عندما كنت بصدد قراءة حوار دار بين الروبوت صوفيا ومحلل تكنولوجي معروف تخيلت تقريبا رؤية هذه المرأة الآلية للمستقبل وشككت لوهلة أن صانعها زودها بالردود سلفا من منطلق توقعاته المسبقة لنوعية الأسئلة التي من الممكن أن تطرح على إنجازه، لكن هذا لا ينفي أننا بالفعل مقبلون نحن البشر على عهد جديد تتقاسم فيه معنا الآلة الحياة على كوكب الأرض.
في الوقت الراهن كل ما يشغل العوائل هو كيفية معالجة أبنائها من إدمان الأجهزة الذكية وإعادة بناء صورة العائلة التقليدية، بينما صوفيا تؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح مستقبلا مكوّنا أساسيا من مكوّنات أي أسرة “كالحيوان الأليف أو الصديق المقرب أو الشريك”. وهذا ما من شأنه أن يبعث بموجات من التوتر والقلق بين الأُسر فهي تخطو بسرعة عجيبة نحو مجتمعات مكوّنة من خلايا بشرية وأخرى آلية، فهل ستتعايش مع بعضها البعض، لا سيما وأن علاقات البشر تتسم في بعض النواحي بالتناحر من أجل العيش بسلام؟
أي نوع من الحروب ستنشأ بين الإنسان الآلي والآدمي، خصوصا وأن عددا من الدول اتخذت إجراءات جديدة في أقسام شرطتها بموجبها أصبح للذكاء الاصطناعي وظيفة فيها، وعلى رأسها الصين التي بدأت تعمل على بناء مركز أمن لا وجود فيه لأي عنصر بشري؟
وبعيدا عن هذه المسألة الاستباقية سمعت من صديقة أن مرضا جديدا وفد علينا أسبابه بالأساس كل أصناف الأجهزة الذكية، ولا يزال تحت الدرس للخروج بحلول وعلاجات تناسب مرضاه.
كما أن فتاة بعمر الزهور فارقت منذ أيام قلائل الحياة بسبب عدم سماعها صوت القطار مقبلا نحوها لأنها كانت تضع سماعات الهاتف الذكي.
في المقابل، صار أبناؤنا اليوم يحبذون تتويج علاقتهم بالتكنولوجيا الحديثة وأدواتها بدراستها ضمن اختصاص جامعي، وهذا جيد فلعلهم بذلك يتعلمون كيفية التعامل مع الساكن الجديد لكل أقطار العالم من غربها لشرقها.
ولكن هل بمقدور الجيل الجديد مواجهة ذكاء اصطناعي يتطوّر ويتجدّد يوما بعد آخر ويتغلغل في جذور المجتمعات أكثر من ذي قبل؟
لا يسعنا اليوم سواء طرح الكثير من الأسئلة، في حين تؤكد صوفيا بثقة أن للروبوتات مستقبلا واعدا تكون فيه شخصيات مشهورة. ما لفت انتباهي حقا أنها قالت إن ذكاءها المتطور مقارنة بمحدودية ذكاء بعض البشر لا يجعلها تتخلى عن الإنسان وتعيش بمنأى عنه بل ترى أنهما يكملان بعضهما البعض.
وعلى هذا الأساس فإما أن المستقبل سيشهد انقلابا جذريا في تركيبة المجتمعات الديمغرافية وينضم الرجل الآلي إلى سجلات الحالات المدنية ويدخل في دفاتر التعدد، وإما أن يحطم الإنسان ما عكف على صناعته أياما بلياليها.
لكن من الواضح أن الحياة بدأت منذ زمن ليس ببعيد تسري في أوصال آلات صمّاء، اليوم نراها دُمى تقدّم خدماتها للإنسان في مختلف المجالات حتى في الفراش الزوجي، وأراها غدا بدل أن تكون مجرد مكوّن من مكوّنات الأسرة الآدمية، ستكون عوائل مستقلة بذاواتها، وتتحقق بذلك رؤية عالم الفيزياء البريطاني ستيف هوكينغ بأن على البشر ترك كوكب الأرض والرحيل.
كاتبة من تونس