الذكاء الاصطناعي وآفاقه المستقبلية"

20-08-2025 05:21 PM - عدد القراءات : 11
كتب د.عادل عبد الصادق مجلة الملف المصري. مج 1، العدد 105 (أيار/مايو 2023). مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتي
بين القلق والتفاؤل ...تراوحت مشاعر الملايين عبر العالم إزاء غزو تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، والتي باتت من أهم محركات الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها ،ودخولها على نحو أكثر سرعة عن ذي قبل في كافة المجالات سواء كانت ذات طبيعة مدنية او عسكرية ، ومن ثم رؤى ذلك من جهة انه يساعد في حركة ووتيرة التقدم البشري ، ومن جهة أخرى أثار القلق من سيطرة الذكاء الاصطناعي على وعي وإدراك الإنسان .الا ان كلابهما اتفقا على الفرص المتاحة في حل المشكلات و التوظيف الأمثل للقدرات والموارد.ودور ذلك في صناعة الثروة والسلطة والنفوذ ،وهو الأمر الذي دفع إلى تنافس مبكر ما بين الشركات التقنية الكبرى من جهة وصراع أخر بين القوى الكبرى من جهة أخرى ، وبخاصة مع الوعي المتزايد بدور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إعادة هيكلة القوة في النظام الدولي .
الذكاء الاصطناعي وآفاقه المستقبلية"

ويدفع ذلك الى إثارة العديد من التساؤلات لعل أهمها ،يدور حول ،  ماهية العلاقة بين الثورة الصناعية الرابعة و تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟وما هي ملامح التغير والثبات في تلك الظاهرة على الجانب المدني او العسكري ؟ وهل ستؤدي تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى سباق تسلح  في النظام الدولي ؟  وما هي علاقة ذلك بالتنافس الدولي المبكر  بين الشركات التقنية الكبري ؟  وما هو مستقبل التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الوظائف و الذكاء البشرى إلى جانب الإحساس بالوعي والإرادة الحرة ؟ وكيف يمكن حوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وجعلها اكثر أخلاقية وإنسانية في العصر الرقمي؟

اولا : تقدم من الماضي نحو المستقبل

على مدار التاريخ لعب العلم والتكنولوجيا دورا مهما في تقدم الحضارة الإنسانية ، وقدم العلاقة منذ اكتشاف الإنسان للنار،على اعتبار ان الإنسان مازال يبحث باستمرار نحو المعرفة والقوة والرفاهية،وجاءت الثورة الصناعية الأولي لتشكل نقلة نوعية بالانتقال من الفحم إلى المحرك البخاري في القرن الثامن عشر ،وجاءت الثورة الصناعية الثانية في نهاية القرن التاسع عشر لترتكز على اختراع الكهرباء، وكيف ثورة في التصنيع والإنتاج ، و في الستينات من القرن العشرين تم إطلاق الثورة الصناعية الثالثة والتطور في تكنولوجيا الكمبيوتر والانترنت.

وفي القرن الحادي والعشرين جاءت "الثورة الصناعية الرابعة"IndustrialRevolution4.0 لتشير لـ "عملية الدمج بين العلوم الفيزيائية أو المادية بالأنظمة الرقمية والبيولوجية في عمليات التصنيع عبر آلات يتم التحكم فيها الكترونيا وآلات ذكية متصلة بالانترنت مثل انترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد،والذكاء الاصطناعي والروبوتات وغيرها في شكل تطبيقات تدخلت في كافة مجالات الحياة والعمل"[1]وأصبح للثورة الصناعية تأثيرات على مستوى الإنتاج وأسواق المال والإعمال والاقتصاد إلى جانب التأثيرات العلمية والصحية وغيرها، وتأتي تلك المتغيرات في ظل تصاعد[2]أالعولمة التنافسية التي تفرض على الشركات أن تعزز مواردها بشكل مستمر، لتمكن منتجاتها من الاستحواذ على الأسواقبالابتكارات الرقمية التي تسمح للشركات والمؤسسات بجمع البيانات في الوقت الحقيقي؛ جظهور نمط جديد من المستهلك الرقمي المتعلم الذي يطالب بمنتجات متزايدة على المستوى الشخصي.

وتعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي من أعمدة  الثورة الصناعية الرابعة وذلك على الرغم من قدم الشغف البشري في التقدم فيه ، وهي رحلة تاريخية كان من ملامحها في العصر الحديث ، انه في فترة خمسينات القرن العشرين حدثت طفرات حقيقية ،ولكنها نظرا للمبالغة في الحديث عن هذا التقدم والضجة الإعلامية التي رافقتها ، كانت هناك انتكاسة ، وعاد الحماس مرة أخرى لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في ثمانيات القرن العشرين ، وكان من أبرزها مشروع أنظمة الجيل الخامس من الكمبيوترات والذي هدف إلى تطوير نظام حاسب الي يستطيع التحدث بلغة الحوار ويمتلك قدرة على التفكير واستمر ذلك حتى تسعينات القرن العشرين ، 

وجاء القرن الحادي والعشرين ليشهد طفرة هائلة من التقدم التقني مع ظهور وانتشار شبكة الانترنت ، وتطور التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ، ودفعت الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العام إلى تقليل الفارق الزمني بين الجانب النظري إلى التطبيقي ،والى إحداث نقلة ثورية في مجال الثروة والقوة ، والتي أصبحت تعتمد على الإبداع والابتكار ، وأصبحت البيانات الضخمة والقدرة على معالجتها عنصر مهم وحيوي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتي أصبحت تعتمد على التقدم في الخوارزميات وهي التي تضع المعادلات التي تصنف تلك البيانات ، وتحولها من شكلها الخام  إلى موارد  ومصادر قابلة للإنتاج والتسويق ، وتحولت الاستثمار والتجارة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي الى تجارة دولية صاعدة ، ولكن حدث تطور تجاوز دور الذكاء الاصطناعي او تعلم الآلة ،  الدور في الحسابات والمدخلات، والتلاعب بها، ونتيجة لذلك يتم  توليد المخرجات بناء على هذه العمليات. وظهر ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي ، من خلال التقدم في وظائف ومهارات كان يقوم بها البشر من قبل ، مثل فهم ومعالجة ، والتعرف على الأشياء ، وابتكار الفن، أو التعلم من التجارب الماضية.والتواصل مع البشر باستخدام الخطاب العادي، بالإضافة إلى التعرف على الوجوه وغيرها من الأشياء. وبات يتم تطبيقات الذكاء الاصطناعي عبر القدرة التعلم من الماضي والتنبؤ بالمستقبل.

والتي وفرت امكانيات ضخمة في التعامل معها وبسرعة فائقة ، وبخاصة مع التطور في الألياف البصرية والهواتف الذكية والشبكات ، كشبكات الجيل الخامس والسادس ، ومن جهة أخرى أدت ضخامة البيانات والمعلومات إلى الاتجاه إلى الاختزال والتبسيط والتنميط ، وتلعب الخوارزميات دورا في ذلك ، بالإضافة الى التقدم في مجال  تطبيقات "التكنولوجيا العصبية" وتطوير الخوارزميات لترجمة نشاط الدماغ  وفق  ما نشعر به أو نراه أو نتخيله أو نفكر فيه. الى جانب تدخل التطور البيوتكنولوجي مع التطور في عمليات تحرير الجينات وإدخال التقنية في وظائف الجسم.

 وتراوحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ما بين الاربعة اوجه المعروفة كالتعلم الموجه عبر الخوازيميات للمساعدة في التصنيف لعمليات المعلومات ، وطريقة التعلم غير الموجه  تجميع البيانات أو استنباط الخواص واكتشاف هيكلة الأشياء. وهناك التعلم المعزز، عبر التعلم من الأخطاء في كل مرة للوصول إلى الإدراك الكامل للمشكلة وحلها، بينما جاءت الطريقة الرابعة بالتعلم العميق ،ومحاكاة عمل الشبكات العصبية لدى الإنسان، بحيث تتعلم الآلة دون قواعد سابقة ,.

ويمكن ادخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغات وتفسيرها وترجمتا بسرعة فائقة ، استخدام الروبوتات  في المحادثات في خدمة العملاء الى جانب التعرف على الاشياء والناس ، وتطبيق الروبوتات في المجالات الطبية والزراعية والصناعية وغيرها .

