وتثير التجربة الروسية الشكوك الامريكية حول تطوير اسلحة فضائية يمكن ان يتم توظيفها في الصراع المحتدم بين القوى الدولية ، وعلى الرغم من تشكيل الولايات المتحدة فرع جديد للقوات الفضائية في 20 ديسمبر 2019 تابع للجيش الامريكي الى جانب القوات الجوية الا انها مازالت تعاني من ضعف القدرات الفضائية في مجال الدفاع عن الاقمار الاصطناعية التي تستحوذ عليها ،والتي تزيد على نصف عددها العالمي، وتتفاوت وظيفتها من الاستخدامات المدنية الى العسكرية او المزدوجة الاستخدام، ويزيد الامر خطورة مع عدم وجود اتفاقية دولية للحد من التسلح في الفضاء الخارجي ،والتي ترى الولايات المتحدة ان توقيعها على هكذا اتفاق سيكون من شأنه الحفاظ على التقدم الروسي والصيني في تطوير اسلحة فضائية ويحد في المقابل من قدراتها المتنامية في هذا المجال، وهو أمر بات يكشف عن تنامي عسكرة الفضاء الخارجي من جهة وعن انتقال التوتر الدولي بين القوى الدولية من الارض الى الفضاء الخارجي من جهة أخرى ، وهو الأمر الذي يحمل معه تاثيرات سلبية على الامن الفضائي كرافد اساسي من الامن الجماعي الدولي .
تجربة روسية جديدة
نجحت روسيا في اجراء اختباراً تدميرياً على صاروخ مضادّ للأقمار الصناعية استهدف من خلاله أحد أقمار روسيا الاصطناعية في مداره "كوسموس 1408"، وهو الامر الذي تسبب في انتشار حطامه بالفضاء،بلغت أكثر من 1500 قطعة من الحطام المداري الممكن تتبّعه، ومئات آلاف القطع من الحطام المداري الأصغر حجماً، ووصفت الولايات المتحدة تلك التجربة بانها تمثل تهديد لمصالح جميع الدول ،وامن وسلامة رواد الفضاء وتؤثر على سلامة عمل محطة الفضاء الدولية، وكافة الأنشطة البشرية الأخرى في الفضاء.ووص
ف من جانبة "أنتونتي بلينكن" وزير الخارجية الامركي ،تلك التجربة الروسية بانها "سلوك طائش وغير مسؤول"، ويظهر استعداد موسكو لتهديد استدامة الفضاء الخارجي على المدى الطويل، وتعريض استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي من قبل جميع الدول للخطر،وأعلن أن الولايات المتحدة "ستعمل مع حلفائها وشركائها للرد على هذا العمل غير المسؤول".[1]
وجدد "بلينكن" دعوة جميع الدول المشاركة في ارتياد الفضاء إلى الانضمام إلى الجهود المبذولة لتطوير "قواعد السلوك المسؤول، والامتناع عن إجراء اختبارات تدميرية خطيرة وغير مسؤولة مثل تلك التي تجريها روسيا"2]
.ومن جهة أخرى عبر وزير الدفاع البريطاني "بين والاس" عن معارضته للتجربة الروسية، واعتبرها تُظهر تجاهلاً تاماً لأمن الفضاء وسلامته واستدامته ، وان الحطام الناتج عن الاختبار سيبقى في المدار، مما يعرض الأقمار الاصطناعية ورحلات الفضاء البشرية للخطر خلال السنوات المقبلة.
وتشكل الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، والتي تحطم أهدافها خطراً على الفضاء من خلال تكوين سحابة من الشظايا، التي يمكن أن تصطدم بأجسام أخرى، والتي بدورها يمكن أن تطلق سلسلة من ردود الفعل من المقذوفات عبر مدار الأرض.
وتعد تلك الاسلحة الجديدة مجالا للابحاث العسكرية السرية ، وميدان للتسابق بين القوى الكبري ، والتي لا تعتمد بالضرورة على قوة النيران بل تعتمد على القدرات في مجال التشوية والتعمية والسيطرة والتحكم .ومن ثم قد لا تشمل القدرات التدميرية بالضرورة "تفجير الأقمار الاصطناعية"، حيث يمكن الاعتماد على الوسائل الأقل عدوانية او نارية مثل الهجمات الإلكترونية التي تعترض تدفق البيانات بين الأقمار الاصطناعية والمحطات الأرضية.
