الدوريات - قضايا استراتيجية حقيقة دور الانترنت فـى بث الكراهية الدينية فى العالم |
: 88 | |
|
الخميس,15 سبتمبر 2011 - 08:18 ص عادل عبد الصادق
لقد باتت شبكة الإنترنت فاعلا مؤثرا فى عملية إنتاج وإدارة وتوزيع العملية الثقافية فى العالم، لتدفع الأفراد للتعرف على أوجه عديدة للإنسانية ومتمايزة عن نظرتهم الأحادية، وبشكل يتم فيه
|
|
لقد باتت شبكة الإنترنت فاعلا مؤثرا فى عملية إنتاج وإدارة وتوزيع العملية الثقافية فى العالم، لتدفع الأفراد للتعرف على أوجه عديدة للإنسانية ومتمايزة عن نظرتهم الأحادية، وبشكل يتم فيه التفاعل إلى حد الصدام ما بين القيم المحلية وما تفرضه عولمة الانترنت من تحد لتلك القيم والجماعات التي تدافع عنها فى صورتها التقليدية. ويأتى هذا مع تراجع الإعلام الجماهيرى لصالح الالكترونى، حيث لا سيادة للدولة عليه، في ظل قدرته على الانتشار وقدرته الفائقة على تضخيم جزئيات إعلامية بعيدا عن أهميتها النسبية عبر مواقع الانترنت. وفى هذا السياق بدأ البعض يستغل الانترنت فى بث الكراهية الدينية مع المختلف الدينى، وتتفاقم المشكلة مع تزايد أعداد تلك المواقع، بما يزيد من أهمية التساؤل عن الأسباب التى أدت إلى إنشاء تلك المواقع، ومدى تأثيرها وطرق عملها، وأخيرا مستقبلها؟ إعلام تنافسى لقد وصل عدد مواقع الانترنت فى العالم إلى نحو مائة مليون موقع، بينما بلغ عدد مستخدمى الشبكة نحو مليار مستخدم حول العالم، بما يشكل جمهورا واسعا للرسالة الإعلامية، وفرصا أكبر للاتصال الدائم بين البشر عن طريق تكنولوجيا الاتصال، بما انعكس فى إعادة تشكيل الحدود بين المجالين العام والخاص. ومن ثم فقد ارتبط بها البشر ليس فقط للاستخدام اليومى المعروف، ولكن لنقل القيم والرموز المرتبطة بهم، حيث قسم الإعلام الالكترونى الجمهور لفئات ومجموعات صغيرة، و بدأ هذا التنوع يزيد بدوره من التشتت الثقافى والتمحور حول موضوعات محددة، وتاه التماثل الثقافى الذى ميز المجتمعات القومية، وتحول الإعلام الجماهيرى إلى إعلام فئوى يستخدم لاذكاء الصراعات العنصرية وتنمية اتجاهات الكره لدى الكثير من الفئات المناهضة لفئات أخرى. والجدير بالذكر أن تلك السمات أصبحت تتمتع بحضور دائم فى منظومة الإعلام الالكترونى ووسائله، وذلك فى سياق تطور تقنيات المعلومات المعاصرة، وتراجع قوة الدولة القومية لصالح فئات وجماعات، سرعان ما تصبح فيما بعد لقمة سائغة يسهل ابتلاعها ثقافيا واقتصاديا واجتماعية. إضافة إلى ذلك، فقد بدأت التكنولوجيا تأخذ مكانها ضمن سياقات مجتمعية تملك خصوصيات تاريخية لكنها تندرج فى الوقت نفسه ضمن الحراك الاجتماعى العالمى ، لما يتميز به الإعلام الالكترونى سواء من حيث كونه أداة رخيصة التكلفة، أو من حيث تنوع وسائله وسرعة انتشاره وتخطيه للحدود، وضعف الرقابة عليه، وقدرة أى فرد على التأثير فيه. وعلى الرغم من أن الإعلام الالكترونى قد شكل شكلا اجتماعيا جديدا من التواصل ـ وهو كثيف دون شك ـ لكنه صادر ومتلقى ومحسوس من قبل كل فرد على حدة، وتم امتلاكه فى مختلف أنحاء العالم من قبل كل الحركات الاجتماعية الساعية للتأثير على وسائل الإعلام الكبرى والتحكم فى المعلومات، وتكذيبها إذا لزم الأمر أو حتى إنتاجها، والقيام بدور فى زرع الشك وليس حصاد اليقين. الدين وتكنولوجيا المعلومات تختلف كل من تكنولوجيا المعلومات والدين في الاستجابة السريعة للتغيير، بينما يتفقان في الرغبة في الانتشار عبر الكون، فالدين بطبيعته يستند إلى مجموعة من القواعد والمعايير الأخلاقية التي