المقالات -
قوة «جوجل» الراسخة تتعرض للخطر

: 192
الاثنين,30 يناير 2023 - 07:56 ص
ريتشارد ووترز من سان فرانسيسكو ومادوميتا مورجيا من لندن
FINANCIAL TIMES

في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي الذي اندلع للتو في صناعة التكنولوجيا، تتهيأ شركة جوجل التي اخترعت كثيرا من أحدث التقنيات، لتصبح أحد الفائزين الكبار.

قوة «جوجل» الراسخة تتعرض للخطر
اضغط للتكبير


لكن هناك مشكلة واحدة فقط: مع قيام السياسيين والمنظمين بمراقبة الشركة من كثب، إضافة إلى أنموذج أعمالها المربح للغاية الذي يستحق الدفاع عنه، قد لا تكون عملاقة البحث على الإنترنت على استعداد لاستخدام كثير من الأسلحة المتاحة لها.

وجهت شركة مايكروسوفت تحديا مباشرا لعملاقة البحث هذا الأسبوع عندما أتمت استثمارا بمليارات الدولارات في شركة أوبن أيه آي لأبحاث الذكاء الاصطناعي. تأتي هذه الخطوة بعد أقل من شهرين من إطلاق "تشات جي بي تي" من قبل "أوبن أيه آي"، وهو برنامج روبوت للمحادثة يجيب عن الاستفسارات بفقرات نصية أو تعليمات برمجية، ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يحل في يوم من الأيام محل البحث على الإنترنت.

ومع الحقوق التفضيلية لتسويق تكنولوجيا "أوبن أيه آي" تجاريا، لم يخف المسؤولون التنفيذيون في "مايكروسوفت" نيتهم في استخدامها لتحدي "جوجل"، ما أيقظ المنافسة القديمة بينهما التي احتدمت بعد انتصار "جوجل" في معارك البحث على الإنترنت قبل عقد.

شركة ديب مايند، وهي شركة أبحاث في لندن اشترتها جوجل في 2014، و"جوجل برين"، وهو قسم أبحاث متقدم في مقر الشركة في وادي السيليكون، لطالما أعطيا شركة البحث قاعدة راسخة تعد الأقوى في مجال الذكاء الاصطناعي.

في الآونة الأخيرة، شرعت "جوجل" في إحداث تغييرات مختلفة فيما يسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعد الأساس لـ "تشات جي بي تي"، بما في ذلك نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على سرد النكات وحل المشكلات الرياضية.

من أكثر نماذج لغات البرمجة تقدما، المعروف باسم "با إل إم"، نموذج للأغراض العامة وأكبر بثلاث مرات من "تشات جي بي تي"، وهو نموذج الذكاء الاصطناعي الذي يقوم عليه "تشات جي بي تي"، استنادا إلى عدد من العوامل التي يتم تدريب النماذج عليها.

يستطيع روبوت الدردشة "لا إم دي أيه" من "جوجل"، أو نموذج اللغة لتطبيقات الحوار، أن يتحدث مع المستخدمين بلغة طبيعية تشبه "تشات جي بي تي". وكانت الفرق الهندسية في الشركة تعمل منذ شهور لدمجه في منتج استهلاكي.

لكن على الرغم من التقدم التقني، لا تزال معظم التكنولوجيات الحديثة موضوعا للبحث فقط. يقول منتقدو "جوجل"، "إنها محصورة في أعمالها البحثية المربحة للغاية بحيث لا تشجعها على إدخال الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنتجات الاستهلاكية".

قال سريدار راماسوامي، أحد كبار التنفيذيين السابقين في "جوجل"، "إن إعطاء إجابات مباشرة عن الاستفسارات، بدلا من مجرد توجيه المستخدمين إلى روابط مقترحة، سيؤدي إلى عمليات بحث أقل".

ترك ذلك "جوجل" في مواجهة "المعضلة الكلاسيكية للمبتكر"، في إشارة إلى الكتاب الذي ألفه كلايتون كريستنسن الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، الذي سعى إلى شرح سبب وقوع قادة الصناعة فريسة للشركات الناشئة سريعة التطور. قال راماسوامي "لو كنت أنا الشخص الذي يدير شركة بقيمة 150 مليار دولار، فسأشعر بالرعب من هذا الشيء".

