الدوريات - قضايا استراتيجية موقع ويكيليكس...وتحدي عالم الاستخبارات الأمريكي |
: 139 | |
|
الخميس,15 سبتمبر 2011 - 08:21 ص عادل عبد الصادق
تسبب الكشف عما يزيد على 250 مليون وثيقة سرية عسكرية أمريكية سربها موقع ويكيليكس على الانترنت حول خفايا الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق حرجا كبيرا للإدارة الأمريكية وبخاصة أجهزتها
|
|
تسبب الكشف عما يزيد على 250 مليون وثيقة سرية عسكرية أمريكية سربها موقع ويكيليكس على الانترنت حول خفايا الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق حرجا كبيرا للإدارة الأمريكية وبخاصة أجهزتها الاستخباراتية الأقوى في العالم ،وهو الأمر الذي طرح تساؤلات داخل الإدارة الأمريكية وخارجها حول كيف تم التسريب لتلك المعلومات وكيفيه حماية ما تبقى منها؟وماهو دور الانترنت في عملية التسريب ؟ ومدى ما مثلة ذلك من أخطار جديدة للأمن القومي الأمريكي ؟ الانترنت في عمل الاستخبارات الأمريكية دفع عجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية في إحباط أحداث 11 سبتمبر 2001 وبروز مشكلات في تبادل المعلومات والتنسيق بين اجهزتها المختلفة الى ان تتجه الولايات المتحدة لتحسين طرق عملها و تبادل المعلومات عبر الانترنت - الذي كان بالأساس شبكة داخلية عسكرية - فيما بينها وحماية امن الشبكات الالكترونية. وقامت الولايات المتحدة بإجراء مناورات الكترونية سنوية لاختبار جاهزيتها لمواجهة الأخطار المحتملة، وأنشئت موسوعة على الإنترنت "انتيليبيديا " في ابريل 2006 للمساعده في إحداث تغيير جذري في ثقافة أجهزة الاستخبارات الأمريكية بتعميم وتشارك المعلومات وانتقالها بسهولة بين أجهزتها وموظفيها فقط ، وظهر التحول من مجرد الاستعداد لمواجهة المخاطر و معالجتها الى النمط الاستباقي والوقائي ، والحيلوله دون معرفة نقاط الضعف داخل النظام المعلوماتي الأمريكي، وتم إنشاء موقع سري شبيه بموقع"My Space" وموقع Facebook" "، لتبادل المعلومات والأخبار والربط بين عملاء الأجهزة الاستخباراتية. وفي 22 سبتمبر 2008 تم إطلاق موقع أمريكي استخباراتي يسمى بـــ"A-Space "، وترسل كل وكالة استخباراتية التقارير لضمان الحماية ضد المتسللين، ويوجد برنامج "ويكيسكانر" لتتبع مصدر المواد التي يحررها مستخدمو ويكيبيديا تايع لوكالة الاستخبارات الأمريكية لتحرير المواد وإزالة بعضها ، ويقوم هذا البرنامج على مسح ما يقرب من خمسة ملايين وثلاثمائة ألف عملية تنقيح أو إضافة ويتقصى مصدرها ليصل لعنوانها الالكتروني على الإنترنت. وأطلقت الإدارة الأمريكية حملة سرية تقضي بزرع مواقع على الإنترنت وعناوين بريد الكتروني وهمية بهدف إرباك المنظمات "الإرهابية " وزرع الشقاق والشك في صفوفها ومراقبة الإنترنت بما في ذلك رسائل البريد الالكتروني والملفات التي يتم تبادلها عبر الشبكة للحماية ضد تصاعد الهجمات على أنظمة الكومبيوتر في المؤسسات الفيدرالية ، وتقوم وكالة الأمن القومي الأمريكي بمراقبة طائفة واسعة ومعقدة من أنظمة الاتصالات الخارجية، وتعمل على توسيع دورها في تعزيز الأمن الإلكتروني.وتوج ذلك بإنشاء قيادة عسكرية لحماية شبكات الاستخبارات الأمريكية الالكترونية من الاختراق في يونيو2009 .وجاء ذلك مع تزايد الاهتمام بالبعد الأمني لشبكة الإنترنت واستخدمه من قبل الفاعلين من الدول وغير الدول كالجماعات الإرهابية وحتى من الأفراد سواء المحترفين والهواة منهم . موقع ويكيليكس وحرب المعلومات وأتاحت خصائص الانترنت الهائلة التي تعلقت ليس فقط بتوافر المعلومات والمعرفة بل أيضا بوجود أدوات هدفها هو التنافس حول الحصول على المعلومه أما بطرق طوعيه بنشرها من المصدر مباشرة أو بشن هجمات القرصنة للحصول عليها عنوة، وعلى هذا المنوال جاء دور جوليان اسانج " الهاكر ذو السمعة العالمية بتأسيس موقع ويكيليكس عام 2006 بدعم من منظمة دولية غير