اولا، التحول في خصائص ومهددات الأمن العالمي
ظهرت العلاقة ما بين الفضاء السيبراني والأمن الدولي خاصة مع التوسع في تبني الحكومات السيبرانية من جانب العديد من الدول واتساع نطاق مستخدمي وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في العالم، حيث تصبح قواعد البيانات القومية في حالة انكشاف خارجي. وهذا مما يعرضها لخطر التعرض لهجمات الفضاء السيبراني إلى جانب الدعاية والمعلومات المضللة ونشر الشائعات أوالدعوة لإعمال تحريضية أودعم المعارضة الداخلية للنظام الحاكم وتقديم الدعم المادي والمعنوي عبر الفضاء السيبراني.
وأصبحت المصالح القومية التي ترتبط بالبنية التحتية الحيوية عرضة لخطر الهجوم. والتي تشمل الطاقة والاتصالات والنقل والخدمات الحكومية والتجارة الالكترونية والمصارف والمؤسسات المآلية. وحيث جعل الفضاء السيبراني من تلك المصالح مرتبطة يبعضها البعض في بيئة عمل واحدة والتي تعرف بالبنية التحتية القومية للمعلومات NII))وارتباطها بالبنية التحتية الكونية للمعلومات.وأصبح يتعلق الأمن العالمي بمدى قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات للحماية ضد التعرُّض للأعمال العدائية والاستخدام السيئ للفضاء السيبراني[1]
وجاءت تلك المظاهر لتبرز استخدامات غير سلمية للفضاء السيبراني وما يمثله ذلك من تهديد للأمن السيبراني العالمي من جانب كافة الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي. وأصبح من الممكن لأي طرف متصل بشبكة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات أن يتأثر إما بالأطراف الأخرى المتصلة على الشبكة نفسها أوبطبيعة الأخطار التي تعترض هذه الشبكة وتهدد طبيعة عملها. بما يكون له من انعكاسات اقتصادية وأمنية وبما يؤثر على الاستقرار السياسي والاجتماعي. ويعكس ذلك الإيمانَ القوي بأن الثقة والأمن هما محوران مهمان لمجتمع المعلومات العالمي. وأصبحت مسألة الدعم الفني والتشريعي وتوفير جومناسب لانتشار واستقرار البيئة التكنولوجية من أهم مرتكزاته.
وأصبح يواجه العالم عدد من المحددات الجديدة للأمن العالمي نتيجة عدد من المتغيرات لعل أهمها ما يتعلق بعملية تزايد ارتباط البنية التحتية الكونية للمعلومات بالفضاء السيبراني بما يجعلها عرضة للهجمات السيبرانية، وبخاصة مع اتساع حركة الفاعلين في استخدامها من غير الدول.
وجاء ذلك في ظل تراجع دور الدولة لصالح القطاع الخاص، وتصاعد دور الشركات العابرة للحدود وبخاصة في مجال التكنولوجيا.
ودفعت كذلك المزايا الاستراتيجية لهجمات الفضاء السيبراني إلى إمكانية توظيفها عسكريا في ظل اعتماد الدول على الأنظمة السيبرانية في جميع منشآتها الحيوية، والعمل على توظيف الفضاء السيبراني في تعظيم قوة الدول. من خلال إيجاد ميزة أوتفوق أوتأثير في البيئات المختلفة. وبالتالي ظهر ما يسمي "الاستراتيجية السيبرانية" للدول. والتي تشير إلى القدرة على التنمية. وتوظيف القدرات للتشغيل في الفضاء السيبراني. وذلك بالاندماج والتنسيق مع المجالات العمليأتية الأخرى لتحقيق أودعم إنجاز الأهداف عبر عناصر القوة القومية، ومن جهة أخرى أدت عملية تصاعد المخاطر إلى تصاعد دور الشركات العاملة في مجال الأمن السيبراني في ظل اتساع نطاق مخاطر الأنشطة العدائية التي يمارسها الفاعلين. سواء من الدول أومن غير الدول. فيخسر الاقتصاد العالمي على سبيل المثال ما يقدر بتريليون دولار سنويا كل عام من الجريمة السيبرانية وهوما يعادل 1، 4 % من الناتج المجلي الإجمالي لدول العالم. ويعبر ذلك التهديد عن أكبر عملية نقل للثروة في التاريخ البشري من مكان إلى مكان آخر ومن فاعل إلى فاعل جديد.
