الدوريات - قضايا استراتيجية
الصراع المسلح في الفضاء الخارجي بين التطبيقات والسياسات والمستقبل

: 1104
الثلاثاء,28 مارس 2023 - 05:14 م
د.عادل عبد الصادق *
مجلة افاق مستقبلية ، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ، مجلس الوزراء المصري ، يناير 2023

كشفت الحرب الروسية – الأوكرانية في عام 2022 عن دور الأقمار الصناعية في الصراع المسلح ،بدأ بدورها في التنبؤ بموعد الحرب الى جانب الاتصالات والمراقبة والتجسس و تقديم خدمات الانترنت ، ووجهت اتهامات متبادلة بين روسيا والولايات المتحدة بالمسئولية عن اختراق الأقمار الصناعية ، ووصل الأمر إلى اعتبار روسيا ذلك بمثابة "سبب آخر لخوض الحرب". ويكشف ذلك عن توظيف عسكري غير مسبوق للفضاء الخارجي، وأصبحت " القوة الفضائية " من مرتكزات الهيمنة الجديدة وفي ظل التطور بين القوى الدولية في إنتاج أسلحة فضائية سرية ام علنية أو السيطرة على الموارد والكواكب في الفضاء او إقامة قواعد عسكرية به ،وبذلك دخل الفضاء في الفكر الاستراتيجي العالمي سواء على مستوى التطبيقات او السياسات ، وهو ما سيكون له تأثير في مستقبل الامن الفضائي كرافد من الامن الجماعي الدولي ، وبخاصة في ظل حالة الاندماج الوظيفي"المتصاعد" بين الفضاء الخارجي والمجالات الدولية الأخرى.

الصراع المسلح في الفضاء الخارجي  بين التطبيقات والسياسات والمستقبل
اضغط للتكبير

 

وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول ماهية المتغيرات الجديدة نحو عسكرة الفضاء الخارجي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية ؟ وما هي الانماط  الجديدة للصراع  المسلح وغير المسلح من اجل السيطرة والهيمنة إلى جانب  الثروة والموارد الفضائية ؟ وما هي خصائص الأسلحة الفضائية  وتأثيرها في الأمن الفضائي ؟وما هي خصائصها ؟ وما هي طبيعة التحديات التي يفرضها تنامي الصراع المسلح في الفضاء الخارجي ؟ وما هي فرص احتواء العسكرة وما هو دور القانون الدولي ؟ وكيف يتم  التوصل إلى اتفاقية دولية لحظر الأسلحة في الفضاء؟ وما هي فرص دعم الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي وتعزيز الامن الجماعي الدولي ؟   

أولا ،ملامح وعناصر القوة الفضائية في عالم متغير

1-تطور القوة الفضائية  اثناء الحرب الباردة

يعرف "جيمس أوبرج"  "القوة الفضائية " بأنها "حاصل جمع  القدرة ،التكنولوجية،والسكان،والاقتصاد،والصناعة،والقوة العسكرية،وإرادة الدولة وغيرها من العوامل التي تسهم في دعم إمكانيات الدولة علي ممارسة الإكراه،أو الإقناع أو ممارسة التأثير السياسي علي أعمال الدول الأخرى،بغرض الوصول للأهداف الوطنية من خلال القدرات الفضائية".

ودفعت تلك المصالح المتزايدة  للفضاء الخارجي لتنامي اتجاه الدول لامتلاك القدرات في مجال الدفاع او الهجوم أو الردع لحماية وجودها وبنيتها الفضائية ، وقيام عدد من الجيوش الحديثة بتشكيل فروع تختص بالحرب الفضائية إلى جانب الحرب الجوية ، وساعد من وتيرة ذلك تحول الفضاء كمجال للصراع ليس فقط لإغراض أمنية وعسكرية بل كذلك لتحقيق أهداف اقتصادية وأخرى إنسانية وعلمية. .

وتسابقت العديد من الدول للاستحواذ على "القوة الفضائية"  منذ  إطلاق  القمر الصناعي "السوفيتي " عام 1957 ، وبعد إطلاق المركبة ابولو للقمر في عام 1969، بدأت الولايات المتحدة في اختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية واختبرت كذلك القنابل النووية في الفضاء قبل حظر أسلحة الدمار الشامل المدارية، وأصبحت الأقمار الصناعية خلال الحرب البادرة جزءًا من أنظمة الإنذار المبكر المتطورة، والمتأهبة لرصد انتشار الأسلحة النووية الأرضية أو إطلاقها. وعمل الاتحاد السوفيتي في حينه على تطوير واختبار "الألغام الفضائية"، وهي مركبات فضائية ذاتية التفجير يمكنها ملاحقة أقمار التجسس الصناعية الأمريكية وتدميرها عن طريق إمطارها بوابل من الشظايا. وفي ثمانينيات القرن الماضي، وصلت عسكرة الفضاء إلى ذروتها مع مبادرة إدارة ريجان للدفاع الاستراتيجي، والتي بلغت ميزانيتها مليارات الدولارات وعُرفت باسم "حرب النجوم"، وقد أُطلقت بهدف تطوير تدابير مدارية مضادة للصواريخ السوفيتية الباليستية العابرة للقارات. وفي عام 1985،حدثت نقلة مهمه بنجاح سلاح الجو الأمريكي في  استخدام طائرة مقاتلة من طراز F-15 في إطلاق قذيفة لإخراج  قمرًا صناعي أمريكي من مداره المنخفض حول الأرض.

