أولا ، التقنيات البازغة تفرض بيئة جديدة للأمن القومي
حدث تغيير في مفهوم الأمن في ظل العصر الرقمي ،و ظهرت مصالح جديدة وأخطار سيبرانيه رديفة لها مع زيادة الاعتماد على الفضاء السيبراني في عمل البنية التحتية للمعلومات وتقديم الخدمات بل وكذلك في تراكم الثروة ، واثر ذلك على مفهوم الأمن القومي وتطبيقات سيادة الدولة ، وظهور مصادر للخطر و وفاعلين عابرين للحدود الدولية ، وفرضت تلك التطورات إعادة التفكير في مفهوم "الأمن القومي للدولة"، والذي يعني بحماية قيم المجتمع الأساسية، وإبعاد مصادر التهديد عنها، وغياب الخوف من خطر تعرض هذه القيم للهجوم.وأصبح الأمن السيبراني رافد أساسي من روافد الأمن القومي ومن ثم أصبحت تتصارع العديد من الدول في سبيل الحصول على مستويات اعلي من تعزيز القدرات في مجال الدفاع أو الهجوم وذلك من خلال تبني استراتيجيات وطنية للآمن السيبراني، ولم يرتبط ذلك بالعمل على تحقيق أهداف أمنية او سياسية فقط بل بالعمل على حفظ فرص النمو الاقتصادي ، وفي ظل ترابط العلاقة بين الامن والاقتصاد في العصر الرقمي ،وانعكاس ذلك على الثقة في الإجراءات والسياسات المتبعة.
وحدثت عملية انتعاش للظاهرة الإجرامية عبر توظيف البيئة الرقمية في تسهيل ارتكاب الجرائم ، والتي تتميز بخصائص تعرص المجتمع الى تحول كمي متمثل في تضاعف معدلات الانتشار والنفاذ لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وزيادة عدد المستخدمين ،و ترافق مع ذلك تحول كيفي آخر كان له بالغ الأثر في القيم والسلوك للفاعلين سواء من الدول أو من غير الدول.وأصبحت الفجوة تتصاعد ما بين حالة التطور المتسارع وما بين قدرة الحكومات على التنظيم والتشريع لضبط أنماط التفاعلات لتصبح اكثر حوكمة .
ومن ثم تحولت البيئة الرقمية اما انها وسيط ومسهل للعمل الاجرامي او تحولها الى اداة ووسيلة لارتكاب الجرائم التي تمس المال او الصحة النفسية او الجسدية . والتي منها التجسس او انتهاك الخصوصية او التضليل ونشر المعلومات الزائفة او سرقة الاموال او اختراق الحسابات عبر المنصات الرقمية او تسريب البيانات الشخصية او الحكومية ، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.
وتتميز انماط تلك الجرائم بذكاء منفذيها وامتلاكهم لمهارات رقمية خاصة ، وتعدد في انماطها وتشابكها مع غيرها ،واتساع حجم الضرر الواقع من رتكابها ، وخاصة مع زيادة عدد مستخدمي الانترنت والاتصالات او سرعة انتشار تاثيرها خاصة في ظل اتساع الشمول المالي داخل المجتمع ، وفي ظل عملية التحول الرقمي التي تتجه اليها العديد من الحكومات للاستحواذ على مقدرات الثورة الصناعية الرابعة، نقص الوعي بمخاطر الجريمة الالكترونية ، وانتشار الفقر والبطالة بين الشباب ، وضعف الرقابة على الانشطة الاجرامية من قبل جهات انفاذ القانون ، مع توسع المنصات الرقمية في عملية التشفير . والطابع العابر للحدود لتقديم الخدمات الرقمية من قبل الشركات التقنية الكبري . ارتباط عضوي بين الأمن السيبراني الداخلي للدولة وامن الفضاء الالكتروني ،وهو ما يشكل أساس الأمن الجماعي العالمي، خاصة مع وجود مخاطر تهدد جميع الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي.
