المقالات - شبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام |
: 310 | |
|
الخميس,6 مارس 2025 - 07:33 ص د. عبد الحق عزوزي الشرق الاوسط حقق المنتدى السعودي للإعلام لهاتِه السنة، في نسخته الرابعة، ثقافة النحل في الإنتاج والإبداع، حيث شارك فيه أكثر من ألفيْ متحدث وإعلامي في مجالات السياسة والطاقة والإعلام والاقتصاد وتقنيات الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال، ساهموا في ثمانين جلسة وحواراً معرفياً، وإحدى عشرة مبادرة وتجربة تفاعلية؛ وقد عهد إليَّ في هذا الحفل الفكري الإعلامي البهيج بالحديث عن موضوع تأثير وسائل الإعلام الجديدة على الرأي العام، وهو موضوع يشغل بال الخاص والعام؛ لأنه يصنع الرأي ويوجه السياسات عبر العالم.
|  اضغط للتكبير
|
هذا العالم الافتراضي أصبح رفيقاً يومياً للطفل والمراهق والشاب والرجل العادي ورجل السياسة ورجل الدولة والأحزاب والبلدان وأصحاب المال والشركات، وأصبح ضرورة لا يمكن حجبها ولا تجاوزها في عالم الاتصال الجماهيري، وأحدث بذلك شرخاً في جدار الإعلام التقليدي السمعي والبصري؛ لأنه، من جهة، لم تعد النخب هي الوحيدة التي تسير وتؤثر وتنظر، ومن جهة أخرى فقد ولج شبكات التواصل الاجتماعي فاعلون كُثر.
وأضحت هاتِه الشبكات أكثر قبولاً عند الرأي العام، وعندها، اليوم، ميزة التفاعل الآني واللحظي مع كل ما يُنشر، وأصبح الإنسان بإمكانه أن يتفاعل مع الخبر وهو جالس في بيته أو في الحافلة أو في الطائرة أو في قاعات الدراسة ومُدرجات الجامعات؛ ومن يملك مفاتيحه، فقد ملك العقول والأفئدة؛ وقد فهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في حملته الانتخابية، القوة الردعية لشبكات التواصل الاجتماعي، فتحالف مع أقوى رجل هاتِه الشبكات في العالم، السيد إيلون ماسك، ووعده بمسؤوليات جمة وأبواب مفتوحة مقابل مساعدته بإدارة حملته الانتخابية من هذا المطبخ الافتراضي الجديد، لتيقُّنه بأنه أداة فاعلة ومؤثرة ومضمونة النتائج؛ وهو يشهد يومياً مزيداً من الإقبال، كما أن المنتمين إليه هم مِن كل الأعمار والفئات والمستويات؛ أي كل المواطنين. والنتيجة معروفة: فقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إيصال رسائل الرئيس ترمب إلى كل الناس، وإلى تقزيم سياسات الخصم، وإلى جلب الجمهوريين وكثير من الديمقراطيين إلى صفوفه، وأعطاه هؤلاء ضمانات وشِيكات على بياض لتسيير الداخل والخارج حسب قناعاته، ولو خالفت المألوف.
كما أن قوة شبكات وسائل التواصل الاجتماعي هاتِه تكمن في قدرتها على التأثير وصناعة الرأي العام داخل المجال السياسي العام بلغة قريبة من كل الجماهير وبمختلف اللغات، بخلاف الميديا التقليدية، وهو ما يخلق مشاكل لم تعهدها السوسيولوجيا الاجتماعية التقليدية من قبيل الإدمان الرقمي، وهو يشبه تماماً حالات الإدمان الأخرى، ويؤثر ذلك على الصحة النفسية للشخص وعلاقاته الاجتماعية وأنشطته؛ وتَعجّ عيادات الأطباء النفسيين، اليوم، بمرضى الإدمان الرقمي، وأنا على يقين من أنه لو قام السوسيولوجيون بدراسات ميدانية لوجدوا أن عدد هؤلاء المدمنين الرقميين في ارتفاع كبير، وأنه مرضٌ عضال يحتاج إلى علاجات وسياسات دقيقة لمكافحته والحد منه.
ويجب ألّا ننسى أن شبكات التواصل الاجتماعي يصعب مراقبتها أو ضبطها، فلا تملك الدول بنيات تحتية متكاملة تمكِّنها من مراقبة المحتوى الرقمي أو إيقافه، كما أن شبكات التواصل الاجتماعي هاتِه قد تؤثر على البيئة الداخلية وعلى البيئة الاستراتيجية الدولية؛ فالعديد من الدول الأوروبية مثلاً تصرخ، اليوم، بصوت مرتفع للتنديد بتدخلات إيلون ماسك في توجيه الانتخابات الأوروبية، كالنرويج وفرنسا وألمانيا وإسبانيا؛ وتتهم هاتِه الدول ماسك الذي أضحى مُنظِّراً ومُوجهاً لسياسات الدول، بأنه رجعي وبأنه يؤجج خطاب الكراهية ويشجع على التضليل الخارجي داخل حلبات الصراع السياسية الداخلية للدول؛ وقد ظهر ماسك في خرجات إعلامية لتشجيع التصويت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني متطرف؛ والنتيجة أنه في خِضم الصراعات السياسية التي تُواجهها ألمانيا، استطاع هذا الحزب أن يحقق تقدماً ملحوظاً في الانتخابات التشريعية التي جَرَت منذ أيام. كما أن أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا اجتمعت مؤخراً في مدريد على وقْع تصفيقات ماسك وتوجيهاته الظاهرة والخفية، وكان لافتاً حضور شخصيات وأحزاب يمينية من قبيل رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، وحزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، وحزب التجمع الوطني في فرنسا بقيادة مارين لو بان، وحزب الحرية الهولندي بقيادة خيرت فيلدرز.
سألتني الصحافية المتألقة ريما مكتبي، في المنتدى، عن مسائل تتعلق بالتسول والانحراف والتضليل الرقمي، فأجبت بأن هناك معادلة صعبة تكمن في كيفية خلق توازن بين حرية التعبير والتأصيل لمفاهيم القيم المتعارف عليها دولياً، وأعني بذلك كيفية قَوْننة وضبط محتوى آليات التواصل الاجتماعي بما يتماشى مع مسائل القواسم المشتركة التي تجمع بين بني البشر، وهذا ليس بعمل دولة لوحدها أو منظمة واحدة، بل يتطلب تعزيزاً للتكتلات الإقليمية والدولية لتكون قوة تفاوضية مع كبريات الشركات الرقمية العالمية.
|
|
|