،وتميز سباق التسلح في الفضاء خلال حقبة الحرب الباردة  بالتنافس  في ميادين الدفاع، وكانت جزءا من عمليات لحرب نفسية متبادلة، ،وعدم تبلور فكرة  نشر دروع مضادة للصواريخ في الفضاء ،وانحسار النشاط الفضائي في قوتين ،وأعقب ذلك قيام كل قوة بدعم حلفائها في مجال تبني البرامج الفضائية في إطار ما عرف بحروب الوكالة. ودخل بعد ذلك العديد من الدول للنادي الفضائي بتبني مشروعات وطنية او بالتعاون مع القوى الكبرى الحليفة.

ولكن لم تكن هناك مخاوف ذات جدوى باندلاع سباق تسلح شامل في الفضاء وربما يرجع ذلك الى طبيعة التقدم التقني للأقمار الصناعية ،والتي كانت تقع في مدارات أرضية ترتفع  فقط عن 35 الف كيلو متر، وهو ما يجعلها عرضة بسهولة لاي عمل عدائي ، ورغم ذلك لم تواجه أي مخاطر من قبل القوى الدولية حينذاك ،وكان قد وصفت حرب الخليج عام 1991 كأول "حرب فضائية" لتوظيف  الاقمار الصناعية العسكرية من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الحصول على الصور العسكرية ،وتتبع موقع القوات العراقية عبر الصحراء.

2-الابعاد الجديدة للقوة الفضائية بعد الحرب الباردة 

بعد انهيار الحرب البادرة دخلت قوى اقليمية ودولية مجال الفضاء كجزء من هيبتها الوطنية ، الى جانب التطور التقني الهائل الذي اثر في تكلفة إطلاق الأقمار الصناعية ، وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين الطابع  المدني  و العسكري لتوظيف الفضاء الا انه يرتبط عسكريا بدوره  في حماية الأمن القومي،والتكتيكات الحربية،والتجسس،وتأمين نظام الملاحة الجوية،والإنذار المبكر،والاتصالات العسكرية وبخاصة وقت النزعات المسلحة،وفيما يتعلق بالمستوى المدني فيتم  استخدامه في البث الإذاعي والتليفزيوني،والأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد ،ونظام تحديد المواقع العالمي،والاتصالات و الانترنت الفضائي.

. وفي ظل تنامي العلاقة بين التكنولوجيا والأمن وتوظيفها في مجال تطوير القدرات  الدفاعية او الهجومية. ودور ذلك  في الصراع المسلح  سواء على المستوى التكتيكي او الاسترتيجي او العملياتي ، ويرجع ذلك الى تميز الفضاء بخصائص فيزيائية مختلفة يجعله يتشابك وظيفيا مع بقية المجالات الدولية ، ويعزز من الانتقال في الفكر العسكري- الاستراتيجي من حقبة " القوة الجوية " الى "القوة الفضائية" ،والتحول من "السيطرة على الأجواء" الى الاهتمام بـ "المجال الاعلى" في الفضاء وبدأت تظهر مخاوف تطور العقيدة الاستراتيجية بان السيطرة على القمر يمكن ان تساهم في السيطرة على الارض   

وأصبح الفضاء أكثر ازدحاما بالأقمار الصناعية والتي تدور في مدارات منخفضة ومرتفعة تخص غالبية دول العالم ، وعلى الرغم من احتفاظ الولايات المتحدة بالهيمنة الفضائية الا ان البنية التحتية الفضائية لها أصبحت تعاني من ضعف القدرات الدفاعية ،وبخاصة مع تنامي قدرات خصوم اخرين كالصين وروسيا .

واتجهت القوى الدولية الصاعدة  الأخرى في الفضاء الى تبني وتطوير قدراتها على السيطرة الفضائية الهجومية إلى جانب امتلاك قدرات الدفاع النشطة ، والبحث والتطوير للأسلحة الفضائية ،واتخاذ تدابير مضادة يمكن ان تأخذ شكل هجوم استباقي ، والدمج  بين الفضاء والعمليات العسكرية التقليدية ،وهو الامر الذي أدي لتغيير مبادئ الحرب والامن والدفاع و القوة والصراع . وهو ما دفع الى أهمية ترجمة ذلك  التطورات في تحديث استراتجيات الامن القومي.

 ودفع التوتر الدولي من جهة أخرى الى عسكرة غير مسبوقة سواء من حيث حجم الإنفاق العسكري أو بتطور نشر الأسلحة او التهديدات شملت  كافة المجالات الدولية الخمس (البر والبحر والجو والفضاء الخارجي –والفضاء السيبراني) .وفي عام 2019  أضاف الناتو الفضاء كواحد من مجالات عملياته إلى جانب الفضاء الأرضي والجوي والبحري والإلكتروني.

