المقالات -
السوق الصينية .. لاعب أساسي في معادلات التفوق لشركات صناعة الطيران

: 154
الاثنين,4 يوليو 2022 - 02:14 م
هشام محمود من لندن
الاقتصادية

إذا ما تصفحت وسائل الإعلام الدولية أو مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن أخبار قطاع الطيران الصيني، فإن القصص التي ستجدها في الأغلب ما ستكون من نوعية الأخبار الخفيفة والغريبة.

السوق الصينية .. لاعب أساسي في معادلات التفوق لشركات صناعة الطيران
اضغط للتكبير


من بين القصص، راكب يفتح باب الطوارئ عند إقلاع الطائرة، وثعبان يزحف بين الركاب كان يحمله مسافر في حقيبته، وراكب يلقي بعملات معدنية في محركات الطائرة قبل الإقلاع.
تلك القصص على طرافتها وغرابتها في الوقت ذاته لا تنفي أن الصين واحدة من أسرع بلدان الكرة الأرضية نموا في عالم الطيران، وأن أعدادا متزايدة من مواطني أكثر بلدان الكرة الأرضية سكانا يستخدمون الطيران بشكل متزايد، ما يعني توسعا غير مسبوق في قدرات شركات الطيران الصينية، سواء تعلق التوسع بأعداد الطائرات المشتراة أو الطيارين الذين يحلقون بتلك الطائرات والأطقم الجوية والأرضية التي توظف سنويا لخدمة المسافرين ناهيك عن بناء وتشييد مئات المطارات بسعة عملاقة لاستيعاب مئات الملايين من المسافرين، فلا شك أن النمو الاقتصادي المتواصل في الصين منذ عقود، أسهم في تحسن مستويات معيشة مئات الملايين من سكانها، وتحولهم من السفر برا إلى التحليق جوا ليس داخل بلادهم الشاسعة فحسب، لكن حول العالم، بما يعنيه ذلك من استخدام متزايد لعالم الطيران.
خلال الأعوام الثلاثة المقبلة ستتجاوز الصين الولايات المتحدة كأكبر سوق للسفر الجوي في العالم، ما يعني أن هناك تعطش دائم وطلب لا يتوقف من قبل الشركات الصينية على طلب مزيد من الطائرات، وبالطبع يحق لشركة إيرباص الأوروبية أن تصف صفقاتها الأخيرة مع الصين بـ"النصر التجاري البحت"، ففي أوقات مثل التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا، وتزايد الاحتمالات بالدخول في مرحلة من الركود التضخمي، أن تقوم أكبر ثلاث شركات طيران حكومية في الصين بشراء نحو 300 طائرة، في أكبر طلب من قبل شركات الطيران الصينية منذ بداية جائحة كورونا على الطائرات، فلا شك أننا امام تطور ملموس ليس في علاقة الصين بالاتحاد الأوروبي، لكن حول مستقبل شركات الطيران الصينية ذاتها.