وجاء الموقف الروسي مقللا من مخاطر التجربة التي تم اجرائها، وعبرت رسالة نشرتها وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" على حسابها في تويتر عن التقليل من اي مخاطر محتملة لتلك التجربة . وأكدت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء، أنها أجرت تجربة أسلحة استهدفت قمرًا صناعيًا روسيًا غير مستخدم،وأن حطام الاختبار لم يشكل أي تهديد للمحطات الفضائية والأقمار الصناعية في المدار، مما يتعارض مع تعليقات واشنطن، متهمة إياها بـ"النفاق".[3]
تهديدات متصاعدة للامن الفضائي
وفيما يتعلق بالدول التي اصبحت تملك قدرات فعلية في مجال تدمير الاقمار الاصطناعية الى جانب الولايات المتحدة وروسيا نجحت الصين في عام 2007 ،ونجحت الهند في مارس 2019 في القيام بالتجربة فيما عرفت بالمهمة "شاكني" وتوجد تقديرات اخري بوجود دول تمتلك بالفعل تلك القدرات الا انها لم تقم بتجارب تم رصدها او انها قامت بتجارب سرية.
وهناك سلاح مباشر مضاد للأقمار الاصطناعية ASAT، ويكون في شكل قطعة من المعدن بها نظام توجيه خاص، ومثبتة على قمة صاروخ باليستي. وتنفصل عنه بعد مغادرة الغلاف الجوي للأرض، ثم تقوم بتصحيح مسارها للاقتراب من الهدف وحدوث الاصطدام عند السرعات المدارية،وهو الامر الذي يتسبب في انتاج طاقة حركية هائلة تؤدي الى الانفجار.[4]
ومن ضمن الاسلحة الفضائية قدرات استخدام الطاقة الموجهة من المحطات الأرضية إلى الأقمار الاصطناعية والمنصات المدارية، والى جانب استخدام أجهزة تشويش في المدار وأسلحة الطاقة الموجهة ذات التقنية العالية،ويمتلك الجيش الأمريكي صواريخ اعتراضية للدفاع الصاروخي يمكن إعادة تشكيلها للهجمات المضادة للأقمار الاصطناعية.ناهيك عن قدرات نشر أشعة الليزر القاتلة للأقمار الاصطناعية على طائرة طراز X-37 للقوات الجوية الامريكية
وتتمتع الصين بقدرات كبيرة في مجال الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية وأنظمة فضائية للحرب الإلكترونية.،ولدى روسيا مشروع بناء صاروخ أرضي مضاد للأقمار الاصطناعية يسمى (نودول) ،وتقوم كل من الصين وروسيا ببناء أقمار صناعية قادرة على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات.
وعلى الرغم من المخاوف بحدوثة في المستقبل القريب لم تقدم اي دولة حتى الآن على تدمير قمر صناعي لدولة أخرى، ويرتبط بذلك محددات امتلاك القوى الفضائية قدرات عسكرية هائلة الى جانب انها قوى نووية ، ويأتي الى جانب ذلك حالة التداخل والاستخدام المزدوج للأقمار الاصطناعية بين الابعاد المدنية والاخرى العسكرية،والاتجاة الى المواجهة والتنافس غير المباشر ، وبخاصة فيما يتعلق بتنامي القدرات في مجال التجسس والمراقبة والتنافس العسكري - التقني .
وعلى الرغم من الاستخدام السلمي للأقمار الاصطناعية فأنها لها دور عسكري متنام بين القوى الدولية ،وتحولت بذلك من مجرد تطبيقات للنفع العام إلى وسيلة لإلحاق أضرار مباشرة وأخرى غير مباشرة، وجاء ذلك مع تصاعد الأهمية الإستراتيجية للفضاء الخارجي من جهة،وتصاعد عسكرته من جهة أخرى ، وتفاقم التأثيرات السلبية للنشاط الفضائي ومنها النفايات الفضائية ،والتي أصبحت مصدرا لتهديد أمن المركبات والأقمار بل ومستقبل النشاط الفضائي برمته.[5]
وتمثل المكونات الخاصة بالأقمار والمركبات الفضائية مصدرا للقلق سواء بتوظيفها في العمل العسكري أو بعد انتهاء دورة عملها بتحولها إلى نفايات ومخلفات ضارة تشكل تهديدا كذلك للملاحة الفضائية ، وعلى الرغم من قدم الاهتمام بتلك القضية منذ إطلاق "سبوتنك 1" عام 1957. الا أنها أخذت اهتماما غير مسبوقا من قبل الدول والشركات والجامعات للبحث عن حلول لمواجهتها وحرقها في الغلاف الجوي للأرض .