 وفيما يتعلق بامتلاك الدول قدرات لتدمير الأقمار الاصطناعية هناك الولايات المتحدة وروسيا و الصين ،والهند ،وتوجد تقديرات أخري بوجود دول تمتلك بالفعل تلك القدرات الا انها لم تقم بتجارب تم رصدها أو أنها قامت بتجارب سرية.ولدى الصين بقدرات في مجال الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية وأنظمة فضائية للحرب السيبرانية ،وتعمل روسيا  على بناء مشروع  صاروخ أرضي مضاد للأقمار الاصطناعية يسمى "نودول"،ويمتلك الجيش الأمريكي صواريخ اعتراضية للدفاع الصاروخي يمكن إعادة تشكيلها للهجمات المضادة للأقمار الاصطناعية.ناهيك عن قدرات نشر أشعة الليزر القاتلة للأقمار الاصطناعية على طائرة  طراز X-37 للقوات الجوية الأمريكية.

ثانيا : خصائص وأنماط عمل الأسلحة الفضائية في المجالات الدولية .

1-خصائص الاسلحة الفضائية والتغير في المدلول.

ان تطوير ما يطلق علية بـ"الأسلحة الفضائية" جاء تحت تأثير دور المتغير التكنولوجي في الثورة في الشئون العسكرية ، ورقمنة الاقمار الصناعية ،والتطور في الاطلاق والتشغيل ،وانتقال بعض منها  من الأبحاث العسكرية السرية  الى التجريب ثم الاستخدام الفعلي ،وهو الامر الذي دفع وتيرة التسابق بين القوى الكبري ، ولا تعتمد تلك الأسلحة  بالضرورة على قوة النيران بل تعتمد على القدرات في مجال التشويش والتعمية والسيطرة والتحكم والاختراق  .ومن ثم قد لا تتضمن القدرات التدميرية بالضرورة "تفجير الأقمار الاصطناعية"،بل يتم الاعتماد على الوسائل الأقل عدوانية أو نارية  مثل الهجمات السيبرانية  التي تعترض تدفق البيانات بين الأقمار الاصطناعية والمحطات الأرضية.

.وأخذ "السلاح الفضائي" طبيعة متحركة تكتسب قوتها بالاصطدام بالهدف وتدميره،أو بتوظيف أشعة الليزر أو الموجات الكهرومغناطيسية،أو بتدمير الألواح الشمسية للأقمار الصناعية المعادية أو بتوظيف الظواهر الطبيعية كالرعد والعواصف والأعاصير‏ والزلازل كأسلحة غير تقليدية إلى جانب أخرى اصطناعية مثل "غاز الكيمتريل" .

وتطور "الجيل الجديد" من سباق التسلح في الفضاء مع  تطوير ونشر واستخدام الأسلحة الدفاعية والهجومية التي تستهدف البنية التحتية الفضائية لدول أخري ومواجهة خطر الأسلحة الباليستية أو للمساعدة في عمل حربي على الأرض أو ضمان حرية الملاحة الفضائية.، إلى جانب التوظيف في العمل ألاستخباراتي والحروب النفسية والإعلامية بين القوى الدولية .

ويمكن تعطيل وتدمير الأقمار الصناعية دون تفجيرها باستخدام الصواريخ، ويمكن لمركبة فضائية أن تقترب وترش الطلاء على أجهزة الأقمار الصناعية البصرية، وتدمير هوائيات الاتصال الخاصة بها ،ويمكن استخدام الليزر كسلاح لتعطيل الأقمار الصناعية أو إتلاف أجهزة الاستشعار الحساسة، وتوظيف موجات الراديو أو موجات الميكروويف للتشويش أو الاستيلاء على موجات الإرسال  والاستقبال من محطات التحكم الأرضية . وأسلحة الطاقة الموجهة ذات التقنية العالية

وهناك سلاح مباشر مضاد للأقمار الاصطناعية ASAT، ويكون في شكل  قطعة من المعدن بها نظام توجيه خاص، ومثبتة على قمة صاروخ باليستي. وتنفصل عنه بعد  مغادرة الغلاف الجوي للأرض، ثم تقوم بتصحيح مسارها للاقتراب من الهدف وحدوث الاصطدام  عند السرعات المدارية،وهو الأمر الذي يتسبب في إنتاج طاقة حركية هائلة تؤدي إلى  الانفجار.

وتشكل الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، والتي تحطم أهدافها خطراً على الفضاء من خلال تكوين سحابة من الشظايا، التي يمكن أن تصطدم بأجسام أخرى، والتي بدورها يمكن أن تطلق سلسلة من ردود الفعل من المقذوفات عبر مدار الأرض.

