ان ترامب من المعجبين بمقولة “كل الحقائق تستحق أن تروى”، إذ لا يتردد في استعمال تغريداته كسلاح يواجه به خصومه ومنافسيه. بالنسبة له، فالمائة والأربعون حرفًا (إلى حدود سنة 2017) أو المائتين وثمانون حرفا بعد ذلك، التي يسمح بها تويتر هي أداة لتمرير الرسائل السياسية التي يريد، وتصفية الحسابات مع الصحفيين أو السياسيين الذين يعارضونه. وقد انتشر له في وقت سابق مقطع فيديو على نطاق واسع يظهر فيه وهو يضرب صحفيًا من شبكة “سي إن إن”، بثه من حسابه الشخصي والحساب الرسمي للرئاسة الأمريكية.
اعتمد ترامب على المنصة لتجاوز القنوات الإعلامية التقليدية، ودحض الأخبار المزيفة وإيصال وجهات نظره المباشرة إلى مئات الملايين من الناس. ولا تزال تغريداته متاحة مجانا للتصفح في أرشيف ترامب على تويتر. غير أنَّ رغبة الرئيس الأمريكي في أن يكون قريبا من الجمهور قد يترتب عنها إفشاء معلومات سرية أو خلق أزمات دبلوماسية مع دول صديقة للولايات المتحدة. كانت هذه الخرجات تثير استياء مستشاريه في الإدارة الأمريكية، ولكنه كان مصرا على فتح هذه النافدة، لتجاوز الصحافة وإظهار استقلاليته وهيمنته عليها، ومن أيضا من أجل فرض أجندته الإعلامية.
غير أن هذه المحاولات للقفز على وسائل الاعلام التقليدية باستخدام منصات التواصل الاجتماعي تمت محاصرتها بتعليق حسابات ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي عقب اقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول، بدعوى وجود مؤامرة ضد دونالد ترامب لإنهاء حكمه. وقد ساهمت أحداث الكابيتول في تحديد علاقة منصات التواصل الاجتماعي بما ينشره المستخدمون، إذ كانت الشركات الرقمية في كاليفورنيا تدَّعي أنها مجرد مضيفة للمحتوى، بمعنى أنها ليست مسؤولة عما ينشره المستخدمون، على غرار وسائل الاعلام التقليدية مثل القنوات الفضائية والصحف الورقية والإلكترونية، وإنما ينحصر دورها في استضافة المحتوى كوعاء يضع فيه المستخدمون ما يشاؤون من أخبار ومعلومات، غير أنّ أحداث الكابيتول التي اعُتبرت بمثابة تهديد للمؤسسات الديمقراطية دفعت فيسبوك ومعظم منصات التواصل الاجتماعي إلى تعليق حساب دونالد ترامب، وهو ما جعل من هذه المنصات بمثابة ناشرين وليس مضيفين للمحتوى، ولو بشكل جزئي. وتحولت نتيجة لذلك من مجرد شبكات اجتماعية (أي مجرد أنابيب)، إلى سلطة مضادة، تُمَاثِلُ دور وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحافة المكتوبة والتلفزيون.
انتهت نسخة “ترامب 1.0″، بتنصيب بايدن رئيسا للولايات المتحدة، وبعد أربع سنوات من الحكم، عاد ترامب في نسخته الجديدة “ترامب 2.0″. وفي الساعات الأولى التي أعقبت فوز دونالد ترامب بالرئاسة، هنأ مارك زوكربيرج، إلى جانب رؤساء الشركات الرقمية الكبرى، الرئيس المنتخب ووصف فوزه بالانتخابات على شبكته Threads بـ”الانتصار الحاسم”. كما أعلن عن تبرعه بمبلغ مليون دولار للصندوق المخصص لتنصيب رئيس الدولة المستقبلي. وعند زيارته لترامب في مقر إقامته في فلوريدا في 27 نوفمبر 2024، لم يتردد مارك في الترويج لبضاعته الجديدة، ولَعِبِ دور البائع بعدما استعرض مزايا نظاراته للفائز في الانتخابات الرئاسية، قبل أن يقدمها له.
يبدو هذا التقارب بين الرجلين غير عادي بالنظر إلى الخلافات السابقة. ويُعزى هذا التغيير في المواقف إلى الخوف من أن تصبح الإدارة المقبلة أكثر صرامة مع شركات التكنولوجيا الكبرى. لقد دأب المرشح الجمهوري ونائبه جي دي فانس، خلال الحملة الانتخابية، على إبراز رغبتهما في “تفكيك” هذه الشركات العملاقة. لم تكن علاقة ترامب جيدة بمعظم رؤساء هذه الشركات، بدءا من زوكربورغ الذي قرر حظر حساب ترامب على منصة “فيسبوك”، إلى جيف بيزوس، المدير التنفيذي لشركة “أمازون” الذي أجبر صحيفة واشنطن بوست على التخلي عن تأييدها المزمع لنائبة الرئيس كامالا هاريس، وتخفيف حدة نقدها لترامب.
ورغم هذا التودد، أعلن ترامب في الرابع من دجنبر من سنة 2024، أي بعد إعلان فوزه بالانتخابات، أنه لن يتوانى عن تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا، متهما إياها “بخنق المنافسة”، و”قمع حقوق الكثير من الأمريكيين، وكذلك حقوق شركات التكنولوجيا الصغيرة”. ترامب، الذي لم ينس حظره من منصة فيسبوك بعد الاعتداء على مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، اتهم فيسبوك بإسكات الأصوات المحافظة، ووصف المنصة في آذار /مارس 2024، “بعدو الشعب”، وذلك في مقابلة مع برنامج “Squawk Box” على قناة CNBC. وسَتُظْهِرُ الشهور المقبلة موقف ترامب من شركة “ميتا” ومالكها مارك؟
(*) أستاذ العلاقات الدولية، جامعة ابن زهر-المغرب