 

ثانيا ، الذكاء الاصطناعي و صناعة قوة المستقبل

يعد الذكاء الاصطناعي أحد مجالات الإبداع المهمة لتحقيق السيادة الرقمية والازدهار الاقتصادي ويحتاج ذلك الى وجود ضوابط تنظيمية يكون من شأنها تعزيز الثقة وتشجيع التمويل والاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ،و يدعم الذكاء الاصطناعي أيضا الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي لتحديد أي خطاب يجري تضخيمه أو إسكاته. وتعزيز الدفاع السيبراني ضد الهجمات السيبرانية .  و انه من المتوقع ان تصل حجم البيانات عام 2022 الى 97 زيتا بايت،[3] وتضاعفت بنسبة 650% منذ عام 2012 ،  ، ويتوقع ان تصل الى ما يعادل 181 زيتابايت  عام 2025 .

وارتفع حجم الاستثمار في الشركات الناشئة للذكاء الاصطناعي من 72 مليار دولار في 2018،  إلى 111 مليار دولار  عام 2021 ، بنسبة زيادة بلغت  55 % ، وتلعب تطبيقات  الذكاء الاصطناعي فقط دور في ارتفاع نمو الناتج المحلي العالمي ويتوقع ان تصل الى  14 % عام 2030، أي بنحو 16 تريليون دولار . وفي عام 2022 قد تم إنفاق  62.5 مليار دولار على برمجيات الذكاء الاصطناعي ، وجذب هذا الإنفاق الهائل عدداً كبيراً من الشركات الناشئة باستثمارات  بلغت 17.1 مليار دولار. وبلغ حجم التمويل 15.1 مليار دولار في الربع الأول من العام الحالي،.وبلغت قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في 2021 نحو 328 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.394 تريليون دولار بحلول 2029 بمعدل نمو سنوي مركب بنحو 20 %، في حين إن حجم السوق في أمريكا الشمالية بلغ 144 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز عائدات رقائق الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم 80 مليار دولار في الأعوام الخمسة المقبلة. كما أن 83 % من الشركات تعد الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى في استراتيجياتها، ومن المتوقع أن يعمل 97 مليون شخص في قطاع الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، وسيكون نحو 69 % من الأعمال الروتينية التي يؤديها المديرون حاليا مؤتمتة بشكل كامل.ونجحت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي في جمع تمويل جماعي بلغ  2.7 مليار دولار في 110 صفقات في نهاية العام الماضي [4]،  أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الاقتصاد العالمي بأكثر من 15 تريليون دولار بحلول عام 2030.

 

نسبة توظيف الربوتات مقارنة بالعنصر البشري لدى شركة أمازون

 

 ويرتكز مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي على 143 معيارا موزعا على سبع ركائز، هي المواهب والبنية التحتية وبيئة التشغيل والبحث والتطوير والإستراتيجية الحكومية والتجارية ، وباتت العديد من دول العالم الكبري تدرك ان من يحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعي سيكون له الغلبة والثروة والهيمنة ، وهو ما يدفع العديد من الحكومات الى مواكبة تلك المتغيرات الجديدة التي فرضتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي ،وبخاصة مع تداخلها مع كافة المألات الاخرى ، كالفضاء والتكنولوجيا الحيوية .وبخاصة ان هناك ثمة مرحلة تحول للنظام العالمي. وبخاصة في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية ، ورغم ذلك هناك فرص للدول الصغري في النظام الدولي ان تحقق نجاحات سريعة بفضل تبني تلك التقنيات الجديدة ، وذلك الى جانب تعاظم دور الشركات التقنية الكبري وتغولها في مقابل تصاعد حركة الدفاع عن السيادة الرقمية.

و تقدمت الصين  في 37 من مجالات التقنية المتقدمة الـ44 وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية وتصدَّرت العالم في التكنولوجيات السبع الباقية، بما في ذلك تصميم وتطوير أجهزة أشباه الموصلات المتقدمة، والحوسبة عالية الأداء، والحوسبة الكمية واللقاحات.وتحقق الصين احتكاراً في 8 تكنولوجيات مهمة، بما في ذلك المواد والتصنيع على نطاق نانوي، والاتصالات المتقدمة بالترددات الراديوية (بما في ذلك 5G و6G)، والهيدروجين والأمونيا للطاقة، والبطاريات الكهربائية، والبيولوجيا الاصطناعية.