عدد الدول التي تمتلك اقمار صناعية في الفضاء

2-اتجاهات أنماط  نظم التسلح الفضائي بين القوى الدولية  

تتفاوت الأسلحة المضادة في الفضاء من حيث أنواع الآثار التي تحدثها، ومستوى التطور التكنولوجي المطلوب، ومستوى الموارد اللازمة لتطويرها ونشرها.مثل امتلاك  نظم عسكرية "تسلح" أو "قواعد" في الفضاء او اقمار صناعية تستخدم كأسلحة ،وظهرت وفقا لاعتبارات مكان تواجد الهدف أو بمكان وجود "السلاح"  أنماط جديدة  منه (سلاح فضاء- فضاء، فضاء- أرض، أرض- فضاء وأرض- أرض (عبر الفضاء). يتكون من مرتكزات لعل أهمها : الأول ، بوجود  نظام تسلح "أرض – فضاء" يتميز بالحركية في شكل استخدام صواريخ أو أجسام أخرى تم إطلاقها من الأرض بغية إسقاط أهداف فضائية. وأخر غير حركي يعتمد على أنظمة مثل أجهزة تشويش وأجهزة كمبيوتر يتم نشرها على الأرض يكون بمقدورها التأثير على الأهداف الفضائية تضمن التدخل في عمل الأقمار الصناعية.

والنمط الثاني  من التسلح هو نظام "فضاء – فضاء" حركي يرتكز على تطوير قدرة  أقمار صناعية في اعتراض وتدمير أقمار صناعية أخرى ويمكن أن تحمل تلك الصواريخ رؤوسا نووية أو غير نووية.ويوجد نالثالث،غير حركي مع عدم وجود أقمار صناعية وغيرها من الوسائل التي تستخدم الموجات المايكروية والموجات الأخرى لتعطيل عمل أقمار صناعية أخرى.

والنمط الثالث ،  يتميز بكونه سلاح " فضاء – أرض" يتميز بأنه نظام  حركي يستهدف تدمير منشآت أرضية من الفضاء ومازلت تحت البحوث العسكرية المتقدمة .ونظام أخر غير حركي يعتمد على وسائل الدرع الصاروخية الفضائية.

وهناك نمط رابع ، يرتبط بتطوير قدرات في مجال إدارة الصراع والحرب بتبني  نظم تسليح متقدمة يمكن لها أن تقود عمليات حربية أو عدائية في نطاق ،أرض- أرض (عبر الفضاء).

الصين والولايات المتحد تقود الجيل الثاني من سباق التسلح في الفضاء - الاستثمار في الشركات

ثالثا  : صعود اقتصاد الفضاء كمحرك جديد للصراع في الأجندة الدولية

إن المصالح الاقتصادية في الفضاء تأتي إلى جانب الأهداف الأمنية والعسكرية ، وهما محركان من محفزات التنافس والصراع الدولي ، وبرز اقتصاد الفضاء الذي يمثل دور في النمو الاقتصادي للعديد من الدول التي توفر منصات الإطلاق او تصدير التقنية اللازمة للدول الأخرى ، و بات ما يعرف بـ"اقتصاد الفضاء" مدخلا استراتيجيا للاستحواذ على القوة الفضائية ،والذي تعرفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنه "أي نشاط يتضمن استكشاف وفهم وإدارة واستخدام الفضاء" ويعني اقتصاد الفضاء كذلك باستخدام الموارد الفضائية وفهمها وإدارتها وتوظيفها  في شكل منتجات وخدمات ذات صلة بالمعرفة والبحث والتطوير، والتطبيقات  التي توفرها البنية التحتية الفضائية ".

 ويشمل  "اقتصاد الفضاء " نمط أول ، يرتبط بـ "اقتصاد الفضاء مقابل الأرض" أي السلع أو الخدمات المنتجة في الفضاء للاستخدام على الأرض، ويشمل ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية للإنترنت وقدرات مراقبة الأرض، والأقمار الصناعية.أما النمط الثاني، فيرتبط بـ "اقتصاد الفضاء مقابل الفضاء" أي السلع والخدمات المنتجة في الفضاء لاستخدامها في الفضاء مثل تعدين القمر والكويكبات لاستخراج مواد يمكن استخدامها للبناء في الفضاء.

ويأتي ذلك في ظل  ازدهار وتنامي فرص وإمكانات الاستثمارات في صناعة الفضاء من قبل الحكومات أو الشركات متعدية الجنسيات،ففي النصف الأول من عام 2022 تم إطلاق نحو 72 صاروخا فضائيا و 1022 مركبة فضائية ، وكان نحو  90% من عمليات الإطلاق والتي بلغت نحو 958  مركبة فضائية تدعمها الشركات التجارية ،و تجاوز تمويل القطاع الخاص للشركات العاملة في قطاع الفضاء عشرة مليارات دولار في 2021، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، كما أنه زاد بمقدار عشرة أضعاف على مدار العقد الماضي. ويوجد  أكثر من عشرة آلاف شركة حول العالم ونحو خمسة آلاف من كبار المستثمرين يشاركون في صناعة الفضاء، بقيمة إجمالي وصلت إلى 469 مليار دولار في عام 2021 بارتفاع نسبته ‏9 % عن 2020.،مثل الأقمار الصناعية للإنترنت "Starlink" التي أطلقتها شركة "SpaceX" والتي يملكها الملياردير الأمريكي "إيلون ماسك".