تتطور التهديدات السيبرانية بسرعة فائقة حيث يصبح الخصوم أكثر تطوراً ويستمر عدد الأجهزة المتصلة في جميع أنحاء العالم في الارتفاع. يكشف بحث جديد أنه تم الكشف عن أكثر من 30 ألف ثغرة أمنية العام الماضي، بزيادة قدرها 17 % عن الأرقام السابقة، مما يعكس الارتفاع المطرد في المخاطر السيبرانية. مع تزايد العمل عن بعد واعتماد السحابة، [2] ومن المتوقع أن ترتفع تكاليف الجرائم الإلكترونية في جميع أنحاء العالم إلى ما يقرب من 14 تريليون دولار بحلول عام 2028[3]
النمو العالمي لتكلفة خسائر الجريمة الالكترونية

ثانيا،الاهتمام المتصاعد بالأمن السيبراني
أصبح الأمن السيبراني رافد أساسي من روافد الأمن القومي ومن ثم أصبحت تتصارع العديد من الدول في سبيل الحصول على مستويات اعلي من تعزيز القدرات في مجال الدفاع والهجوم وذلك من خلال تبني استراتيجيات وطنية للأمن السيبراني تحاولأن تصنع السياسات وتفتتح الباب أمام التطبيقات ولم يرتبط ذلك بالعمل على تحقيق أهداف أمنية وسياسية فقط بل بالعمل على حفظ فرص النموالاقتصادي في ظل ارهاصات الثورة الصناعية الرابعة. وطبيعة العلاقة بين الأمن والاقتصاد في العصر الرقمي وانعكاس ذلك على الثقة في الإجراءات والسياسات المتبعة.
في ظل تصاعد العلاقة بين الأمن والتكنولوجيا من جهة. وتصاعد دور التطبيقات التكنولوجية في الاقتصاد من جهة أخرى، وبروز فجوة الاستجابة السريعة من جانب الحكومات في تبني استراتيجيات وطنية للأمن السيبراني تتواءم مع التحديات الجديدة ، والتي في مقدمتها تأثير انعدام أو ضعف الأمن السيبراني على الاقتصاد الرقمي.
ومن ثم فكان لطبيعة تلك العلاقة الطردية التي تجمعهما تأثيرعلى معدلات الثقة في البيئة الرقمية والعرض الرقمي والطلب الرقمي والبنية التحتية المعلوماتيةوبخاصة مع تصاعد التهديدات الرقمية وفي نفس الوقت زيادة دور الاقتصاد الرقمي في النمو الاقتصادي في ظل عملية التحول الرقمي التي تتجه إليه العديد من الحكومات للاستحواذ على مقدرات الثورة الصناعية الرابعة، التي فرضت المزيد من المتغيرات الجديدة أمام الحكومات والساسة في العديد من دول العالم،وذلك في محاولة للتأقلم على مستوى التشريعات او السياسات ،مدى القدرة والاستعداد لخوض غمار التنافسية الجديدة،والتي أصبحت قائمة على المساهمة في الإبداع والابتكار.
وتحويل ذلك لتطبيقات قادرة على الاستحواذ على الأسواق التجارية والفوز بالمكانة والسيطرة في "العالم الجديد". وتبقى أهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني ترتبط بأهمية تطوير سياسات وقدرات الدفاع السيبراني؛وتحقيق المرونة السيبرانية؛ والحد من جرائم الإنترنت؛ ودعم الصناعة في مجال الأمن السيبراني؛ وتأمين البنية التحتية للمعلومات الهامة.
