التغييرات المناخية - الطاقة النظيفة
مخاطر استثمارات الطاقة المتجددة

: 12208
الخميس,25 اغسطس 2022 - 12:28 م
أ. د. عصام بن عبدالعزيز العمار
الاقتصادية

لقد كانت المملكة سباقة في إعلان الالتزام بالحياد الصفري لانبعاثات الكربون بحلول 2060 ولحقتها دول عدة في العالم، لكن الوصول إلى حالة الحياد الصفري على المستوى العالمي يتطلب استثمارات باهظة وتتمثل بصورة أساسية في مشاريع توليد الكهرباء من مصادر متجددة. وتشكل ظروف التمويل حاجزا كبيرا أمام استثمارات الطاقة المتجددة في أجزاء كثيرة من العالم، وتزيد مخاطر الاستثمار خصوصا من تكلفة تمويل مشاريع الطاقة المتجددة.

مخاطر استثمارات الطاقة المتجددة
اضغط للتكبير


ويمكن لآلية الضمان المالية أن تقلل من هذه المخاطر، وبالتالي تقلل من تكلفة مشاريع الطاقة المتجددة الرأسمالية والتشغيلية. لقد ذكر بعض الأبحاث المعمولة سابقا أنه بالإمكان خفض تكلفة الكهرباء المولدة من مصادر متجددة بما يصل إلى 30 دولارا لكل ميجاواط ساعة، وتستطيع بنوك التنمية والمؤسسات المالية إنشاء آلية ضمان مالي تعتمد على عناصر المخاطر بتكلفة معتدلة نسبيا، وهذا من شأنه تحسين آفاق تحقيق أهداف تثبيت درجة الحرارة المتفق عليها بموجب اتفاقية باريس مع التقنيات المتاحة حاليا لتحقيق هدف تثبيت درجة الحرارة عند درجتين مئويتين، فضلا عن الهدف الأكثر طموحا وهو 1.5 درجة مئوية. ويواجه المطور لمشاريع الطاقة المتجددة مجموعة واسعة من التحديات والمخاطر، ويبدأ البحث عن رأس المال للاستثمار المطلوب لتنفيذ المشروع لأنه أتقن معظم المخاطر أو سيطر عليها أو خفف من حدتها، لكنه يصاب بالمفاجأة والإحباط إذا لم يكن على دراية بتوقعات ومتطلبات المستثمرين المحتملين والمقرضين وشركات التأمين والضامنين.
لقد أكدت الدراسات الحديثة وجود تأثير كبير لظروف التمويل، مثل درجة المخاطرة في تكلفة الكهرباء، ولا سيما استثمارات الطاقة المتجددة.
وعليه، يعد الحد من مخاطر، أو إزالة المخاطر، De-risking من الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة خطوة مهمة في بسط مشاريع الطاقة المتجددة، وإزالة الكربون من أنظمة الطاقة. وتتمحور مخاطر الاستثمار في الطاقة المتجددة في ثلاثة مكونات رئيسة: مخاطر فنية "التقنية"، ومخاطر تنظيمية "التطوير"، ومخاطر اقتصادية "التسعير".
وتساعد معالجة كل من ملفات المخاطر، المستثمرين والمرافق والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى على إيجاد الإرادة اللازمة للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة. إن أغلب تقنيات الطاقة المتجددة لها تكاليف رأسمالية عالية، لكن تكلفة تشغيلها قليلة لأنها لا تتطلب وقودا، مثل مشاريع الطاقة الأحفورية والنووية، وتتمثل طبيعة رأس المال في أن مشاريع الطاقة المتجددة حساسة للغاية للتكلفة الرأسمالية، بمعنى آخر ارتفاع أسعار الفائدة أو معدلات العائد التي يطلبها المقرضون أو الدفع مقابل تقنية الطاقة المتجددة مقدما.
ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة كبيرة في التكلفة الإجمالية لمشاريع الطاقة المتجددة، وعليه ستدفع متطلبات العائد وأسعار الفائدة تكاليف المخاطر عاليا، ومن ثم يطالب المستثمرون بعوائد عالية عندما يواجهون مخاطر أعلى بكل تأكيد.
لكن إذا كانت اللوائح والأنظمة "السياسة العامة" ذكية فيمكن أن تقلل من هذه المخاطر، ويمكنها كذلك تخفيض التكلفة الإجمالية لمجموع مشروع الطاقة المتجددة. ولقد ذكرت بعض الدراسات أخيرا أن الخفض يمكن أن يكون هائلا حيث تهبط التكاليف الإجمالية بصورة كبيرة بما يقرب من 50 في المائة في بعض الحالات إذا عولجت المخاطر بصورة احترافية، واستطاع المطور والفريق العامل القدرة على احتوائها. سنتحدث بإسهاب عن مخاطر استثمارات الطاقة المتجددة، وكيف تتكون حالة عدم اليقين Uncertainty فيها وكيفية معالجتها.