قالت "جوجل"، "لطالما كنا نركز على تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي لتحسين حياة الناس. نحن نؤمن بأن الذكاء الاصطناعي هو تقنية تأسيسية وتحويلية مفيدة بشكل لا يصدق للأشخاص والشركات والمجتمعات". ومع ذلك، فإن عملاقة البحث "بحاجة إلى النظر في التأثيرات المجتمعية الشاملة التي يمكن أن تنتج عنها هذه الابتكارات"، كما أضافت "جوجل" أنها "ستعلن عن مزيد من التجارب الخارجية في وقت قريب".

بينما ينتج عن الذكاء الاصطناعي التوليدي إجراء عمليات بحث أقل وإيرادات أقل، فإن انتشاره يمكن أن يؤدي أيضا إلى قفزة في تكاليف "جوجل".

قام راماسوامي بحساب أنه، بناء على تسعير "أوبن أيه آي"، ستكون تكلفة استخدام معالجة اللغة الطبيعية 120 مليون دولار من أجل "قراءة" جميع صفحات الويب في فهرس البحث ثم استخدام هذه المعلومات لتوليد مزيد من الإجابات المباشرة عن الأسئلة التي يدخلها الأشخاص في محرك البحث. بينما قدر المحللون في بنك مورجان ستانلي أن الإجابة عن استعلام من خلال البحث باستخدام معالجة اللغة تكلف نحو سبعة أضعاف تكلفة البحث العادي على الإنترنت.

يمكن لهذه الاعتبارات نفسها أن تثني "مايكروسوفت" عن إجراء إصلاح جذري لمحرك بحث بينج الخاص بها، الذي حقق أكثر من 11 مليار دولار من العائدات العام الماضي. لكن شركة البرمجيات قالت "إنها تخطط لاستخدام تقنية أوبن أيه آي في جميع منتجاتها وخدماتها، ما قد يمهد إلى طرق جديدة لتزويد المستخدمين بالمعلومات ذات الصلة أثناء استخدامهم للتطبيقات الأخرى، وبالتالي تقليل حاجتهم إلى استخدام محرك بحث".

يقول عدد من الموظفين السابقين والحاليين المقربين من فرق أبحاث الذكاء الاصطناعي في "جوجل"، "إن أكبر القيود المفروضة على إطلاق الشركة للذكاء الاصطناعي كانت بداعي القلق من الأضرار المحتملة وكيفية تأثيرها في سمعة الشركة، فضلا عن التقليل من أهمية المنافسة".

قال أحد علماء الذكاء الاصطناعي السابقين في "جوجل"، الذي يدير الآن شركة للذكاء الاصطناعي "أعتقد أنهم لم يكونوا مكترثين للأمر. بصراحة، لم يقدر أحد كيف ستؤدي نماذج اللغة إلى إحداث ثورة في البحث".

غير أن هذه التحديات آخذة في التفاقم بسبب المخاوف السياسية والتنظيمية التي تسببها قوة "جوجل" المتنامية، فضلا عن التدقيق العام المتزايد لرائدة هذه الصناعة عند اعتماد التكنولوجيات الجديدة.

وفقا لأحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في "جوجل"، فإن قادة الشركة شعروا بالقلق منذ أكثر من عام من أن التقدم المفاجئ في قدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى موجة من القلق العام بشأن الآثار المترتبة على أن تكون مثل هذه التكنولوجيا القوية في أيدي إحدى الشركات. في العام الماضي، عينت الشركة جيمس مانيكا، المدير التنفيذي السابق لشركة ماكينزي، كنائب رئيس أول جديد لتقديم المشورة بشأن الآثار الاجتماعية العامة المترتبة على التكنولوجيا الجديدة الخاصة بها.

قال مانيكا "إن الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يستخدم في خدمات مثل تشات جي بي تي، معرض بطبيعته إلى تقديم إجابات غير صحيحة ويمكن استخدامه لتوليد معلومات مضللة". وفي حديثه لـ"فاينانشيال تايمز" قبل أيام فقط من إطلاق "تشات جي بي تي"، أضاف مانيكا "هذا هو السبب في أننا لا نتسرع في طرح هذه الأشياء بالطريقة التي ربما كان يتوقعها الناس منا".