 

ثالثا ،  منصة جديدة للنمو والخروج من التضخم الاقتصادي

 

وكان وما زال يتمتع الإنسان على مدار تاريخ وجودة على الأرض بالإبداع والقدرة على التفكير والكتابة واللغة وممارسة الفن وغيرها من الأنشطة التي ميزت الإنسان عن غيرها من الكائنات على سطح الأرض ، بينما جاءت تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتضيف مهارات جديدة لتزاحم مهن ووظائف الإنسان ،والتي منها صناعة المحتوى والصورة والحديث وتكوين شخصيات رقمية بشكل بشري ،

ودخلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمات البيع بالتجزئة والجملة والتصنيع والخدمات الاحترافية والعامة والمعلومات والاتصالات والخدمات  المالية والبناء ، والرعاية الصحية والنقل والتخزين ، والإقامة وخدمات المطاعم . وتأليف الموسيقى الترفيه ، وقراءة النص  بالإضافة الى الوظائف التقليدية له كتصنيف البيانات والمعلومات وتحليلها والتنبوء ببعض الظواهر ، ورسم المخططات وتشخيص الأمراض وإعادة تشكيل الجثث ، ومن ثم اتسع المجال للقيام بخدمات تعليمية وصحية وثقافية وإعلامية وغيرها . وجاءت عملية التطور في الآونة الأخيرة بالتطور المذهل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي أتاحت الفرصة لإنشاء المحتوى وفق رغبات المستخدمين وليس فقط الاعتماد على محركات البحث التقليدية .

ويمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تطور تقني فارق يقابل في تاثيرة انتشار تطبيقات الشبكات الاجتماعي ، وظهرت برنامج "تشات جي بي تي "  ChatGPT، [5]وتوالي بعد ذلك ظهور جيل رابع منه أكثر تقدما ، والذي طورته شركة "اوبن اي " ويكشف ذلك التطور على قدرات غير مسبوقة في انتاج المحتوى ومن ثم القيام بأهم الوظائف التي كانت حكرا على البشر ، في معركته الأخيرة مع الذكاء الاصطناعي ، وفتح ذلك الباب أمام التفاؤل من هذا التطور على انه يفتح الإبداع والاكتشافات العلمية، ويسمح للبشرية بتحقيق مآثر لم يكن من الممكن تصورها من قبل.

ودفع ذلك الى اعلان  العديد من الشركات عن تطبيقات مماثلة ، وتوجيه المليارات من الدولارات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي ، وأثار ذلك  تنافس بين الشركات الأمريكية ذاتها في وادي السليكون من جهة والى تنافس شركة دولية اخرى الى جانب  "ميتا" و"مايكروسوفت" ومثل  الشركات الصينية  كـ "علي بابا " و Baidu و Tencent وغيرها .وتطوير الجيل القادم من تقنية الذكاء الاصطناعي، من المركبات ذاتية القيادة إلى أنظمة التعرف على الوجه

 

رابعا ، تحديات مستقبلية للذكاء الاصطناعي .

 

وغيرت العديد من الشركات استراتجياتها للاستحواذ على ما يعد فرصة مهمة لتوفير بنية تحتية للنمو الاقتصادي بعد حالة من التضخم يشهدها الاقتصاد العالمي .[6]

اولا ، ستدفع القدرات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعيّ في مجال القيام بالعديد من الوظائف الى التاثير على فقدان الوظائف وترسيخ البطالة ففي  دراسة أجراها معهد ماكينزي العالميّ إلى إمكانيّة فقدان ما يصل إلى 800 مليون وظيفة بسبب الأتمتّة بحلول عام 2030، وقد يكون لفقدان الوظائف تأثير كبير على المجتمع، ممّا يؤدّي إلى زيادة الفقر وعدم المساواة، وعلاوة على ذلك، فإنّ الوظائف الأكثر تعرّضًا لخطر الأتمتّة هي تلك الّتي تتطلّب مهارات منخفضة وذات أجور منخفضة، ممّا يؤدّي إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة في الدخل. وتأثير ضارّ آخر للذكاء الاصطناعيّ .

