ومن الطائرات الحربية إلى طائرات الخطوط الجوية لنقل البضائع والركاب وحتى الطائرات الخاصة، كانت الولايات المتحدة وما زالت إحدى الدول الرائدة في هذا القطاع.
أنزلت الحكومة الأميركية رجالاً على سطح القمر، وعلى الأرجح أن شركات أميركية خاصة، في مقدمتها "سبيس إكس"، ستغدو أول من ينقل الناس إلى كوكب المريخ.
كذلك تسارع الشركات الأميركية إلى المنافسة في سوق الطائرات الكهربائية الكبيرة القادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً، والتي عرفت بذلك الاختصار غير الموفق "EVTOL".
بيد أن الطائرات المسيرة التجارية الصغيرة تبقى هي الاستثناء الرئيسي الوحيد من الريادة الأميركية في المجال الجوي.
فالشركات الصينية هي من تهيمن على هذه السوق، إذ تحتل شركة "دا-جيانغ إنوفيشنز" أو "دي جيه آي" (Da-Jiang Innovations) موقع القيادة فيها، تليها "أوتيل روبوتيكس" (Autel Robotics)، وهي شركة أخرى لصناعة الطائرات المسيرة ترعاها الحكومة الصينية.
الطائرات المسيرة صغيرة الحجم
هذه الطائرات المسيرة في معظمها مروحيات رباعية، لديها أربعة محركات كهربائية أو أكثر، وتحمل كاميرات وأجهزة استشعار حرارية، وراداراً يخترق سطح الأرض وأجهزة أخرى.
وجدت شركات التأمين أن لتلك الطائرات فائدة كبيرة في تقييم الخسائر والأضرار. وتقوم شركات السكك الحديدية بإطلاقها حول الجسور لإجراء الفحوص المتعلقة بالأمن والسلامة. وتستطيع شركات التشييد والبناء إجراء جرد سريع للمخزون مباشرة من الهواء. كما تحبذها شركات صناعة السينما لأنها أقل تكلفة من طائرات الهليكوبتر وأسهل استخداماً.
كذلك تبين من حرب روسيا على أوكرانيا أن لهذه الطائرات استخداماً عسكرياً، إذ عادة ما تضم الفصائل العسكرية عضواً يحمل طائرة مسيرة لإطلاقها واستطلاع مواقع العدو، حتى أن الجنود البارعين يستخدمونها هي نفسها كأسلحة، من خلال ربط قنبلة يدوية بتلك الطائرات، التي تحظى بشعبية بين هواة سباق الطائرات المسيرة. وقد انتشرت على الإنترنت صور درامية لهذه الطائرات وهي تنفجر في شاحنات النقل بل والدبابات.
قانون جديد وبرنامج للمشتريات
والآن، أصبحت وزارة الدفاع الأميركية والكونغرس على دراية بمدى تخلف الولايات المتحدة في تصنيع الطائرات المسيرة التجارية حتى أن قانون الأمن الأميركي للطائرات المسيرة، الذي يحظر استخدام الطائرات المسيرة الصينية على المقاولين والوكالات الفيدرالية، جرى اعتماده والتصديق عليه في ديسمبر الماضي.
كذلك بدأت وزارة الدفاع استخدام برنامج مشتريات يُسمى "الناسخ" (Replicator)، وهو مصمم لتحفيز الإنتاج المحلي للطائرات المسيرة. ومن المفترض أن تساعد هذه الخطوات في إعادة التوازن إلى ساحة المنافسة.
لم يكن استحواذ الصين على صناعة الطائرات المسيرة التجارية من قبيل المصادفة، وفقاً للمنظمة التي تمثل القطاع وهي "الرابطة الدولية لأنظمة المركبات بدون طواقم" أو (AUVSI). فقد أغرقت الطائرات الصينية المسيرة السوق العالمية بمساعدة أرصدة الدعم الحكومية.
وقالت هذه الرابطة في دراسة صدرت في يناير: "كانت نتائج الإغراق الصيني للطائرات المسيرة مدمرة لهذه الصناعة في الولايات المتحدة". وتسيطر الطائرات الصينية المسيرة على نحو 90% من سوق الاستهلاك الأميركية و70% من سوقها الصناعية.
طائرات صينية أرخص وأكفأ
في وقت مبكر، قضى هجوم الطائرات المسيرة الأقل سعراً والأعلى قدرة بوضوح، التي تنتجها شركة "دي جيه آي" أولاً، ثم شركة "أوتيل" في وقت لاحق، على صناعة الطائرات المسيرة في الولايات المتحدة.
وأحدثت الطائرة من طراز "دي جيه آي فانتوم 4" (DJI Phantom 4)، التي جاءت مزودة بكاميرا رائعة وتقنية تفادي الأجسام، تغييراً عميقاً في هذه الصناعة عندما طُرحت في عام 2016.
