أولا، تصاعد الاهتمام الدولي بالقوة الفضائية
طرأت على المستوى الدولي العديد من المتغيرات التي تعبر عن تصاعد الاهتمام الدولي بالفضاء الخارجي، والى تكالب القوى الكبري على توظيفه لتحقيق اهداف استراتيجية ، ومن جهة اخري تصاعدت جملة من المخاوف بشأن الاتجاه الى المزيد من عسكرة الفضاء الخارجي ، ويما يؤثر ذلك في استقرار الأمن الجماعي الدولي .[1]
وبخاصة مع تحول الفضاء لساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ،ووجود حالة من التعدد في الفاعلين ، وتصاعد تأثيرهم جراء ثورة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة كان من خصائصها الاستخدام المزدوج للفضاء الخارجي بين الاستخدام المدني والسلمي الى جانب الامني والعسكري،.
ومن ثم نشب صراع محموم من اجل الاستحواذ بين القوى الكبري في النظام الدولي علي ما يطلق علية بـ" القوة الفضائية ".والتي ارتكزت بدورها علي نظرية "جيمس أوبرج ".والتي تعبر عن 'حاصل جمع القدرة التكنولوجية،والسكان،والاقتصاد،والصناعة،
والقوة العسكرية،وإرادة الدولة وغيرها من العوامل التي تسهم في دعم إمكانيات الدولة علي ممارسة الإكراه،أو الإقناع أو ممارسة التأثير السياسي علي أعمال الدول الأخري،بغرض الوصول للأهداف الوطنية من خلال القدرات الفضائية.
وبدت مؤشرات تكشف تطوير قدرات عسكرية في الفضاء او في تطوير أسلحة فضائية يكون من شأنها ،ان تمثل مصدرا قائما ومحتملا للخطر سواء فيما يتعلق باحتمال تعرض أي دولة تمتلك"قوة فضائية" للهجوم من قبل قوى اخرى ،أو أن تصبح هدفا لهً في حالة النزاع المسلح بين طرفين او اكثر في النظام الدولي.
وهو ما يكون له تأثير يتجاوز طرفي او اطراف الصراع المفترضين ،وبإصابة البنية التحتية الفضائية الكونية،وما يحمل معه تداعيات ذات طبيعة سياسية واقتصادية وأمنيه وعسكرية على المجتمع الدولي قاطبة.
ومن ثم تسابقت العديد من الدول في تبني مشروعات وطنية للفضاء الخارجي او بالتعاون مع القوى الكبرى الحليفة ،وحظيِ الاستخدام العسكري والسلمي للأقمار الصناعية باهتمام كبير بالنظر إلي دورها في حماية الأمن القومي والرخاء الاقتصادي ،وبخاصة دورها في التكتيكات الحربية،والتجسس ،وتأمين نظام الملاحة الجوية،والإنذار المبكر،وفي مجال الاتصالات وبخاصة الانترنت،والبث الإذاعي والتليفزيوني،والاستشعار عن بعد،والأرصاد الجوية،والملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمي.
وتعد صناعة واقتصاد الفضاء من المجالات التي تساهم في تعزيز القدرات الاقتصادية من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية والإمكانات العلمية والتكنولوجية، وتساهم في التنمية الاقتصادية وتعزيز نمو الاقتصاد الوطنى ،وخلق فرص عمل جديدة وتطوير الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وتحسين جودة الحياة عبر توفير خدمات جديدة، مثل خدمات البيانات اللانهائية، وخدمات الاتصالات ورصد الأرض ومراقبة تغيرات المناخ، وتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الناشئة للاستثمار فى خدمات صناعة واقتصاد الفضاء المختلفة.
