائف النظام السياسي .
. وعلى الرغم من وجود مؤسسات جامدة تشكل الملامح داخل النظام السياسي فان العلاقة أصبحت بفعل تكنولوجيا الاتصال والمعلومات داخل تلك المؤسسات تتسم بالمرونة وتشابك العلاقات الاتصالية بينها وكذلك إلى ظهور فاعلين جدد داخل على النظام السياسي بعيدا عن المؤسسات التقليدية والتي تتمثل فيما يطلق علية الإعلام الجديد والذي يعبر عن ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ،ومن ثم فان تلك الثورة قد عملت على إضفاء نوع من الديناميكية على النظام السياسي فيما يسمى "النموذج الديناميكي للنظام السياسي " و هو ذلك النظام الذي لا يتقيد بالحكومة بل انه يتحرك بالتوافق مع الحكومة والإدارة العامة وارتباطهم مع المؤسسات الوسيطة الأخرى ومنظمات المجتمع المجني ويتميز هذا النموذج بدور واضح للإفراد والشركات [1]
ويتميز هذا النموذج بتواجده في المجتمعات الأكثر تقدما في الديمقراطية مثل الدول الغربية، حيث يكون هناك فصل ما بين الدولة والمجتمع المدني وانتشار للقوة السياسية والتميز ما بين الدولة والمجتمع المدني ومستويات الحكومة المحلية ، حيث يتم رؤية السياسة كمجموع الأفعال في المجتمع التي تهدف إلى تنظيم وحكم هذا المجتمع . وقد أحدثت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات انتشار للقوة السياسية داخل المجتمع من قبل فاعلين خارج نطاق النظام السياسي وانتشار نمط جديد من العلاقة بين المؤسسات داخل النظام السياسي ، كما أصبحت صناعه القرار السياسي يدخل فيها فاعلين آخرين غير النخبة السياسية أو المؤسسات السياسية التقليدية له ،
وتعرضت الدولة القومية لتآكل سيادتها تحت الثورة التكنولوجية تعرضت كذلك لفدان السيطرة ذاتها على سياستها الإعلامية والقدرة على تعبئة الرأي العام بمفردها كما كان في زمن الإعلام الموجهة ، حيث أصبح هناك حالة انفتاح للداخل على الخارج وانتقال مجالات التأثير المتبادل بين دول العالم كل هذا عمل على التأثير على قوة النظام السياسي ووضعته إمام ضغوط من قبل أصحاب مصالح غير تقليديين ، كما أن قوة الدولة المركزية قد ضعفت مع تزايد المطالب المحلية من قبل جماعات عرقية أو دينية بما أدى إلى تقاسم الثروة والسلطة .، كما إن بيروقراطية الدولة أصبحت على المحك مع دور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتي أصبحت معوقة للأداء الحكومي ومدخل للفساد.
وأصبح هناك تعددية سياسية على مستوى الفكر أو مستوى القوى السياسية بدلا من الأحادية وسيطرة الحزب الواحد ، بالإضافة إلى إن الانترنت عمل كمؤسسة وسيطة وبرلمان مفتوح لكافة التيارات السياسية والتأثير على درجة الانتماء الأيدلوجي والذي أصبح معوقا للتعبئة السياسية ، ومن ثم ظهر الاتجاه للتعبئة خلف قضايا عامة محلية أو دولية تهم وتمس المصالح الخاصة بالمجتمع الدولي ككل أو داخل الدولة ذاتها .
وأثرت شبكة الانترنت في عمل النظام السياسي سواء ما يتعلق بتوافر المعلومات السياسية أو ما يتعلق بالاتصال السياسي والحشد وتكوين جماعات المصالح والضغط وذلك بتجاوز المؤسسات السياسية الوسيطة بشكل يظهر نظام سياسي جديد يلعب بة الإعلام الجديد دور في التوزيع الجديد للقوى مع تبني تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ودورها في التأثير على هيكل القوة السياسية والفرص المتاحة للمشاركة في عملية صنع القرار والتأثير على المواطنة والإدارة المدنية وبشكل فرض تساؤلات حول ماهية المؤسسات التي تتحرك وتتفاعل الكترونيا عبر الانترنت وطبيعة الوظائف التي تقوم بها ودور المواقع السياسية عبر الانترنت في تعظيم نقل المعلومات والاتصال الفعال ودورها في فاعلية النظام السياسية وديناميكيته وطبيعة الأسباب التي تقف وراء اتجاه النظام السياسي ليلعب الكترونيا وينتقل إلى الفضاء الالكتروني واثر ذلك على طبيعة تطور النظام ودعم الإصلاح السياسي بداخلة.