ثانيا ، تأثير تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الخصوصيّة، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعيّ على كمّيّات هائلة من البيانات للعمل، ممّا يعني أنّ الشركات والحكومات لديها إمكانيّة الوصول إلى مزيد من المعلومات حول الأفراد أكثر من أيّ وقت مضى، ويمكن أن تتضمّن هذه البيانات معلومات شخصيّة، مثل الاسم والعنوان وتاريخ الميلاد، بالإضافة إلى معلومات أكثر حساسيّة، مثل السجلّات الصحّيّة والمعلومات الماليّة وغيرها، إذ يمكن استخدامها لأغراض شائنة، مثل سرقة الهويّة والاحتيال والهجمات الإلكترونيّة، في حال وقوعها في الأيدي الخطأ.

ثالثا ، تاثيرات الذكاء الاصطناعيّ أيضًا تهديدًا كبيرًا للأمن، نظرًا لأنّ الذكاء الاصطناعيّ يصبح أكثر تعقيدًا شيئًا فشيئًا؛ حيث من الممكن استخدامه لتنفيذ هجمات إلكترونيّة وأشكال أخرى من الجرائم عبر الإنترنت، وعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعيّ لإنشاء رسائل بريد إلكترونيّ تصيد مقنعة أو لأتمتّة عمليّة اختراق كلمات المرور، كما يمكن أيضًا استخدامه لتطوير برامج ضارّة يصعب اكتشافها والدفاع عنها، وقد يكون لذلك عواقب وخيمة فيما يخصّ الجرائم الإلكترونيّة، بما في ذلك الخسارة الماليّة، والإضرار بالسمعة، والاختراق بالمعلومات الحسّاسة.

رابعا ، ويعتبر التحيّز أحد أهمّ التأثيرات التي قد يتسبّب فيها الذكاء الاصطناعيّ، ويقول باحثون، إنّ خوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ جيّدة بقدر جودة البيانات الّتي يتمّ تدريبهم عليها، وإذا كانت البيانات متحيّزة أو غير كاملة، فسيكون الذكاء الاصطناعيّ أيضًا متحيّزًا، ويمكن لهذا أن يؤدّي بدوره إلى التمييز ضدّ مجموعات معيّنة من الناس. على سبيل المثال، إذا تمّ تدريب نظام الذكاء الاصطناعيّ على البيانات المتحيّزة ضدّ النساء أو الأقلّيّات العرقيّة، فقد يؤدّي ذلك إلى استمرار هذه التحيّزات من خلال اتّخاذ قرارات غير عادلة أو تمييزيّة.

خامسا، اثارة الذكاء الاصطناعيّ المخاوف بشأن إمكانيّة تطوير آلات فائقة الذكاء، وفي حين أنّ هذا لا يزال بعيد المنال، فإنّ بعض الخبراء يعتقدون أنّه من المحتّم أن يتجاوز الذكاء الاصطناعيّ الذكاء البشريّ في النهاية، قد يكون لهذا آثار كبيرة على المجتمع، حيث يصعب التحكّم في الآلات الأكثر ذكاء من البشر أو تنظيمها، مع وجود خطر بشأن انقلاب هذه الآلات على البشر في مرحلة ما مستقبليّة.

سادسا ، إذا استمرت برامج تعلم الآلة مثل «تشات جي بي تي» في الهيمنة على مجال الذكاء الصناعي. رغم نفع تلك البرامج في بعض المجالات الضيقة؛ إذ يمكنها أن تكون نافعة في برمجة الكمبيوتر على سبيل المثال، أو اقتراح بعض قوافي الشعر الخفيف؛ نعلم جيداً من علم اللغويات وفلسفة المعرفة أنها تختلف بشكل عميق عن كيفية استخدام البشر للعقل واللغة

 

 

خامسا ، سباق تسلح جديد في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

 