وفي عام 2024 وصلت استثمارات الشركات الناشئة في قطاع الفضاء الى 8.6 مليار دولار عالميا،وشهد الربع الرابع من عام 2024 صفقات رئيسية أبرزها استحواذ شركة “أبل” على حصة 20% في مشغل الأقمار الصناعية “جلوبال ستار” بقيمة 1.5 مليار دولار، بالإضافة إلى بيع ثانوي لأسهم “سبيس إكس” بقيمة 1.25 مليار دولار،ورفع القيمة السوقية للشركة إلى 350 مليار دولار بعد أن كان 210 مليارات دولار في بداية عام 2024. [2]
و رفعت قيمة شركة “فايرفلاي أيروسبيس” إلى أكثر من ملياري دولار” في نوفمبر 2024، وذلك بعد صفقة تمويل بلغت 175 مليون دولار، و يُتوقع أن يشهد قطاع الفضاء قفزة استثمارية كبيرة خلال العام 2025، مدفوعًا بتصاعد التوترات بين الولايات المتحد.والصين، وتقدر قيمة اقتصاد الفضاء العالمي بحوالي 469 مليار دولار. [3]
ثانيا ، مصر والبحث عن التقدم في اقتصاد وصناعة الفضاء
يرجع تاريخ اهتمام مصر بالفضاء قبل 7 ألاف عام حيث تم تدشين أول مرصد للفلك لمعرفة حركة الشمس والكواكب والمساعدة في تحديد بداية العام والموسم الزراعي والحصاد،و في العصر الحديث بدأ برنامج الفضاء المصري بإنشاء مرصد حلوان الفلكي عام 1905،وأطلق اول “برنامج مصري للفضاء " في عام 1960، والذي تعرض للايقاف جراء نتائج حرب يونيو 1967 ،وفي عام 1971 تم انشاء الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء NARSS ,وهي المؤسسة المصرية الرائدة في مجال الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية. تابعه للأكاديمية المصرية للبحث العلمي والتكنولوجيا[4]،وفي الفترة ما بين (1980-1982) تمت محاولة إحياء مشروع برنامج الفضاء المصري ولكنه لم ينجح .
وفي ابريل عام 1998 نجحت الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات في إطلاق القمر الصناعي المصري “نايل سات 101”للبث التلفزيوني ،والدخول في تصنيع الأقمار الصناعية وبالتعاون مع أوكرانيا وكازاخستان وروسيا لتدريب الكوادر المصرية ، ولتصبح مصر بذلك الدولة رقم 60 في الدخول الى مجال صناعة الفضاء .
وفي 17 أغسطس 2000 ثم إطلاق القمر الصناعي “نايل سات 102، وبدأ تشغيله رسميًا في 12 سبتمبر 2000 والمخصص لأغراض الاتصالات، وفى 2004، تم إطلاق” نايل سات 103” وهو قمر صناعي مصري لأغراض الاتصالات ويعرف أيضًا باسم “أتلانتيك بيرد 4”.
في 17 أبريل 2007 تم اطلاق القمر الصناعي “إيجيبت سات 1″ وهو أول قمر صناعي مصري للاستشعار عن بعد والذي خرج عن الخدمة في 22 اكتوبر 2010 . وفي اغسطس 2010 تم اطلاق نايل سات 201 للبث التلفزيوني
في أبريل 2014 تم اطلاق القمر الصناعي إيجيبت سات-2 للاستشعار عن بعد ثم إطلاق القمر الصناعي المصري “إيجيبت ساتA، ليعمل بديلا عنه .في فبراير 2019.
وضع القانون رقم 3 لسنة 2018 بأنشاء وكالة الفضاء المصرية ،وهي هيئة عامة اقتصادية مصرية، لها شخصية اعتبارية وتتبع رئيس الجمهورية، وتهدف إلى استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية اختصاصات محددة للهيئة .
ومنذ عام 2019 اطلقت مصر 4 أقمار صناعية، منهم قمران من نوعية “كيوب سات” لأغراض الاستشعار من البعد والبحث العلمي، تم اطلاق القمر نارس كيوب 1 في سبتمبر و نارس كيوب 2 في نوفمبر 2019 للبحث العلمي من قبل الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء . وأطلقت الشركة الوطنية لخدمات الاتصالات كذلك طيبة – 1 للاتصالات .[5]
وفي يونيو 2022 أطلقت الشركة المصرية للأقمار الصناعية – نايل سات القمر نايل سات 301، وفي ديسمبر 2023 أطلقت مصر أول قمر تشغيلي بالشراكة مع الصين هو "مصر سات 2"،وتم إطلاق قمر آخر بنسبة صناعة محلية مصرية وصلت إلى 40%.وذلك ضمن خطة مصرية لتوطين صناعة الأقمار الصناعية بنسبة 60%؛ وتعد مصر من أولى الدول في إفريقيا التي استخدمت تكنولوجيا الفضاء، وأطلقت أقمارًا صناعية، والتي أصبحت َّ تمتلك 13 قمرًا صناعيًّا حتى الآن.وأطلقت وكالة الفضاء المصرية القمر نيكسات 1 في فبراير 2024 للاستشعار عن بعد ، وجاءت مصر في المركز الأول إفريقيا في امتلاك الأقمار الصناعية برصيد 13 قمرا وتتساوى في ذلك مع جنوب افريقيا ويليهما نيجيريا " 7 أقمار " والجزائر " 6 أقمار.