ومن ثم أصبح هذا النظام السياسي الجديد إن هو إلا مراه لنظريته في الواقع المادي وما يكون قد طرا على من تغير في سماته وخصائصه ووسائط تفاعله وطريقته حيث يكون امتداد للمجتمع المدني والأحزاب السياسية وجماعات المصالح والحركات الاجتماعية والإعلام الجديد وحركات المعارضة كل ذلك كمؤسسات وسيطة بين الدولة والمواطن[2]،و هذه المؤسسات يمكن إن تقدم المطالب النهائية للمواطنين تجاه السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والتي يتم أخذها في الاعتبار في خطة عمل الحكومة وفي هياكل تنفيذها ليتم بعد ذلك التغذية العكسية في الرأي العام تجاه تنفيذ هذه المطالب والشعور بالرضا تجاه قرارات الحكومة بما ينعكس على درجة الشرعية السياسية
و ليتم بعد ذلك إنتاج مطالب جديدة تجاه النظام السياسي . هذا بالإضافة إلى استغلال هذه الوسيلة بشكل جيد من خلال كثير من قوى المعارضة والأحزاب السياسية والتيارات المناهضة للنظام وجماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في كشف الكثير من الممارسات التي تعتبرها هذا الجماعات خاطئة والضغط على السلطات للتحرك باتجاه الاستجابة لمطالبهم. واعتمدت لتلك التيارات المعارضة في نجاحهم على إنشاء مواقع ( إخبارية ) خاصة بهم و البريد الالكتروني لتوزيع نشراتهم الإخبارية اليومية على مجموعة كبيرة من مستخدمي الانترنت من قبل جماعات حقوق الإنسان وقوى المعارضة ، وأحزاب وحركات متعددة الاتجاهات والأهداف
والتي تحمل البيانات والإخبار وتناول أي موضوع يخدم أهدافها ، ومثلما قوبلت الطباعة بالرفض والتشدد عندما بدأت انتشارها بين نهاية القرن الخامس عشر وحتى القرن الثامن عشر ، يكون الانترنت وسيلة سهلة الاستخدام بأيادي جماعات الضغط المتعددة لممارسة الضغوط على الحكومة والنظام ، الأمر الذي يجعل الحكومة في مشكلة حقيقية في كيفية مواجهة هذه القوة الكبيرة المنفلتة من زمام السيطرة. وهذه القوة الإعلامية الجديدة يمكنها إن تنقل الكثير من الأحداث وكشف التجاوزات من خلال وسائط إعلامية متعددة سواء ما يتعلق بالحكومة أو المجتمع بما يؤثر على الرأي العام بصفه عامه
ومن ثم تصبح وظيفة الحكومة في غاية الصعوبة أو من المؤكد إن تكون مستحيلة، في مراقبة وضبط كل هذه الإمكانيات الهائلة وتحجيمها في إطار المسموح وغير المسموح في القوانين الوضعية.
ولكن في النهاية سيكون تأثير الانترنت من خلال كونها وسيلة إعلامية غير مقيدة ، ايجابيا وسيدعم تعزيز الديمقراطية ويلعب دورا مهما في نشر ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر ، وممارسة الرقابة ومحاربة الفساد وتحديد مواطن الخطأ وكل هذا لا شك بأنه سيحسن من الحياة السياسية بالاتجاه الذي يخدم المصالح الوطنية.
ويظهر تأثير شبكات المعلومات على هيكل النظام السياسي من خلال دور الانترنت في توفير أدوات للتأثير على الرأي العام وما يتم توفيره من معلومات تدفع النظام السياسي إلى التغيير بما يتوافق مع هذه الضغوط بالإضافة إلى دور الانترنت في التأثير على القيم المحلية التي تشكل وجه النظر تجاه النظام السياسي
كما إن ظهور الجدل العام هو التأثيرات السياسية لشبكات المعلومات مرتكزا على دورها في الديمقراطية وتطورها وكذلك في هيكل النظام السياسي ودورها في تمكين ذلك الهيكل من التغيير الفعال الذي يتلاءم مع المطالب والضغوط ، بما يعزز من وظائف النظام السياسي [3]،وكذلك جعلت هناك درجة عالية من التنظيم من قبل القطاع العام أو الخاص ، بما ساعد ذلك في عملية صنع القرار والسياسة ألعامه ، والمفاوضات السياسية والتفاعلات بين المنظمات المختلفة وجماعات الضغط في مواجهه الراى العام .وذلك في إطار تأثير الشبكات المعلومات العالمية على القيم المحلية والثقافية [4].
