المقالات -
التحول الرقمي ودعم الابداع والابتكار عند الشباب

: 2353
الاحد,4 مارس 2018 - 11:36 ص
د.عادل عبد الصادق*

ما تبذله الدولة من وضع سياسات لدعم التحول الرقمي يأتي في اطار ادراك القيادة السياسية لحجم التحديات التي تفرضها الثورة المعلوماتية الى جانب الفرص التي يمكن ان نعمل على توظيفها بما يخدم عملية التنمية المستدامة

التحول الرقمي ودعم الابداع والابتكار عند الشباب
اضغط للتكبير

والتي باتت تشغل العديد من دول العالم ، واصبحت هناك اهمية في دعم الاستخدام النافع لتلك الثورة الرقمية وبخاصة التطبيقات الالكترونية ، وذلك من قبيل إن ما نجدة في أيدنا من تطبيقات تكنولوجية بطبيعتها محايدة ، ولكن ما يعمل على بلورة نمط الاستخدام لها ثقافة المستخدم وبيئته التي يعيش فيها و ربما تبعا كذلك لحالته النفسية، والى نمط العلاقات الصراعية أو التعاونية التي يرتبط بها، والتي تلعب دور في التأثير على الإدراك ونمط التفكير ثم التأثير في السلوك سواء أكان سلوكا خيريا أو عدوانيا.

ومن ثم يمكن ان يتم توظيف الشبكات الاجتماعية كـ"أداة لتغيير السلوك" لدى الشباب ،ولتصبح ادوات لتحقيق التنمية الاجتماعية التي ترتكز على اعتبار الفرد هو الوسيلة والغاية.وبخاصة ان العلاقة بين الشباب والشبكات الاجتماعية اصبحت ذات طبيعة مزدوجة فهي كاشفة من ناحية لحجم التحديات التي يواجهها الشباب -وهم الأكثر تعرضا واستخداما ومعاناة -وتكشف من جهة أخرى عن فرص للاستفادة وإمكانية توظيفها بما يخدم الشباب على مستوى التفكير والإبداع والابتكار والمشروعات الناشئة.

و باتت تلعب الشبكات الاجتماعية  دوراً في التأثير في القيم والسلوك لدى كافة فئات المستخدمين من المجتمع وبخاصة فئة الشباب ،وذلك  لما تتميز به تلك الشبكات من عناصر جذب ذاتيه ، ومنها ما يرجع الى طبيعة التحولات  التي يمر بها المجتمع ، وهو ما يتعلق بخطورة انعكاس ذلك في عنصرين هامين في البناء الاجتماعي وهما عنصرا الشباب والنسق القيمي للمجتمع، وذلك من خلال ما يتم رصده من علاقة بين الشبكات الاجتماعية ،كمتغير مستقل والنسق القيمي الأخلاقي كمتغير تابع، الى جانب علاقة ذلك بمتغيرات وسيطة تتعلق بدوافع تعرض الشباب والفجوة الديموغرافيه ومعدل ثقتهم في المؤسسات الحكومية .

وعلى الرغم من إن الإعلام بطبعه قد يكون عاكسا للقيم المحلية الأصيلة فانه في حالات اخري يكون هو الذي يملك الريادة في تغيير القيم ، وتبقى مسألة الحكم على القيم التي تتغير والاخري التي لا تتغير أو تقع ضمن النسق العقيدي للجماعة متوقفا في الأخير على درجة تماسك النخبة ومستويات التعليم والثقافة داخل المجتمع ، وحالة رأس المال الثقافي أو الإعلامي وموقفة من قيم المجتمع .

وذلك مع حرية انتقال الأفكار والمعلومات والرموز ما بين الداخل والخارج ، وتبقى في المواجهة المؤسسات الأهلية المحلية ،ودرجة التعاطي الايجابي لها مع تلك الثورة المعرفية وقدرتها على تسويق قيمها وتطوير خطابها في ظل السيل الجارف من المعلومات والرموز من الخارج .وبقيت مناعة المجتمعات من التأثير المتصاعد لذلك التيار متوقفا على إدراك القيادة السياسية والنخبة ومؤسسات المجتمع لمعطيات الثورة المعرفية الجديدة ، فأصبحت كلما امتلكت القدرة على التحديث والسرعة والاستجابة للتحديات كلما كان لها القدرة في حفظ الأمن الثقافي والسيطرة على المحاور الرئيسية للتوافق المجتمعي على الأقل .