وتميزت الإستراتيجية الوطنية المصرية في مجال الفضاء برؤيتها الشاملة والتي جمعت ما بين أبعاد بناء أنظمة فضائية بتقنية محلية بما يعزز القدرات التقنية الذاتية في توطين صناعات الفضاء ،والى جانب المساهمة في بناء القدرات البشرية وذلك عبر إعداد أجيال وكوادر علمية، ومن جهة اخرى العمل على رفع القدرات الوطنية في المنافسة العالمية في سوق اقتصاديات الفضاء . والعمل على تركيز عملية التوظيف لبرنامج الفضاء المصري على عملية التنمية مثل اطلاق أقمار الاستشعار من البعد والتي تتيح إمكانية التصوير الجوي والفضائي لمراقبة المشروعات القومية ، والعمل على مراقبة الثروات الطبيعة والحدود وملامح التغير المناخي ، ورصد التعدي على الأرض الزراعية ومخالفات البناء ، وتحديث الخرائط للمدن المصرية بشكل دوري[6].
ثالثا ، وكالة الفضاء المصرية.. منصة لدعم التنمية المستدامة .
انطلق برنامج الفضاء المصري، ليحدد خارطة طريق مصر في مجال الفضاء خلال العشر سنوات القادمة، بالتوازي مع خطة مصر للتنمية المستدامة 2030، مرتكزًا على تحقيق عدة أهداف منها العمل على بناء النظم الفضائية عبر امتلاك أقمار صناعية وأنظمة فضائية محلية، وتوطين الصناعة . وتقوية العلاقات الفضائية الدولية، في صناعات الفضاء ، وخاصة منها من الصناعات الصعبة والمكلفة، والعمل على استكشاف الفضاء . وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضى المصرية بما يخدم إستراتيجية الدولة في مجالات التنمية، وتحقيق الأمن القومى[7]
وأسس القانون رقم 3 لسنة 2018 لعملية انشاء وكالة الفضاء المصرية ،ونص القانون على كونها هيئة عامة اقتصادية ، لها شخصية اعتبارية وتتبع رئيس الجمهورية، وتهدف إلى استحداث ونقل علوم تكنولوجيا الفضاء وتوطينها وتطويرها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية اختصاصات محددة للهيئة .[8]
وتهدف الوكالة إلى وضع الإستراتيجية العامة للدولة في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء وامتلاك هذه التكنولوجيا،ووضع برنامج الفضاء الوطني والتصديق عليه من المجلس الأعلى للوكالة ومتابعة تنفيذه، والموافقة على مصادر التمويل والاستثمارات اللازمة لتنفيذ برنامج الفضاء الوطني.
وتسعى الوكالة إلى الوقوف على الإمكانيات العلمية والتكنولوجية والبحثية والتصنيعية والبشرية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء على مستوى الدولة والاستفادة منها، ووضع خارطة طريق لمشروعات الفضاء ودعم تنفيذها من خلال الأجهزة المعنية بالدولة، ودعم البحوث والدراسات والبرامج التعليمية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء، وتمويل الاستثمارات في المؤسسات التي تعمل على تطوير صناعة الفضاء.
وتم توفير الاعتمادات المالية اللازمة للوكالة للعام المالي 2023/2024 بزيادة مبلغ 400 مليون جنيه للاستخدامات الاستثمارية ، وتم الانتهاء من مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية بمنحة من الصين.
وقامت مصر ببناء المدينة الفضائية على مساحة تبلغ 115 فدانا، والتي تضم مختلف الأنشطة الفضائية، وتضم المبنى الرئيسي لوكالة الفضاء المصرية، والمبنى الإداري، بالإضافة إلى قاعة مؤتمرات ومكتبة كبرى ، ومبنى للمراقبة والتحكم ، ومباني اخرى للفنيين والعاملين، ويتضمن المقر الرئيسي لوكالة الفضاء المصرية، أكاديمية الفضاء، ومركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية والذي يعد الأكبر من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط، وأيضا تتضمن محطة التحكم في الأقمار الصناعية، وجزءا من مبنى المعامل، ومقر وكالة الفضاء الإفريقية.
