على الرغم من حالة التقدم عالميا في تبني الحكومة الالكترونية الا انها ما زالت تواجه بتحديات جديدة في حقبة العصر الرقمي وفي ظل تسارع الخطى لتبني توجهات عالمية للانتقال من الطباع "الالكتروني" للتحول الى الطابع "الذكي" في عملية تقديم الخدمات ، و العمل على تسريع تحقيق اهداف التنمية المستدامة .
و فرضت عملية التعامل الكفء مع التحديات والفرص في آن واحد اهمية الانفتاح للتعاون مع شركاء من خارج القطاع الحكومي من القطاع الخاص والمدني وكافة الفاعلين في المجتمع المحلي ، ومن جهة اخري اهمية انفتاح الحكومة للتعاون على المستوى الإقليمي والدولي.
ويتطلب توفير مناخ التعاون ذلك تهيئة المجتمع لتلك المتغيرات بكل فئاته والعمل على تحديث المؤسسات الحكومية و التشريعات ورفع الوعي المجتمعي بعملية التحول الرقمي ، وبناء القدرات وتحفيز الإبداع والابتكار ،و توفير الخدمات العامة بصورة فعالة وبشكل متساوى امام الجميع،ودمج الفئات المهمشة، و بناء مجتمعات قادرة على مواجهة الازمات .
وان كانت تطبيقات الحكومة الالكترونية تقتصر على تقديم خدماتها عبر الانترنت فان "الحكومة الذكية " تشارك بفاعلية بارهاصات الثورة الصناعية الرابعه، والتي تشكل مرحلة تالية وصولا الى مرحلة "المدن الذكية": ، وتستند تطبيقات الحكومة الذكية للوصول الى الاهداف الاستراتيجية على اربع ركائز اساسية من اجل الوصول الى الناس او المواطنين وتحسين رضائهم ، وزيادة فاعلية الحكومة ، و زيادة توليد ومشاركة المعرفة باستخدام التطبيقات الرقمية ، و تبني سياسات تعمل على تحفيز الابتكار .
وتهدف " الحكومة الذكية" الى تقديم خدمات شخصية تحمي خصوصية المواطنين ، وان تصغى باهتمام اليهم بهدف التحسين في الخدمات ، وان تكون قادرة على التوقع بما سيحتاجه الناس ومتجاوبة ولديها قدرة على التكيف مع التغييرات في المطالب والاتجاهات ، وان تسعى الى كسب الثقة ، وان تضمن ان يتوافر في الخدمات التي تقدمها الحكومة الانتشار والتكامل والمساواة .و كفاءة عملية صنع القرار ،وتبني سياسات عامة للدمج الاجتماعي ،وتعزيز الشفافية والمحاسبة. الى جانب التنسيق بين السياسات والتشبيك فيما بين المؤسسات الحكومية .
وعلى الرغم أن القطاع العام في العادة هو الفاعل الأكبر والأقوى في المجتمع، إلا أن واقع الحال يشير الى ان الحكومات لم تعد تحتكر الموارد ، وأنها ليست الوحيدة القادرة على تحفيز الابتكار. ولكن تحتفظ الحكومة بالمسؤولية الكلية كمسهل وضامن للاعمال وواضع للتشريعات . وهو ما يفرض اعادة اصلاح القطاع العام في العصر الرقمي بشكل يجعل هناك مواكبة بينة وبين اتجاهات تبني الحكومة الذكية[2].