تعود جذور هذه المشكلة إلى انضمام الصين في عام 2001 إلى منظمة التجارة العالمية، والتي فتحت البلد الآسيوي الذي كان منغلقاً على نفسه في السابق، أمام الأنشطة التجارية.
وكان ذلك على أمل أن ينفتح النظام السياسي الصيني أيضاً ويسمح بتدفق الأفكار تدفقاً حراً يدفع الابتكار والتنافسية بعد انضمامها إلى بقية عالم التجارة باقتصاد قائم على السوق.
غير أن هذا الأمل تبدد تدريجياً لأن الصين لم تفتح اقتصادها المحلي كاملاً أمام المنافسة الأجنبية، وأخفقت في حماية الملكية الفكرية، وفرضت نقل التكنولوجيا فرضاً من خلال اشتراطها إقامة شراكات مع الشركات المحلية. ويكاد ضياع الأمل أن يكتمل مع التشدد المتزايد الذي يتبناه الرئيس شي جين بينغ.
الحرب الروسية الأوكرانية جرس إنذار
الحرب الروسية على أوكرانيا هي جرس إنذار حول مخاطر السماح لدولة غير صديقة بالسيطرة على سوق الطائرات المسيرة، إذ قالت ستايسي بيتيجون، وهي زميلة أولى في مركز الأمن الأميركي الجديد، إن كلا الجانبين يستخدمان آلاف الطائرات الصينية المسيرة.
أوضحت بيتيجون، التي كتبت تقريراً عن استخدام الطائرات المسيرة في هذه الحرب أن: "معظم الطائرات المسيرة رخيصة جداً، وأنت ترى الكثير منها يُفقد في المعارك، ذلك أنها تُستخدم مثل الذخائر".
أما الولايات المتحدة فرائدة في مجال الطائرات المسيرة الكبيرة طويلة المدى، ومن بينها الطائرة "إم كيو-9 ريبر" (MQ-9 Reaper) من شركة "جنرال أتوميكس" والطائرة "إم كيو-4 سي تريتون" (MQ-4C Triton) من شركة "نورثروب غرومان". وهي طائرات شبيهة أكثر بالطائرات التقليدية ومتطورة بقدر ما هي باهظة الثمن. وتقول بيتيجون إن لهذه الطائرات المسيرة أهمية حاسمة في إنجاز مهام على مسافات بعيدة من المحتمل أن تكون مطلوبة في نزاع بحري، مثل أي نزاع يشمل تايوان.
العودة إلى سوق المسيرات الصغيرة
تسطيع الشركات الصناعية الأميركية، بمساعدة الحكومة، أن تعود إلى حلبة المنافسة في مجال الطائرات المسيرة صغيرة الحجم وقليلة التكلفة.
قامت "سكاي ديو" (Skydio)، كبرى شركات الطائرات المسيرة التجارية في الولايات المتحدة، بتوسعة مصنعها في هايوارد بكاليفورنيا، وتتوقع أن تساعد زيادة الإنتاج في خفض التكاليف. وقال مارك فالنتاين، رئيس الشركة ومديرها العام، إن أحدث طائرة مسيرة أنتجتها الشركة، وهي الطائرة " X10"، اجتازت فجوة القدرات بينها وبين شركة "دي جيه آي" الصينية.
وأضاف فالنتاين، الذي زار فريقه أوكرانيا 17 مرة في العام الماضي، في مقابلة أُجريت معه: "إن طائراتنا أغلى قليلاً من أنظمة (دي جيه آي). لكننا الآن نتفوق عليها في ما يتعلق بخصائص الطائرة، سواء كان ذلك في قدرات الاستشعار، أو قدرات البرمجيات والاتصال".
بعض الشركات الأميركية يساورها قلق من أن القيود المفروضة على الطائرات الصينية المسيرة ستحرمها من استخدام أفضل الآلات أداءً بأقل تكلفة. وترى هذه الشركات أنها تستطيع تأمين بياناتها من إساءة استخدامها من جانب صناع الطائرات الصينية المسيرة.
إن حظر الطائرات المسيرة الصينية حظراً كاملاً في أسواق الولايات المتحدة يشكل خطوة شديدة التطرف، بيد أن زيادة شركات صناعة الطائرات المسيرة الأميركية من قدراتها الإنتاجية مع تطوير سلاسل توريد لا تعتمد على الصين أمر بالغ الأهمية.
وفي ضوء فرص بيع الإنتاج للوكالات الفيدرالية، يجب على شركات مثل "سكاي ديو" أن تبذل مزيداً من الجهد وتنتج طائرات مسيرة صغيرة الحجم تستطيع المنافسة على جبهتي الجودة والأسعار حتى تتغلب على شركتي "دي جيه آي" و"أوتيل".