رابعا ، مصر تقود الفضاء الإفريقي نحو الاستقلالية
جاء انعقاد مؤتمر نيو سبيس إفريقيا 2025" في الفترة من 21 إلى 24 أبريل 2025 ،لأول مرة في القاهرة ليعبر عن مركزية مصر في صناعة الفضاء في افريقيا ، واهمية الجهود لإتاحة فرص استثنائية للتواصل مع رواد الصناعة، والأوساط الأكاديمية، والمستثمرين، وبناء شراكات جديدة لتعزيز تنمية الاقتصاد الفضائي في إفريقيا. وتعزيز الابتكار ودفع عجلة التنمية المستدامة في القارة الإفريقية.[9]
ويرتبط ذلك بالجهود الإفريقية في مجال الفضاء ، والتي تكللت بتدشين وكالة الفضاء الإفريقية (ASFA). بعد ما يزيد عن ثماني سنوات من الجهود المضنية التي قادتها مصر ،وذلك إدراكا من ناحية لدورها والتزامها المعنوي تجاه القارة ، ومن جهة أخري تعزيزا لان يكون الفضاء الخارجي منصة التعاون المشترك لخدمة القارة فى مجال تكنولوجيا الاستشعار من بعد وعلوم الفضاء، ودفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الإفريقية، وفقاً لأجندة إفريقيا 2063.
وبدأت عملية التنفيذ العملي لإنشاء وكالة الفضاء الإفريقية بقرار وزراء الأرصاد الأفارقة المتعلق بدراسة إنشاء برنامج فضاء أفريقي ، وعلى اثر ذلك شكلت مفوضية العلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي مجموعة عمل من بعض الدول الأفريقية المهتمة بمجال الفضاء ، لإعداد رؤية مبدئية للسياسات والاستراتيجيات الفضائية في أفريقيا،واسفرت سلسلة من الاجتماعات ما بين عام 2012 لعام 2015 عن إعداد مسودة للسياسة والإستراتيجية المتعلقة بالفضاء الأفريقي، وعرضت على مجلس وزراء البحث العلمي الأفارقة للاعتماد والموافقة.
.وأقرت قمة الاتحاد الإفريقي والتي عقدت في يناير 2016."السياسة والإستراتيجية الفضائية الأفريقية" لتطوير البرامج الفضائية ودعمها ماديا، وتعزيز التعاون المشترك وتشجيع شركات تشغيل الأقمار الصناعية التجارية ، وذلك مع تضاعف الطلب الإفريقي على الترددات ،والتي أصبحت تتخطى سعة شبكة ألياف الاتصالات الأرضية.
وصدر قرار مفوضية العلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي لدراسة الجوانب القانونية والمالية، الخاصة بتنفيذ سياسة وإستراتيجية الفضاء بأفريقيا،وأهمية بحوث الفضاء لأفريقيا في دعم الأمن القومي والأمن الغذائي والتنمية .ولعبت مصر بتكليف من المفوضية في لعب دور في ذلك ، الى جانب اتجاه مصر الى جعل وكالة الفضاء المصرية منصة لتعزيز التعاون الإفريقي في مجال الفضاء ، والعمل على إمداد القارة بالخبرات والمعلومات،وتوطين واختبار الأقمار الصناعية .
وتعد القارة الإفريقية موطنًا لأكثر من 270 شركة فضاء ناشئة، تعمل على تطوير تقنيات فضائية مبتكرة، وتقديم خدمات مدعومة بالتكنولوجيا الفضائية لتلبية احتياجات الأسواق في قطاعات متنوعة. ويتوقع أن تنمو صناعة الفضاء الإفريقية بنسبة 16.16% لتصل إلى 22.64 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026. ومنذ نهاية عام 2022، أطلقت القارة الأفريقية بنجاح ما لا يقل عن 52 قمرًا صناعيًا.
وجاء القرار الجمهوري عام 2023 بجعل مصر مقرا لوكالة الفضاء الإفريقية ليمثل نقلة إستراتيجية في العلاقات مع إفريقيا في استضافة مصر احد منظمات الاتحاد الإفريقي ، وكانت مصر قد تقدمت بطلب الاستضافة في قمة الاتحاد الإفريقي والتي عقدت في يناير 2016.