وقد بدأت قيادة الدفاع الجوي الأميركية منذ التجربة الأولى للاتحاد السوفيتي السابق في بناء قاعدة بيانات لجميع عمليات إطلاق الصواريخ والأجسام الفضائية ، بما فيها الأقمار الاصطناعية والدروع الواقية وأجزاء الدفع الصاروخي.
وجاء هذا الاهتمام والرصد للمعطيات في الفضاء الى جانب حوادث الاصطدام المدمرة بين الأقمار الاصطناعية ، وحوادث اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية ،أو من عملية إطلاق الصواريخ وتحرير خزانات الوقود.
وكان هناك اعتقاد شائع بأن انحدار الحطام الفضائي إلى المدارات الأرضية الأدنى سيؤدي إلى زواله بسرعة، الى أن أطلق " دونالد كيسلر" من وكالة"ناسا" عام 1978 نظريته التي تربط بين زيادة أعداد الأقمار الاصطناعية في الفضاء وازدياد فرصة اصطدام بعضها ببعض، مما يؤدي إلى تكون غيوم من الشظايا تتسبب بدورها في مزيد من التصادمات.
وبخاصة في ظل تزايد "ازدحام الفضاء" نتيجة للعدد الكبير من إطلاق الأقمار الاصطناعية وزاد وفق مكتب الأمم المتحدة لشئون الفضاءUNOOSA ،عدد الدول التي نجحت في إطلاق أقمار اصطناعية الى 82 دولة عام 2018 مقارنة بـ 50 دولة عام 2008 ، وتم إطلاق 900 قمر اصطناعي في الفترة(2014-2018) ، وزادت أيضا الأقمار والمركبات الفضائية التي تم إطلاقها بزيادة 90% حتى عام 2018 مقارنة بعام 2001.
ولا شك ان تصاعد هذا النشاط الفضائي ينتج عنه نفايات وحطام من عمل الأقمار الاصطناعية أو بعد انتهاء دورة عملها ، وسرعان ما تتحول تلك المخلفات إلى تهديد دائم وفي أي لحظة للمركبات والأقمار الأخرى العابرة ، ويأتي ذلك مع صعوبة السيطرة عليها او التحكم فيها او العمل على اصطيادها .
وتتكون النفايات من كافة الحطام والمخلفات من الجزئيات المرتبطة بأي جسم من صنع الإنسان يقع في مدار حول الأرض لا يؤدي وظيفة مفيدة، وظهر ذلك إما نتيجة موت القمر او حطامه او مخلفاته. أو من مركبات الإطلاق المهجورة أو بقايا صورايخ الوقود .
وأصبح يتزايد حجم النفايات الفضائية مع عملية الإطلاق المتصاعد في الأقمار والمركبات الفضائية ، وبخاصة في ظل وجود ما يزيد على 8,593 مركبة فضائية حول الأرض ، وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 170 مليون قطعة من النفايات، ويدخل ما بين 200 إلى 400 من الحطام الفضائي إلى الغلاف الجوي للأرض كل عام.،ويمكن لقطعة منه أن تصل سرعاتها من 4.3 إلى 5 أميال في الثانية.وبما يكون أسرع بذلك بنحو 7 أضعاف من اطلاق "الرصاصة" من "المسدس"،
وتكمن خطورة تلك النفايات بقدرتها على الاستقرار في الفضاء وبتهديدها للملاحة الفضائية وبإمكانية اصطدامها بالأقمار العابرة،وهو الأمر الذي يهدد أمنها وامن رواد الفضاء ، وإلحاق أضرار بالغة متوقعة بمحطة الفضاء الدولية ،وفقدان عمل الاتصالات المدنية ، وإبطال عمل نظام تحديد المواقع العالمي، والانترنت وتنسيق الرحلات الجوية .
