الدراسات -
الإعلانات تضغط على زر الشراء للتحكم بعقولنا عن بعد

: 3689
الاثنين,19 ديسمبر 2016 - 03:55 ص
العرب

تحليل السلوك الإنساني الذي يحكم عملية الاختيار بات علما قائما بذاته اليوم، فحتى السياسيون لن يدّخروا جهدا أو مالا لصنع حملات دعائية مبتكرة ونشرها على الشبكات الاجتماعية لجذب الناخبين فما بالك بالشركات الكبرى.

واشنطن - التسويق العصبي هو استخدام أساليب طبّ الأعصاب في قياس رغبات المُستهلكين الحقيقية، وهو مجال جديد في بحوث التسويق يهتم بدراسة جوانب الحس والسلوك لدى المستهلكين عند تعرضهم لمؤثرات “مثل الإعلانات”، اعتماداً على مجموعة من التطبيقات لقياس نشاط الدماغ البشري.

أول وكالة للتسويق العصبي في العالم وهي “SalesBrain” تلخصه في جملة “هو عملية فهم موضع زر الشراء في عقل العميل”، وعلى الرغم من كونه مجالا لا يزال تحت الاختبار، إلا أنه ينبئ بمستقبل واعد لمن يعمل فيه في السنوات القادمة.

زر الشراء

اكتشف باتريك رونفوازيه، أحد أشهر روّاد “التسويق العصبي” ومؤسس شركة “sales brain” ما يُدعى “زر الشراء”، وقد وضع نظريات وأبحاثا لمحاولة الوصول إلى تأكيدات علمية على وجود هذا “الزرّ”، شركات مثل كوكا كولا وبيبسي قد تدفع المليارات فقط لتجعلك تختار منتجها دون منتج المنافس، صانعو الأفلام الذين أنفقوا الملايين على أفلامهم يريدون أن يستردوها بلايين عن طريق جذب الجمهور لصناعة شديدة التنافسية والإبهار كصناعة الأفلام.

حتى السياسيون لن يدّخروا جهدا أو مالا لصنع حملات دعائية مبتكرة لجذب مرشح واحدٍ إضافي قد يرجّح صوته الكفة ضد المرشّح المنافس، وهذا الأسلوب تم استخدامه في حملة الترشّح الرئاسية في الانتخابات الأميركية الأخيرة.

وعرّف باتريك في مؤتمر”TEDxBend” علم التسويق العصبي بأنه “علم اختيار، يعتمد على القياسات العصبية، والحيوية، والقياس النفسي لفهم السلوك الإنساني في كيفية اتخاذ القرار”.

وبشكل مُبسّط، يخبرنا باتريك عن أساليب تحليل السلوك الإنساني الذي يحكم عملية الاختيار؛ مثل “اختبار تحليل تعبيرات الوجه”، و”اختبار تتبع العين” و”اختبار التحليل الصوتي”؛ بل ويتعدى ذلك إلى استخدام “اختبار كشف الكذب” وتحليل الـ”EEG” وهي اختصار لـ”electroencephalography”، وهو ما يُعرف بـ”فحص التخطيط الكهربي للدماغ”. ويستخدم أيضا نوعا متقدما من “اختبارات الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ” التي تُعرف اختصارا بالـ”fMRI”.

قراءة مشاعر الناس كانت في ما قبل تعتمد على الحدس والفراسة، وكان لا يمكن تخيُّل معالجتها كنوع من أنواع البيانات وتوظيفها في أمر ما كما بدأ يحدث الآن من قِبَل المُعلنين والمسوقين

ترميز الوجه

تقول جوليا إلينج رئيس قسم الذكاء في وكالة Mindshare العالمية للتسويق والإعلام -ومقرها بريطانيا- “واحدة من القضايا التي تجرى البحوث حولها الآن هي التنبؤ بما يخطر على بال الناس وما يشعرون به حول موضوع ما، عن طريق ملامح وجوههم فقط”.

لقد كانت قراءة مشاعر الناس في ما قبل تعتمد على الحدس والفراسة، وكان لا يمكن تخيُّل معالجتها كنوع من أنواع البيانات وتوظيفها في أمر ما كما بدأ يحدث الآن من قِبَل المُعلنين والمسوقين.

