وذلك بعد أن دخل الجيل الجديد من المسيرات معترك الحروب الحديثة، لما تتميز به من خصائص، منها قلة التكلفة وتنوع وظائفها ما بين مهمة استخبارية واستطلاعية أو تفجيرية أو انتحارية وسواء تم ذلك فى الجو أو البحر أو البر كالروبوتات، وتنوع أحجامها ومستويات طيرانها وقدرتها على التخفى من الرادارات. وليضيف ذلك دورا جديدا فى افرع القوات المسلحة على حساب الدور التقليدى للدبابات والمدفعية وقذائف الهاون، وتقليل العنصر البشرى فى مهام مثل القتال أو الاستطلاع وانخفاض التكلفة الاقتصادية.
وفى 2024 نما سوق التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى ليصل الى 9.86 مليار دولار، وفى السنوات العشر المقبلة سيتم شراء أكثر من 80000 طائرة مسيرة للمراقبة و2000 طائرة مسيرة هجومية على مستوى العالم وستشكل الطائرات التى يتم التحكم فيها عن بُعد 70% من سلاح الجو الأمريكى عام 2035.
ودفع ذلك الواقع الجديد العديد من الدول الى تبنى إستراتيجيات جديدة للامن القومى تأخذ فى اعتبارها تلك المتغيرات، لتحديث جيوشها والتوجه الى اقتناء وتطوير تقنيات المسيرات ، والاتجاه للاستثمار فى تطبيقات الردع ضدها وتطوير القدرات المتعلقة سواء بالدفاع الجوى أو فيما يتعلق بأسلحة مواجهة المسيرات تقنيا وعسكريا القائمة على مبادئ فيزيائية جديدة، كأسلحة الليزر، وأسلحة النبض الكهرومغناطيسى ودمج قدرات الحرب الإلكترونية، وتشويش الاتصالات، وتطوير تقنية شبكات تحت البحر وقدرات تعطيل نظام تحديد المواقع العالمى. وتصاعد دور الاقمار الاصطناعية العسكرية.
وليدشن ذلك مرحلة جديدة من سباق تسلح بغية الاستحواذ على تلك القدرات التدميرية لنظم القتال الذاتية ،الذى يتصف بانه أكثر نوعية وتركيزا على الإبداع والابتكار كبديل عن التركيز على الكم أو انماط التسلح التقليدى، ودخول ذلك أيضا فى تطوير الأسلحة القائمة أو إنتاج أسلحة جديدة متقدمة، وسواء تم ذلك بجهود ذاتية أو بتعاون دولى لا ينفصل عن طبيعة الصراع ما بين القوى الصاعدة والمهيمنة فى النظام الدولى.
والذى أصبحت قوى إقليمية ومتوسطة فيه تمتلك تقنيات المسيرات والصناعات المرتبطة بها وامتلاكها قوة جذب فى مواجهة مشكلات التعبئة العسكرية أو فى صغر حجم القوات المسلحة أو بضعف الإنفاق العسكرى. أو فى مواجهة عقوبات دولية فى مجال التسليح.
ومنذ عام 2021 أصبحت تركيا أكبر مورد للطائرات العسكرية المسيرة على مستوى العالم، متفوقة بذلك على دول مثل الصين والولايات المتحدة وإيران.
وتحتل كذلك ايران قدرات متنامية فى صناعة وتصدير المسيرات التى لعبت دورا فى دعم روسيا فى حربها ضد أوكرانيا أو بدعم وكلائها من محاور المقاومة فى لبنان واليمن والعراق وغزة، ومواجهة التقدم فى أنماط التسلح التقليدى وقدرتها فى اختراق الهيمنة الجوية والتقنية لإسرائيل.
وتحولت المنطقة الى سوق تنافسية حول بيع أحدث أنظمة الأسلحة التى تعمل بالذكاء الاصطناعى وهو ما يأتى فى إطار تصاعد توظيف قدرات الذكاء الاصطناعى فى الصراع الإقليمى والتوتر الجيوسياسى والمدفوع بمحاولة الحفاظ على الأمن والردع ضد التهديدات المتنامية، وطبيعة التنافس الاستراتيجى مابين روسيا والصين والولايات المتحدة على المنطقة وتأثير ذلك فى الأمن الإقليمى و التوازن الاستراتيجى ومدى تأثير ذلك فى بناء قدراتها الوطنية. وهناك دول حققت تقدما ملحوظا مثل السعودية والإمارات.
وتعد الحرب الروسية – الأوكرانية من أكثر الحروب استخداما للمسيرات التى عملت على ارهاق طرفى الصراع مع الدعم الدولى لكليهما والى نقل المعركة الى الجبهة الداخلية وتحقيق ضربات نوعية باختراق نظم الدفاع الجوى الأكثر تكلفة وتأمينا، والعمل على الضغط على صانعى القرار عبر ادخال المدنيين والمنشآت المدنية فى المعارك، وبروز تنافس إستراتيجى حول ابتكار وتطوير واستحداث أجيال متقدمة من المسيرات وأصبحت لا تعتمد فقط على توجيهها على محطات تحكم أرضية بل كذلك بدور الأقمار الاصطناعية فى توجيهها، إلى جانب التقدم الكبير فى نظم الصواريخ الباليستية والعابرة للقارات، وهو ما سيكون من شأنه أن يفرض تحديات أمام الجيوش الحديثة والقانون الدولى ويحدث تغييرا كذلك فى التفكير الجيوإستراتيجى فى القرن الحادى والعشرين.