وقد لعبت عدة عوامل في زيادة المخاوف من التأثيرات الواقعة والمحتملة للنفايات الفضائية ، ومنها ، قيام الصين في عام 2007 ، باستخدام سلاح فضائي لتدمير أحد أقمارها الاصطناعية الخاصة بالطقس ،والذي أنتج أكثر من 3000 قطعة من الحطام الفضائي - وهو الأكبر الذي تم تتبعه على الإطلاق. وفي 10 فبراير 2009 ، حدث تصادم بين قمر اصطناعي للاتصالات الأمريكية وقمر اصطناعي روسي.
ووجود مؤشرات أخرى على تجارب استخدام أسلحة فضائية على النحو الذي يهدد البنية التحتية الفضائية للدول او للشركات الخاصة او لمحطة الفضاء الدولية .
وأبلغت الولايات المتحدة 655 إنذارًا لمشغلي الأقمار الاصطناعية للتحذير من تصادم محتمل مع الحطام الفضائي. وفي سبتمبر من عام 2018 نجح العلماء في اختبار نشر شبكة فضائية للمساعدة في تعطل الحطام المداري وحرقه في الغلاف الجوي للأرض.
وتخسر سنويا وكالة "ناسا" ما بين 3 أو 4 أقمار اصطناعية بسبب الاصطدام بالحطام الفضائي، وتسير النفايات بسرعة تفوق 27 ألف كيلومتر/الساعة،بما يجعلها قادرة على إلحاق الضرر بالأقمار الاصطناعية أو المركبات الفضائية.
وفي مارس 2019، انضمت الهند إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين في سباق التسلح الفضائي، بعد تدميرها لقمر اصطناعي يتبع لها بصاروخ أرضي. وعلى أثر ذلك، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية أن التجربة الهندية أنتجت 400 شظية تدور حول الأرض، وأكدت زيادة احتمال خطر اصطدام المخلفات بمحطة الفضاء الدولية بنسبة 44% خلال الأيام العشرة التي تلت التجربة
وأدت كثافة الحطام المتواجدة في الفضاء إلى حدوث تصادم في مدار الأرض كل 5 أعوام،وهو ما يحتم العمل سنويا على إزالة ما بين 5 إلى 15 قطعة حطام فضائية للتقليل من الأضرار المحتملة التي تقدر خسائرها حال حدوثها بمليارات الدولارات. ويزيد حجم 29 ألف قطعة من النفايات عن 10 سنتميترات ،والتي تدور حول الأرض بسرعة تصل إلى 25 ألف كيلومتر في الساعة، وهو ما يفوق سرعة الطائرة بـ40 مرة، ومن الممكن للحطام أن يلحق أضراراً بالغة في مركبات الفضاء أو القمر الاصطناعي .
الجهود الدولية لمواجهة النفايات الفضائية.
وفي إطار الجهود الدولية لمواجهة ظاهرة النفايات الفضائية، أعلنت مؤسسة روسية للأنظمة الفضائية عن تصميم قمر اصطناعي بتكلفة 7,5 مليار روبل ، يعيد تدوير النفايات بعد اصطيادها عند مستوى ارتفاع من 500 إلى 700 كلم[6]
وأطلقت الصين مشروع لتحويل النفايات المدارية إلى وقود عن طريق تحويل الأنقاض إلى بلازما من الأيونات والإلكترونات الإيجابية من خلال درجات حرارة عالية، وتستخدم القوات الجوية الأمريكية برنامج يسمىSpaceFenceللمساعدة في تتبع مسار وكمية النفايات ،وتوسيع "سياج افتراضي" حول الأرض .وفي إطار تجربة للتصدي للكميات المتنامية من النفايات الفضائية تم إطلاق قمر أوربي يستخدم تكنولوجيا تشبه أساليب الصيد القديمة كالرماح والشباك.
وفي عام 2014، اقترحت وكالة الفضاء الأوروبية أيضا عدداً من البدائل للتعامل مع النفايات ،والتي منها استخدام الشباك أو الذراع الآلية لجمع النفايات، وسحب الحطام من مداره إلى ارتفاع منخفض في الغلاف الجوي للأرض، بما يؤدي إلى احتراقه، ومن المتوقع أن يبدأ هذا المشروع في عام 2023.
وهناك حلول أخري باستخدام شراع شمسي لالتقاط المخلفات الفضائية وجذبها ، وإرسال شبكة بعرض ثلاثة كيلومترات لإخراج البقايا الفضائية من المدار حول الأرض.