حدث تغيير في مفهوم الأمن في ظل العصر الرقمي وظهرت مصالح جديدة وأخطارسيبرانية رديفة لها مع زيادة الاعتماد على الفضاء السيبراني في عمل البنية التحتية للمعلومات وتقديم الخدمات بل وكذلك في تراكم الثروة وأثر ذلك على مفهوم وتطبيقات سيادة الدولة وعلى المفاهيم التقليدية للأمن القومي وظهرت مخاطر وفاعلين عابرين للحدود الدوليةمما فرض على الدولة من جهة الانفتاح للتعاون مع الفاعلين من دون الدولة في الداخل والسعي إلى التعاون مع الخارج لتعزيز القدرات من جهة أخرى لتعزيز امنها السيبراني ولم تصبح وظيفة الأمن والدفاع مقتصرة على الدولة وفق العقد الاجتماعي لنشأتها بل أصبح هناك دور جديد للفرد والقطاع الخاص والمجتمع المدني في الدفاع وبخاصة أن تلك التهديدات لم تعد من الخارج إلى الداخل فقط بل من الداخل إلى الداخل أيضًا.
وأصبحت قضية الأمن وتطبيقاته في ظل العصر الرقمي من القضايا الصاعدة ،والتي فرضت المزيد من المتغيرات الجديدة أمام الحكومات والساسة في العديد من دول العالم ومحاولة اعادة تعريف دورها والبحث عن ممارسة سيادتها مرة أخرى. في ظل عملية التحول الرقمي التي تتجه إليها العديد من الحكومات للاستحواذ على مقدرات الثورة الصناعية الرابعة.
وتراجع دور الدولة ووظيفتها بعد أن تميز ت عملية تصاعد دور الفاعلين من غير الدول بطبيعة "اختراقية تساومية" للدولة. وإضعاف سلطتها على إقليمها. والوظائف المنوطة بها. وهوما أدى إلى قيام الفاعلين من غير الدول بشراكة الدولة في القيام بوظائفها التقليدية.[4]
رابعا صعود المرونة السيبرانية في مقابل الامن السيبراني .
تفرض الطبيعة غير التقليدية للمخاطر السيبرانية تبني استرتيجيات مرنة باستمرار ، والخروج من القوالب الجامدة ، وبخاصة تلك المتعلقة بـ"الامن السيبراني"، والذي يركز فقط على ثلاثة اهداف هي الثقة Confidentiality والنزاهة Integrity والتوافر Availability ، ولكن مثلث الامن هذا اصبح يحتاج الى اضافة "المرونة " Resilience .،حيث تتيح القدرة على التعافي بعد التعرض للهجمات بدلا من التوقف عند التعرض للفشل والتعطيل ، وتتضمن قبول حتمية حدوث الهجمات ، ومن ثم الاستعداد لها على المستوي التقني والتنظيمي والثقافي للعودة مرة اخرى لممارسة العمل .
وتعني "المرونة السيبرانية" القدرة على الاستشعار و الاستعداد الوقائي لمواجهة التهديدات السيبرانية ومقاومتها والرد عليها سواء كانت تلك الأخطار متوقعة أو غير متوقعه ،وبما يمكن من القدرة على التعافي السريع من آثارها ،في وقت مناسب" ، ويساهم التحليل الاستباقي لنقاط الضعف في جميع مستويات البيئة الرقمية الداخلية في الحد من حجم الأضرار المادية والمعنوية للمؤسسات في مختلف القطاعات[5]،والتي تشمل قطاع الطاقة ، والخدمات المصرفية ،والبنية التحتية للاتصالات ، والرعاية الصحية ، والأمن والدفاع ، وسوق الأوراق المالية ، والخدمات الحكومية.
وتتطلب تطبيقات "المرونة السيبرانية" خضوع جميع الخدمات التقنية لإجراءات منها النسخ الاحتياطي للبيانات والتعافي من الكوارث وإدارة الأزمات واستمرارية الإعمال والمرونة المؤسسية . ويجب إن يتوافر ثلاثة عناصر لبناء بيئة رقمية آمنه ومرنةCyber Resilient Ecosystem هي ، الأول ،الفهم Understand ، (تعرف على تهديداتك):وطبيعتها ومصادرها ، والثاني ، القياس ، Measure (اعرف نفسك): تحديد الأثر المالي المحتمل للتعرض للمخاطر ، والثالث ، إدارة الخطرManage (اعرف ما يمكنك القيام به): بشكل استباقي من خلال وجود خطط عمل واضحة للحماية.
وتتكون " المرونة السيبرانية"من أربعة مراحل هي مرحلة الاكتشاف Discover للخطر ، والحماية Protect ضده ، والردع Detect ، والاستجابة Response ، ثم التعافي Recover.
