على الرغم من قله عدد المدونات نسبيا في مصر، حيث لا تزيد عن ألفي مدونة، فإن لها دورا بارزا في إثارة العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية و السياسية، وأخرها ما أثير عن مسألة التحرش الجنسي في وسط القاهرة أول أيام عيد الفطر الماضى، وهو ما أثار ردود أفعال كثيرة حول هذه الواقعة بأبعادها المختلفة وخاصة بُعدها الأخلاقي، حيث نشرت العديد من المدونات حول الواقعة، وبعضها كان مثيرا وصاخبا من حيث معالجته للواقعة ودلالاتها المختلفة. وقد عكس ذلك تصاعد دور الإنترنت فى إثارة العديد من القضايا المتعلقة بالحراك السياسي والاجتماعي وعلاقتها بالتحول الديموقراطي في مصر ومفهوم المواطنة وقضايا اجتماعية وسلوكية عديدة أخرى. وتثير المدونات تساؤلات عدة منها مدى تأثيرهاعلى الصحف الورقية الرسمية او شبه الحكومية أو المستقله ؟وهل اصبت بديلا لوسائل التعبير التقليدية الأخرى مثل المظاهرات والاحتجاجات؟، وهل تحولت المدونات إلى أداة للتعبير عن الراي العام بعيدا عن الرقابة المعتادة أم تحولت إلى منفذ للتأثير على توجهات الرأى العام؟،
وإلى أى حد يمكن للوسائل الأمنية أن تحد منها، وما هو مستقبلها ومعايير نجاحها في ضوء ما تفرضه من تحديات للنظام السياسي وعلاقة ذلك بمؤشر الحرية السياسية والتحول الديموقراطي ؟. تفاعل مع قضايا الشارع أصبح للإنترنت دوراً مؤثراً على المجتمع المصري وعلى بنيته الثقافية والاجتماعية،
كما أصبحت تمثل تحديا لوسائل الإعلام الرسمية، حيث أضحت الصحافة الإلكترونية والمدونات واستطلاعات الرأي التى تجريها المواقع المختلفة وغرف الدردشة الافتراضية متنفسا للرأي العام المصري من أجل المشاركة والتعبئة. وذلك لما تتميز به المدونات من قدرة الفرد على أن يحرر لنفسه صفحات على الإنترنت أو يشترك في موقع ويكتب فيه ما يشاء، أو يتبادل الصور أو يقوم بتحميلها من مواقع أخرى للاستفادة منها فى صنع مادة وتغطيه إعلامية خاصة به، فى الوقت الذى يتمتع به بمساحة من الحرية غير المقيدة فى اختيار الموضوع وتحرير النص وضبط الحجم وتوقيت النشر، فضلا عن سهوله وضعها على الشبكة الدولية بدون تكلفة تقريبا، والاهم بعيدا عن أى نوع من الرقابة المعمول بها فى المجتمع. فالحادثة التى جرت أحداثها في وسط القاهرة وما أثارته من نقاش عام، ليست الأولي التي تفاعلت معها المدونات بطريقة جريئة، فقد لعبت المدونات دورا مماثلا وهاما في بعض القضايا المحلية كقضية الاعتداء على كنيسة الإسكندرية وحادثه بني مزار وحوادث تصادم القطارات. أما على الصعيد الدولى فكان للمدونات دوراً كبيراً فى إدانة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول الكريم وفى تعبئة الشارع الإسلامى ضد هذه الإساءات. والمدهش هنا أن تلك الإساءات أو غيرها من الحوادث المشابهة كانت تحدث في السابق دونما أي تأثير يذكر، وكان يتم احتوائها فى النطاق المحلي.
غير أن الإنترنت، إضافة إلى وسائل الإعلام الفضائية الأخرى، ساعدت فى سرعة الكشف عن هذه الأحداث دون النظر إلى أهميتها النسبية محليا أو دوليا.
وهكذا أصبحت استجابة مواقع الإنترنت مؤثرة في عمليات التفاعل والتعبير عن الاتجاهات، وفى صياغة المضمون المعرفى والثقافي، وفى تنظيم الصلات والعلاقات لدعم أشكال التعبير المختلفة عن البيئة الاجتماعية وما يجرى فيها. ويعود ذلك إلى طبيعة الإنترنت ذاتها كوسيلة اتصال رخيصة التكلفة. من جانب آخر، فقد أفضت مدونات الإنترنت على القضايا الاجتماعية والسياسية التى تتناولها نوعا من الخيال والرمزية، وفى بعض الحالات تكبير حجم مجريات الأحداث، بحيث أصبحت المدونات اكثر من مجرد وسيلة لنقل خبر أو تعليق عليه، وإنما أيضا إثارة ردود أفعال متتالية عليه ونشرها على نطاق واسع .