لا تقبل التطور لأنها تكون من أسس ذلك الدين، أما التكنولوجيا فإنها بطبيعتها متغيرة وتتطور بتغير الابتكارات والمهارات الفردية لمستخدميها. بتعبير آخر فإن الدين يميل بطبيعته للمحافظة، بينما تميل التكنولوجيا بطبيعتها إلى التغير باستمرار، فهى لا ترتبط إلا بمعايير السوق والمال والابتكار . وقد استفادت الأديان كغيرها من مزايا الانترنت لتوفير مادة مستمرة وسريعة ومتفاعلة عن الدين، وللرد على منتقديه، والتأكيد على النزعة الكونية له، و كان للإسلام والمسيحية السبق لاعتمادهما على الدعوة التبشيرية بخلاف اليهودية وبث مبادئهما والوعى بها وتجنيد أتباعهما. الأصوليات الدينية بالرغم من الاعتقاد السائد بان الأصوليين هم أكثر الناس معاداة للحداثة والتكنولوجيا إلا أن الرؤية التحليلية لهم توضح أنهم لا يعارضون الحداثة إلا بقدر انتهاكها لقيمهم المحلية والتقليدية ، حيث سعوا بمختلف أشكالهم الفكرية والسياسية والدينية لاستخدام الانترنت لخلق نمط جديد ومختلف يتناسب مع مجتمعاتهم ويواكب السياق الاجتماعى المشترك وتغير طبيعة التفاعل مع المؤسسات الاجتماعية. وتؤمن الحركات الأصولية الدينية بشكل صارم بالقيم، وتتمتع بدرجة عالية من التماسك الداخلى بين أعضائها بمعزل عن العالم الخارجى الذى يحيط بها ، ودائما ما ترجع إلى التاريخ حيث المصدر النقى للمعتقدات بدون أى تغيرات براجماتية، و تأخذ تلك الأصوليات اتجاها فكريا فقط أو اتجاها عسكريا فى محاولتها لهدم الواقع للعودة للمستقبل الذى منبعه التاريخ حيث القيم الأصيلة ، وتشترك فى ذلك كل الجماعات الأصولية سواء التى تتبع الديانات السماوية أو الوضعية على حد سواء . وقد استخدمت الأصوليات على مستوى العالم الانترنت من خلال أربعة أبعاد وهى الهيراركية ، والسلطة الأبوية ،والتنظيم ، والعزلة ، فأصبحت أداة وجزءا من نشر الثقافة الأصولية، وأداة لتغيير الطرق التقليدية للحياة وساهمت فى وجود قوانين غير مكتوبة تتحكم فى سير تلك الأصولية الدينية، باستخدامها الانترنت كأداة للدفاع والحيلولة دون استخدمها كأداة للهجوم عليهم وعلى معتقداتهم الثابتة. وبذلك يصبح العالم أمام تكنولوجيا للثقافة تستخدم للترويج للقيم الثقافية المحلية، التى أصبحت معرضة للانتهاك تحت سقف العولمة الثقافية، حيث درجة التنميط لقيم واحدة قد تأخذ شكلا إنسانيا أو تعبر عن هيمنة ثقافة معينة. أهداف المواقع الدينية تتعدد أهداف المواقع الدينية على شبكة الانترنت بتعدد الموضوعات التى تركز عليها، فهناك أولا مواقع تركز على بث المادة الدينية الموجهة لأتباع الدين من خلال بث التعاليم والخطب والحوارات الدينية حول إحدى القضايا المثارة، وكذلك عرض النشأة التاريخية للدين وكيف تطور إلى الآن مع استخدام كافة الوسائل التقنية لجذب القارئ. وثانيا عناك مواقع تركز على زرع الشك فى أتباع الدين المخالف من خلال الاستناد إلى بعض الكتب الدينية القديمة غير المعروفة، أو الاستناد إلى ممارسات معينة ووصمها بأنها تمثل ذلك الدين، وكذلك اختلاق بعض الحوارات مع من يدعون أنهم تحولوا إلى الدين المخالف ثم قرروا العودة لدينهم الأصلى، والاستهزاء ببعض الرموز والشعائر من خلال رسوم الكاريكاتير، ونشر إشاعات وأخبار كاذبة كجزء من حرب نفسية. وثالثا هناك الأقسام الخاصة فى بعض المواقع المتعلقة بحوار الديانات، ولكن يتم عرضه بشكل غير موضوعى، بحيث يظهر التحيز سواء فى المساحة أو فى تقييد حرية الرد، فتفرد مساحات واسعة لمعتنقى دين صاحب الموقع. وعامة فإن تلك الأقسام تنتهج أسلوب التحريض