حكومية مقرها السويد ودشن رسميا عام 2007 ، وتبنيه مبدأ الحق في المعرفة وتبادل المعلومات دون معرفة هوية المصدر ودون تعريضه للخطر، وواجه الموقع في سبيل ذلك العديد من التحديات القانونية والإعلامية والسياسية في سبيل الحفاظ على قيمة تلك . وبدأ الموقع كساحة للحوار بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت من أنحاء متفرقة من العالم مدفوعين بحرصهم على احترام وحماية حقوق الإنسان، واقتناعا منهم بأن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هو كشفها وتسليط الضوء عليها،وتشجيع العاملين في الحكومات في أنحاء العالم لتسريب أدلة عن الفساد والظلم. ونشر الموقع وثائق سرية "رسمية " حكومية بما اعطاه الشهرة الأوسع فضلا عن تمكنه من ضم العديد من المتعاونين من أنحاء مختلفة بضم 800 متطوع يعملون بشكل جزئي ويوجد لدية عشرة الاف "مؤيد". ويعتمد ويكيليكس على أجهزة خوادم في العديد من الدول تعطي قوانينها المزيد من الحماية للتسريبات. ويتم استخدام اتصالات مشفرة في نقل وإرسال المعلومات والتحقق من صحتها قبل نشرها، ونشر الموقع العديد من التسريبات بعد إطلاقه الى أن قام بنشر الوثائق التي تؤكد فشل الإدارة الأمريكية في سياستها الخارجية وجذبت تلك الوثائق اهتمام إعلامي خاصة بعد توزيعها في صحف نيويورك تايمز والجارديان ومجلة دير شبيجل وهدف الموقع من ذلك إحداث تأثير وانتشار عالمي لها وتلافي النقد الذي كان قد وجه الية بعد أذاعه شريط فيديو لهجوم شنته طائرة هليكوبتر أمريكية في العراق عام 2007 ،وفي غضون دقائق من نشر الوثائق الجد يده على شبكة الانترنت ظهرت موضوعات أخرى ذات صلة على المدونات والمواقع الإخبارية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية ومواقع الشبكات الاجتماعية. وجاء رد الفعل الامريكي مرتبكا وخاصة بعد ما كشفت عنه الوثائق من ارتكاب جرائم حرب وفشل عسكري ذريع وتخبط الادارة الامريكية في معالجة الموقف العسكري المتدهور،بما جعل البيت الأبيض يدين نشر الوثائق ووصفه لها بأنها عمل غير مسئول وغير أخلاقي،وطالب السيناتور الديمقراطي الأمريكي جون كيري بمراجعة واقعية لتلك الحرب ،وتعد تلك الوثائق واحدة من أكبر التسريبات في تاريخ الجيش الأمريكي الهوس الأمني وضعف الفاعلية أدت عملية تضخم الجهاز الاستخباري الأمريكي سواء من حيث الأجهزة أو الأشخاص او الأموال المخصصة لصعوبة السيطرة على عملية تدفق المعلومات وانتقالها بسرية ،وأصبح من الاتساع والضخَامة والسرية الى ان وصلت لمستويات عير مسبوقة تاريخيا بنحو 854 ألف شخص يحملون تراخيص أمنيَّة بالغة السرية و1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة والعمل في عشرة آلاف موقع داخل الولايات المتحدة، و51 مؤسسة فيدرالية ومركز قيادة عسكريه تعمل في 15 مدينة أميركية . وتتشارك وكالات التجسس الداخلية والخارجية في 50,000 تقرير استخباراتي كل عام يتضمن تحليل الوثائق والمكالمات. وتم إعادة تشكيل وإنشاء ما لا يقل عن 20 % من المؤسسات الحكومية القائمة ،وازداد موظفي وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع من 7500 موظف عام 2002 إلى 16,500وتضاعفت ميزانية وكالة الأمن القومي التي تقوم بعملية التصنت الإلكتروني، وارتفع عدد فرق عمل مكافحة الإرهاب الـ35 التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى 106. وجاء ذلك في مواجهة اولا: نمو حجم التهديد للمصالح الأمريكية في الخارج للقيام بعمليات سرية خارجية بما تطلب إقامة شبكة عملاء خارجية لامركزية بما اضعف السيطرة عليها ، وثانيا نمو عدد من يشبه بهم بالإرهاب في الداخل وخاصة من حاملي الجنسية الامريكية ، وثالثا نمو النشاط ألاستخباري للدول الأخرى كروسيا والصين وإسرائيل في الولايات المتحدة ، كل ذلك مثل ضغطا هائلا على الأجهزة الاستخباراتية الى جانب المعاناة من الاتساع الفجائي في النشاط والغير مبني على معرفة فعلية بحجم الأخطار .