لا تخفي الولايات المتحدة خوفها من خطر التقدم الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي على الرغم من الهيمنة الأمريكية ، وتتصدر الشركات الامريكية مثل الفابيت وميتا ومايكروسوفت مجالات صناعة الذكاء الاصطناعي ، سواء من خلال الاستثمار او الاستحواذ ، وتهدف الى ان  تكون لاعبا رئيسيا فيها والتي يتوقع أن تصل الى  ما يزيد عن 118 مليار دولار بحلول عام 2025. [7]

و تحتل الصين المرتبة الثانية، حيث تستثمر الحكومة بكثافة في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي،  وهو الامر الذي دفع الرئيس بايدن في قمة ميونخ للامن في فبراير الماضي للحث على التعاون مع اوربا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، وعدم السماح بتهديد مركزها المتقدم من قبل قوى اخرى ، وهو الامر الذي سيكون عن دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحول كبير في ميزان القوى العالمي ، وبخاصة مع التقدم الصيني المتسارع لسد الفجوة وبخاصة في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، والاتجاه الى عسكرة تطبيقات الذكاء اصطناعي من جهة اخرى .

وبخاصة انها تدخل في تطوير نظم  تسلح ذاتية القيادة مثل التقدم في  الطائرات بدون طيار ،وادخال "الروبوتات" المجال العسكري ، ودور الذكاء الاصطناعي في الدفاع والردع ضد الهجمات السيبرانية ، الى جانب ادخال تلك التطبيقات التقنية في مجال عمل الاسلحة التقليدية وغير التقليدية مثل الاسلحة النووية والعابرة للقارات ، ومن ثم فان تصاعد تلك المخاطر الجديدة تستلزم بناء سياسات واستراتيجيات دفاعية ومتعلقة بالامن القومي تاخذ في اعتبارها تلك التهديدات غير التقليدية ،وبخاصة مع خطط الصين وفق  خطتها "صنع في الصين 2025" لكي تصبح القوة الاقتصادية الكبري ، وانه بحلول الذكرى المئوية لتأسيسها في عام 2049 يجب ان تتصدر كافة المجالات  وبخاصة الذكاء الاصطناعي، وبالفعل حققت الصين تقدما في مجال استخدام البيانات الضخمة والخوارزميات الذكية، وتطبيقاتها في الصناعة،[8]

 

وتخطو دول أخرى مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية أيضًا خطوات كبيرة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ، قدمت كندا استراتيجية الذكاء الاصطناعي مدعومة بمبلغ 125 مليون دولار لتعزيز البحث وتطوير تقدم المواهب القوي في عام 2018. كما عززت اليابان لعبتها مؤخرًا بخطتها «Society 5.0» التي تدمج عناصر الذكاء الاصطناعي في رؤية جديدة للتنمية الوطنية.و تعهدت كوريا الجنوبية بأن تصبح قوة الذكاء الاصطناعي من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص من خلال تخصيص 14 تريليون وون لغرض تعزيز قدرتهم التنافسية الوطنية في هذا المجال. تكشف هذه الاستثمارات أنه على الرغم من أن الصين والولايات المتحدة قد تهيمنان على عناوين الأخبار عندما يتعلق الأمر بسباق تسلح الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك الكثير من المنافسين الذين يتطلعون إلى السيطرة على هذا المجال البارز.

أوروبا ككل متخلفة في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن الدول الفردية مثل فرنسا وألمانيا بدأت في اللحاق بالركب ،والمنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي المتزايد. في السنوات الأخيرة، أعلن كلا البلدين عن خطط لاستثمار مليارات الدولارات في البحث والتطوير لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وكان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ  خطوات لبناء قدرات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء القارة بأكملها، حيث أطلق مبادرة «الذكاء الاصطناعي لأوروبا» في عام 2019. سيوفر هذا منصة للتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء عندما يتعلق الأمر بالتقدم التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي.

