وجاء عطل خدمات شركة مايكروسوفت نتيجة تحديث خاطئ قام به طرف ثالث متعاقد وهو شركة كراود سترايك الامريكية العاملة فى مجال الامن السيبرانى وحماية الحصول على الخدمات السحابية، التى أثرت على أجهزة الكمبيوتر المحمولة التابعة لشركة مايكروسوفت، ومن ثم التأثير على إتاحة المدخل الرئيسى للحصول على الخدمات السحابية للشركة عالميا. ومن ثم تعطيل نظام تشغيل مايكروسوفت ويندوز وخدماتها المتعددة المرتبطة بمنصة الحوسبة السحابية التى توفر خدمات لبناء التطبيقات والخدمات ونشرها وإدارتها إلى كل المستخدمين والوكلاء الحكوميين والقطاع الخاص عالميا. وكان من نتيجة ذلك تعطل العديد من الخدمات المدنية مثل نظم حجز المطارات والخدمات المالية والصحية وقطاع الطاقة والنقل والبورصات العالمية ووسائل الإعلام والقنوات الفضائية. وذلك الى جانب التعرض لخسائر مالية كبيرة لمقدمى الخدمات المتعاونة مع شركة مايكروسوفت الى جانب خسائر ارتبطت بانخفاض سهمها بنحو 12% وقت الأزمة ، ومثل ذلك ضربة لنمو حجم إيراداتها العالمية والتى وصلت الى 61.86 مليار دولار فى مارس الماضى بنسبة نمو بلغت 17% على أساس سنوى، وكان للخدمات السحابية التى تقدمها دور كبير فى هذا النمو بمساهمة بلغت 26.71 مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك فقد كشفت الازمة عن نجاح الشركة فى ادارتها وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها، وكذلك طمأنة الرأى العام العالمي. ودفعت من جهة أخرى لبروز عدد من المتغيرات لعل اهمها:
أولا: أهمية المرونة السيبرانية فى مواجهة المشكلات التقنية وخاصة من قبل الشركات التقنية الكبرى والتى أصبحت تحتكر تقديم الخدمات الرقمية التى ترتبط بتطبيقات عمل البنية التحتية والتى لها أهمية إستراتيجية كبرى مقارنة بتلك العاملة فى مجال الشبكات الاجتماعية.
ثانيا: تحديات الاعتماد على موفر واحد للخدمات السحابية ونظم التشغيل العابرة للحدود، وفصل تطبيقات الامن السيبرانى الوطنية عنها ولتأثيرات ذلك السلبية وقت الأزمات على المستوى الاقتصادى والامنى. ثالثا: تصاعد خطر حدوث الأعطال التقنية الداخلية للشركات المشغلة بعيدا عن التركيز التقليدى على خطر التعرض للهجمات السيبرانية الخارجية التى قد تتم بسبب خطأ فى التحديثات، أو خطأ بشرى أو حتى مشكلات إدارية .
رابعا: أهمية الاستثمارات الوطنية فى مجال الخدمات السحابية ونظم التشغيل والتقدم نحو تبنى بدائل وطنية أو إقليمية للخدمات الرقمية العابرة للحدود مثل حالة قيام دول مثل روسيا والصين بذلك.
خامسا: تأثير تكرار عمليات القطع فى خدمات الشركات التقنية العابرة للحدود فى الضغط نحو أقلمة خدماتها، ومساعدة الدول فى نمو قدراتها الوطنية فى مجال الحوسبة السحابية ومراكز البيانات والأمن السيبرانى.
سادسا: تصاعد أهمية حوكمة الشركات التقنية الكبرى فى تقديمها للخدمات واعتبار ما تقدمة من خدمات يستلزم معه تطوير نظام دولى للحماية والمساءلة عن الأضرار وفرض غرامات أو تعويضات مالية.
سابعا: أهمية الاتجاه التنظيمى للأسواق الرقمية الساعى إلى مواجهة احتكار الشركات التقنية للخدمات بغية العمل على عدالة المنافسة وتشجيع نمو منتجين جدد ومرونة سلاسل الإمداد وهو الاتجاه الذى تبناه الاتحاد الأوروبى.
ثامنا: تصاعد الاتجاه إلى توفير أنظمة بديلة لتخفيف التأثير لانقطاع الخدمة مثل تنوع تطبيقات البنية التحتية الحيوية بالاعتماد على نظام سلسلة الكتلة «بلوك تشين» الذى لا يعتمد على محطة مركزية للدخول للحصول على الخدمات ويصعب إصابته بشلل كامل.
تاسعا: أهمية تحديث البرمجيات المشغلة داخل عمل البنى التحتية التى يمكن أن تكون منصة للعطل أو الاختراق والتى تناثر، سواء كانت متاحة عبر منصة مركزية سحابية أو حتى مخزنة فى سلسلة الكتلة.
عاشرا: خطورة استخدام حالة الأزمة فى اختراق الأنظمة وإرسال رسائل مزيفة أو التصيد الاحتيالى حيث يتم توظيف البيئة النفسية والاجتماعية من قبل المهاجمين.
أخيرا على الرغم من عدم تأثر مصر بتلك الأزمة فإنها تؤشر الى أهمية بناء الاستجابة الوطنية لمثل تلك الأزمات والتى تكون قائمة على تكامل العنصر البشرى والتقنى ومع توقع تكرارها فى المستقبل، ويقع فى صلب ذلك الجهود المصرية فى مجال التنمية الرقمية خاصة فى مجال البنية التحتية والتى كان من أبرزها افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية فى ابريل الماضى ودوره فى الربط بين الجهات الحكومية والوزارات والعمل كمركز وطنى موحد لبيانات التعافى من الكوارث، والاعتماد على نظم تأمين وحماية مركزية داخلية وليست خارجية، ويأتى ذلك فى إطار تبنى إستراتيجية وطنية للمرونة السيبرانية والتى لا تركز فقط على فكرة الحماية بل ترتبط بالقدرة على التعافى من الأزمات وسرعة تبنى البدائل الممكنة ولا ينفصل ذلك عن أهمية توطين الصناعات التقنية، سواء على مستوى الأجهزة أو البرمجيات وتشجيع الاستثمارات الوطنية والاجنبية والشراكة بين القطاع الخاص والحكومة، وبناء القدرات فى مجال التدريب والابتكار ورفع الوعى بالمخاطر السيبرانية وطرق مواجهتها، وهو ما من شأنه أن يعزز من مواجهة التحديات ويعظم من الفرص، والتى سيكون لها تأثيرات ايجابية على الاستحواذ على الثروة والمكانة فى العصر الرقمى.
المصدر