وتتطلب تبني إستراتيجية للمرونة السيبرانية تحديد الأصول الخاصة بالبنية التحتية الحرجة ، والمجالات الأكثر تعرضا للتهديدات ،وكذلك تحديد الفاعلين الذين يقفوا ورائها سواء كانت من الدول أو من الفاعلين من غير الدول . وان تتضمن رؤية شاملة ترتكز على تشارك البيانات بين الحكومة والقطاع الخاص وان تشمل الاهتمام بدور الفرد والمجتمع ، وان تتميز بالبعد الاستباقي وتحديد ومعالجة أسباب التعطيل ،والابتكار والتطوير المستمر لمواجهة التسارع في مستوى التهديدات وكيفيتها .[6]

وتواجه استراتيجيات الأمن السيبراني بعض التحديات المتميزة من منظور التقييم مثل الحاجة إلى الاستثمار في الميزانية والموارد والافتقار إلى الممارسات الجيدة ، وصعوبة قياس التأثير وغيرها ومع ذلك فإن التقييم الذي يتجاوز المراجعات المالية(والتي غالباً ما تكون في الممارسة العملية بالفعل بسبب الالتزامات القانونية) يمكن أن يقدم قيمة مضافة كبيرة في عملية تبني التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ السياسات على المديين المتوسط والطويل.
ويمكن أن يساعد عملية تقييم الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في الكشف عن حجم التغير في السياسات وطبيعة القضايا المتغيرة على المدى الطويل؛والتعلم من التجارب السابقة.وتحقيق الشفافية في عملية صنع القراروتقديم الحجية في كسب ثقة الجمهور والشركاء الدوليين وتحسين الصورة الذهنية عن المؤسسة أوالحكومة وتحفيز المشاركة والنقاش مع كافة أصحاب المصلحة.
ومن جهة أخرى تواجه عملية التقييم بعدد من التحديات لعل أهمها أن عملية الكشف عن السياسات يمكن أن تفسح الطريق أمام الأعداء أوالخصوم لاتخاذ سياسات مضادة بديلة وصعوبة تحديد وقياس النتائج بشكل مادي.
وتعكس أهداف استراتيجيات الأمن السيبراني درجات الاختلاف تبعا لدرجات التقدم في السياق المحلي،ألاأنها تشترك جملة في عدد من الأهداف لعل أهمها هو تحقيق المرونة السيبرانية: تطوير القدرات والتعاون داخل القطاعين العام والخاص؛تأمين البنية التحتية الحيوية للمعلومات؛الحد من جرائم الإنترنت؛تنمية الموارد الصناعية والتكنولوجية للأمن السيبراني؛ والمساهمة في وضع سياسة دولية للفضاء السيبراني في إطار بيئة السياسات الوطنية والدولية ؛ إعطاء تركيز وبنية للمناقشات مع أصحاب المصلحة ونقل أولويات الدولة تجاه الشركاء الدوليين.وان كان يعتمد الاقتصاد الرقمي على الابتكار فانه يتطلب ان تتوافر بيئة موثوقة وآمنة ، وفي ظل ما تفرضة الثورة الرقمية من تحديات جدية للدول ولأصحاب الاعمال ، وهو الأمر الذي يتطلب ثقة اصحاب المصلحة
خامسا ،الأهمية الإستراتجية للمرونة السيبرانية في مواجهة التهديدات السيبرانية
تعتبر المنطقة إحدى أكثر المناطق في العالم التي تتعرض للتهديدات السيبرانية، سواء على مستوى البعد المادي المتعلق بالتخريب والقرصنة أو على مستوى البعد المرتبط بتطبيقات الحرب النفسية،ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة: الأول يتمثل في طبيعة النمو في البيئة الرقمية والتوسع في البنية التحتية والتوجه نحو الاقتصاد الرقمي ،وزيادة الانتشار والاستخدام للتطبيقات الرقمية.
وينصرف الاعتبار الثاني، إلى تصاعد حدة التوتر بين العديد من القوي الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، حيث أصبح المجال السيبراني ساحة لنقل الصراع والتنافس بين هذه القوي. ومن دون شك، فإن تأثير الهجمات السيبرانية يتزايد بالنسبة لتلك القوي في ضوء التطور المستمر الذي تشهده، سواء على مستوي حجم الضرر المتوقع منها أو على مستوي آليات شنها، لاسيما في ظل زيادة الاعتماد على المجال السيبراني في تقديم الخدمات الحيوية.