وحدثت  زيادة في الاستثمار المدعوم من الدولة في مشاريع الفضاء حول العالم، ففي 2021 كان هناك ارتفاع 19 % في الإنفاق الحكومي الإجمالي على برامج الفضاء العسكرية والمدنية على مستوى العالم وهو أسرع معدل نمو منذ 2014. رفعت الهند إجمالي إنفاقها على الفضاء إلى 36%، والصين بنحو 23% ،بينما ضخت الولايات المتحدة استثمارات بزيادة قدرها 18%، وبما يعادل 12% من الإنفاق العالمي على الفضاء.

ويتوقع أن  ينمو اقتصاد الفضاء بما يتجاوز 640 مليارا بحلول 2026، وبحلول 2030 يتوقع أن ينمو اقتصاد الفضاء العالمي بنسبة 75%، ليصل إلى 642 مليار دولار أمريكي، ثم إلى تريليون دولار بحلول 2040 . والمتوقع  أن قيمة سوق السفر والسياحة الفضائية سيبلغ 23 مليار دولار بحلول .2030.

الدول الصاعدة في الفضاء نماذج مختارة

رابعا  : التوظيف العسكري للفضاء والحرب الروسية – الأوكرانية  .  

  1. ساحة فضاء الحرب الروسية –الأوكرانية 

قبل ساعة فقط من العملية الروسية فجر 24 فبراير2022، نجحت روسيا  في اختراق شركةViasat للأقمار الصناعية - مزود أمريكي- تقدم خدماتها للدول الأوربية واعتمدت عليها أوكرانيا للتواصل مع قوات جيشها في الخطوط الأمامية،ونظرا لأهمية هذا البعد الجديد في الحرب طالب نائب رئيس الوزراء الأوكراني بعد 48 ساعة من اندلاع الحرب بمساعدة أيلون ماسك وتوفير تقنيات شركةStarlink، وذلك لربط أوكرانيا بالأقمار الصناعية عبر شركة""SpaceXوالتي وصلت إلى بما يزيد على 50 قمراً صناعياً ، وكانت جزءً مهما في الحفاظ على اتصال خدمات الطوارئ داخل الجيش الأوكراني وعمل البنية التحتية الحيوية.و التقديرات العسكرية على جبهات القتال.وكشف مناطق تمركز القوات الروسية،. وتتبع السفن الحربية الروسية في البحر الأسود، بما في ذلك الطراد موسكفا الذي أغرقته أوكرانيا.

واعتمدت كل من روسيا وأوكرانيا على تحديد المواقع والملاحة والتوقيت في الفضاء (PNT) لشن ضربات دقيقة على الأهداف الرئيسية، بينما تستخدم صواريخ كروز الروسية أقمارها الصناعية الخاصة بتحديد المواقع في Glonass للعثور على أهدافها. وتوظيف تلك الأقمار في عمل الطائرات بدون طيار و أن تكون مركز للتحكم والسيطرة من الفضاء إلى جانب المحطات الأرضية

ودفعت عملية فرض عقوبات أمريكية على روسيا في مجال الفضاء واستخدام المحطة الدولية، إلى تعزيز اتجاه روسيا وكذلك الصين في بناء محطة خاصة بها  والتي بدأت بالفعل ، ويشكل ذلك تأثير واضح لتأثير الأبعاد الأمنية في التعاون العلمي واستكشاف الفضاء.

طلب وزير التحول الرقمي الاوكراني من ايلون ماسك المساعدة بتقدم خدمات الاقمار الصناعية

2-تصاعد الإنفاق والاهتمام العالمي بعسكرة الفضاء

طالبت إدارة "بايدن" في 28 مارس 2022 تخصيص ميزانية لوزارة الدفاع تقدر بـ  773 مليار دولار عام 2023 ، منها  24.5 مليار دولار لقوة الفضاء الأمريكية وهو ما يزيد بمقدار 5 مليار دولار عما تم اعتماده من قبل الكونجرس  عام 2022.حيث تم تخصيص 1.5 مليار دولار لوكالة تطوير الفضاء الى جانب  18.05 مليار دولار للقوة الفضائية ، والتي تم تدشينها في 20 ديسبمر 2019  وهي القوة المسئولة عن تنظيم وتدريب وتجهيز القوات للقيام بعمليات فضائية عالمية ،وكفرع جديد للقوات المسلحة منذ تاسيس القوات الجوية عام 1947.

ويعبر ذلك عن اتجاه البيت الأبيض لاعتبار الفضاء أمر حيوي للأمن القومي وكونه جزء لا يتجزأ من الحرب الحديثة ، ومحاولة الحافظ على الهيمنة الفضائية وتحسين القدرة على مواجهة التحديات المتصاعد في الفضاء وردع الأعداء والمرونة أثناء العمليات العدائية .

