آفاق الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران

20-08-2025 07:41 AM - عدد القراءات : 15
كتب د.عادل عبد الصادق الملف المصري ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 128 يونيو /يوليو 2025
يتناول المقال البعد السيبراني في الصراع بين اسرائيل وايران ويركز على طبيعة الأنماط التي استخدمت وكيفية تاثيرها في المواجهة العسكرية بين البلدين الى جانب تناول قضية ما كشفه الصراع من اتجاهات جديدة في الحروب وكيفية توظيف المسيرات والذكاء الاصطناعي ، ويحلل المقال طبيعة تلك المواجهة في بعدها السيبراني وكيف استطاعت ايران ان تعزز من موقفها بالرغم من الفارق النوعي في القدرات العسكرية الشاملة بين البلدين ، ويسلط المقال الضوء على الدروس المستفادة من تلك المواجهة سواء فيما يتعلق بتصاعد الأبعاد غير العسكرية للصراع او بالابعاد العسكرية وما يفرضه ذلك من اعادة بناء استراتيجيات جديدة للامن القومي قائمة على إعادة تعريف الحرب في العصر الرقمي على المستوى التكتيكي والعملياتي والإستراتيجي والأخذ بعين الاعتبار من جهة أخرى خطر بناء مصادر تهديد من الداخل ، وأهمية الأبعاد الاستخباراتية في نجاح واستدامة العمل العسكري وخاصة في ظل ما اتاحتة الثورة الرقمية من مصادر مفتوحة وفرص اخرى للتوظيف الامني والعسكري.بما يشي بفصل جديد من حروب المستقبل .
آفاق الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران

على الرغم من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بعد صراع استمر اثنا عشر يوميا إلا أن هناك ثمة  انتقال للحرب البادرة الجديدة عبر الفضاء السيبراني ،وتوقع استمرار ديناميات الصراع وأنماطه ، وذلك في محاولة كل طرف اعادة ترتيب الأوراق واعادة  النظر في دروس المواجهة ، وقراءة حسابات المكسب والخسارة بحثا عن سد الثغرات ، وابتكار حلول وتطبيقات جديدة يمكن ان تأخذ مسار القوة الصلبة مستقبلا او الإبقاء على توظيف القوة الناعمة ، وممارسة شكل جديد من القوة ،أصبحت ترتبط بمدى قدرة الدولة على توظيف قوتها الشاملة ،وتحديث الفكر العسكري على مستوى التطبيق والممارسة ، وخاصة في ظل  ما كشفه الصراع  من تصاعد دور الأبعاد الأمنية إلى جانب الأخرى العسكرية ، وصعود دور المجال السيبراني في الصراع ، وعلاقة ذلك بالتطبيقات العسكرية والأمنية للذكاء الاصطناعي ، وهو الأمر الذي فرض تحديات جديدة أمام سيادة الدولة وأمنها القومي في العصر الرقمي.وإعادة تعريف الحرب وبروز أنماط جديدة لها على المستوى التكتيكي والعملياتي والإستراتيجي وفي ظل تصاعد الأبعاد الجديدة لحروب المستقبل