وهو الأمر الذي فرض علي الدولة من جهة الانفتاح للتعاون مع الفاعلين من دون الدولة في الداخل والسعي إلي التعاون مع الخارج لتعزيز القدرات من جهة أخري لتعزيز أمنها السيبراني ،و لم تصبح وظيفة الأمن و الدفاع مقتصرة علي الدولة وفق العقد الاجتماعي لنشاتها بل أصبح هناك دور جديد للفرد والقطاع الخاص والمجتمع المدني في الدفاع وبخاصة إن تلك التهديدات لم تعد من الخارج إلي الداخل فقط بل من الداخل الى الداخل أيضا.وفرضت تلك المتغيرات الجديدة أمام الحكومات والساسة في العديد من دول العالم إعادة تعريف دورها والبحث عن ممارسة سيادتها مرة أخرى.في ظل عملية التحول الرقمي التي تتجه اليها العديد من الحكومات للاستحواذ على مقدرات الثورة الصناعية الرابعة.
ثانيا ، انماط توظيف الذكاء الاصطناعي في الأنشطة الإجرامية والإرهابية
على قدر ما وفرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي من فرص لخدمة الإنسانية الا أنها أتاحت كذلك الفرصة لإلحاق أضرار مادية وأخرى غير مادية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وعلى الرغم من وجود تلك المخاوف من قبل من الثورة الرقمية فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعى التوليدى قد أضافت أبعادا اخرى للمهددات مع تميزها بقدرات سواء على مستوى القدرات أو على مستوى المهارات، وهو الامر الذى يجعل من التأثير اكثر عمقا وانتشارا واستدامة، وأصبحت تواجه حقوق الإنسان فى ظل صعود الذكاء الاصطناعى تحديات جديدة سواء على المستوى السياسى او الاقتصادى او الثقافى، وتتميز بأنها غير مسبوقة فى تأثيرها السلبى وذلك مع طابعها العابر للحدود، واحتكار قلة لتلك القدرات من الشركات ومن خلفها الدول، وعلى النحو الذى يزيد من الفجوة والتهميش والسيطرة واللامساواة.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد انماط توظيف الذكاء الاصطناعي في الانشطة الاجرامية لعل من ملامحها ،
اولا ، نشر المعلومات والأخبار المضللة والتزييف العميق بما يحمل معه مخاطر على الوعى والإدراك فى معركة الاستحواذ على العقول والقلوب. خاصة بين الاجيال الجديدة من فئات الشباب والمراهقين، والذين هم الاكثر ارتباطا وتأثرا وتفاعلا عبر المنصات الرقمية،ويتم انتهاك الخصوصية للإنسان باستخدام صوته وشكله أو إنتاجه الفكرى وإعادة تركيبه ونشره عبر الذكاء الاصطناعى
ثانيا ،تدشين الحسابات الوهمية بما يساعد على الجريمة الالكترونية، وشن هجمات سيبرانية لسرقة البيانات الشخصية .و تصاعد التوظيف السياسى للذكاء الاصطناعى فى الانتخابات بما يكون له تأثير بالغ على تقويض النظم السياسية وإفساد القيم الديمقراطية.
ثالثا ، توظيف تطبيقات التجارة الإلكترونية ، والتي توفر فرص للدفع عبر الحدود من ثم إتاحة الفرصة الى خروج الاموال من والى الدولة ، وقد يتتم عملية الشراء من قبل مجهوليين او عبر بطاقات دفع مسروقة او احتيالية، او عبر تعزيز القدرة في إخفاء أثار المعاملات المالية عبر الانترنت .
رابعا ، تدشين الشركات الوهمية والتي تعمل كواجهة لتحويل الأموال تحت ستار عمليات بيع وشراء حقيقية ويتم دفع الأموال من حساب المحلى إلى حساب خارجي وكأنها صفقة تجارية او بتحويل الأموال إلى حساب هذه الشركة بالخارج تحت غطاء دفع قيمة بضاعة.
خامسا، إمكانية تحويل الأموال إلى عملات مشفرة مثل البيتكوين وتحويلها إلى حسابات خارجية وهذه الطريقة يصعب على السلطات تتبع حركة الأموال بسبب طبيعة العملات المشفرة التي تعمل بطريقة لامركزية ولا تخضع لرقابة البنوك المركزية .