وعلى النقيض فانه في حالة العجز وفقدان الصلة بين حجم التغييرات على الأرض وملائمة السياسات المتبعة من الحكومات تحدث القطيعة الثقافية بين المواطن والمؤسسات ذاتها وتعزيز حالة الانعزال والغربة الثقافية وتدهور القيم المحلية وتراجعها في مقابل إدخال أنماط جديدة لا تعمل على استقرار المجتمع بل على تفككه بنيويا وقيميا ، وعجز المجتمع عن التوصل إلى بوصلة توجهه نحو الطريق الصحيح في ظل موجات العولمة الثقافية العاتية،والتي تعمل على الاستفادة الايجابية مع المعطيات الجديدة  والتخلي عن القيم  السلبية وتبني قيم جديدة ترتكز على الانفتاح والتسامح والإبداع والعمل وغيرها .

إن تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات لمن الأهمية بمكان يجعلها هي أساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات ووقف تدهور الطاقة البشرية وقيمة الوقت للعمل على استخدام الشبكات الاجتماعية في احداث تغيير قيمي ثم سلوكي على النحو الذي يؤدي الى تعزز القيم المحفزه على التنمية مثل قيمة  العمل والانجاز والتطوع والتسامح وغيرها ،

ولا شك إن العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله وبخاصة إن الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعة بشكل عام،ومن ثم فان العمل على تحسين الدخول والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية ولا ينفصل ذلك عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة وخاصة بين الشباب وهم الكتلة الحرجة داخل المجتمع وهم الأكثر استخداما لها والأكثر ناشطيه ومعاناة  في نفس الوقت من ظروف الواقع المعاش.

إن عملية إنقاذ الفرد و المجتمع والدولة من تدمير القيم الاصيله عبر تلك الوسائط الإعلامية الجديدة تتطلب  ان يكون الشاب هو منصة الانطلاق في تلك المواجهة وتعزيز ثقافته العامة والتقنية وتشجيع التوجه لديهم الى الكليات العملية ،ورفع مستويات الخطاب الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية ليكون لها الدور الحاضن للشباب ، وتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع،وذلك لان ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر الاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية .

ويمثل الشباب قوة نسبية للدولة في سبيل البحث عن فرص للاستحواذ على اقتصاد المعرفه وبخاصة اهمية الابداع والابتكار في النمو الاقتصادي ،وبخاصة انه يتم تصنيف الدول وفق مؤشرات الابتكار والإبداع ويتم احتساب مؤشر الابتكار العالمي بتحديد متوسط مؤشرين فرعيين. وأولهما مؤشر المدخلات الذي  يقيس عناصر الاقتصاد التي تجسد الأنشطة المبتكرة والتي يتم رؤيتها وفق خمسة ركائز هي قدرة المؤسسات الفاعلة ، وحجم رأس المال البشري والبحوث،ومدى توافر البنية التحتية ، وحجم التطور في السوق، وفي  الأعمال . وثاني تلك المؤشرات ما يتعلق بالمخرجات الخاصة بطبيعة  المعرفة والتكنولوجيا و المخرجات الإبداعية  والتطبيقات المرتبطة بها،

واصبح ذلك توجه من الدول الفقيرة والغنية في الموارد  معا في محاولة للتأقلم مع الثورة العالمية في مجال الاقتصاد الرقمي ،وبخاصة مع  كون المنطقة العربية ومصر تحتوي في هيكلها السكاني نسبة تقل 60% من السكان من الشباب وهم ثروة بشرية تشكل ميزه نسبية اذا ما تم توظيفها على نحو جيد بشكل يجعل هؤلاء الشباب مؤهلين للدخول الى سوق الاقتصاد الرقمي والذي يستطيع ان يحقق عدد من المكاسب لعل اهمها ، العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي بالانتقال من الاعتماد على الموارد الطبيعية الى انتاج المعرفة .وزيادة فرص العمل ، وزيادة معدلات الانتاجية  حيث تتميز الصناعات الرقمية  بانها عالية الانتاجية وتمنح القدرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بان تنمو بسرعه .والعمل على مكافحة الفقر ،و دمج المهمشين ،وتحسين جودة الرعاية الصحية وتوفير النفقات على الامراض المزمنة وزيادة صحة وإنتاجية العامل.وانخفاض تكلفة العملية التعليمية وتحسين الجودة واستخدام تطبيقات التعليم الالكتروني ،

 

وأخيرا ، اهمية تعزيز التحول من الطابع الاستهلاكي الى الدور المنتج والفاعل في صناعه التكنولوجيا كجزء من تحرير الارادة الوطنية وتعزيز المكانه الدولية . ولعل توافر الارادة السياسية الى جانب غنى مصر بطاقات بشرية هائلة من اهم عناصر النجاح في طريق المستقبل وتعزيز التنمية المستدامة وتحقيق الاهداف الانمائية للأمم المتحدة وأجندة 2030 .

مدير مشروع المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الاقتصاد الكلي للذكاء الاصطناعي
  • المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
  • قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
  • رحلة الراحل محمد الشارخ حتى تأسيس كمبيوتر صخر
  • الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