وتساعد وكالة الفضاء الإفريقية في توسيع دائرة الاستكشافات الفضائية وغيرها من أعمال الاستشعار عن بعد ، بما يعزز العمل الأفريقي المشترك لتطوير علوم الفضاء من خلال تكامل كافة الأبحاث التي تجريها الدول الأعضاء في الوكالة ، خاصة في مجال السيطرة على مصادر المياه ، ودعم حماية الحدود وترسيم مشاريع تطوير المدن.
وتساعد وكالة الفضاء الأفريقية في فرص نمو البرامج الوطنية في مجال الفضاء الى جانب تعزيز دور القارة في اقتصاد الفضاء عالميا، وحماية الاقمار الصناعية الافريقية ،ونقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء ، وامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية ، بما يخدم استراتيجيات دول القارة في مجالات التنمية والأمن القومى.
وتنمو الأنشطة في مجال الفضاء في القارة بشكل كبير ، ففي عام 2025 تم التخطيط لإطلاق 125 قمرًا صناعيًا جديدًا للتطوير في 23 دولة أفريقية،.ولدى دول القارة خطة طموحة لإطلاق أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الأقمار الصناعية الحالية لديها على مدى السنوات القليلة المقبلة..وتعتمد العديد من الدول الافريقية على الدعم والتعاون الدولي في تدشين برامجها الفضائية مثل دور الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا .
وفي عام 2025 أعلنت وكالة الفضاء المصرية عن منحة التدريب على تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية باستضافة 21 مشاركا من 20 دولة إفريقية، وهي: أنجولا، بوركينا فاسو، الكاميرون، الجابون، غينيا، غينيا بيساو، كينيا، ليبيريا، مدغشقر، مالي، موريتانيا، ناميبيا، النيجر، نيجيريا، رواندا، السنغال، الصومال، تنزانيا، زامبيا، وزيمبابوي.[10]
خامسا ، مصر وإفريقيا :نحو اقتصاد فضاء مستدام .
على الرغم من الطفرة الكبيرة في النشاط الفضائي المصري الا إن هنك ثمة عدد من التحديات والتي تتطلب معالجتها ،والتي تتضمن اهمية ضمان التعاون الناجح والمستدام بين مصر والشركاء الدوليين مثل افريقيا والاتحاد الأوروبي. وأهمية وضع وتحديث الاطر التنظيمية وتماسكها ، والتي ترتبط بعملية تنظيم الأنشطة الفضائية ، والدفع بعملية التقدم في بناء برنامج وطني للفضاء يستطيع ان يوازن ما بين الحفاظ على الاستقلالية والانفتاح على التعاون الإقليمي والعالمي .
ويواجه برنامج الفضاء المصري تحدي توفير آلية تمويل مستدامة على المستوى الوطني .او فيما يتعلق بتمويل المشاريع الفضائية المشتركة على المستوى الافريقي .وهو ما يفرض أهمية تنويع مصادر التمويل ، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص ، وأهمية تصميم برامج لجذب المنح الدولية،ويعد من اهم تلك التحديات كذلك هو تاثير التوتر الجيوسياسي على التعاون الفضائي من جهة والى عسكرة الفضاء على حساب الأبعاد المدنية والتنموية له.
وأدرجت مصر تطوير صناعة الفضاء في إستراتيجيتها الوطنية، وطورت من البنية التحتية الفضائية الوطنية،والاهتمام برأس المال البشري، والبحث العلمي والابتكار، وهو ما من شأنه ان يلبي تحقيق الأهداف الوطنية ،ويفتح الباب للتعاون في تلبية احتياجات البرامج الفضائية الناشئة في إفريقيا والشرق الأوسط.
والتي كان من أبرزها إنشاء وكالة الفضاء المصرية الى جانب تعزيز دور الجهات العلمية والبحثية داخل الجامعات او الأخرى المتخصصة ذات الصلة ، وقد ركزت مصر على توظيف تطبيقات الفضاء في مجال التنمية وأطلقت العديد من الأقمار الصناعية مثل أقمار الاستشعار من البعد ، و أقمار الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: و أقمار أنظمة الملاحة والتوجيه .ولدى مصر فرص لتحقيق الريادة على المستوى الإفريقي وخاصة مع كونها مقر لوكالة الفضاء الإفريقية ، ومن ثم إمكانية تحويل قطاع الفضاء في إفريقيا إلى قطاع اقتصادي مهم الى جانب الأبعاد الأمنية له ، وخاصة مع تصاعد الاستخدامات للفضاء الخارجي في مجال الاتصالات والانترنت ، وتصاعد عسكرة الأقمار الصناعية ودورها الاستراتيجي في الحرب والاستخبارات .