اليوم، تقنية “ترميز الوجه” أو facial coding تستطيع تتبُّع وقياس ردود فعل عاطفة ومشاعر الناس من خلال تعبيرات وجوههم، وأصبحت هذه التقنية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية كبرى العلامات التجارية في مختلف المجالات، وبالأخص شركات التسويق ووكالات الإعلام والإعلان، خصوصا بعد ظهور الحاجة إلى تحليل كل مبلغ يتم صرفه في الاستثمار والتسويق، “إلى أين سيذهب، وماذا سنستفيد من ورائه؟”.

فالشركات الآن بصدد العمل على أساليب تقنية تقوم بتتبع التفاعل الحاصل على نموذج معين من محتوى ما، وتتنبأ بمدى فاعليته، ويكون ذلك من قبل نشر المحتوى حتى.

إحدى أذرع صناعة التسويق حول العالم هي شركات “أبحاث السوق Market Research”، والتي ستكون أكبر مستفيد من تقنية “ترميز الوجه” بقوة، حيث كانت في ما مضى تواجه قيودا وتحديات في فهم ردود أفعال الناس حول المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الشركات في مختلف المجالات والصناعات، ثم لجأت بعض وكالات أبحاث السوق إلى الاعتماد على الإنترنت والموبايل منذ سنوات لتهرب من سوق الأبحاث المعتمد على التفاعل المباشر مع المتسوقين وجها لوجه، بسبب تلك القيود من تحفظات المستخدمين من عينات البحث على الأسئلة التي تُقدَّم لهم أو اللغة المستخدمة في استقصاءات الرأي أو طريقة الشخص المستجوِب نفسه.

إلا أنه وبالاعتماد على هذه التقنية فسيقطع مجال “أبحاث السوق” سنوات ضوئية لتصل وكالات البحث إلى نتائج أقرب إلى الواقع، ويتخلصون من مواجهة المستخدم أو العميل بالأسئلة، بل وسيكسبون وقتا كذلك في أداء عملهم. قراءة ردود الأفعال من الوجه ستكون أفضل أجوبة على استبيانات بحوث السوق والنتائج ستخرج في التوّ؛ وبالتأكيد فالشركات التي ستدفع لوكالات البحث التي تعتمد على ترميز الوجه ستكون ثاني أكبر مستفيد من وراء التقنية.

رسومات المخ تظهر أن الناس يميلون إلى الخطابات المختصرة وإن كانت غير عقلانية

فيسبوك وتويتر والسياسيون

في العام الماضي، كانت شركة فيسبوك قد كلفت وكالة SalesBrain لعمل دراسة عن “كيف يرى مستخدمو فيسبوك الإعلانات ويتفاعلون معها عبر الجوالات مقارنة بمشاهدتها على التلفاز؟”.

أجريت الدراسة على 70 شخصا واستخدم فيها الباحثون أجهزة عصبية لقياس إفرازات الجلد ونبضات القلب وحركات العين ونشاط الدماغ، وجاءت نتائج الدراسة لتشير إلى أن الناس يحصلون على معلومات أكثر من إعلانات الجوال عن إعلانات التلفاز، ذلك لأن محتوى التلفاز يرهق العقل في التركيز على المضمون أكثر من مشاهدة الإعلانات الجانبية، وأن قرب شاشة الجوال من أجسادنا يجعلنا أكثر انتباها لكل شيء في الشاشة ونتفاعل معه بإيجابية أعلى.

أيضا، موقع تويتر طلب في العام الماضي من وكالة “Neuro-Insight” للتسويق العصبي القائمة في لندن، إجراء تقييم ردود فعل مستخدمي الإنترنت أثناء تصفحهم لمحتوى الشبكة، حيث قام الباحثون باستخدام سماعات رأس للمشاركين لقياس نشاط الدماغ وهم يتصفحون محتوى الويب.

وجدوا أنه عند استعراض المستخدمين للجدول الزمني timeline للتغريدات على حسابات تويتر الخاصة بهم، كانت أدمغتهم نشطة جداً كما هو الحال عند فتح البريد الإلكتروني، وكانوا أكثر انخراطا مما كانوا عليه مثلا عند قراءة محتوى أحد المواقع أو سماع مقطع صوتي أو مشاهدة مقاطع الفيديو.