وتركز الولايات المتحدة في مواجهة النزاعات المستقلبية في الفضاء على كيفية تطوير القدرات الدفاعية والاستثمارات في مجال اجهزة الاستشعار والتكامل بين الجهد الحكومي والتجاري وبين الحلفاء ، وقيام الجيش الامريكي بتصميم هياكل فضائية منتشرة في مدارات متنوعة وذلك للحد من مهاجمة الأنظمة الفضائية ، ويتم تطوير توظيف الذكاء الاصطناعي في الاستيلاء على الاجسام المضادة في الفضاء ، ولا ينفصل هذا الجهد عن تحفيز المشغليين التجاريين وبخاصة من جانب الشركات الامريكية في وضع دفاعات متقدمة على انظمتها بشكل يجعلها اكثر مقاومة للتشويش او الهجمات السيبرانية .

ويشكل الصعود الفضائي من قبل كل من الصين وروسيا تحديا للتفوق الأمريكي التقليدي ، وذلك عبر تبني البرامج الفضائية العسكرية إلى جانب البرامج الأخرى ذات الأبعاد المدنية ،و يشمل ذلك تهديدا لاستقرار عمل البنية التحتية الفضائية من وجهة النظر الأمريكية .وهو ما يدفعها للاستثمار في بناء أنظمة فضائية متقدمة ، وحماية البنية الفضائية عن طريق الأقمار الصناعية الخاصة بالإنذار المبكر التي تستخدم أجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن القذائف الباليستية والصوتية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتتبعها.

ويأتي ذلك مع تخوف أمريكي من خسارة سباق الفضاء مع الصين مع تطوير الأخيرة قدراتها بوتيرة متسارعة ، وذلك بالرغم من احتفاظ الولايات المتحدة بكونها القوة الفضائية الأكثر تقدما وهيمنة  فمن بين أكثر من 4500 قمر صناعي  تمتلك أكثر من النصف بمقدار 2700 قمر صناعي وما يقرب من سبعة أضعاف  ما لدي الصين ، والتي حققت رقم قياسي في عمليات الإطلاق الفضائية خلال العامين الماضيين فقط  .

ودفعت تلك التطورات إلى  تنبي إستراتجية الأمن القومي الأمريكي مبدأ الصين كمنافس استراتيجي رئيسي وروسيا كتهديد خطير لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الفضاء . وتعاني الولايات المتحدة من نقطة ضعف إستراتيجية  على الرغم من هيمنتها تتمثل في عدم امتلاكها منصا2020،ية أقمارها من أي اعتداء أو هجوم يكون مصدره الفضاء ،وتحاول منع محاولة إعاقة أنشطتها الفضائية من قبل دول أخري.

ومن أهم مؤشرات السباق نمو مجال الاستكشاف الدولي للفضاء مثل رغبة  الصين الوصول للمريخ بحلول عام 2020 ، وأن تصبح "قوة فضائية كبرى" بحلول عام 2030.ودول أخري مثل روسيا وإسرائيل والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل،وظهرت قوة صاعدة مثل المكسيك وجنوب إفريقيا وإيران وسنغافورة ونيجيريا والأرجنتين.ويشهد الفضاء الأسيوي حالة غير مسبوقة من التنافس انعكاسا لحالة التوتر حول الحدود والمصالح بين القوى الإقليمية مثل الهند وباكستان .أو ما بين إيران والغرب ،أو بين إسرائيل والعرب.