يجب الا يقتصر دور الحكومات على التعامل مع الازمات فور حدوثها فقط بل العمل على تعزيز القدرات الخاصة بالتنبؤ بها بما للحد من المخاطر .وهي امور يمكن ان تتحقق من خلال تطبيقات "البيانات الضخمه" والذكاء الاصطناعي .[3]
والعمل على تحسين إدارة التطبيقات التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لضمان الاستمرارية والاستدامة ومواجهة الاخطار التي تهدد منظومة الحكومة الالكترونية بما يفرض التقدم في مجال التأمين للحماية على الصعيدين الوطني والدولي،

ثالثا ، المبادي تقود التكنولوجيا في التحول المستدام
بعد مرور اكثر من عقدين على بداية تطبيق الحكومة الالكترونية ، زادت حالة الانتشار والنفاذ لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات عالميا ومحليا ، وحدثت زيادة مستمرة في عدد الخدمات الحكومية التي تتم على الإنترنت.وقد جرت اول محاولة من قبل الامم المتحدة لتقييم حالة الحكومات الالكترونية في عام 2001 ، وتسارع عمليات تبني الدول الأعضاء لتطبيقات الحكومات الإلكترونية وما يترتب علية من توفير فرص وادوات وموارد لتقديم الخدمات العامة ، ومن جهة اخري تعزيز فرص اشراك المواطنين في عملية صنع القرار ، ومن ثم تحسين فرص التنفيذ للخطط وترسيخ الشفافية بعيدا عن البيروقراطية التقليدية .
فالمواطن شريك في تقديم الخدمة على نحو يعكس احتياجاته بما يضمن الاستدامة وهو ما يعد تغييرا هائلا في كيفية عمل القطاع العام والذي كان يرتكز على التخطيط والتنفيذ من أعلي داخل القطاعات وعلى تعزيز فرص وحيدة للنخب السياسية في توجية السياسات العامة.
وقد تباينت الدول من حيث درجة تبنيها للحكومة الالكترونية من جهة ومن حيث مدى امتلاكها المبادرة للتحول الى الحكومة الذكية ،وعلى الرغم من تاخر بعض الدول خاصة في الدول النامية في تطبيقات الحكومة الالكترونية الا انه ما زل لديها الفرصة للانتقال الى الحكومة الذكية حال القدرة على فهم تلك المتغيرات والاستثمار في البنية التحتية وتهيئة البيئة المحلية والشعبية لمثل ذلك التحول المتسارع .
وفي تقرير الحكومات الالكترونية الصادر عن الامم المتحدة عام 2018(EGDI) تمت الاشارة الى أحراز 40 دولة مستوى "مرتفع للغاية" مقارنه 29 دولة على المؤشر في عام 2016، فيما تراجعت الدول التي حصلت على تصنيف منخفض بنسبة 50% خلال تلك الفترة ،[4] ويرجع ذلك لما توفره التقنيات الرقمية من اتاحة الفرصة للدول النامية للعمل على انكماش الفجوة الرقمية ، بينما ظلت الدول المتقدمة قادرة على تحسين ادائها لما تمتلكه من بنية تحتية تكنولوجية وهو ما يساعدها على تعزيز الابتكار والابداع بما يعني بصورة اخري تخلف عدد اخر من الدول مع زيادة الفجوة الرقمية .[5]
ومن ضمن معايير القياس هي مدى التقدم في تبني البوابات الإلكترونية المصحوبة بتطبيقات التواصل الاجتماعي ، واتاحة وسائل للتغذية العكسية والانية في نفس الوقت من قبل الجمهور بما يفيد عملية التنمية، وهو ما يتطلب في الوقت نفسه العمل على توسيع نطاق وكفاءه شراكة الحكومة مع باقي اصحاب المصلحة ، وهو ما يعزز من القدرة على الوصول بالخدمات للجميع من جهة والعمل على مواجهة المشكلات التقليدية المرتبطة بالتهميش الاجتماعي والفقر و البطالة .
ومن شأن ذلك ايضا ان يوفر فرص جديدة للنمو اقتصادي وتحسين الخدمات الصحية ومواجهة الازمات وتطبيق القانون ومواجهة احتياجات المواطن بشكل آني وسريع بمعدل استجابة من قبل الحكومة لا يتجاوز الدقائق المعدودة وهو ما يصب في الاخير في التواصل الفعال بين المواطن والحكومة.