مع ذلك، فإن الاهتمام الكبير الذي أثاره "تشات جي بي تي" قد زاد من الضغط على "جوجل" للوصول إلى مستوى شركة أوبن أيه آي نفسه بصورة أسرع. ترك ذلك أمامها التحدي المتمثل في إظهار براعتها في مجال الذكاء الاصطناعي ودمجه في خدماتها دون الإضرار بعلامتها التجارية أو إثارة رد فعل سياسي كبير.

قال راماسوامي "إن شركة جوجل تخضع لمعايير أعلى من الشركات الناشئة التي يمكن أن تجادل بأن خدمتها هي مجرد تلخيص موضوعي للمحتوى المتاح على الإنترنت".

تعرضت شركة البحث لانتقادات من قبل بسبب تعاملها مع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. في 2020، عندما ترك باحثان بارزان في مجال الذكاء الاصطناعي الشركة في ظروف مثيرة للجدل بعد اعتراضهما على ورقة بحثية لتقييم مخاطر الذكاء الاصطناعي المرتبط باللغة، اندلعت ضجة حول موقف "جوجل" من أخلاقيات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها وأمانها.

تركتها هذه الأحداث تحت رقابة عامة أكبر منها على شركات مثل أوبن أيه آي أو البرامج البديلة مفتوحة المصدر مثل "ستيبل ديفيوجن". عانى برنامج ستيبل دفيوجن الذي يولد صورا من الأوصاف النصية، عديدا من المشكلات الأمنية، بما في ذلك إنشاء صور مخلة بالآداب. كما يمكن اختراق مرشح الأمان الخاص بالبرنامج بسهولة، وفقا للباحثين في الذكاء الاصطناعي، الذين يقولون "إنه يمكن حذف سطور التعليمات البرمجية ذات الصلة بشكل يدوي". ولم ترد "ستايبيليتي أيه آي"، الشركة الأم، على طلب للتعليق.

تمت أيضا إساءة استخدام تكنولوجيا "أوبن أيه آي" من قبل المستخدمين. في 2021، قامت لعبة على الإنترنت تدعى "أيه آي دونجيون" بمنح ترخيص لـ"جي بي تي"، وهي أداة لتوليد النصوص، لإنشاء أحداث قصة خاصة بالمستخدم بناء على مطالبات المستخدمين الأفراد. وفي غضون أشهر قليلة، كان المستخدمون قد ابتكروا ألعابا تتضمن الاستغلال الجنسي للأطفال، إضافة إلى محتويات أخرى مزعجة. في النهاية، مارست شركة أوبن إيه آي ضغوطا على الشركة لتقديم أنظمة ضبط أفضل.

ولم ترد شركة أوبن إيه آي على طلب للتعليق.

قال باحث سابق في الذكاء الاصطناعي في "جوجل"، "إنه لو حدث أي شيء من هذا القبيل في جوجل، لكان رد الفعل أسوأ بكثير"، وأضاف الباحث أنه "مع مواجهة الشركة الآن تهديدا خطيرا من (أوبن أيه آي)، فإنه ليس من الواضح إذا ما كان أي شخص في الشركة مستعدا لتحمل المسؤولية والمخاطر المتعلقة بإصدار منتجات الذكاء الاصطناعي الجديدة بسرعة أكبر".

مع ذلك، تواجه "مايكروسوفت" معضلة مشابهة في كيفية استخدام التكنولوجيا. فقد سعت إلى تصوير نفسها على أنها أكثر مسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي من "جوجل". وفي الوقت نفسه، حذرت شركة أوبن أيه آي من أن "تشات جي بي تي" عرضة لعدم الدقة، ما يجعل من الصعب إدخال التكنولوجيا في شكلها الحالي في الخدمات التجارية.

لكن باعتباره العرض الأكثر دراماتيكية حتى الآن لقوة الذكاء الاصطناعي التي تجتاح عالم التكنولوجيا، فإن شركة أوبن أيه آي أشارت إلى أنه حتى القوى الراسخة مثل "جوجل" قد تكون معرضة للخطر.


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