غير المباشر. ورابعا فهناك بعض المواقع التى تتحدث عن الأديان السماوية، ولكنها تحاول التشكيك فى كل تلك الأديان من خلال مجموعة من اللادينيين أو من غلاة العلمانيين أو الشيوعيين. وخامسا هناك بعض المواقع التى تتناول الأديان بشكل خبرى مثل المواقع الإخبارية، والتى تكون امتدادا لإذاعات أو فضائيات مثل الـ 'بى بى سى'0 أو موقع قناة الجزيرة أو مواقع الموسوعات العلمية بطابعها الحيادى الى حد كبير. مسببات زرع الكراهية ثمة الكثير من مسببات استخدام الانترنت كأداة لزرع الكراهية، إلا أن أهمها يتمثل أولا فيما يتعلق بخصائص وطبيعة الانترنت، وما توفره من مزايا نسبية مقارنة بالوسائل التقليدية الأخرى، سواء من حيث انتشارها أو قدرتها على صياغة الرسالة بشكل جيد. وثانيا حدوث تشابك للعامل الثقافى مع احتقانات داخلية تأخذ شكل تباينات اقتصادية وعرقية أو إثنية خاصة فى الدول الضعيفة فى بنائها القومى. وثالثا محاولة الاستغلال السياسى للدين وخاصة من قبل اليمين المتطرف فى أوروبا كنوع من التمييز ضد الأقلية العربية والإسلامية، أو تغليب العامل الأمنى على السياسى الذى يستغل الدين فى التعبئة والحشد كحالة المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة. ورابعا هناك عامل يتعلق بأهمية وتصاعد دور الدين فى العلاقات الدولية وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وزيادة انتشار تكنولوجيا المعلومات بمعدلات متسارعة. وأخيرا فقد دفعت التكنولوجيا إلى الإحساس المتزايد بالأنا مقابل محاولة الآخر فرض قيمه ومعتقداته، حيث كشفت عن الانتماءات الأولية والهويات التى كانت تعتبر سرية من قبل. وأثرت بالتالى فى أنماط المجتمعات من خلال التأثير على التراتبية الاجتماعية والوعى الجماعى و الهوية الشخصية. من سيبقى ؟ ويبقى التساؤل الأساسى هو هل يدفع ذلك التمايز والاختلاف الثقافى على الانترنت إلى التكامل والتفاهم حول رؤى مشتركة، أم سيخطفها الجانب المتشدد من كل طرف إلى ساحة المعركة حيث يكون الجميع خاسرين؟ وفى محاولة للإجابة على هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى أن التطرف ليس له مستقبل، كون مسألة الطعن فى الأديان ككل أو احدها ليست بجديدة، كما أنها لا تأتى فقط من المتشددين من كل طرف، بل تأتى من أطراف أخرى كالتيار اليمينى المتطرف والجماعات اللادينية أو الفوضوية أو نتيجة لأهواء شخصية. وقد مثلت الانترنت مجالا خصبا لتلاقح الأفكار من اجل الخروج بفكر إنسانى مشترك، فجودة الفكرة واستمراريتها هى الأجدر على البقاء فى ظل سوق ثقافى تنافسى مفتوح ، ومن ثم فإن العالم ربما يمر بمرحلة تطور للأفكار دافعة إياه نحو التعايش، و حتى ما تعرضه المواقع المتطرفة فى التعرض للأديان وصلت إلى درجة أنها لم تستطع الإتيان بجديد فى أفكارها. ومن ثم فقد ينصرف الناس عنها إلى الأكثر انفتاحا ومرونة، وهو الأمر الذى دفع البعض من تلك المواقع إلى إحداث بعض التغيير فى سياستها التحريضية بتوسيع دائرة نشاطها الإعلامى، وذلك كمحاولة لزيادة عدد متصفحيها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى الآن لا توجد مواقع متخصصة فى إقامة حوار حقيقى بين الأديان والتى تعكس فى الغالب تواضع نتائج حوار الأديان على ارض الواقع. وهنا تأتى خطورة تغافل المثقفين عن مهمتهم باعتبار أنفسهم طبقة متميزة عن باقى الطبقات الموجودة، أو أنهم مجرد متفرجين على حجم التفاعلات من أجل رصدها، وليس بالضرورة محاولة تغييرها.
نقلا عن ملف الاهرام الاستراتيجي ، 2006
|
|
|