وأصبح تأثير شبكات المعلومات على هيكل النظم السياسية تظهر في قلب تفاعلات النظام السياسي باعتباره مكون أساسي لمجتمع المعلومات ومن ثم أصبح لشبكات المعلومات أهمية فنية واقتصادية وسياسية ، ومن ثم فان تلك الشبكات وعلى الأخص الانترنت عمل على تغيير بيئة عمل المجال السياسي العام وادي لظهور دور سياسي للانترنت في العديد من المظاهر لعل أهمها في جماعات المصالح والجماعات السياسية الجديدة والفاعلين الآخرين داخل التنظيمات السياسية والتي تعمل لكي يتم التوافق ،
وأعاده الهيكلة مع الطابع الرقمي للانترنت لكي يتم الاستفادة القصوى من هذه الشبكة ، ويتوقف مستوى تأثير شبكات المعلومات على الهياكل السياسية والديمقراطية على درجة مساهمتها في تشكيل المنظمات ومدى استخدامها .
كما إن شبكات المعلومات تكون جاذبة للقطاع العام والخاص نظرا إلى مرونتها وسرعتها حيث بإمكان شبكات المعلومات دعم المنظمات وقدرتها على التفاعل بدرجة عالية مع المنظمات الأخرى في نظام سياسي تعددي ، وكما يكون الأعضاء في المنظمات المتعددة لديها القدرة على التعبير عن أرائهم ومصالحهم بطريقة مباشرة تجاه الحكومات والسلطة التشريعية عن طريق الشبكات الالكترونية .
وهذا ما يمثل في الوقت نفسه ممارسة ضغطا غير مباشر على هذه المنظمات لإصلاح هياكلها الداخلي و المؤسسي من اجل دعم قرتها على الاستجابة والفاعلية في مواجهه المطالب والضغوط .
وقد أدت التطورات التكنولوجية إلى لامركزية السياسية وانتشارها داخل المجتمع وانتقالها من الدور المركزي للدول القومية بمؤسساتها سواء الحكومية والإدارة العامة إلى فاعلين آخرين من خلال أو بدون مؤسسات النظام السياسي التقليدية
وانتشرت السياسة في المجتمع المحلي لتتجاوز الحدود السيادية للتواصل مع الخارج تتفاعل معه وتتأثر به ، ومن ثم فان فان النظام السياسي أصبح متعدد المراكز والتي ترتبط بشبكة علاقات ترابطية عن طريق تكنولوجيا الاتصال والمعلومات .5]
وأصبحت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تساهم في تشكيل علاقات السلطة وما بين الفاعلين والمؤسسات وأصبحت عملية نقل السياسة هو نقل للسلطة من الحكومة إلى الإدارة العامة فعلى الرغم من أنة مازال ينظر إلى الحكومة على أنها هي أساس صنع القرارات السياسية وصنع السياسة العامة إلا أنها في الواقع لم تعد هي الوحيدة بل أصبح هناك قوة إضافية للتنفيذيين على حساب البيروقراطية التقليدية للإدارة ، كما ساعدت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في تقوية الطابع المستقل للإدارة العامة في علاقتها مع الحكومة. وارتفاع دور المؤسسات المالية السياسية الوسيطةمتعددة الجنسيات وجماعات المصالح والمنظمات الدولية التي أصبحت تستخدم تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في جمع المعلومات وممارسة المزيد من الضغط على الحكومات بالإضافة إلى المساعدة في نمو المجتمعات المحلية وانتشار الطابع اللامركزي للإدارة .
http://www.gw.utwente.nl/vandijk/research/e_government/
e_government_plaatje/models_of_democracy1.pdf
Pippa Norris," Digital Divide: Civic Engagement, Information Poverty, and the Internet Worldwide, Part II. The Virtual Political System: chapter 5 "
Theories of digital democracy,", Cambridge University Press, 2001,pp1-22
[3]Raymund Werle," The Impact of Information Networks on the Structure of Political Systems",
[4]Christophe Engel Kenneth H.Keller (eds.):Understanding the Impact of Global Networks on Local Social, Political and Cultural Values", Lorenz Müller
" Global Networks and Local Values" , Law and Economics of International Telecommunications [42]),Baden-Baden (Nomos) 2000 , 284-316pp