فضلا عن تعثر الادارة الامريكية عسكريا في افغانستان والعراق . واتاح استخدام الانترنت في عمل الاستخبارات الأمريكية في تبادل المعلومات بين أجهزتها المختلفة بل وبين الدول الحليفة وفي تجنيد العملاء إمكانية قيام قراصنة بالاختراق وسرقة المعلومات وخاصة مع : اولا : اعتماد اجهزة وعملاء الاستخبارات الأمريكية على الانترنت في تبادل المعلومات بينهم سواء عبر البريد الالكترونية او عبر المواقع الخاصة بهم او عبر الشبكات الداخلية . ثانيا : ادت الازمة المالية العالمية لتعرض بعض مهندسي الكمبيوتر للبطالة بما دفعهم لاستغلال قدراتهم في عملية الاختراق والقرصنة مع ضعف إجراءات الحماية للشبكات الأمريكية وتعرضها للعديد من الاختراقات من جانب افراد ودول. ثالثا : أدى عدم اقتناع بعض العناصر داخل الاستخبارات الأمريكية بجدوى الحرب الأمريكية على الإرهاب الى محاولة فرض خيار الانسحاب على الإدارة الأمريكية، فضلا عن تململ الجنود الأمريكيين من الحرب ورغبتهم في وضع نهاية قريبة لها وتوفير غطاء إعلامي لانسحاب أمريكي من أفغانستان كما كان الحال إبان الحرب في فيتنام. رابعا : أدي نمو عدد المتضامين مع حركة الحرية العالمية والمعادين للسياسة الأمريكية لبروز متطوعين عالمين من ذوي الخبرة في مجال القرصنة يريدوا ان يساهموا على نحو فعلي بفضح السياسية الأمريكية والانشقاق الداخلي حول معالجتها. اكتواء بنار الحرية والانترنت على الرغم من كون الانترنت اختراع أمريكي بالأساس إلا انه أصبح مصدر خطر للأمن القومي الأمريكي ، وهو ما فرض على المسئولين الأمريكيين إعادة النظر في تبادل المعلومات عبر الانترنت بين الأجهزة الاستخباراتية او على الأقل تشديد الحماية ضد محاولات الاختراق التي قد يقوم بها القراصنة لسرقة المعلومات سواء عبر البريد الالكتروني او باختراق الأجهزة الحساسة أو بفتح تحقيقات موسعه حول مصادر التسريب . وفرض ذلك على أوساط الاستخبارات والوكالات الأمريكية العمل على رفع وعي العملاء التكنولوجي والاستناد لشركات خاصة للحماية وبخاصة الأدوات والبرامج الداخلية التي تسمح بتقاسم المعلومات ، وبرمجة أجهزة الكمبيوتر لتنطفئ اتوماتيكيا عندما يتم تحميلها بكميات كبيرة من المعطيات، أو تجهيزها بنظام يسمح بتسجيل كل ما يطبع على لوحة المفاتيح لتوفير نوع من الرقابة الداخلية على عملاء الأجهزة . وتواجهه محاولات حجب الموقع او تعريض مسؤولية للملاحقة القانونية تحديات تتعلق بكونه يتفق مع الحق في المعرفة وحرية التعبير وتبادل المعلومات وهو ما يحظي بإجماع قطاع عريض من الرأي العام الامريكي والدولي،ويمتلك الموقع شبكة من ناشطي حقوق الإنسان ومحامين للدفاع عن المواد المنشورة ومصادرها.وكان قد حصل على حكم قضائي من المحكمة العليا بالولايات المتحدة برأته من أي مخالفة عندما نشر"أوراق البنتاجون" الخاصة بأسرار حول حرب فيتنام. ونجح ايضا في استصدار قانون من البرلمان الأيسلندي يحمي مسربي المعلومات للإنترنت بالإجماع ليس فقط في أيسلندا بل عالمياً وإمكانية حصولهم على حق اللجوء السياسي. وعبرموقع ويكيليكس عن ثورة الاعلام الجديد الذي اوجد فاعلين جدد في الساحة الإعلامية والصحافة الاستقصائية وهو وما يعمل على نمو الدور الرقابي للرأي العام العالمي علي الحكومات وخاصة مع تمكن أي فرد سواء أكان عسكريا أو مدنيا بأن يكون ناشرا وإعلاميا عبر الانترنت ، وهو ما يفرض على أجهزة الأمن القومي التدريب وبث الوعي لدى عملائها بالتعامل مع الأدوات الجديدة وبأهمية الحافظ على السرية فضلا عن أهمية الشفافية في أداء الأجهزة الحكومية، وخاصة مع صعوبة السيطرة على ثورة المعلومات والتي جعلت من العالم أكثر قربا و تواصلا وأصبحت المعلومات سمة أساسية للعصر الحديث وساحة للتنافس ورمزا للقوة لمن يكتسبها . نقلا عن ملف الاهرام الاستراتيجي ، اكتوبر 2010
|
|
|