أشرنا مسبقا إلى أن مخاطر الاستثمار في الطاقة المتجددة تتمحور في ثلاثة مكونات رئيسة: مخاطر فنية، ومخاطر تنظيمية، ومخاطر اقتصادية.

وتتمثل المخاطر الفنية في أساس التقنية Technology على أشكال متعددة، وعلى سبيل المثال، يمكن أن تفشل التقنية ويصعب إنشاء محطة طاقة شمسية أو رياح ويتأخر البناء بسبب مشكلات التصاريح، وقد يكون سعر بيع الكهرباء غير معروف أو مجهول في العقد.

ويمكن التخفيف من معظم هذه المخاطر من خلال اللوائح والأنظمة "السياسة العامة" الذكية، كما أشرنا في المقال السابق. لكن خفت مخاطر التقنية إلى حد كبير، حيث تطورت تقنية الطاقة الكهروضوئية الشمسية Solar Photovoltaic، وطاقة الرياح Onshore wind، وأصبحت الآن ذات موثوقية عالية وغير مكلفة، ويتم تأمينها من قبل مجموعة واسعة من المستثمرين ومقرضي تمويل المشاريع.

ولا تزال التقنيات الأخرى تقترب من هذا الوضع في عديد من الأسواق، بما في ذلك الطاقة الشمسية الحرارية المركزة والرياح في عرض البحار Offshore wind.

ويتم التركيز على تقنيات الطاقة المتجددة ذات المخاطر التقنية المنخفضة، ومع ذلك فمن الممكن أن تعاني تلك التقنيات حالة عدم اليقين في السوق في شكل مخاطر أخرى، مثل التنظيمية "التطوير"، والاقتصادية "التسعير".

أما بقية التقنيات مثل الطاقة الحرارية الأرضية أو طاقة أمواج البحر وغيرها، فإن حدة المخاطر بكل أشكالها ترتفع فيها كثيرا، ولذلك يقل إنشاؤها والعمل بها على مستوى العالم.
وتظهر المخاطر التنظيمية في عمليات التطوير Development على ثلاثة أشكال رئيسة: تحديد الموقع، وإصدار التصاريح الضرورية، والوصول أو الربط إلى الشبكة الكهربائية.

وتتمثل أشكال مخاطر تحديد الموقع في نزع ملكية الأراضي، وشروط الاستخدام والحقوق، والوصول إلى الطرق والنقل، والصراعات البيئية أو الثقافية.

ويثير كل صراع حالة من عدم اليقين، وأحيانا ما تكون قيمتها عقدا من الزمان، ويمكن أن تقضي على المشروع تماما.

 

وإذا اضطر المطور إلى قضاء عدة أعوام في محاولة الحصول على إجابات لأسئلة تحديد الموقع، فهذا يعني ردحا من الزمن دون عوائد ملموسة ومجدية، خصوصا الانتهاء من صلاحية الإعفاءات الضريبية وغيرها.

ويمكن للوائح والأنظمة "السياسة العامة" الذكية التي تمكنها الجهة الحكومية المسؤولة أن تقلل بشكل كبير من حالة عدم اليقين عن طريق التقسيم المسبق للأراضي وإشراك أصحاب المصلحة في وقت مبكر مع وضع متطلبات واضحة وأطر زمنية للتصاريح.

وتظهر العشرات من متطلبات التصاريح الأخرى بمجرد اختيار الموقع والموافقة عليه بما في ذلك الحصول على الأرض "سواء ملكية الأرض أو إيجارها" والالتزام بمعايير البناء، ومتابعة قضايا داخلية، والانتباه إلى معايير الضوضاء، وعدم عرقلة حركة المرور، والتخليص الجمركي، والانتباه إلى معايير البيئة وحماية العاملين والمهندسين، وإحكام مفاهيم واعتبارات السلامة والصحة في المشروع وغيرها.

وعادة ما تكون هذه التصاريح مطلوبة من قبل الجهات الحكومية المحلية، لكن يمكن أن تكون النتيجة هبوب عاصفة عاتية على شكل أعباء ورقية تضيف أعواما مديدة إلى المشروع.

ويمكن للجهة المعنية التي تهدف إلى نشر الطاقة المتجددة - وزارة الطاقة على سبيل المثال - التخلص من هذه الفوضى المكلفة من خلال التفكير المسبق ووضع معايير واضحة والاتصال المباشر مع الجهات الأخرى لأجل تقديم تصاريح سريعة للمشاريع التي تستوفي تلك المعايير، بل التنسيق المسبق من أجل الحصول على إعفاءات قانونية إذا أمكن.