أنواع المدونات
ولعل متابعة نماذج من المدونات المنشورة على الإنترنت يكشف عن قيام شريحة الشباب وكذلك المراهقين، وهم النسبة الأكبر، باستخدام هذه الوسيلة للتواصل وتبادل المواد الإعلامية فى البداية، ثم تطورت لتصبح وسيله يستخدمها السياسيون وناشطين من اتجاهات مختلفة للتعبير عن مواقفهم خاصة الاحتجاجية ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية، ولنشر آرائهم وطموحاتهم بعيدا عن الاصطدام المباشر بالواقع سواء أكانت فى شكل سلطة أبوية أو محدودية مساحة الحرية داخل المجتمع أو ضعف القدرة للوصول إلى منافذ التعبير التقليدية، أو لإعتبارات تتعلق بما توفره المدونات من قلة التكلفة وسهولة استخدامها وتحديثها وانتشارها. وتنقسم المدونات إلى عده أنواع تبعا للهدف من استخدامها وكذلك للقائمين عليها، وأخذت تلك المدونات عدة أسماء تميزت بالبساطة، كأن تعكس موقفا من قضية عامة، أو شعار أو اسم تاريخى، وبما يسمح بالإفلات من الرقابة وعدم التعرف على شخصية كاتب المدونة.
وقد تأخذ المدونات أحد الأشكال التالية:
1. مدونات ساخرة تعمل على إضفاء طابع كوميدي على الواقع من خلال رسائل معينه تأخذ أشكالا متعددة سهلة الانتقال والتواصل والفهم، ومنها التعبير عن موقف من النظام السياسي في شكل نكته أو رسم كاريكاتير أو تلاعب بالألفاظ والعبارات أو استخدام برامج الكمبيوتر لتكون صورا ساخرة لشخصيات سياسية.
2. مدونات متمردة: تحاول التمرد على الواقع في محاولة لتغييره، ويتم استغلال كافة الأدوات الإعلامية التي توفرها المدونات من اجل حث الشباب والمتصفحين لاتخاذ موقف محدد تجاه قضية معينة، وتحاول أن تقدم رؤية مغايرة لما يتم تداوله في الصحف ووسائل الاعلام الرسمية
3. مدونات عشوائية الهدف: حيث يتم عرض مادة ضعيفة ومتنوعة ولا تكون لها رؤية واضحة، وهى عبارة عن أشياء متناثرة ليس لها أي قيمة ثقافية أو معرفية حيث يتم الاستغراق في تفصيلات لا تهم بالضرورة كل قارئ لها أو باحث عن معرفة.
4. مدونات ذات طابع شخصي : حيث تتعلق بسرد مذكرات شخصية لتدوين الأحداث المهمة في حياتهم، أو تعبيرات عابرة بخصوص موقف أو قضية ما، أو قصص روائية أو قصائد شعرية. ومن ثم تكون ذات طابع فردى فى الاهتمام والمحتوى.
5- مدونات تخدم على مصالح حزبية سياسية او دينية حيث تنقل صوره موقفها وافكارها وموقفها من النظام السياسي والحريات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها . المدونات كمؤشر للحرية هذا التنوع والانتشار فى المدونات على الإنترنت، دفع بعديد من المؤسسات الدولية إلى اعتبارها مؤشرا من مؤشرات الحرية فى المجتمع، واعتبار الدول التى تعوق انتشار هذه الوسيلة دولا مناهضة للإنترنت حسب وصف قائمة أصدرتها منظمة العفو الدولية،
شملت 13 دولة على مستوى العالم، كان منها دول عربية كمصر والسعودية وسوريا وتونس. ووفقا لمنظمة العفو الدولية فإن انتشار أو حجب المدونات يعبر عن طبيعة وجدية الإصلاح السياسي في تلك الدول، ويعكس حجم ما تتيحه الإنترنت من حرية الرأي والتعبير وأداء النظام السياسي، كما يؤشر إلى درجة رضاء المواطنين. وهكذا، كما تتدرج الدول في درجات الحرية واحترام حقوق الإنسان اصبح موقف الدولة من المدونات يشير إلى درجة تمتعها بالديموقراطية، وهو ما دخل ضمن محور جديد لما يسمى بالحقوق الرقمية كحق من حقوق الإنسان المعاصر. وعندما يتم رصد حالات الاعتقال للمدونين ومسألة حجب مواقع المدونات، ينظر إليه على اعتداء على حرية الرأى والتعبير. ومن جانب آخر فإن نجاح المدونات يرتبط بعدد المتصفحين للمدونة،