 

 

 

 

سادسا ، مسارات المستقبل بين الاتجاهات والاحتمالات

 

تتحرك الثورة التقنية من خلال تحقيق عدة اهداف لعل اهمها ، ان يكون العقل البشري قادرا على التحكم في الاشياء من حول الانسان ، وان يكون الكمبيوتر او الالات المتحركة ذاتيا والروبوتات   قادرة على فك شفرات الرغبات الشخصية حتى ينفذها ، وهذين يقعان ضمن الاتجاهات الضخمة المتوقع حدوثها بقوة في المستقبل ، بينما ينبثق من هذين الاتجاهين ، اتجاهات فرعية لعل اهمها ، المخاوف من سيطرة الذكاء الاصطناعي على العلاقات الانسانية ، وان المخ لدى الانسان لا يماثل حسابا رقميا ضخما فهو مجموعة من الخلايا العصبية التي تعاود الاتصال ببعضها باستمرار وتختف بنية الشبكات العصبية عن بنية الاجهزة الرقمية

التقنية وتطبيقاتها تجري بسرعة تفوق قدرة المجتمع على مواكبتها او حتى فهم كافة ابعادها ، ومن ثم ياتي دور الباحثين في محاولة الاستقراء والاستشراف والتنبوء بتاثيرات الثورة الصناعية الرابعة  ، وترجع أهمية دراسة مستقبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي خاصة والثورة الصناعية الرابعة وما بعدها بشكل عام كوسيلة للتنبيه على السلبيات وكيفية تبني  سياسات بديلة لدرء تلك السلبيات في المستقبل وتعزيز الفرص الممكنه ، وأهمية الأخذ بعين الاعتبار أولا،طبيعة تأثير التقدم العلمي والقني في النظام الدولي ، وثانيا ، التطور المهم في مجال المعرفة والقياس والتحليل ، وثالثا ، الدور التي تتيحه الثورة الصناعية الرابعة من فرص للتقدم الاقتصادي وانعكاسه على القوة الإستراتيجية الشاملة للدولة .

ويدفع ذلك الى أهمية معالجة التأثير المرتقب لتطبيقات الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق ، بدراسة الابعاد الايجابية والسلبية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ، والفجوة المتوقعة والمتزايدة بين الدول المتقدمة والدول النامية ، وكيفية تحقيق التوازن مابين قدرات الإنسان الحالية والمحتملة من جراء الولوج الى تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، وأهمية تطوير عملية توظيف المعلومات والمعرفة المتاحة في اتخاذ القرارات الملائمة وذلك من اجل وضع طرق مثلي لمواجهة مخاطر المستقبل .وذلك بناء على دراسة ورصد حالة التغير التي أحثتها الثورة الصناعية الرابعة وبخاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، وذلك من أجل تحديد الاحتمالات الممكنة لتطور تلك الظاهرة  في المستقبل، والقدرة على تفضيل احتمال دون غيرة ، ومن ثم فان لاستشراف ذلك يختلف عن التنبؤ والذي يختلف في درجة تحديد حدوث أي من البدائل في المستقبل .

ومن ثم يمكن القول ان اتجاهات مستقبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستتجه الى ثلاثة اتجاهات ، هي الاتجاهات الضخمة عبر احداث طفرة ونقلة كبيرة في الواقع الدولي بشكل سريع وتنافسي ، وهناك اتجاهات فرعية ، يمكن ان تتطور او تنبثق من الاتجاهات الضخمة عبر احداث تطور نوعي او فرعي في تاثيرات الظاهرة ، وهناك اتجاهات محتملة ، لتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال القدرة على توليد الانشطة اوالتطبيقات او المشورعات التي يكن ان ترتبط بها وتتصاعد في المستقبل ومن ثم فانها تكون لها الدقرة على تشكيل الاتجاهات السائدة  في المستقبل .  

ولكن تكشف التجربة الدولية السابقة ان الذكاء الاصطناعي لا يمكن ان يكون  نقيضللذكاء البشري بل انه عامل مساعد له ، وما صنعة الإنسان من الآلات  امتلكت ذكاءً صناعياً،وتحت أدارة وتحكم بشري ، ومن ثم فإنها لم تصبح "الآلات مفكرة" بل ان تلك "الآلات " كانت خاضعة بالفعل إلى برمجيات للتحكم والسيطرة من قبل الإنسان .