سادسا ، العمل على تقسيم الأموال الكبيرة إلى مبالغ صغيرة وتحويلها عبر قنوات مختلفة مثل التحويلات البنكية أو المحافظ الالكترونية لتجنب لفت الانتباه من قبل أجهزة الرصد والمتابعة .
سابعا، توظيف الجماعات الإرهابية لشركات الوساطة المالية العالمية وخدمات الدفع المالي الدولية الرقمية من خلال شركات تحويل الأموال تحت أهداف مختلفة كشراء هدايا او خدمات او استشارات ،الخ
ثامنا ، اتجاه الارهابين الى استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء هويات وهمية وواجهات تجارية مقنعة لتغطية نشاطاتهم الإجرامية – مثل التشفير المتقدم أو استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لإخفاء أثر التحويلات المالية وتجعل تتبع هذه الأموال أكثر تعقيداً.
تاسعا ، توظيف تقنيات الإخفاء حيث يتم استخدام برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإخفاء الأنشطة المالية غير القانونية مثل تبني أدوات تشفير متطورة تجعل من الصعب تتبع مسار الأموال بعد خروجها من النظام البنكي التقليدي
عاشرا ، تزيد مخاطر المحتوى المولد عبر الذكاء الاصطناعي فى نشر الأخبار والمعلومات المضللة، ومساهمة التغريدات المقتضبة والصور فى بروز السطحية وسياسة القطيع او عبر نشر قوالب فكرية جامدة، او اجتزاء النص وخروجه من سياقه بما قد يؤدى الى نشر اتجاهات العنف او الكراهية او العنصرية.
ثالثا ، فرص توظيف الذكاء الاصطناعي في مكافحة العمل الإجرامي والإرهابي
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأنشطة الإجرامية والإرهابية على مستوى السياسات أو الإجراءات أو التقنيات، مثل القرصنة واخترق الخصوصية وسرقة البيانات الشخصية وسرقة المحتوى والهويات الرقمية وكلمات المرور وبيانات الدفع الالكتروني ،ومواجهة جرائم انتهاك حقوق الملكية الفكرية المتصلة وتضليل العدالة وتزييف الأدلة الجنائية .
وتساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي كذلك في الكشف عن الممارسات المالية المشبوهة ، ورصد الحيل الرقمية لخروج الأموال خارج الدول ورصد طرق تفادي الرقابة المالية التي تمارسها البنوك المركزية او المؤسسات المالية المعنية ، ومن ابرز طرق توظيف الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرة الجماعات الإرهابية على تحويل الاموال او نقلها او تهريبها او إخفائها ،
وفرص توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مراقبة ورصد أنشطة وحركة الأموال وانتقالها ، مثل تعزيز قدرات أنظمة الكشف التلقائي بتحليل بيانات وتحركات الأموال آليا وبسرعة وبدقة كبيرة ،ويساعد ذلك البنوك ومؤسسات الدولة على تحليل البيانات الضخمة لتحديد العمليات المشبوهة بسرعة مثل اكتشاف أنماط متكررة أو تحويلات مالية غير قانونية .
ومن جهة اخرى تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الرقابة المالية حيث يمكن استخدام تقنيات التعلم الآلى لتحليل سلوك العملاء المالين بشكل دائم و اكتشاف أي انحرافات تشير إلى غسل أموال أو تحويلات غير مبررة وتعزيز دور الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الجرائم المالية
وتساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحقق من هويات المستخدمين عبر الخوارزميات واكتشاف الهويات المزيفة التي تستخدم في هذه العمليات خاصة إذا تم إنشاء ملفات وهمية بأسماء غير حقيقة .
وتساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الجرائم المالية وتعزيز القدرات للتعرف على أنشطة غسيل الأموال باستخدام التقنيات المتقدمة،والتي تساعد في تحديد المخاطر ورفع كفاءة التحقيق والتحري، وتحسين إدارة التغييرات التنظيمية داخل المؤسسات المعنية بمكافحة الجريمة ،ورفع القدرات في مجال مكافحة الجريمة الالكترونية ، والكشف عن الأنشطة الاحتيالية عبر تحليل البيانات الضخمة ورصد المعاملات المالية للكشف عن أنشطة غسل الأموال مع حالة التطور في مجال الشمول المالي والمدفوعات الالكترونية والتحول الرقمي في تقديم الخدمات المدنية .
ويتطلب ذلك تطوير أنظمة للكشف عن الأنماط المشبوهة من خلال تعزيز التعاون الدولي. وتبادل البيانات بين البنوك والمؤسسات المالية العالمية باستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي للتعرف على الأنشطة العابره للحدود.ورفع كفاءة الرقابة المالية عن طريق إدخال الذكاء الاصطناعي في المؤسسات المالية والمصرفية والحكومية لتحليل المعاملات المالية بشكل استباقي.
ومن أهم الطرق التي توفر للجماعات الإرهابية والعنيفة الاستمرار في نشاطها واستمرار تهديداتها قضية التمويل وطرق الحصول علية وخاصة في ظل توجهات الرقابة المالية عليهم ، وساعدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في طبيعة الأساليب المستخدمة للتهرب من قبل الجماعات الإرهابية من الرقابة المالية ، وما يكون لذلك من تأثير على النشاط التمويلي للجماعات الارهابية، ويفرض كذلك تحديات لمواجهتها ماليا وتجفيف مصادر تمويلها .
ويتم توفير مصادر جديدة للتمويل لنشاط الجماعات الإرهابية عبر تطبيقات تلقي الأموال عبر الحدود وتوظيف العملات المشفرة في التهرب من الرقابة أو الدخول في عمليات غسيل الأموال ، أو عبر التحالف مع جماعات إجرامية تستهدف جمع المال بطرق احتيالية ومن ثم يحدث الجمع بين من يبحث عن السياسة والمال .
ويقدم الذكاء الاصطناعي أيضًا حلولًا محتملة للدول في تحديث عمل الأجهزة الأمنية المعنية وتحديث الإطار التشريعي ، وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في احتواء الخطاب المتطرف والحجب والفرز له ، وإنتاج محتوى مضاد وتوجيه المستخدمين له ،ومن ثم الحد من التعرض للمحتوى العنيف الذي تبثه الجماعات الإرهابية .
ويتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الوصفية المرتبطة بالجماعات الإرهابية عن طريق كاميرات التعرف على الوجه أو رصد الاتصالات والمعاملات المالية ومسارات الانتقال والسفر وأنشطة تصفح الإنترنت،وهو بما يساعد في معرفة الاتجاهات والأفكار والهيكل التنظيمي لها، وتساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم القدرات الوطنية في حماية البنية التحتية الحرجة من خلال رصد الثغرات التي يمكن إن يستغلها الإرهابيين.وتحديد البيانات الخاصة بالنشاط الإرهابي ومن ثم التنبؤ بنشاطهم وتعقبه.
رابعا ، تحديات توظيف الذكاء الاصطناعي في مواجهة الانشطة الاجرامية والارهابية
تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأنشطة الإجرامية تحديات لعل أهمها ، ما يرتبط بتحديات الالتزام بحقوق الإنسان في ظل عدم وجود معايير لاستخدام الذكاء الاصطناعي ، ومواجهة مشكلة عشوائية مصادر البيانات وتضاربها بما يخلق جهدا مضاعفا للعنصر البشري ، وتحدي التعاون الدولي والاستخبارتي في مكافحة الإرهاب عبر الحدود ، والتعاون القضائي في التحقق في الأدلة الرقمية في ظل هيمنة الشركات التقنية الكبرى على المنصات الرقمية التي تحتفظ بحجم ضخم من البيانات الشخصية . وهناك تحدي اخر يرتبط باللجوء الى استخدام العملات المشفرة في تمويل ونقل الامال بما يضع عقبات امام رصد نشاط الجماعات الارهابية .وقد تنتقل الجماعات الارهابية الى الانترنت المظلم او العميق للهروب من الرصد والمتابعه وخاصة انه يمثل نحو 94 % من حجم الانترنت .