الصفقة في تفاصيلها تكشف عن أن شركتي "طيران الصين" و"خطوط جنوب الصين الجوية" ستشتريان 96 طائرة من عائلة A320neo بقيمة تتجاوز 12 مليار دولار، بينما تقوم شركة طيران شرق الصين بشراء 100 طائرة من النوع نفسه بقيمة تقارب 13 مليار دولار، وبالطبع فإن تلك الأسعار هي أسعار ما قبل الخصم، حيث أكد الجانب الصيني أنه حصل على خصومات ضخمة أكبر من المعتاد ربما لضخامة الصفقة.
بالطبع الصفقة أثارت انزعاجا كبيرا للغاية لدى شركة بوينج الأمريكية المنافس الشرس لإيرباص الأوروبية، وحملت الشركة الأمريكية المسؤولية في فقدانها تلك الصفقة العملاقة، إلى الخلافات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، التي تقييد صادرات الطائرات الأمريكية للصين.
غضب المسؤولون في شركة بوينج الأمريكية لا يعود فقط إلى خسارة تلك الصفقة، لكن إلى إدراكهم أن شركات الطيران الصينية ستكون لاعبا مهما للغاية في معادلات التفوق والطلب العالمي على الطائرات من الآن وحتى منتصف القرن، وأن خسارة صفقة بـ300 طائرة ربما يمثل بداية لخسائر قادمة في الطريق نتيجة قيود الصادرات التي تفرضها الإدارة الأمريكية على تصدير الطائرات المدنية للصين، وهي خسائر لا يمكن لـ"بوينج" أن تغض الطرف عنها أو تتحملها.
المهندس إن. آر تومي الخبير في مجال الطيران المدني، يشير إلى تقرير أصدرته شركة بوينج الأمريكية أخيرا جاء فيه، أن شركات الطيران الصينية ستحتاج 8700 طائرة جديدة حتى 2040 بتكلفة تبلغ 1.47 تريليون دولار أمريكي، بزيادة 1.2 في المائة عن توقعات بوينج العام الماضي بشأن حاجة الصين إلى 8600 طائرة.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "الصين هي سوق الطيران الأسرع نموا لكل من إيرباص وبوينج حيث أنشأت كلتا الشركتين مصانع لتجميع الطائرات في الصين، وقد تأثرت قوة شركات الطيران الصينية بشدة نتيجة جائحة كورونا وسياسات الإغلاق التي اتبعت في الصين، ووقف عديد من البلدان استقبال رحلات شركات الطيران الصينية، وقد تعرضت أكبر شركات الطيران في البلاد مثل طيران الصين ومقرها بكين والصين الشرقية في شنغهاي إلى عامين متتالين من الخسائر بحلول نهاية 2021، والآن تجري شركات إدارة الطيران المدني في الصين محادثات مع نظيراتها في فيتنام وتايلاند للسماح لشركات الطيران التابعة لها بزيادة رحلات الركاب إلى رحلتين كل أسبوع مقابل رحلة واحدة الآن".