وكان لافتًا أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في توجيه اتهامات لإيران بالمسئولية عن شن هجمات سيبرانية على بعض منشآتها، كما باتت تلك الهجمات إحدى أدوات إدارة التصعيد بين الأخيرة وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ظل اتساع نطاق الخلافات فيما بينها حول الملفات الإقليمية.
ويتعلق الاعتبار الثالث، باتجاه الفاعلين من غير الدول، لاسيما التنظيمات الإرهابية، إلى الاعتماد على المجال السيبراني في شن هجمات ضد مصالح بعض الدول. وقد تزايد تأثير هذا المجال بعد الهزائم العسكرية التي تعرضت لها، على نحو دفعها إلى محاولة شن هذه الهجمات، خاصة في ضوء نجاحها خلال الأعوام الماضية في استقطاب عناصر تمتلك خبرة في هذا المجال. وبالطبع، فإن ما يزيد من خطورة ذلك هو التحالف الضمني الذي أسسته تلك التنظيمات مع العصابات الإجرامية التي تبحث عن مصادر تمويل فقط وتمتلك مهارات في مجال القرصنة السيبرانية.
وزاد الاهتمام بالمرونة السيبرانية بسبب أولا، إن تسارع وتيرة التغييرات التقنية عمل على الحد من القدرة على التنبؤ بالمخاطر، وثانيا ، تتطلب مواجهة التهديدات السيبرانية وجود نظام مرن وآمن للإفراد والشركات والحكومات واثر ذلك في الثقة في البيئة الرقمية .
ثالثا ، زيادة الوعي بالأمن السيبراني بين صانعي القرار مع الزيادة المطردة في التهديدات من جهة،وارتفاع تكلفتها من جهة أخرى .ورابعا، وجود حالة من التبني السريع للرقمنة من قبل الحكومات سواء كانت في شكل تطبيقات أو منتجات ،أو لتقديم الخدمات
،خامسا ، تصاعد دور الرقمنة في عمل وتكامل سلاسل التوريد العالمية ،ووجود البرمجيات مفتوحة المصدر أو الطابع العابر للحدود للمكونات التقنية أو البرامج ،بما يطرح إشكاليات حول ملكية الأنظمة ،والاختصاص القانوني ، ووجود أطراف ثالثة لتقديم وظائف مهمة.سادسا، تزايد اعتماد الدول على الخدمات الرقمية المتكاملة، مع تبني إنترنت الأشياء (IoT)وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
سابعا ، تزايد حجم الخسائر الاقتصادية نتيجة ضعف المرونة السيبرانية ،.وأخيرا ، تصاعد أهمية الاقتصاد الرقمي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وقد دفعت جائحة "كوفيد 19 " إلى أهمية اعتماد تطبيقات وسياسات للمرونة السيبرانية
سادسا : نحوسلام سيبراني مستدام في بيئة رقمية متغيرة
على الرغم من التقدم في تبني استراتيجيات وطنية للامن السيبراني في المنطقة الا انها تعاني من اغفال البعد الاقتصادي ونموذج الحكومة المفتوحة كاداة مهمة لادارة الازمات السيبرانية .ويزداد اهمية التعاون الرقمي ، لاعتبارات تتعلق بزيادة حدة التوتر والصراع بين القوى الكبري حول مقدرات المجال الرقمي ومحاولات تطبيق معايير السيادة الوطنية على المجال السيبراني ، بما يؤثر على فرص تطبيق "Cyber Norms ، والتنافس في مجال الاستحواذ على عائدات السوق الرقمية والاقتصاد الرقمي،
وتنامي دور الشركات التقنية الكبري وارتبطت قدرة بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تطوير قدرة مؤسسات الدولة وقطاعات الأعمال على الصمود والمرونة السيبرانية على التقدم الذي احرزته على مؤشر الأمن السيبراني العالمي.