وتفرض الثورة الرقمية تحديات امام القواعد القانونية سواء من حيث كونها امرة او مكملة او حتى التاثير على مصدر الزامها ، وتراجعت مجالات تطبيق القوانين التقليدية في صالح صعود البحث عن قوانين او تشريعات حديثة تتعامل مع الانماط الجديدة من التفاعلات عبر البيئة الرقمية او مع الجرائم الجديدة المرتبطة بها ، والتي لم تعد القانونية التقليدية قادرة على الحد من انتشارها والتي اعتمدت على أسس مختلفة في تعيين الجريمة او المجرم او الادلة ، او العقوبة.
ومن جهة اخرى يوجد تحدي طبيعة العلاقة بين الشبكات الاجتماعية والحكومات وكيفية الحد من آثارها الضارة العابرة للحدود بعد ما يزيد على عقد من الفوضى والتمدد سواء فى النفوذ او الأسواق او الخدمات. وكان لذلك تأثير محلى وإقليمى ودولى فى ظل صعود فاعلين جدد لمنافسة الشركات الأمريكية فى سوق الشبكات الاجتماعية خاصة مع تعدد مكونات عملها كإنشاء الحسابات وإنتاج المحتوى ونشره والتوصية به وتضمينه بالإعلانات والمراسلات الخاصة وتخزين البيانات وإمكانية بيعها لطرف ثالث.
وتطور دور شركات الشبكات الاجتماعية من مجرد مقدم للخدمة او وسيط فى نقلها الى كونها فاعلا فى تنظيم المحتوى والتحكم فيه، فى ظل تنازع السيادة على المحتوى ما بين جمهور المستخدمين، وما بين الحكومات التى ينتمون لها وما بين الشركات التقنية المقدمة للخدمة ،ويعد ذلك مصدر قلق لدى السلطات القضائية وجهات إنفاذ القانون مبعثه إمكانية توظيف القدرة الكبيرة فى التشفير والخصوصية ليس فقط فى حماية المستخدمين من التطفل، سواء من قبل الحكومات، أو من قبل الشركات الإعلانية،
وقدرة المنصات الرقمية في توفير غطاء تقنى لمنع تعقب المجرمين وحمايتهم من خطر الملاحقة او الكشف عن هويتهم او تقويض فرص النشاط الإجرامى الذى يعتمد على نظام لتبادل البيانات المشفرة بين أجهزة المستخدمين، وما بين الخوادم الحافظة لها بما يضمن تأمين المراسلات. وهو الأمر الذى قد يضر بأمن الفرد والمجتمع والدولة جراء تحويل التطبيق الى ما يشبه الإنترنت المظلم فى سريته، ومن ثم أصبح عنصر جذب من قبل الجماعات الإرهابية او الإجرامية.
وغياب سياسات حوكمة المحتوى والذي يتم نشر جزء كبير منه فى ظل غياب التفكير النقدى وتدنى الثقافة العامة وضعف دور وسائل الإعلام ، وتأثير ذلك على قدرة الفرد على إدراك وتفسير الواقع الذى يتم وفق المعرفة والقيم المتشكلة لديه عبر تلك المنصات ،والتى توجهه فى اتخاذ القرار،والحكم على الأفكار او الاشخاص او الاحداث. وباتت تؤثر كذلك فى تقديره لذاته ودوره فى الحياة او شعوره بالتفاؤل والسعادة أو بالانتماء،وهو ما يترجم لاشعوريا فى سلوك الفرد داخل بيئة التفاعل المادية أو الرقمية،
خاصة فى ظل تنامى دور الحكومة فى مواجهة القضايا الناشئة عبر دورها التنظيمي التى تحمل فرصا وتحديات جديدة، سواء للفرد او المجتمع او الدولة منها ذات طبيعة مادية وأخرى رمزية عابرة للدور التقليدى للحكومة إلى باقى الفاعلين داخل المجتمع من جهة وعابرة للحدود بما يتطلب معه تعزيز التعاون الإقليمي والدولى من جهة أخري،وياتي ذلك مع تراجع دور الإعلام الموجه من قبل الدولة لصالح سيطرة الإعلام الرقمى، وصعود دور فاعلين جدد فى التأثير فى الراى العام، وهو الامر الذى يحد فى الاخير من قدرة الدولة فى التعبئة القومية للموارد لخدمة التنمية.