وفقا لبيانات اتحاد النقل الجوي الدولي ارتفع إجمالي الطلب على السفر الجوي العالمي في نيسان (أبريل) الماضي، ووفقا لمعايير إيرادات الركاب بالكيلومترات، فإن نسبة الزيادة بلغت 78.7 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، حيث استمر التعافي في السفر الجوي بعد أن رفعت مزيد من البلدان القيود الحدودية المتعلقة بفيروس كورونا، الصين أيضا لم تكن بعيدة عن هذا الاتجاه العام، فخففت قيود السفر الجوي في بداية نيسان (أبريل)، ونتج عن هذا انتعاش جزئي في السفر الجوي، وارتفع عدد الركاب 7.9 في المائة وإن كان عدد الركاب في نيسان (أبريل) الماضي لا يزال أقل بنسبة 68 في المائة مما كان عليه قبل عام.
وتظهر آخر الأرقام المتاحة أن 16.72 مليون مسافر جوي سجلوا في الصين الشهر الماضي، ما يشير إلى تحسن طفيف مقارنة بـ15.13 مليون مسافر في أيار (مايو)، لكن الأهم من ذلك أنه منذ تخفيف الإغلاق استمرت أعداد الركاب المسافرين جوا في الارتفاع بشكل مطرد وهو اتجاه يعزز استعادة شركات الطيران الصينية قوتها التي فقدتها في أعوام الجائحة.
ولـ"الاقتصادية" تعلق سوزان لاندر رئيسة قسم العلاقات الدولية في اتحاد الطيارين البريطانيين، قائلة "لا شك أن وباء كورونا وتبعاته مثل عرقلة رحلة الصعود المتواصل لشركات الطيران الصينية، لكنه من الواضح أنها في طريقها للتعافي في الأمد القصير والمتوسط مع نمو في الأمد الطويل، وإن كان هذا لا ينفي أنه نمو مليء بالتحديات".
وتضيف "طبيعة الطائرات التي تطلبها الشركات الصينية حاليا تشي بأن استراتيجيتها تعتمد على تعزيز خطوطها الإقليمية أولا من خلال أسطولها الجديد من طائرات إيرباص، كما أنه من الواضح أن هناك تركيز على مجال الشحن، وقد حققت العام الماضي إيرادات قياسية وسيكون هناك مزيد من زخم النمو هذا العام، إذ ستقوم بتوسيع نطاق العمليات عبر المحيطات اعتمادا على طلب السوق والسعة الإجمالية المتاحة".
وتشير البيانات إلى أن شركات الطيران الصينية تولي عمليات الشحن الجوي اهتماما خاصا، إذ اشترت أربع طائرات شحن جديدة على أن تبدأ عمليات التسليم في العام المقبل، كما أنها حصلت على ست طائرات شحن منذ 2020، وتعد الخطوط الجوية الصينية خامس أكبر شركة شحن جوي في العالم، حيث قامت بنحو 540 رحلة شحن شهريا بمتوسط 120 رحلة أسبوعيا.
لكن تنامي قدرة شركات الطيران الصينية لا يمكن أن يكتمل بشراء مزيد من الطائرات وتصاعد قدرتها في مجال الشحن وحسب، حيث تعمل الحكومة الصينية على بناء منظومة متكاملة من القوة في هذا السياق عبر ضخ مليارات الدولارات لبناء شبكة حديثة للغاية من المطارات لربط الدولة الصينية بمساحاتها الشاسعة ببعضها البعض وربطها بالعالم أيضا.
من جهته، يقول لـ"لاقتصادية" جي مايكل الرئيس السابق لقسم التطوير والصيانة في مطار برمنجهام، "يوجد في الصين حاليا 235 مطارا، لكن مع افتقار عديد منها إلى القدرة على تحمل الزيادة القادمة في أعداد الركاب والرحلات الجوية، فإن هناك حاجة إلى بناء نحو 450 مطارا في جميع أنحاء البلاد قبل نهاية 2035، ففي هذا العام ستتعامل الصين مع ربع جميع الركاب الجويين في العالم".
ويمكن القول عامة أن الصين تنظر إلى أن التوسع في مجال الطيران لا يقف عند حدود حماية الطلب المتزايد في المستقبل، لكن أيضا لتوليد النمو الاقتصادي، فكثير من عمليات التوسع تتم في مناطق ومدن جديدة، ما يدمج تلك المدن في منظومة العولمة الدولية، كما أن بعض المطارات من الضخامة بحيث تستطيع استيعاب 100 مليون مسافر سنويا مثل مطار بكين وداشينج الدولي، ما يجعل تلك المطارات رافدا اقتصاديا مهما ومشغلا ضخما للقوى العاملة.
بعض وجهات النظر النقدية ترى أن هناك إفراط صيني في عملية تشييد المطارات وأن ذلك يمثل إهدارا للموارد، ومحاولة للدعاية الإعلامية أكثر من كونها إضافة اقتصادية فعالة.
إلا أن الخبير الاقتصادي في الشأن الصيني وانج مات يرفض وجهة النظر تلك، ويعلق لـ"الاقتصادية" قائلا "تبدو خطة الصين لبناء 200 مطار طموحة وغير معتادة، لكن علينا أن نتذكر أن هذا العدد يتضاءل للغاية بجانب 5000 مطار عام يخدم البلدات والمدن والمجتمعات الأمريكية، ولهذا يصعب القول إن التوسع الصيني في شراء الطائرات وبناء المطارات مفرط".
ويضيف "خدمات المطارات الصينية تحسنت بشكل كبير، لكن المطارات الحالية لاتزال غير كافية وموزعة بشكل غير متساو في أنحاء البلاد، ولذلك فإن الاهتمام الصيني بالجوانب المتعددة في صناعة الطيران، جزء من مسيرتها لتصبح القوة العظمى الأولى في العالم".


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