والذي يقيم مدى استعدادها لمكافحة الهجمات السيبرانية في إطار خمس ركائز هي: التشريعات، والقدرات التقنية والتنظيمية، وبناء القدرات، والتعاون مع أصحاب المصلحة الآخرين. ويفرض ذلك على الحكومات اهمية مواصلة العمل لضمان استدامة الاستراتيجيات والتدابير، والتكيف لمواجهة الطبيعة المتسارعة لتطور التهديدات السيبرانية وفقا لحالة التقدم التقني المصاحبة لها ،وتكشف حالة المرونة السيبرانية عن وجود خلل في عناصرها على الرغم من التقدم في مجال الرقمنة .
وضعف الربط بين الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والامن السيبراني وبناء نظام مرن ، والاهتمام بالقوى العاملة في المجال الرقمي سواء من خلال بناء القدرات والمهارات الرقمية او نشر ثقافة المرونة السيبرانية .ومواجهة ضعف الصناعات الوطنية في مجال التقنية سواء على مستوى البرمجيات او مستوى الاجهزة والمعدات وهو ما يضعف القدرة الوطنية في مواجهة التهديدات السيبرانية.
وتواجه الاستراتيجيات السيبرانية ثلاثة تحديات رئيسية: أولاً، ضمان أن تكون أنظمة الأمن السيبراني في جميع أنحاء المنطقة موحدة في نطاقها وتنفيذها؛ ثانياً، مواجهة عدم الاهتمام وضمان اتباع المبادئ التوجيهية للأمن السيبراني دون استثناءات؛ وأخيراً، القدرة على تخصيص موارد كافية لتوقع التهديدات.
وأصبحت عملية تبني استراتيجية وطنية للأمن السيبراني مدخل مهم لحفظ الأمن والاقتصاد معا في العصر الرقمي وما لذلك من تداعيات في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي، وتأثير ذلك في معدلات الثقة في البيئة الرقمية والعرض الرقمي والطلب الرقمي والبنية التحتية المعلوماتية ، وبخاصة مع تصاعد التهديدات الرقمية وفي نفس الوقت زيادة دور الاقتصاد الرقمي في النمو الاقتصادي.
ولجئت الدول إلى زيادة الإنفاق على تنمية القدرات في مجال الدفاع السيبراني وتخصيص موارد في الميزانية العامة للدولة أو في ميزانيتها المعنية بالأمن والدفاع إلى جانب تشكيل مجالس تعني بوضع السياسات المتعلقة بالأمن السيبراني. باعتباره رافدا من روافد الأمن القومي. وبخاصة في ظل التحديات المتجددة التي تفرضها عمليات التحول الرقمي وتطبيقاته الاقتصادية ،والتي أدت إلى إحداث تغيير كمي ونوعي في عناصر الثروة والموارد الاقتصادية ومرتكزات العرض والطلب
واتجهت العديد من الدول إلى ممارسه سيادتها السيبرانية على موارد الفضاء السيبراني وذلك بغية تعزيز قدرتها في مجال الصناعات التكنولوجية والبرمجيات والتطبيقات. ومن اجل كذلك العمل على خلق بديل وطني مع نموحركة ونشاط الأخطار العابرة للحدود ، والتي تستهدف منصات الحكومة السيبرانية والقطاع الخاص والمواطنين إلى جانب العمل على سن التشريعات والقوانين التي تحمي البيئة الرقمية.والاستثمار في مجال البنية التحتية وبخاصة مراكز البيانات.
ومن ثم فقد لجئت الدول إلى زيادة الإنفاق على تنمية القدرات في مجال الدفاع السيبراني وتخصيص موارد في الميزانية العامة للدولة أو في ميزانيتها المعنية بالأمن والدفاع ، إلى جانب تشكيل مجالس تعني بوضع السياسات المتعلقة بالأمن السيبراني.
وبخاصة في ظل التحديات المتجددة التي تفرضها عمليات التحول الرقمي وتطبيقاته الاقتصادية ، والتي أدت إلى إحداث تغيير كمي ونوعي في عناصر الثروة والموارد الاقتصادية ومرتكزات العرض والطلب وعوامل النمو الاقتصادي ، وطبيعة العمل وتراكم راس المال والتشغيل والاستثمار ، ودراسة انعكاسات هذه المتغيرات على أسلوب الإنتاج والعلاقات الاجتماعية الداخلية والعلاقات الدولية.