وبالرغم من دور المنصات الرقمية فى زيادة الوعى بالمطالب لدى المواطنين، الا انها زادت من الضغوط على صانعى القرار مع ضعف الموارد، وهو الأمر الذى ينمى مشاعر الإحباط ،وتكون بيئة حاضنة ، توظفها جهات مغرضة لزعزعة الثقة بين الدولة والمجتمع،ويوفر ذلك فرصة لزيادة استهلاك المعلومات المضللة وتطبيقات الوعى الزائف والحروب النفسية.وخاصة مع القدرة على استهداف الكتلة الحرجة من الشباب والمراهقين، وهم الأكثر تفاعلا واستخداما لها ، خاصة مع رخص التكلفة وسرعة الانتشار، وانتقال تقنية البث من الفرد الى الفرد ثم منه إلى الكل فمرحلة بث الكل الى الكل، وضخامة التفاعل مع تصاعد دور الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية.والذي يتم عبر ما يتم رصده من اتجاهات او ترندات او هاشتاجات او حملات ترتبط بما ينشره المستخدمون او المؤثرون من محتوى ذى صلة. أو نقل ما يتم تداوله من اخبار وقضايا الى القنوات الفضائية او الصحف الورقية او المواقع الالكترونية لها او بالانتقال الايجابى او السلبى الى الشارع.
خامسا ، نحو مواجهة ذكية ومستدامة للأنشطة الإجرامية
تفرض مواجهة التحديات الامنية الجديدة تبني وتطبيق اسراتيجيات امنية ذكية تاخذ في اعتبارها امكانية توظيف القدرات الرقمية في مواجهة الجريمة والارهاب ، والكشف عن الادلة وتحليل البيانات وتوظيف الانظمة الذكية للتعرف على الانماط الجديدة للجرائم ، واتخاذ اجراءات وقائية سريعه وحماية الامن السيبراني من انماط الجريمة الالكترونية المختلفة ،والاخذ بعين الاعتبار ان هناك ثمة تسارع مستمر في التطورات التقنية وتطبيقاتها في ظل محاولة التنظيم او القانون الحاق بها لضمان حوكمتها .
وهو ما يعزز من دور الدولة كمشرع وناظم لحركة التطور التقني ودافع لتبني السياسات العامة المثلي ، والتي تخدم الأهداف الوطنية ، ومن جهة اخرى ان من شأن الاتصال الحكومى الفعال عبر المنصات الرقمية مع المواطنين ان يساعد فى التعبئة للموارد المادية والبشرية لخدمة الأهداف القومية.وتمثل ثقافة المستخدم عبر المنصات الرقمية ركيزة للوعى بالمصالح الوطنية وبالمخاطر وبما يساعد فى بناء الثقة بين المواطن والحكومة ،ومعالجة الفجوة بين القدرات والأهداف فى ظل موارد الدولة الفعلية، وبما ينعكس فى تعزيز عملية التنمية المستدامة .
ويمكن تعزيز مواجهة تصاعد انماط الجريمة في ظل الذكاء الاصطناعي بتبني إستراتيجية شاملة ومرنة على المدى القصير والطويل يكون من مرتكزاتها ،
اولا ، أهمية المدخل التنموي عبر الذكاء الاصطناعي ودور في تعزيز الإنتاجية ونمو الاقتصاد الرقمي ، ودوره كذلك في توفير فرص عمل جديدة على الرغم من اختفاء اخرى ، وكذلك توظيف تلك التطبيقات في رفع الوعي بمخاطر الظاهرة الإرهابية والتطرف العنيف على الفرد ، والمجتمع والدولة .