تقدم المجتمع الدولي في تبني قواعد اخلاقية منظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ، وتطوير البرمجيات والانظمة لتصبح اكثر شفافية ومراعاة للفئات الاضعف كالمراهقين ا الشباب ، وتامين انظمة الذكاء الاصطناعي لحمياتها من خطر الاختراق او القرصنة او الهجمات السيبرانية ، وجعلت تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة وغير منحازة عبر تطوير الخوازميات اتي تعتمد عليها .

ومع تسارع سباق التسلح التنافسي للذكاء الاصطناعي في المستقبل، من المهم للغاية أن تشارك جميع البلدان من أجل ضمان تقاسم فوائد التكنولوجيا على قدم المساواة بين الجميع. هذا مهم بشكل خاص عند النظر في الآثار الأخلاقية والاقتصادية والعسكرية المحتملة للذكاء الاصطناعي - والتي لا ينبغي أن يقتصر أي منها على دولة واحدة أو مجموعة من الدول. يمكن للذكاء الاصطناعي إطلاق العنان للتقدم الهائل في الرعاية الصحية والتنقل ومجالات أخرى لا حصر لها ؛ وإذا سمح للتكنولوجيا بأن تظل دون رادع ولا تقتصر إلا على مناطق معينة، يمكن بسهولة أن تكون هناك تداعيات كبيرة على الاستقرار والإنصاف العالميين. من خلال إبقاء الجميع مشاركين في المناقشة، من الممكن الحفاظ على تكافؤ الفرص من حيث الموارد المتاحة، مما يضمن فرصة عادلة للتقدم بغض النظر عن الوضع الجغرافي أو المالي. في النهاية، مع وجود مثل هذه التكنولوجيا القوية تحت تصرفنا، من الضروري أن تعمل كل أمة على وجه الأرض معًا من أجل تشكيل مستقبل جماعي حيث يمكن للجميع الازدهار.

سباق الذكاء الاصطناعي العالمي هو سباق يجب أن تشارك فيه جميع البلدان، لأن فوائد هذه التكنولوجيا أكبر من أن تتركها لعدد قليل من الدول. تقود الولايات المتحدة حاليًا الطريق، حيث تستثمر شركات التكنولوجيا الكبرى بكثافة في البحث والتطوير. ومع ذلك، فإن الصين ليست بعيدة عن الركب، كما تخطو دول أخرى مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية خطوات كبيرة. أوروبا ككل متخلفة في الوقت الحالي، لكن الدول الفردية مثل فرنسا وألمانيا بدأت في اللحاق بالركب. في النهاية، من المهم لجميع البلدان أن تشارك في تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي لضمان مشاركة الجميع في فوائدها.

 

 

[1] Klaus Schwab, The Fourth Industrial Revolution: what it means, how to respond", Global Agenda, World Economic Forum, 14 Jan 2016.https://goo.gl/GdCYWk,

[2] د.عادل عبد الصادق، الثورة الصناعية الرابعة: تحديات وفرص الاستحواذ على القوة الجديدة،

 مجلة احوال مصرية ،مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، دراسات ،العدد 71 ، شتاء 2018 ص ص 15-، 27

[3] زيتا بايت = 1024 أكسا بايت = 1,099,511,627,776 جيجا بايت .وغالبا ما يرمز لزيتا بايت بـ ZB، ولتخيل حجمها، فإن تخزين 1 زيتا بايت يحتاج حوالى 83 مليون قرص صلب بسعة 12 تيرا بايت، كما أن 1 زيتا بايت، يمكنه تخزين فيديو عالى الدقة 4K تصل مدته إلى 63 مليون سنة.

[4] The race of the AI labs heats up,The Economist, Jan 30th 2023, https://econ.st/3lsi6hM

[5] Noam Chomsky, The False Promise of ChatGPT, New York Times ,March 8, 2023.https://nyti.ms/3yJRLyS

[6]andrew R.Chow,Billy Perrigo, , The AI Arms Race Is Changing Everything,TIME ,FEBRUARY 16, 2023 , https://bit.ly/3Lvsm3I

[7] Which countries are leading the AI race?, Investglass, 6 February 2023.

[8] Benjamin Talin, Chinas AI supremacy – Why U.S. and EU are loosing the race for AI, - MoreThanDigital ,Oct 20, 2021

https://bit.ly/3FvULTo

 

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>