ومن جهة اخري على الحكومة في العصر الرقمي ان تدرك حجم التحديات ومواجهة الاثار الاجتماعية لعملية التحول الرقمي كمواجهة الفجوة الرقمية وضعف القدرة على توليد وظائف جديدة والاستثمار في خلق وظائف جديدة تتواكب مع مقتضيات الثورة الصناعية الرابعه ،
وهو ما يتطلب ان تقوم الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص بالاستعداد لتبني سياسات للتأقلم وتوجية الاستثمار في القدرات البشرية وتحسين جودة التعليم ،ويمثل الشباب قوة نسبية للدولة في سبيل البحث عن فرص للاستحواذ على اقتصاد المعرفه وبخاصة اهمية الابداع والابتكار في النمو الاقتصادي ،وبخاصة انه يتم تصنيف الدول وفق مؤشرات الابتكار والإبداع ويتم احتساب مؤشر الابتكار العالمي بتحديد متوسط مؤشرين فرعيين. وأولهما مؤشر المدخلات الذي يقيس عناصر الاقتصاد التي تجسد الأنشطة المبتكرة والتي يتم رؤيتها وفق خمسة ركائز هي قدرة المؤسسات الفاعلة ، وحجم رأس المال البشري والبحوث،ومدى توافر البنية التحتية ، وحجم التطور في السوق، وفي الأعمال . وثاني تلك المؤشرات ما يتعلق بالمخرجات الخاصة بطبيعة المعرفة والتكنولوجيا و المخرجات الإبداعية والتطبيقات المرتبطة بها،

دورة حياة الحكومة الذكية
واصبح ذلك توجه من الدول الفقيرة والغنية في الموارد معا في محاولة للتأقلم مع الثورة العالمية في مجال الاقتصاد الرقمي ،وبخاصة مع كون المنطقة العربية ومصر تحتوي في هيكلها السكاني نسبة تقل 60% من السكان من الشباب وهم ثروة بشرية تشكل ميزه نسبية اذا ما تم توظيفها على نحو جيد بشكل يجعل هؤلاء الشباب مؤهلين للدخول الى سوق الاقتصاد الرقمي والذي يستطيع ان يحقق عدد من المكاسب لعل اهمها ، العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي بالانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية الى انتاج المعرفة .وزيادة فرص العمل ، وزيادة معدلات الانتاجية حيث تتميز الصناعات الرقمية بانها عالية الانتاجية وتمنح القدرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بان تنمو بسرعه .والعمل على مكافحة الفقر ،و دمج المهمشين ،وتحسين جودة الرعاية الصحية وتوفير النفقات على الامراض المزمنة وزيادة صحة وإنتاجية العامل.وانخفاض تكلفة العملية التعليمية وتحسين الجودة واستخدام تطبيقات التعليم الالكتروني ،
|
|
اهمية تعزيز التحول من الطابع الاستهلاكي الى الدور المنتج والفاعل في صناعه التكنولوجيا كجزء من تحرير الارادة الوطنية وتعزيز المكانه الدولية .
|
و اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة العام الماضي بأن معدل التطور التكنولوجي السريع كان له آثار إيجابية وسلبية بعيدة المدى فيما يتعلق بتحقيق التنمية المستدامة،
وهو الامر الذي يفرض ضرورة التعاون على المستوى الدولي بين مختلف الفاعلين للاستفادة من الفرص والتعامل مع التحديات ، وبخاصة ان الخبرة الدولية في عملية التحول من اين ؟ الى أين ؟ خلال عقدين من تطور الحكومات الالكترونية
وصلت الى نتيجة مفادها بأن التحول الرقمي لا يعتمد فقط على التكنولوجيا الرقمية، إنما يستند كذلك على مبادئ من قبيل الفعالية وإشراك الجميع والمحاسبة والثقة والانفتاح،وهو النحو الذي يجب ان يجمع بين الاهتمام بالجوانب المادية - التكنولوجية الى جانب الابعاد الثقافية والقيمية ، ومن ثم يجب ان توجه المبادي والقيم التكنولوجيا وليس فقط البحث عن تراكم في الثروات وراس المال .

رابعا : حكومة ذكية قادرة على البقاء والرخاء والسعادة
|