ومحاولة قياس تكلفة انعدام الأمن السيبراني وتقييم الكفاءة والحوافز الاقتصادية لجميع أصحاب المصلحة المعنيين. وبذلك فقد عدت قضية الأمن السيبراني وعلاقته بالاقتصاد من ضمن الأهداف بالغة الأهمية لكافة أصحاب المصلحة ، وذلك من اجل تحقيق الرخاء الاقتصادي للمجتمعات البشرية.
وأخذت عملية تبني استراتيجيات وطنية للأمن السيبراني في النمو والتصاعد في السنوات القليلة الماضية في اغلب الدول المتقدمة ومازالت تعاني من عقبات في الدول النامية ،واحتلت تلك القضية أهمية خاصة في أجندة صانعي القرار والسياسات العامة للدولة ، والتي رات بدورها إنها عبارة عن عملية طويلة لتعزيز القدرات في مجال الأمن السيبراني ، وأما على المستوى العالمي فقد أصبحت عملية دمج العديد من أصحاب المصلحة تأتي في إطار مراعاة الأبعاد الاقتصادية ، والتي مثلت مدخل مهم لفهم الحوافز التي تحرك الفاعلين من الدول في ظل مراعاة البعد العابر للحدود للتهديدات السيبرانية.
مثل تأثير انتشار الشائعات والأخبار الزائفة على الثقة في الاقتصاد ، والتعرض لسرقة الأسرار الصناعية في ظل تصاعد دور الإبداع والابتكار في اقتصاد الانترنت إلى جانب الخسائر التي تتعرض لها الدول من الهجمات السيبرانية سواء من طرف دولة أوفاعل من غير الدولة ، وتعرض الدول كذلك إلى القرصنة والجريمة السيبرانية تتسبب في خسائر مالية وأزمة ثقة في المؤسسات والإجراءات والسياسات المتبعة.
وبذلك فقد عدت من ضمن الأهداف بالغة الأهمية الاستراتيجية ليس فقط للدولة بل للعديد من دول العالم وبشكل جعل تحقيق ذلك ضمن الأهداف والمطالب العالمية ولكافة أصحاب المصلحة، وذلك من اجل تحقيق الرخاء الاقتصادي للمجتمعات ، وهوما تهدف آلية الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني على مستوى العالم ، ويتطلب ذلك تبني سياسات أكثر توازنا ومشاركة للعمل على تعزيز ضمان استمرارية عمل البنية التحتية المعلوماتية واستقرار الاقتصاد أخذا بعين الاعتبار كافة العوامل المحفزة لزيادة التنافسية في الأسواق وهوالأمر الذي يمثل فرصة وتحدي في ذات الوقت.
بينما تهدف جميع الاستراتيجيات إلى معالجة الأمن السيبراني من أجل الحفاظ على الرخاء الاقتصادي والاجتماعي والتنمية من خلال التطوير المستمر والنشط لاقتصاد الإنترنت.
وتنطلق الدول في ذلك من حقيقة أن إمكانية الوصول إلى مستويات أعلى من الأمن السيبراني سيوفر للاقتصاد ميزة تنافسية لأنه سيوفر بيئة مشجعه للنمووالاستثمار الأجنبي ويمنحها المصداقية والثقة بين كافة أطراف البيئة الرقمية من الطلب والعرض. وبادراك الدور الذي تلعبه العوامل الاقتصادية في تحسين الأمن السيبراني. ومدى القدرة على تضمينها في الاستراتيجيات الوطنية للأمن السيبراني ، وأهمية تحليل سلوك مختلف اللاعبين سواء أكانوا مهاجمين أومدافعين في سوق الأمن السيبراني ،ومن ثم يصبح دور السياسات العامة منصبا على تعزيز الاستثمارات المطلوبة وتكيفها اجتماعيا.
وتشجع العديد من الاستراتيجيات عملية تبني مجموعه من السياسات المرنة لتقديم المزيد من الحوافز لنموالأسواق في إطار الحفاظ بشكل أفضل على الأمن.
وهوما يحتاج لفهم أفضل لهيكل الحوافز للاعبين في السوق المرتبطين بالأمن السيبراني. وتعزيز عملية تبني تدابير مضادة في تقديم الخدمات أوالمنتجات والاستثمار في مجال صناعات الأمن السيبراني.