ومن جانبها تحاول الشركات الخاصة التي خاضت غمار الفضاء ، والتي من ضمنها شركة"سبيس إكس" في التعامل مع النفايات الفضائية ، وذلك بإضافة تقنية جديدة إلى أقمارها تمنحها القدرة على تتبع الحطام المداري وتجنبه.وتطوير مكونات الأقمار بتصنيعها من مواد تحترق بسرعة عند إيقاف تشغيلها وعودتها إلى الغلاف الجوي. وأقترح بعض العلماء إرسال بالونات إلى الفضاء من أجل ضرب النفايات بعاصفة من الرياح عند انفجار البالونات.
وتوصل باحثين في جامعة "توهوكو" اليابانية لطرق تزويد قمر اصطناعي بحزم من أشعة البلازما تستهدف النفايات الفضائية،وهو ما يؤدي إلى إخراجها من مدارها حول الأرض إلى الغلاف الجوي .
ويقود مركز الفضاء الألماني مشروع للحد من كمية الحطام الفضائي عن طريق استخدام أشعة ليزر تعمل بطاقة عالية ،وتتمكن من إبطاء أجسام مدارية إلى النقطة التي تجعلها تسقط في الغلاف الجوي للأرض وتحترق.
وهناك عدد من الأفكار الأخرى لجمع النفايات عن طريق أقمار اصطناعية مجهزة بذراع قابض أو شبكة.وإمكانية إزالة الحطام الموجود في المدارات المنخفضة عن طريق استحضار حوادث تحطم يتم السيطرة عليها.
وتتعاون عدة وكالات فضائية في العالم في أبحاث معالجة وجمع وتدوير النفايات الفضائية، وتستهدف مبادرة الفضاء النظيف التي طرحتها وكالة الفضاء الأوروبية في عام 2012 العمل على تطوير تقنية لالتقاط الحطام الفضائي وإزالته بطريقة آمنة. وهناك مشروعا أخر يتعلق بأن يتم نصب مرآة واحدة أو بضع مرايا بداخل القمر الاصطناعي لتوظيفها في عملية تركيز أشعة الشمس على النفايات.
وابتكرت جامعه" سمارا "الروسية طريقة عمل مكنسة فضائية بإطلاق قمر "صياد" مكعب الشكل، يتكون من عدة أجزاء أساسية، أهمها وحدات من الطاقة الشمسية المحيطة بجسمه والتي تمده بالطاقة، وقسم أخر يقذف الشباك في الفضاء لاصطياد النفايات الفضائية، وجزء يخرج منه شراع يوجه القمر إلى غلاف الأرض ليحترق هناك بعد انتهاء مهمته.
وتقوم الولايات المتحدة باعتماد نظام شبكة مراقبة للفضاء على طريقة تنبؤية تحدد رسم المسارات المدارية المتوقعة للأجسام الفضائية، كي تتمكن المناظير الفلكية الأرضية من تحديد موقعها.
وأطلقت وكالة ناسا برنامج للتعامل مع الحطام الفضائي عام 1995 لرصد مشاكل نفايات الفضاء والتصدي لها، على حد سواء. وحث وكالات الفضاء المختلفة على المشاركة في عدم تلويث الفضاء ،وإنتاج أقل قدر ممكن من النفايات وصناعة أقمار صناعية أكثر صلابة لضمان عدم تحطمها في الفضاء. واتخاذ التدابير اللازمة لتجنب اصطدام الأقمار الصناعية.
وأطلقت وكالة الفضاء الأوروبية مشروعا يحمل اسم "إي. أوربيت" عام 2021.وتختبر اليابان إطلاق "الحبل الكهروديناميكي(EDT).، للقضاء على الشظايا الكبيرة من النفايات الفضائية وإخراج الحطام من مداره .
نحو فضاء آمن ومستدام
تتوقع العديد من الدراسات أن يتزايد حجم الحطام الفضائي في المستقبل ، وان يتزايد معه حجم المخاطر المحتلمة للنشط الفضائي العالمي ، وهو ما يدفع بأهمية التطور على مستوى التقني والسياسي لمعالجة تلك المشكلة ، ووضع حلول عملية للحد من تعلقها في الفضاء ، وتنمية التعاون الدولي في مجال البحث عن تقنيات متطورة لالتقاط تلك النفايات ، وبخاصة في ظل الجهود الدولية المحمودة في هذا المجال ، وهذا لا ينفصل عن أهمية الحد من عسكرة الفضاء بامتلاك الدول للأقمار الاصطناعية ذات الطبيعة العسكرية ، وتحول الفضاء لساحة لإجراء تجارب الصواريخ والأسلحة الفضائية ، وذلك إلى جانب السعي الحثيث لعدد من القوى الدولية لإقامة محطات دائمة على القمر او غيره من الأجرام السماوية الأخرى ، وذلك كبديل عن النشاط المداري حول الأرض ، وهو ما يهدد بخطر إقامة قواعد عسكرية في الفضاء .
