المقالات -
فرص بناء الوعي في العصر الرقمي

: 1242
السبت,12 فبراير 2022 - 05:01 ص
د. عادل عبد الصادق*
جريدة الاهرام 12 فبراير 2022

تعد قضية الوعي من أهم القضايا التي شغلت بال العديد من الساسة والعلماء عبر التاريخ ،والتي تعرضت بدورها لمتغيرات جديدة فرضتها الثورة الرقمية والمعرفية، والتي سرعان ما كان لها تأثيرات عميقة على الفرد والمجتمع والدولة ،وعلى قدر ما أتاحت للمجتمع البشري فرص جديدة للقوة و المعرفة والثروة ، فإنها جاءت كذلك بتهديدات غير مسبوقة فيما يتعلق بطبيعتها أو بمستويات مواجهتها.

فرص بناء الوعي في العصر الرقمي
اضغط للتكبير

 ودفع ذلك لأهمية صناعة الوعي والتأثير عبر المنصات الرقمية لاستهداف الكتلة الحرجة من الشباب والمراهقين ، وهم الأكثر تفاعلا واستخداما لها ، وبخاصة مع رخص التكلفة وسرعة الانتشار، وانتقال تقنية البث من الفرد الى الفرد ثم منه إلى الكل فمرحلة بث الكل الى الكل،وضخامة التفاعل مع تصاعد دور الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية .

وتطورصناعه المحتوى الرقمي سواء اكان نص اوصوت اوفيديو اوصورة،او فنون صناعة البيانات مثل الجرافيك والانفوجرافيك،ورقمنة صناعة الكتب والسينما والترفيه،وخضوع المليارات من المستخدمين عبر العالم لمؤثرات وتطبيقات واحدة عبر المجال السيبراني ، وصعدت قوى جديدة في مجال الصناعات الثقافية الرقمية ،وبدت تمارس سلطة المعرفة عبر الحدود ،وهدفت الشركات التقنية الكبري لتوظيف تلك المعطيات لتحقيق أهداف تجارية ومالية او توظيفها من قبل الدول لخدمة سياستها الخارجية وفرض قوتها الناعمة عبر الحدود.

وتوظف المؤثرات الصوتية والمرئية  في معركة الاستحواذ على القلوب والعقول لزياده عدد المشاهدات عبراستخدام تكتيكات دعائية للإقناع ولجعل التاثير اكثر عمقا في الوعي بشقيه الفردي و الجماعي.وتصاعد تصنيف واتاحة المعلومات والخوارزميات وملفات التتبع والذكاء الاصطناعي في زيادة نسب الاستهداف بين الجمهور،وفي ظل حالة الاحتكار للشركات التقنية سواء في مجال الشبكات الاجتماعية او محركات البحث او في الترفيه في مقابل ضعف البدائل الوطنية.

ويتم نشر المحتوي في جزء كبير منه في  ظل غياب التفكير النقدي وتدني الثقافة العامة وضعف دور وسائل الاعلام ، وتأثير ذلك على قدرة الفرد على ادراك وتفسير الواقع والذي يتم وفق المعرفة والقيم المتشكلة لديه عبر تلك المنصات ،والتي توجهه في اتخاذ القرار،والحكم على الأفكار او الاشخاص او الاحداث.

وباتت تؤثر كذلك في تقديره لذاته ودوره في الحياة او شعوره بالتفاؤل والسعادة أو بالانتماء،وهو ما يترجم لاشعوريا في سلوك الفرد داخل بيئه التفاعل المادية او الرقمية، وتحريك القيم بشكل عام من حالة الثبات الى حالة التفاعل ومن حالة التبني المطلق الى اعادة التفكير،ووجود سوق مفتوحه للافكار واختبارها وقياسها وتطويرها وانتقالها بعيدا عن اعتبارات الزمان او المكان.

في ظل تنامي بيئة عدم اليقين عبر المنصات الرقمية،يتم افتقاد مقياس الانتقاء بين القيم المعوقة والاخرى المعززة للتنمية ،وخروج عملية الفرز من بين أفواه المتخصصين من رجال الدين والثقافه الي اناس اخرين لا يجمعهم الا الرغبة في التأثير،لتحقيق مكاسب مادية وليست بالضرورة ثقافية.

وذلك مع تراجع دور الإعلام الموجه من قبل الدولة لصالح سيطرة الإعلام الرقمي، وصعود دور فاعلين جدد في التاثير في الراي العام ،ويمكنهم ان يحدثوا حالة من التفتت في الاتجاهات او الرغبات ،او بتصعيد ميول جديدة ،أو عبر نشر اتجاهات فكرية لا تعبر عن  اجندة المجتمع او ثقافته المحلية ،وهو الامر الذي يحد في الاخير من قدرة الدولة في التعبئة القومية للموارد لخدمة التنمية،وبالرغم من دور المنصات الرقمية في  زيادة الوعي بالمطالب لدى المواطنين ،الا انها زادت من الضغوط علي صانعي القرار مع ضعف الموارد، وهو الأمر الذي ينمي مشاعر الإحباط ،وتكون بيئة حاضنة ، توظفها جهات مغرضة لزعزعة الثقة بين الدولة والمجتمع،ويوفر ذلك فرصة لزيادة استهلاك المعلومات المضللة وتطبيقات الوعي الزائف والحروب النفسية.

وتتطلب عملية الرصد والتحليل للسلوك عبر المنصات الرقمية لبناء الوعي معالجة مفارقات منها، انة بالرغم من انها اتاحت القدرة على  التعبئة الجماعية الا انها اتاحت الفرصة للإحساس بالفردية والعزلة والانغلاق .وبالرغم من ممارسة الفرد إرادته الحرة في السلوك والتسوق الا انها اتاحت الفرصة للخضوع الى مؤثرات تشكل اختياراته وقناعاته .وبالرغم من تحولها كمصدر هائل للمعلومات المجانية الا انها لم تتحول بالضرورة الى معرفة وابداع .وبالرغم من توافر أدوات جديدة لتقصي الحقيقة الا ان تستخدم كذلك في التزييف وتغييب الوعي وتقديم ادلة وأخبار مزيفة ،وبالرغم من تحقيقها سعادة وترفيه الا انها تتحول الى مصدر للقلق والخوف والتشاؤم.

وتحتاج مواجهة التأثيرات السلبية للمنصات الرقمية الى تبني منظومة استراتيجية وطنية لبناء الوعي تكون قائمة على الاستثمار في القيم والشباب باعتبارهما يشكلان منصة التغيير،وهو ما يظهر في تطوير الوجدان والمعرفة والإدراك والسلوك لبناء وعي حقيقي.

 ويبقي القول إن صناعة الوعي الفردي هي اللبنة الاولى في بناء الوعي الجماعي ،وهي عملية تراكمية ذات ابعاد قصيرة وطويلة الأمد ،وترتكز على إحداث تغيير ثقافي يساند حركة التنمية ويحافظ عليها ويضمن استدامتها ، ويتطلب ذلك تكاتف كافة الجهود الشعبية والرسمية حول بناء الوعي باعتباره مشروعا قوميا لا يحافظ فقط علي عقل الانسان بل على ثروته وحاضرة ومستقبله،ويحرره كذلك من قيود ومعوقات التنمية ويجعله ينطلق نحو المساهمة في بناء  الحضارة الإنسانية .

*مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 

 


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