ثانيا ، اهمية تبني مدخل التعاون المعزز بين كافة أصحاب المصلحة مع الحكومات والتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديمي والاعلام في تعزيز المسؤولية والمشاركة في مواجهة الارهاب والتطرف
ثالثا ، اهمية تعزيز الاطر التشريعية والقانونية علي المستوى الوطني والإقليمي والعالمي لمواجهة الفجوة التشريعية والتعاون القضائي وتحديث التشريعات لتلاءم التطورات التقنية للذكاء الاصطناعي ودورها في استحداث جرائم جديدة .
رابعا ، اهمية التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وحوكمة الذكاء الاصطناعي مع طبيعة الخطر العابر للحدود ، وصعود دور الشركات التقنية الدولية في تقديم الخدمات الرقمية .
خامسا ، أهمية دور التعليم والتدريب وبناء القدرات.في مجال المهارات الرقمية ومن ثم سد فجوة الوظائف وتوفير مناعة معرفية واجتماعية وتقنية للتعرض لمخاطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي من قبل الجماعات الارهابية .
سادسا ، أهمية مسؤولية المنصات الرقمية و الشركات التقنية عن حوكمة خدماتها وسياسات المحتوى بشكل يحد من أضراره خاصة على النشئ والمراهقين .
سابعا ، اهمية تعزيز تعزيز الحق في التنمية للدول العربية في مجال الذكاء الاصطناعي ومواجهة احتكار الدول الكبري لتلك التطبيقات من خلال الشركات التقنية الكبرى ، وأهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 .
ثامنا ، أهمية توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتتبع أنشطة التمويل وتعزيز الرقابة المالية ،وإدخال الذكاء الاصطناعي في عمل المؤسسات المالية والمصرفية والرقابية .
تاسعا ، إصدار لائحة توجيهيه لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في العلوم الإنسانية والاجتماعية وتعزيز أخلاقيات البحث العلمي في الجامعات العربية الى جانب دعم الجهود الدولية والعربية في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي وتحديث الاستراتيجيات الوطنية والعربية ذات الصلة.
عاشرا ، أهمية تشجيع الاستثمار الوطني والعربي في مجال توطين قدرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة وغيره من التقنيات البازغة حيث ان الأمن التقني مهم للحفاظ علي الأمن القومي.
اخيرا ، أهمية التحول الرقمي والحكومة المفتوحة كسبيل بتعزيز الصلة بين المواطن والحكومة وذلك من خلال توفير المعلومات للمواطنين وتعزيز مشاركتهم في صنع القرار من ثم عدم تركهم فريسة لمروجي الشائعات والمعلومات المضللة .
وتحتاج مواجهة التأثيرات السلبية للمنصات الرقمية الى تبنى منظومة استراتيجية وطنية لبناء الوعى تكون قائمة على الاستثمار فى القيم والشباب باعتبارهما يشكلان منصة التغيير، وهو ما يظهر فى تطوير الوجدان والمعرفة والإدراك والسلوك لبناء وعى حقيقى. وذلك من قبيل إن صناعة الوعى الفردى هى اللبنة الأولى فى بناء الوعى الجماعى ،وهى عملية تراكمية ذات أبعاد قصيرة وطويلة الأمد .
وترتكز على إحداث تغيير ثقافى يساند حركة التنمية ويحافظ عليها ويضمن استدامتها، . وان عملية الاستثمار في الوعي و بناء الإنسان هو الركيزة الأساسية لاغتنام الفرص ومواجهة التحديات في عالم متغير.من اجل تعزيز الامن الجماعي وجعله قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
ويتطلب ذلك تكاتف كافة الجهود الشعبية والرسمية حول بناء الوعى باعتباره مشروعا قوميا لا يحافظ فقط على عقل الانسان بل على ثروته وحاضره ومستقبله، ويحرره كذلك من قيود ومعوقات التنمية ويجعله ينطلق نحو المساهمة فى بناء الحضارة الإنسانية .
|