أنماط الصراع السيبراني ما بين إيران وإسرائيل  

تميز الصراع بين إسرائيل وإيران بأنه اعتمد على ضربات جوية وعمليات استخباراتية  ولم تشارك به كل أفرع القوات المسلحة في البلدين ، ولم يسع  كل طرف إلى الاستيلاء على أراضي الطرف الآخر ، وخاصة أنها غير متجاورتين جغرافيا ، وتميز الصراع  بالانتقال من حروب الوكالة بين الطرفين  في الإقليم إلى حروب مباشرة بين دول ذات سيادة ، ولم ينشب هذا الصراع بسبب خلاف على موارد أو حدود بل هو حول رؤية متعارضة للمستقبل حول التشكيك في نوايا غير سلمية للبرنامج النووي الإيراني ،ومن  ثم تميز هذا الصراع بدرجة عالية من التعقيد ، وبالتالي كان للمجال السيبراني دور في الصراع لملائمته للطبيعة الجيوسياسية للصراع بين إيران وإسرائيل ، ولطبيعة دوره في لعب دور مركزي في الاستحواذ على القوة العسكرية والأمنية مع الاندماج مع كافة المجالات الدولية .
ومن ثم فان الصراع بين اسرائيل وايران  جمع ما بين البعد السيبراني والمادي وما بين الأمني والتقني والعنصر البشري والتقني ، وما بين استهداف الجبهة الداخلية ومراكز صنع القرار والسيطرة، وما بين البعد النفسي في العمليات والبعد المادي التخريبي، وهذا النجاح الإسرائيلي في الاختراق الأمني لإيران ليس وليد الأزمة بل إنه مبني منذ مدة طويلة وغطي عليه في الداخل وخاصة في ظل نظام عقائدي مغلق جعله غير قادر على المرونة في إصلاح الثغرات الأمنية أو حتى بسرعة اكتشافها.
وأظهرت حالة الصراع عن مدى التقدم الإيراني في القدرات السيبرانية ،والتي تطورت منذ هجمات ستاكس نت سواء في مجال الدفاع او الهجوم او الردع ، وشكلت مجموعات للقرصنة تعمل على نحو رسمي تحت مظلة الحرس الثوري أو فيلق القدس أو وزارة الاستخبارات ، ومن جهة أخرى وجهت اتهامات بالتعاون مع مجموعة قرصنة لشن هجمات بالوكالة، وسعت إيران إلى تعزيز رقابتها الأمنية على الداخل الإيراني وشن هجمات سيبرانية ضد إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي المقابل، طوّرت إسرائيل بدورها قدرات سيبرانية هائلة، يقودها جهاز "الوحدة 8200" التابعة للاستخبارات العسكرية، التي تُعدّ من بين أكثر وحدات الحرب الإلكترونية تقدما في العالم. تعمد إسرائيل إلى اختراق الأنظمة الإيرانية، وزرع برمجيات خبيثة، وتسريب بيانات حساسة بهدف الإرباك، وكسر الهيبة، وزرع الشك داخل المؤسسات الأمنية والسياسية الإيرانية.
وكشف النشاط السيبراني الإيراني خلال المواجهة العسكرية ارتكز بشكل أكبر على توظيف القدرات السيبرانية لجمع المعلومات الاستخباراتية حول الأهداف الحيوية بما يمكن توظيفه عسكريا لاحقا في المواجهة مع إسرائيل ، وذلك دون التركيز بشكل أكبر على شن الهجمات السيبرانية التخريبية  المباشرة ضد البنية التحتية الرقمية الإسرائيلية ،وتوفير ذلك لإيران فرص للانتقام وتوجيه ضربات غير متماثلة وأقل تكلفة .
وفي المقابل كشفت القدرات السيبرانية الإسرائيلية عن مستويات متقدمة من التخطيط والتنسيق والتدريب والتقدم التقني ، والتي خدمت إلى حد بعيد العمل العسكري والأمني ضد إيران.إلى جانب تلقيها دعما استخباراتيا من الولايات المتحدة وحلفائها ، وهي التي تتمتع بهيمنة سيبرانية . 
وتعد الأنماط غير العسكرية للصراع هي الأشد خطرا لتميزها بأنها تبحث عن التأثير العميق داخل المجتمع لأنها تستهدف  العقول والقلوب ، والثقة ما بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وأنها تعمل في وقت السلم أو الحرب، والعمل على تحويل التنوع داخل المجتمع إلى عنصر تهديد أمني بهدف إضعافه؛ وبالتالي سهولة السيطرة عليه من الخارج، أو من الداخل عبر وكلاء محليين أو إقليمين. ومحاولة إسرائيل التدخل  لدعم المعارضة الإيرانية. وتصاعد دور العمليات النفسية في الصراع، والتي لا تهدف فقط القدرات العسكرية بين الطرفين، بل إنها تستهدف إصابة الجبهة الداخلية والتي يستمد منها أي نظام شرعيته وموارده وقدرته على التعبئة القومية لتحقيق الأهداف العليا للدولة،
ومن جهة أخرى تم شن الهجمات السيبرانية المتبادلة وتوظيف الوسائل التقنية للرصد والمراقبة سواء عبر مصادر بشرية أو تقنية مثل أقمار التجسس أو البرمجيات، والتجنيد عبر المنصات الرقمية، واختراق الهواتف ووسائل الإعلام الرسمية.وفي الوقت نفسه قيام إيران بعمليات مضادة في التجسس والاختراق وجمع المعلومات من إسرائيل بالرغم من فارق القدرات بينهما،
وكشف الصراع بين الطرفين عن التوظيف الناعم  للمنصات الرقمية عبر الخوارزميات أو "البوتات" في نشر الأخبار المضللة والمزيفة إلى تضليل الرأي العام وبناء تصورات وإدراكات غير حقيقية، أو عبر التوظيف الصلب بزيادة القدرات التدميرية للأسلحة مثل المسيرات بأنواعها المختلفة، والتي تعمل في الجو والبحر.حيث حققت إيران تقدما كبيرا فيها ، والتي تعالج عدم التناسق بين المتصارعين إلى حد ما.
 
