المقالات -
الحيلولة دون ان تصبح التجارة الرقمية لعبة محصلتها صفر

: 109
الخميس,1 ديسمبر 2022 - 02:16 م
رنا فوروهار من نيويورك
FINANCIAL TIMES

المستقبل رقمي، وليس رقميا في أي مكان أكثر من التجارة. في حين أن التجارة عبر الحدود في كثير من السلع والخدمات التقليدية قد توقفت عن النمو على مدى العقد الماضي، فإن التجارة في البيانات والخدمات الرقمية والملكية الفكرية حتى الطلاب الدوليين "بصرف النظر عن تباطؤ قصير مرتبط بالجائحة"، تزدهر.

الحيلولة دون ان تصبح التجارة الرقمية لعبة محصلتها صفر
اضغط للتكبير


بين 2010 و2019، نمت التدفقات التجارية المرتبطة تقريبا بكل ما له علاقة بالمعرفة أسرع مرتين من تلك المرتبطة بالسلع التقليدية. ونما بعض المجالات بصورة أسرع خلال الجائحة بفضل الطفرة في كل الأشياء الرقمية، وفقا لأحدث إحصاء أجراه معهد ماكينزي العالمي لسلاسل القيمة العالمية.

هذه أخبار سارة، فمن الضروري أن تتدفق الأفكار والبيانات عبر الحدود. لكنه أمر يقدم أيضا تحديات قديمة وجديدة.

يندرج في الفئة الأولى، القديمة، مسألة التأكد من ألا تصبح التجارة الرقمية سباقا عالميا نحو القاع مع نقل الشركات متعددة الجنسيات الوظائف والبيانات إلى مناطق ذات عمالة أرخص وإجراءات حماية للخصوصية أقل. أما في الفئة الثانية، الجديدة، يحتاج صانعو السياسات والقيادات العمالية والشركات إلى النظر في مدى اختلاف هذه التجارة غير الملموسة عن التجارة في السلع والخدمات التقليدية، وما هي تبعات ذلك على الاقتصاد والسياسة على الصعيدين العالمي والمحلي.

لعل الطريقة الأكثر جوهرية التي تختلف بها التجارة في غير الملموسات عن التجارة التقليدية هي أن البيانات ليست مثل كتلة من الفحم أو أنبوب من الفولاذ، إذ يمكن أن يستخدمها كثير من الناس، في وقت واحد. من الناحية النظرية، يجب أن ينتج عن هذا سيناريو مربح لكلا الجانبين، ليس فقط لجانبي المعاملة الفردية، بل أيضا للدول التي تتدفق من خلالها البيانات عبر الحدود.

مع ذلك، من الناحية العملية، تميل المعلومات إلى أن تحتكر. تأثير الشبكة، حيث المزيد ينتج أكثر، أسس نجوما في مجالات غنية بالبيانات مثل شركات التكنولوجيا الكبرى وشركات الأدوية الكبرى. تميل هذه الشركات الكبيرة إلى إنشاء سلاسل توريد خطية أكثر بكثير، لأنها تتسم بالكفاءة والفاعلية من حيث التكلفة. وفقا لمعهد ماكينزي العالمي، يبرز تركز التجارة أكثر في سلاسل القيمة العالمية القائمة على المعرفة المكثفة وغير الملموسات الغزيرة. الواقع أن سلاسل القيمة الست الأكثر تركزا اليوم تنتمي جميعها إلى هذه المجموعة، انظر إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، والمكونات الإلكترونية، والمستحضرات الصيدلانية، وغيرها.

يعالج صانعو السياسات بالفعل بعض هذه المشكلات، وذلك بجهود أقوى لمكافحة الاحتكار وطرائق جديدة للتفكير في تأثير معاملات المقايضة التي تشكل جزءا كبيرا من تدفقات التجارة الرقمية. في مجالات أخرى، مثل أشباه الموصلات، تبذل جهود حاليا لزيادة الإنتاج الإقليمي، ما يسمح بدخول عدد أكبر من الشركات والدول في نظام الإمداد الإيكولوجي في هذا القطاع. لكن في مجالات مثل المستحضرات الصيدلانية، لم يتم إحراز تقدم يذكر لتنويع التدفقات "أشارت مراجعة سلسلة التوريد في البيت الأبيض لـ2021 إلى تركز شديد في المكونات الصيدلانية".

تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في معظم التجارة الرقمية، وكما هو الحال مع نظيرتها التقليدية، فإن لديها حافزا لنقل العمل والبيانات أينما كان ذلك مناسبا ومربحا لها أكثر. في حين لا تزال أغلبية التجارة في غير الملموسات تتركز في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن هناك اتجاها نحو إسناد مزيد من العمل الرقمي خارجا إلى أماكن مثل الفلبين أو الهند، حيث تكون حماية العمالة ضعيفة.

يقول كريس شيلتون، رئيس نقابة عمال الاتصالات في أمريكا، النقابة التي تمثل نحو نصف مليون عامل في المجال الرقمي، "إذا أبرمنا صفقات تجارية جديدة، مثل الإطار التجاري لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولم تكن هناك حماية كافية للعمالة وبيانات المستهلك في جميع الدول، فسينتهي بنا المطاف في وضع أسوأ من ذي قبل".

تتفاقم هذه المخاوف بسبب حقيقة أنه حين كان العمل من المنزل بمنزلة نعمة لكثير من الموظفين في الدول الغنية، فقد أظهر أيضا المدى الذي يمكن فيه أداء العمل المعرفي لأصحاب الياقات البيضاء من أي مكان، وكذلك يحتمل إسناده إلى مصادر خارجية. أخبرني أحد الرؤساء التنفيذيين قبل عام، "إذا كنت تستطيع أداء هذه المهمة في تاهو، فستستطيع أداؤها في بنغالور". لا عجب إذن أن تتلقى نقابة عمال الاتصالات في أمريكا مزيدا من الاستفسارات عن التنظيم النقابي في قطاع التكنولوجيا والرعاية الصحية والإعلام وحتى التمويل.

هل ستعكس تدفقات التجارة الرقمية بعض الجوانب الإشكالية للتجارة التقليدية؟ أم أنها ستوجد ديناميكيات جغرافية جديدة؟ يعتمد جزء من هذا على مدى الانفصال التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. كما يعتمد على درجة ارتباط التدفقات الرقمية في العالم المادي. يسهم إنترنت الأشياء في زيادة تدفق البيانات داخل الشركات وفيما بينها بشكل كبير، ما يعكس الطفرة في بيانات المستهلكين التي تلت إطلاق "آيفون" في 2007. تقول أوليفيا وايت، مديرة معهد ماكينزي، "التجارة الرقمية ليست منفصلة عن التجارة التقليدية، لكن من غير الواضح بالضبط ما هي طبيعة العلاقة بين الاثنين حتى الآن".

نحن بحاجة إلى طرائق أفضل لقياس تدفقات المعرفة. كان هذا موضوع اجتماع سنوي عقده صندوق النقد الدولي أخيرا عن غير الملموسات. تدفقات المعلومات أكثر غموضا بكثير من تدفقات السلع التقليدية، ما يجعل إحصاءها وفرض الضرائب عليها وتنظيمها صعبا، كما يصعب أيضا فهم آثارها بالكامل على الأسواق والعمالة والإنتاجية.

المعرفة هي شيء نوجده نحن البشر، لكنها أيضا شيء نتاجر به. هذه الحقيقة تكمن في صميم الاقتصاد الرقمي. لا بد أن تتمتع المعلومات بحرية التدفق، لكن يجب ألا تصبح حلبة أخرى تتفوق فيها المكاسب التي يجنيها رأس المال على مكاسب العمالة. إذا حدث ذلك، يمكننا توقع رد فعل عنيف من أصحاب الياقات البيضاء ضد التجارة الرقمية.


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