وتكمن خطورة ذلك في احتمالية انتقال التوتر بين القوى الفاعلة في الفضاء من الأرض الى الفضاء ، وبخاصة مع ضعف الالتزام بمعاهدة 1967 للإجرام السماوية ، وفشل التوصل لاتفاق حول الحد من التسلح في الفضاء ، أو حول الحد من النفايات الفضائية وخطرها على أمن الملاحة الفضائية .ومواجهة سحابة الحطام المتنامية التي تطوق الأرض.[7]
وعلى الرغم من خطورة النفايات الفضائية، فإنه لا يوجد اتفاق عالمي للتقليل من كميتها، ولم تحقق الطرق المقترحة حتى الآن أي تطور ملموس ،وهو ما يدفع لأهمية اعتماد نظام عمل مستقل للعمل على "استدامة الفضاء "،و لتقييم قرارات المشغلين عند إطلاق أقمار اصطناعية جديدة أو أي نوع من المركبات الفضائية.والعمل على مساءلة الشركات والحكومات عن تصرفاتها في الفضاء الخارجي، ووضع مقياس يحدد مدى إتباع أنظمة الأقمار الاصطناعية لتلك الإرشادات على المدى الطويل.
و توصي لجنة الإرشادات الدولية لمشغلي الأقمار الاصطناعية بإزالة المركبات الفضائية بعد انتهاء مهامها من مدار أرضي منخفض في غضون 25 عامًا ، وبخاصة مع وجود أكثر من 3000 قمر اصطناعي ميت في مدار الأرض ،وهناك الكثير من الفرص لإعادة التدوير والتي تحتوي على مكونات نادرة وباهظة الثمن.
ومن ثم أصبحت الأقمار الاصطناعية مصدرا لتهديد امن الفضاء الخارجي والبنية التحتية الفضائية والاستخدام المدني للفضاء وذلك إما عبر تحويلها للتوظيف العسكري أو بتطويرها لتصبح أسلحة فضائية ، وذلك في أثناء فترة التشغيل وحياة عمل القمر الاصطناعي ، بينما يتحول كذلك عند انتهاء مهمته إلى مصدر أخر للتهديد في شكل نفايات وحطام يهدد أمن الملاحة الفضائية ،وهو الأمر الذي يكون له انعكاس على الأمن الدولي. ومن ثم أصبح القمر الاصطناعي قاتل محتمل سواء في حياته أو بعد موته .
*مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني
[1] واشنطن تدين بشدّة اختبار موسكو صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية ، جريدة الشرق الاوسط ، 16 نوفمبر 2021 ، shorturl.at/opA08
[2]روسيا تجري اختبارا مدمرا لصواريخ مضادة للأقمار الصناعية، بيان لوزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن، مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية، وزارة الخارجية الأمريكية، 15 نوفمبر 2021،
https://www.state.gov/russia-conducts-destructive-anti-satellite-missile-test/
[3] روسيا تؤكد تدمير قمر صناعي في مداره بواسطة سلاحها، الشرق ، الثلاثاء 16 نوفمبر 2021
https://asharq.com/latest-news/3fTJbqndKcThneoG5dPYxs/
[4]Niall Firth. "How to fight a war in space (and get away with it)". MIT Technology Review. June 26, 2019
https://www.technologyreview.com/2019/06/26/725/satellite-space-wars/
[5] د. عادل عبد الصادق ، عسكرة الفضاء الخارجي و صراع السيطرة على القوة الشاملة للدولة" ،دراسات ، المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني ، 4 يناير 2020 ، http://accronline.com/article_detail.aspx?id=30482
[6] «الصياد المدمر» يطارد «النفايات الفضائية» بالمدارات حول الأرض ، جريدة الشرق الاوسط ، 28 مارس 2019. الرابط ، shorturl.at/bcqR6
[7] Maya Wei-Haas ,Space junk is a huge problem—and it’s only getting bigger, National Geographic,