أكثر الدول التي تنتج مخلفات فضائية والتي تتحول الى مهددات للامن الفضائي

3-اتجاهات تنامي العسكرة بين الأسلحة والهيمنة

  •  فرض امتلاك دول لأسلحة فضائية زيادة فرص تعرض أي دولة تمتلك"بنية فضائية" لخطر الهجوم ،أو أن تصبح هدفا لهً في حالة النزاع المسلح "على الأرض " ،واحتمال تجاوز تأثير ذلك طرفي أو أطراف الصراع المفترضين لتصيب  كافة أنظمة البنية الفضائية المدنية الكونية،وهو ما يكون له تداعيات مختلفة على المجتمع الدولي قاطبة.
  • إن دخول دول جديدة النادي الفضائي الدولي فضلا عن  الزيادة في عدد الفاعلين أو الأنشطة الفضائية سيعمل من جهة على صعوبة السيطرة على السلوك الدولي ،و احتمالية التعرض للمخاطر إما المرتبطة بالصراع الدولي أو بضعف تنظيم الاستخدام مع عدم التوصل إلى اتفاقية للحد من التسلح في الفضاء .
  •  تصاعد اتجاهات عسكرة الفضاء  بسبب محاولة القوى الكبرى الاستحواذ أو الحفاظ على القوة الفضائية من خلال  تعزيز قدرتها في مجال الأسلحة الفضائية أو إطلاق الصواريخ  أوالاقمار الاصطناعية حول الأرض ، أو باستخدام مقدرات الفضاء في تعزيز العمل العسكري على الأرض ، وبتعزيز قدراتها في مجال الحماية والردع والرقابة لضمان امن الملاحة الفضائية وفي نفس الوقت منع الأعداء وتمكين الحلفاء .
  •  وعلى الرغم من عدم ظهور القدرة على تحويل الفضاء كمنصة لإطلاق النيران على الأرض إلا إن المخاوف بشأن ذلك تتصاعد وذلك بسبب،تحول  الفضاء إلى مرفق دولي مشاع للاستخدام من قبل كافة الفاعلين سواء من الدول أو من غيرهم ومحاولة الدول الكبرى الحافظ على مركزها وهيمنها وإقامة قواعد عسكرية ثابتة على القمر أو أي من الإجرام السماوية  .
  •  وهناك حالة  التطور في مجال الصواريخ  البالسيتية العابرة للقارات والتي يمكن أن تحمل رؤوس نووية و،عدم وجود قدرات كبري في مجال الدفاع عن البنية التحتية الفضائية  ضد الهجمات المحتملة مثل موقف الولايات المتحدة على الرغم من هيمنتها
  • إن حال اللايقين بمدي ما وصلت إلية الدول من أبحاث في تطوير أسلحة فضائية يدفع البقية إلى الاستثمار فيها لتحقيق ردع مفترض ضد احتمال التعرض للهجمات.وبخاصة إن التطور في  تكنولوجيا الفضاء أدت إلى تنامي القدرات الذاتية للدول، بعد أن كانت صعبة  الوصول  نتيجة التقدم في مجال التكنولوجيا و المعرفة وتقليل التكلفة وسهولة الاستخدام.
  •  تحول سباق الفضاء من الجانب العلمي فقط  إلى العسكري ومن النشاط العسكري السري إلى الإعلان عبر تأسيس جيوش فضائية بما يعني الإقرار بتحول المجال لـ"ساحة حربيه"، وفي ظل تصاعد أهمية "القوة الفضائية" على حساب "القوة الجوية ".والتحول من حالة الاستكشاف المداري حول الأرض إلى السعي لإقامة قواعد ومركبات ثابتة على القمر أو غيره من الإجرام السماوية.
  • على الرغم من تصاعد الاستخدامات العسكرية للفضاء إلا إن المجتمع الدولي يتجه إلى زيادة الاعتماد عليه  كذلك في الأنشطة المدنية- التجارية  وبخاصة في مجال الانترنت والاتصالات.وفي تعزيز القدرات في مجال اقتصاد الفضاء.وهو ما يزيد في نفس الوقت من التنافس والصراع حول مقدراته
  • مع  انتقال الشركات من مرحلة تقديم  المنتجات والخدمات الفضائية إلى القيام بالاستكشاف إلى ما وراء مدار الأرض المنخفض بموافقة الدولة، برزت تحديات الالتزام بسلطة الدولة والقانون الدولي  ظل  اختلاف الدافع ما بين الطابع السياسي والأخر التجاري .،مثل دور الشركات الأمريكية كشركة  SpaceX أو شركة  Virgin Orbit أو  شركة Blue Origin
  • تنامي دور الاستخدامات العسكرية للفضاء في مناطق الصراعات، كتوظيف الجماعات الإرهابية أو المسلحة  أو عبر تعزيز عمل  منصات إطلاق للطائرات بدون طيار، إلى جانب  عسكرة الذكاء الاصطناعي و شن الحروب النفسية والإعلامية  .وهو الأمر الذي يغذي الصراع الدولي ويزيد من وتيرته وانعكاساته على الأمن الدولي
  • ولم يقتصر تحدي الأمن الفضائي على البعد العسكري فقط بل برزت تحديات جديدة  مثل تحديات التغير المناخي ، وتفاقم مشكلة النفايات الفضائية وتعد أكبر تهديد لتدمير الأقمار الصناعية والتأثير في الأمن الفضائي ،ويمكن استخدامها كسلاح غير مباشر من قبل  دولة ما لتدمير قمر صناعي للعدو ،وذلك دون مساءلة  دولية.

 

سادسا : القانون الدولي وفرص تعزيز الأمن الفضائي 

 كان من أهم الجهود الدولية لاتخاذ إجراءات وتدابير وقائية لحماية الأمن الفضائي هي التوصل لاتفاقية الفضاء الخارجي والأجرام السماوية عام 1967،وهي المعنية بتنظيم الاستخدام السلمي،ومرور الرحلات والمركبات  الفضائية ،وحرية استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي دون تمييز وعلى قدم المساواة ،وعدم جواز التملك القومي للفضاء أو بادعاء السيادة أوضع اليد أو الاحتلال أو بأي وسيلة أخرى،و التزام الدول في مباشرة نشاطها بالقانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة بغية صيانة السلم والأمن الدولي .

ولكن لم تذكر الاتفاقية  الأسلحة الفضائية مع التطور في مجال نشرها واستخدامها مع التقدم التكنولوجي إلى جانب وعدم وجود اتفاق دولي يمنع  الاختبارات العسكرية للقدرات الصاروخية في الفضاء. وعلى الرغم من حظر المعاهدة أسلحة الدمار الشامل، لكنها لا تتطرق للأسلحة التقليدية الأخرى. ورغم ذلك يمكن تكييف ذلك وفق روح ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة إلى جانب  معاهدة الأمم المتحدة للقمر لعام 1979.والتي تؤكد أن القمر جزء من التراث المشترك للبشرية وإن موارده "لا تخضع للاستيلاء الوطني من خلال المطالبة بالسيادة، أو عن طريق الاستخدام أو الاحتلال، أو بأي وسيلة أخرى" .