هيزر أندرو المدير التنفيذي للشركة يقول “عندما يُقلِّب المستخدمون بين التغريدات بسرعة، لا تستطيع أدمغتهم تسجيل العلامات التجارية في الذاكرة، إلا إذا كانت بسيطة وملوَّنة بجرأة”، وهذا درس آخر مفيد للمعلنين والناشرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفقا للدراسة، فإنّ خُبراء التسويق العصبي قد أشاروا إلى أنّ التصويتات واستطلاعات الرأي التي أُجريت في السنوات السابقة كانت معيبة إلى حد كبير؛ ذلك لأن الناس لا يستطيعون التنبؤ بإجابات مستقبلية عن أسئلة تبدأ بـ”لماذا؟”، حتى بإجراء الاختبارات العصبية الشائعة، فغالبا ما تأتي النتائج متضاربة.

حتى على مستوى التلقّي، فـ”رُسومات المخّ” تُظهر أن النّاس يميلون إلى الخطابات المختصرة والموفّرة للطاقة حتى وإن كانت غير عقلانية، فمثلا في استراتيجية هيلاري كلينتون تجاه المهاجرين كانت قائمة من 9 نقاط فعّالة ومنطقية ولكنها طويلة، بينما قدّم ترامب استراتيجية قصيرة الكلمات، “سأبني جدارا”؛ هذه العبارة وإن كانت تبدو للبعض غير أخلاقية أو غير منطقية إلا أنها أثّرت كثيرا في”لا وعي” الناخبين وفقا لاستطلاعات رأي أُجريت لأصحاب الأصوات المتأرجحة من قبل مجلة النيويورك تايمز التي أجرت تعديلات على معادلات منحنياتها الإحصائية لتعطي نتائج أكثر دقة.

هيزر أندرو: عندما يُقلِّب المستخدمون بين التغريدات بسرعة، لا تستطيع أدمغتهم تسجيل العلامات التجارية في الذاكرة، إلا إذا كانت بسيطة وملوَّنة بجرأة

المشاكلات الدعائية

اختير إيتيال درور مدرب في قسم الأعصاب بجامعة هارفارد، لعمل اختبارات عصبية من أجل تغيير شعار شركة McCain Foods الكندية للأغذية، يقول “لا يحكم الجمهور على المنتجات أو الخدمات من الجانب العقلي بأدمغتهم، إذ أن معظم قرارات الشراء تتم بشكل غير عقلاني. بشكل عاطفي إن جاز التعبير”.

وفي مقالٍ نُشِر في جريدة “فوربس” الاقتصادية، فإنّ شركة “Karmarkar” أعطت مثالا جيدا لحلّ مشكلات الشركات الكُبرى عن طريق أساليب التسويق العصبي، وذلك بأن كلّفتها شركة “فريتو-لاي” بإجراء دراسة لقياس تقبّل المستهلكين لمنتجهم الشهير والأكثر مبيعا “تشيتوس”، وجاء رد فعل المستهلكين بأنّه ورغم أنّ أكل “التشيتوس” يجعل أصابعهم بُرتقالية من تأثير بقايا مسحوق الجُبن المُغَلّفة لأصابع “تشيتوس” إلا أن هذا لا يُفقدهم متعة “الطعم والقرمشة”.

وخَلُصَت هذه الدراسة التي تضمنّت إجراء “اختبارات لمسح المخ بالموجات الكهرومغناطيسية”، و”اختبارات الرنين المغناطيسي الوظيفي” إلى أنّ “العَبَث” الذي يطال أيدي المستهلكين هو ما يجعل هذا المُنتج مرغوبا أكثر، وبناء على هذه الدراسة، قدّمت شركة فريتو-لاي منتجها “تشيتوس” في سلسلة إعلانات تلفزيونية لا تتجاوز مدتها 30 ثانية، تشجّع المستهلكين على ارتكاب أفعال “عبثيّة” بالمُنتج.


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • علم الأحياء الحاسوبي: خوارزمية تَعَلُّم آلة تتنبأ ببِنْية البروتينات
  • علوم اجتماعية: ديناميكيات خطاب الكراهية على الإنترنت
  • فيزياء تطبيقية: تحسين تجارب الواقع الافتراضي والواقع المعزز باللمس
  • إلكترونيات: استشعار المؤشرات الحيوية دون ملامسة الجسم
  • سلوك البشر: التكنولوجيا الرقمية تحت المجهر
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