وتهدف عملية تبني استراتيجية وطنية للأمن السيبراني إلى تحديد الرؤية والأهداف والمبادئ والأولويات التي تحدد طرق معالجة الدولة لقضية الأمن السيبراني ؛والعمل على دعم مشاركة أصحاب المصلحة في عملية دعم الأمن السيبراني، وتحديد الأدوار والمسؤوليات؛ ووصف للخطوات والبرامج والمبادرات التي ستعتمدها الدولة لحماية بنيتها التحتية السيبرانية الوطنية،والعمل على أن تتسم بقدر كبير من زيادة الأمن والمرونة.
وهو الامر الذي يمكّن الحكومات من النظر إلى الأمن السيبراني بشكل كلي عبر النظام الإيكولوجي الرقمي الوطني بدلاً من قطاع معينا ، واستجابة لمخاطر محددة ويسمح لهم بذلك تبني استراتيجية وفق الأولويات الوطنية ومواجهة المخاطر الحرجة المرتبطة بالبنية التحتية وتعزيز الثقة ورفع الوعي بالأمن السيبراني.
وتوفر الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني أيضًا فرصة للتوافق بين أولويات الأمن السيبراني مع الأهداف الأخرى المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وذلك لدورها المركزي لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للاقتصاد الوطني.
وهوما يجب أن يظهر في الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني من خلال ارتكازها على تبني سياسات أكثر توازنا ومشاركة وضمان استمرارية عمل البنية التحتية المعلوماتية واستقرار الاقتصاد وذلك أخذا بعين الاعتبار كافة العوامل المحفزة لزيادة التنافسية في الأسواق ،وهوالأمر الذي يمثل فرصة وتحدي في ذات الوقتوأن تركز معظم استراتيجيات الأمن السيبراني على البحث عن مدخل شامل للتدابير التي يمكن أن تنفذ في مواجهة التهديدات في الفضاء السيبراني.
وتقوم الحكومات بعملية تطوير لاستراتيجية الأمن السيبراني الوطنية لكي تصبح ذات سياسات متماسكة وقابلة للتنفيذ ومن شأنها أن تساعد في تحقيق الأهداف. وهذا لا يشمل فقط الخطوات والبرامج والمبادرات التي ينبغي وضعها ، ولكن يشمل أيضًا الموارد المخصصة لتلك الجهود وكيفية استخدام هذه الموارد. وتحديد عملية القياس للنتائج التي سيتم استخدامها للمساعدة في ضمان تحقيق النتائج المرجوة في الداخل وضع الميزانيات والجداول الزمنية.، والتي لا تتوافر الا من خلال تبني وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني .
وتساعد القدرة على فهم طبيعة تلك التهديدات في بناء القدرات على الصمود والمرونة ، والتي قد تتم على مستوى وطني او بشكل جماعي وبخاصة ان تلك التهديدات عابرة للحدود وتشهد تطور مستمر في قدرات المهاجمين .
وهو الامر الذي يتطلب اهمية تنبي استراتيجيات وطنية للمرونة السيبرانبة ورفع كفاءة التعامل مع الازمات والحدواث السيبرانية وادارة المخاطر وتنمية القدرات الاستباقية للتعامل مع التهديدات السيبرانية المعروفة وغير المعروفة ، ودعم ثقافة المرونة السيبرانية ، وتوفير الموارد والخبرات للتعامل مع المخاطر ، وتقنيات الكشف عن التهدديات وتبادل المعلومات والخبرات بما يعزز من المناعة الجماعية ، وتعزيز القدرات الدفاعية .
[1] Global Cybersecurity Outlook 2025, World Economic Forum,INSIGHT REPORT JANUARY 2025
https://reports.weforum.org/docs/WEF_Global_Cybersecurity_Outlook_2025.pdf
[2] 10 Cyber Security Trends For 2025,,sentinelone, May 15, 2025
[3]185 Cybersecurity Stats And Facts For 2025, VikingCloud,Feb 17, 2025 https://www.vikingcloud.com/blog/cybersecurity-statistics
[4] عادل عبد الصادق ، الفضاء الالكتروني والعلاقات الدولية :دراسة في النظرية والتطبيق، المكتبة الأكاديمية ،2016 ، ص ص 23-34
|