 و تواجه عملية التحكم أو السيطرة على سابق التسلح في الفضاء بتحديات ترتبط باختلاف طبيعته عن غيره من المجالات الدولية الاخري ،والتي يمكن إخضاعها للسيطرة المادية وسهولة المراقبة والتفتيش ،و صعوبات تتعلق بكون الفضاء  مشاعا ولا يستطيع احد ادعاء تملكه أو ممارسة سيادة الدولة عليه.

وإن الاتجاه نحو استكشاف الفضاء سيؤدي معه إلى إعادة التاريخ الاستعماري  على الأرض والحفاظ على هيمنة الدول الكبرى في الفضاء كساحة جديدة للصراع ،وفي عام 2008 اقترحت روسيا والصين  في مؤتمر نزع السلاح  معاهدة لمنع وضع أسلحة في الفضاء ، أو استخدامها  أو التهديد بها .

 وترفض الولايات المتحدة بدء مباحثات حول التسلح في الفضاء تحت رعاية الأمم المتحدة بدعوى أنها ستعمل على الحافظ على القدرات الفضائية لكل من روسيا والصين في تطوير أسلحة فضائية ويحد من قدراتها.

وتواجه مقترح الاتفاق  بثلاث مشكلات رئيسية: "الأولى، لا يمكن التحقق منها بفاعلية،وغياب آليات التحقق والمراقبة. ،و"الثانية، أنها لم  تذكر قضية  الأسلحة الأرضية المضادة للأقمار الصناعية، والثالثة، لا تقوم بتعريف ماهية السلاح في الفضاء الخارجي".

وفي مارس 2019  اجتمع خبراء حكوميون  بجينيف من 25 دولة بمكتب الأمم المتحدة لعقد مباحثات حول كيفية منع تحول الفضاء  لساحة "حربية"، ووضع عدة بنود يمكن تضمينها في المستقبل في  معاهدة للأمم المتحدة ، و أخذ  التدابير الدولية  على  أساس  قانوني غير ملزم ،ويرى اتجاه إن ذلك يعد  أكثر فعالية من اتفاقية ملزمة. بينما يفضل  الاتحاد الأوروبي بما فيها ألمانيا أهمية تعزيز إجراءات الشفافية وبناء الثقة كتدابير لينه لمنع التسلح الفضائي. وتسعى روسيا والصين إلى إعادة  تقديم  معاهدة دولية محدثه لحظر نشر الاسلحة في الفضاء .

وتطالب الولايات المتحدة بالربط بين ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة بأنه "يمكن لدولة ما أيضا استخدام القوة العسكرية لحماية نفسها من الأعمال العدائية"،والفصل الثالث من معاهدة 1967 الذي ينص على"أن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يمتدان ليشملا استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي”،وهو ما يعني أنة بإمكان أي دولة القيام بمهام مراقبة الفضاء وتطبيق القوة الفضائية لحماية ممتلكاتها في الفضاء .ومن ثم أهمية ترسيخ قواعد لحماية البنية الفضائية من خطر القصف أو التدمير، وكذلك مواجهة الأخطار الكونية مثل التغير المناخي والمخلفات الفضائية .

وتساند الولايات المتحدة مبادرة أخرى بقيادة أوروبية لإرساء "معايير" للسلوك السليم من خلال إنشاء مدونة طوعية دولية للقواعد السلوكية للفضاء الخارجي. سوف تكون بمنزلة خطوة أولى، يعقبها اتفاق ملزِم ، والتي تطالب بالمزيد من الشفافية و"بناء الثقة" بين الدول المرتادة للفضاء كوسيلة لتعزيز "الاستكشاف والاستخدام السلمي للفضاء الخارجي". يمكن لهذا -كما هو مأمول- أن يمنع توليد المزيد من الحطام وتطوير الأسلحة الفضائية. ومع ذلك، وكحال المعاهدة الروسية-الصينية، لم تضع المسودة تعريفًا دقيقًا للمقصود بالسلاح الفضائي

وهو أمر بات يكشف عن تنامي عسكرة الفضاء الخارجي من جهة  وعن انتقال التوتر الدولي بين القوى الدولية  من الأرض إلى الفضاء الخارجي من جهة أخرى ، وهو الأمر الذي يحمل معه تأثيرات سلبية على الأمن الفضائي كرافد أساسي من الأمن الجماعي الدولي . ويهدد تلك التوجهات العالمية بتحول  الفضاء إلى ساحة حربية وتهديد اطر التعاون والتكامل والبحث العلمي .وبحقيقة كونه مرفقا دوليا وترثا مشتركا للإنسانية.

*مدير المركز العربي لآبحاث الفضاء الالكتروني - القاهرة 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
  • أكاديميات ألهمت نهضة أوروبا الحديثة ...المعارف الفلكية الإسلامية
  • الفضاء الإلكتروني وأثره على الأمن القومي للدول: الحروب الإلكترونية نموذجاً
  • كيف يتم صناعة الفقاعات داخل المجتمع في العصر الرقمي ؟
  • لماذا الاهتمام بالذكاء الاصطناعي؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