وتولي الدولة المصرية أهمية كبيرة لاستمرار النمو في قطاع صناعة الفضاء الوطني الى جانب تعزيز التعاون الدولي وخاصة مع إفريقيا ، وفي ظل كونها مقرا لوكالة الفضاء الإفريقية ، وهو ما يوفر فرصة مهمة لنقل الخبرات وبناء القدرات ، ومن المقترح ان يشهد اقتصاد الفضاء نموا في مصر في ظل تحسين البنية التحتية مع تدشين وكالة الفضاء المصرية ، وبناء المدينة الفضائية في العاصمة الإدارية .وذلك إلى جانب أهمية تصاعد دور وكالة الفضاء الإفريقية وخاصة بعد تولى الدكتور تيجان واتارا رسميًا مهامه كرئيس لمجلس الفضاء الإفريقي منذ 7 يناير 2025 .
ويمثل اقتصاد الفضاء لأفريقيا والأقمار الصناعية الوسيلة المثلى لمد شبكات الاتصالات إلى أعداد غفيرة من الناس وفي المناطق النائية والفقيرة وبخاصة انه ما زال مئات الملايين في القارة محرومين من شبكة الإنترنت ، وهم هدف استراتيجي من قبل الشركات الخاصة الدولية .والتي ان فلحت ستعمل على عزل تلك الشعوب والمناطق عن الانترنت المحلي وعن توجهات النظم السياسية الإفريقية ، وهو ما يعرض مقدرات القارة الى الاستغلال والتوظيف السياسي والاقتصادي من قبل قوى خارجية جديدة .
ومن شأن توفير المعطيات الفضائية للبلدان الإفريقية ان يساعد في التنمية المستدامة ، والتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية ، وحسن أدارة الموارد الطبيعية ، والمحاصيل الزراعية والتحكم في تنمية المناطق الحضرية ، وذلك الى جانب مساعدة الأقمار الصناعية في مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي والتصحر ومكافحة الهجرة والإرهاب
وتمثل الاستخدامات المدنية للأقمار الصناعية محط أنظار القارة الإفريقية إلى جانب الاستخدامات الأمنية ،وذلك من خلال دورها في نمو الروح الوطنية و تعزيز المكانة الدولية ، والمساهمة في تنمية الوعي بأهمية العلم والتكنولوجيا كأساس للتقدم ، وهو ما يمنح الشعور بالفخر لدي الشباب المصري و الإفريقي ،والاستجابة لطموحه وكفاءاته وإمكانياته ،.وتوفير قاعدة اقتصادية مصرية و افريقية يكون لها رؤية طويلة المدى، وفي نفس الوقت تسعي لامتلاك التكنولوجيا الحديثة لجميع دول القارة سواء عبر توطينها او بالتعاون مع الشركاء ،وهو ما ينعكس بشكل ايجابي في النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، ونمو الصناعات الفضائية ، والتوظيف الأمثل لها في خدمة وتعزيز التنمية المستدامة في مصر وإفريقيا.
[1] د.عادل عبد الصادق ، هل تقود مصر الفضاء الافريقي من الهيمنة الى الاستقلال؟، مجلة الدبلوماسي، وزارة الخارجية المصرية، مارس 2019
[2] قطاع الفضاء يستعد لطفرة استثمارية بفضل التنافس الأمريكي الصيني في 2025 اتصالات وتكنولوجيا،جريدة المال , 15 يناير 2025
[4] للمزيد حول الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء يمكن زيارة موقعها الرسمي ، https://www.narss.sci.eg/
[8] للمزيد يمكن الاطلاع على الموقع الالكتروني الرسمي لوكالة الفضاء المصرية https://www.egsa.gov.eg/about-us/about
[10] وكالة الفضاء المصرية تنظم برنامج التدريب الإفريقي الدورة الرابعة، موقع مصراوي ، 14 يناير 2025
|