فكلما تضمنت المدونة العديد من القضايا والأفكار كلما استطاعت أن تكتسب قدرا أكبر من الجمهور مقارنة بغيرها . وهناك مؤشرات أخرى للنجاح للمدونة كدرجة المصداقية وتناولها لكافه الآراء، وتزايد أعداد المعلقين على محتواها ومشاركتهم في المادة التحريرية. فمسألة لجوء المدونة إلى التضخيم غير النزيهة يقلل من ثقة الجمهور فيها ، حتى ولو التف حولها في البداية بدافع الإثارة، فإنه يتحول عنها عند إدراكه قلة المصداقية فى محتواها. ويمكن القول أن هناك درجه تأثير وتأثر بين ما يتوافر للناس من درجات الحرية والمشاركة فى أشكال الاحتجاج المعتادة كالمظاهرات والاعتصامات وبين اللجوء إلى أدوات أخرى اكثر حداثة وفاعلية كالمدونات، التى باتت تستخدم أيضا كوسيلة من وسائل الحشد والتنسيق بين الفاعليات السياسية المختلفة فى الشارع. تحدى جديد فى ضوء ما سبق يمكن رصد عدد من الملاحظات كالتالى
: أولا: أن بعض المدونات لا تعبر عن أولويات المجتمع وقضاياه الكبرى، بما يجعلها أقرب إلى خداع الناس منها إلى التعبير عن همومهم. و مثل هذه النوعية من المدونات توظف كثيرا من وسائل الخداع سواء في الصور أو الموضوع، مما قد يؤدي إلى إثارة الرأى العام وراء قضية فرديه تم تصويرها كقضية رأى عام، الأمر الذى يربك تحديد أولويات المجتمع ومشاكله. ثانيا: أن سلوك الدولة أحيانا الرافض لأنواع من المدونات لاسيما التى تحمل انتقادات سياسية لاذعة، يؤدى بأصحابها إلى التعرض للملاحقات الأمنية وربما القضائية. ومثل هذا السلوك يعنى استمرار الدولة فى إثبات سيطرتها على مواطنيها من خلال ممارسه الرقابة على مدونات الإتنرنت، واستغلال حرية التعبير التي توفرها الإنترنت كعامل كاشف للحركات والأفراد المناوئين للنظام السياسي،
حيث تصبح المفاضلة هى الأمن على حساب الحرية الشخصية للأفراد. ثالثا : أن المدونات تمثل ما يمكن أن يطلق عليه إعلام بديل لوسائل الإعلام التقليدية، ومنها الصحف. ويلاحظ أن بعض الصحف أخذت تعيد نشر بعض المواد المنشورة فى المدونات استغلالا لهامش الحرية الأكبر الذى تتمتع به هذه المدونات، مع وضع المسئولية على كاتب المدونة، التى عادة تكون بلا توقيع أو ربما توقيع زائف. وهنا تثور قضية الملكية الفكرية لأصحاب تلك المدونات. ومن هنا يقترح البعض تشكيل كيان ما فى صورة نقابة أو جماعة قانونية تعمل على الدفاع عن مصالح المدونين وعن حرية التعبير لأعضائها. رابعا: أن المدونات تكشف عن شكل جديد من أشكال التفاعل بين الأفراد والمجتمع، وتوفر أسلوبا غير تقليدى للوصول إلى المعلومة.
ومن ثم يمكن القول ان المدونات بصفة خاصة والإنترنت بصفة عامة اسهموا فى التأثير على احتكار بعض الفاعلين التقليديين للمعلومات، حيث اتسعت دائرة الوصول إلى المعلومات دون اللجوء إلى المؤسسات التقليدية التى كانت تستمد دورها المحورى في نشر المعلومات، كدور النشر والمطابع والإعلام المسموع والمرئى ومن هنا تواجه هذه المؤسسات تحديا كبيرا قد يفقدها دورها فى صناعة الثقافة فى المجتمع إن لم تطور طريقة أدائها ولم تعمل على توسيع هامش الحرية الذى تعمل فى إطاره. خامسا ان المدونات اصبحت كغيرها من وسائل الاعلام التقليدية تعكس موقف النظام السياسي منها واصبحت تقاس درجة الحرية التي تتوافر لها كمؤشر للحرية السياسية والانفتاح السياسي والتحول الديموقراطي ، ومن ثم فانه كلما توافرت درجات للحرية اكبر للمدونين كلما عبر ذلك عن اتجاه النظام السياسي نحو التقدم في حرية الراي والتعبير ، وتطرح مسالة التعقب للمدونيين واعتقالهم او حجب مدوناتهم اشكالية اخرى وهي ان الدولة بشكلها الرسمي لم تعد تحتكر ادوات الراي والتعبير وهذا ما يساعد في الكشف السريع لموقف الدولة من الحرية السياسية .
* باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام adelsadek@hotmail.com
تعليقات مصرية العدد 68 : 22 نوفمبر 2006 http://acpss.ahram.org.eg/Ahram/2006/11/22/COMM0.HTM