على سبيل المثال، إعفاء مشاريع الطاقة المتجددة من الرسوم الجمركية وتسهيل الشحن البحري، وهذا ما حصل في المملكة بالفعل. إن عملية إزالة المخاطر التنظيمية ليست بسيطة وتحتاج إلى عدة إدارات أو مجموعات خبيرة ومتمكنة يكون لها تأثير عميق في العمل على الحد من تلك المخاطر

أشرنا مسبقا إلى أن المخاطر التنظيمية تتشكل في عمليات التطوير لمشاريع الطاقة المتجددة على ثلاثة أشكال رئيسة: تحديد الموقع، وإصدار التصاريح الضرورية، والربط بالشبكة الكهربائية. وتحدثنا عن تحديد الموقع وإصدار التصاريح. وتحتاج المشاريع الكبيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى سهولة الوصول Access point أو الربط بخطوط النقل والشبكات الكهربائية العاملة لنقل طاقتها الكهربائية إلى مراكز الأحمال. أما المواقع التي ليس لها ربط جاهز مع الشبكات، فستتضاعف التحديات في تحديد الموقع وإصدار التصاريح المذكورة مسبقا على مشاريع الربط التقليدية. ويكون الصراع من ناحية الملكية قليلا في بناء خطوط الربط لمناطق الموارد المتجددة، لأنها في الأغلب ما تكون بعيدة عن المدن، ما يجعل تكلفة اختراق الطاقة المتجددة أسرع وأرخص. إن أفضل طريقة لإتاحة الربط للجميع هو نشر إجراءات تنظيمية واضحة ومباشرة للربط مع الشبكة الكهربائية، وأن تكون متاحة للجميع مع تطبيق معايير غير تمييزية.
وتتشكل المخاطر الاقتصادية في مفهوم التسعير Pricing في تطوير مشاريع كبيرة للطاقة المتجددة في سعر الكهرباء المولدة. وتسهل أسعار العقود طويلة الأجل في إيجاد استثمارات رأسمالية بمعدلات خصم مخفضة ورفع تمويل المشروع التنافسي. وتسمح مدة العقود طويلة الأجل في التمويل ما يسمح للمستثمرين الذين ليست لديهم ميزانية كبيرة بالتنافس مع أولئك الذين يمتلكون رأس مال قويا. وتعتمد إمدادات الطاقة "على نطاق المرافق" على ظروف بيع مختلفة اعتمادا على التشريعات والتنظيمات السائدة. ومن الممكن للشركات الاحتكارية التي تمتلك توليد ونقل وتوزيع الكهرباء أن تبني محطات توليد الطاقة المتجددة الخاصة بها، أو قد تكون المرافق ذاتها هي صانع السوق الحقيقي، ومن ثم توقع اتفاقيات شراء الطاقة مع منتجي الطاقة المستقلين. وتختلف بالطبع هيكلة البيع في أسواق الكهرباء التنافسية، حيث تباع الكهرباء بزيادة زمنية، خمس دقائق على سبيل المثال، حسب مزاد اليوم التالي. وقد يتدخل المنظم في جعل التسعير ذكيا من خلال جدولة زمنية لاسترداد التكاليف لمدة قد تكون 20 عاما على سبيل المثال، لكن يظل ضبط حوافز الطاقة المتجددة مهما مع مقاييس زمنية، مثل عشرة أعوام على الأقل، لأن تصميم الحوافز على مدى فترة زمنية طويلة يساعد على تجنب حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان سيتم تجديد الدعم المالي من عدمه.
إن البحث عن التخلص النهائي عن مخاطر استثمارات الطاقة المتجددة لن يكون سهلا، وقد ينعكس سلبا في طرح مشاريع الطاقة المتجددة، ولا يجب أن يتحمل المالك أو المطور كامل المخاطر، بينما لا تتحمل الأطراف الأخرى أيا منها "أو يتحمل جزءا بسيطا منها" من أجل الحصول على تكلفة وتعرفة أقل. ومن الضروري رسم سجل المخاطر الفنية والتنظيمية والاقتصادية وترتيب الأولويات وسبل تخفيف المخاطر وتكلفتها ومدى تكرارها في مشاريع أخرى، وسيتكفل منحنى التعلم في تسريع وقت الطرح مع ضرورة بناء القدرات البشرية ومراقبة المخاطر الخارجية والتغييرات التنظيمية. وعليه، يتشارك المطور والمنفذ وغيرهما في مجموعة المخاطر بما لا يرفع تكلفة المشروع كثيرا، وأن تكون التكلفة في حدود المعقول مع طرح مشاريع الطاقة المتجددة في زمن قياسي. إن وجود بعض المخاطر خلال المنافسة سيوجد سوقا إيجابية رائجة للمراهنة والتقديم على العروض المالية، حيث إن نطاق التقديم المالي سيكون متسعا لأكثر من مشارك في سوق الطاقة المتجددة. وسيحفز تحديد سقف أعلى لأي مشارك في السوق من دخول مشاركين آخرين في صناعة الطاقة المتجددة بما يضفي منافسة وشفافية أعلى ونشاطا أكبر في تلك الصناعة ويمنع احتكارها والتفرد بها.


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • هل ستسرع حرب الأسعار التحول إلى السيارات الكهربائية؟
  • أوروبا في حالة من الذعر من الاستثمار الأخضر .
  • النهوض بالزراعة الذكية مناخياً
  • قراءة في تحديات الطاقة الكهربائية العالمية
  • هل يمكن للبيانات ان تطلق استثمارات خضراء ضخمة جديدة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