ملامح صعود اتجاهات جديدة للحرب

كشف الصراع ما بين إسرائيل وإيران عن صعود دور البعد الاستخباري المرتكز على الاستفادة من الثورة الرقمية وهو الدور الممتد التأثير في زمن السلم أو الحرب .ومن ثم فان النجاح الاستخباري ضد الخصم هو عملية تراكمية ذات أبعاد تأثير عميقة داخل المجتمع المستهدف والتي تستند إلى الاستفادة من خصائصه كالتنوع العرقي أو التهميش الاقتصادي أو بطبيعة النظام السياسي ،وإحداث تحول في العنصر الاستخباري من مجرد تقديم المعلومات إلى عنصر داخلي مقاتل، وتكوين الخلايا النائمة .
،وصعود دور العمليات النفسية وتطبيقاتها في مجال الخداع الاستراتيجي مع التحكم في البيانات والمعلومات التي تدفق عبر المجال السيبراني والتي تتحكم فيها شركات ودول محددة . وصعود التوظيف المضلل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في زمن الصراع وهو ما يزيد من الشحن والتزييف.
والتقدم في مجال التدمير المادي للحرب السيبرانية عبر توظيف المسيرات والذكاء الاصطناعي في الحروب بما يشكل تطوراً في الأسلحة ذاتية التحكم ، لما تتمتع به من مزايا استراتيجية ورخص تكلفتها بما يجعلها وسيلة لتوزان الردع في ظل هيمنة جوية من جانب إسرائيل. والانتقال من نمط تفخيخ سلاسل الإمداد والتوريد كما في حالة تفجيرات البيجر ضد حزب الله إلى نمط توطين إنتاج وتهريب مكونات المسيرات وأنظمة دفاعية من الخارج ولا سيما مع رخص تكلفتها واستخدامها المزدوج حيث تمكنت السلطات الامنية في ايران من القبض على 700 عميل للموساد و1000 مسيرة . 
وفي ظل عسكرة دخول البضائع والأفراد والأفكار عبر الحدود. وصعود دور المسيرات وعناصر السيادة الجوية  على حساب  مشاركة باقي أفرع لقوات المسلحة وما يرتبط بها من امتلاك برامج للأسلحة الباليستية ونظم دفاع جوي متقدمة ورادعة .
وأن هناك ثمة حالة من الانكشاف المعلوماتي بين طرفي الصراع والتي لا تعتمد فقط على مصادر استخباراتية بل بالاعتماد على المصادر المفتوحة كصور الأقمار الاصطناعية أو المعلومات المتاحة ذات الطابع التجاري أو الشخصية وهو الأمر الذي أدى إلى تحول الشبكات الاجتماعية إلى ساحة للصراع.
وعلى الرغم من أن حجب الإنترنت من قبل حكومة ايران  قد يكون مفيدا إلا أنه يحمل تأثيرا سلبيا في التواصل ما بين الحكومة والشعب بما يزيد فرص نشر الشائعات ويحد من فرص توظيفه في المقابل لاختراق الخصم .ولكن هناك ثمة  فرص لمشاركة المدنيين في الصراع بالقيام بجهود  سواء عبر شن هجمات سيبرانية أو بنشر محتوى او بتصحيح معلومات أو بالتوعية .
وكشف الصراع  عن مدى إدخال العنصر المدني والمنشآت المدنية في الصراع نتيجة الازدواج ما بين ما هو مدني وعسكري ، وتوظيف الفضاء السيبراني في استهداف كل من القيادة والسيطرة وإضعاف الجبهة الداخلية لطرفي الصراع.. وتصاعد دور نظم المحاكاة والتدريب على النظم القتالية في إصابة بنك الأهداف وفي ابتكار أدوات وحلول قتالية جديدة تتواكب مع المتغيرات على الأرض.
وفي صراع لم يقم فقط بين جيشين بل تم إشراك المدنيين والمنشآت المدنية في المواجهة من أجل شن ضربات من خلف خطوط العدو من أجل إرهاقه عسكريا والتأثير في حاضنته الشعبية ، وذلك مع صعوبة احتكار الجيش فرص مخاطبة الجبهة الداخلية مع قدرة الشعب على الوصول وتلقي المعلومات العابرة وهو يمثل فرص الاختراق وخاصة مع عدم ملائمة الخطاب مع الواقع وعدم السيطرة العسكرية على نشر معلومات عن ضربات الخصم مع قدرة المواطنين على النشر عبر الشبكات الاجتماعية .
والتي دخلت ساحة الصراع ،وذلك عبر توظيفها أمنيا وعسكريا او بتفاعل  القادة العسكريين والسياسيين عبر حساباتهم ، وتحولها إلى قناة مباشرة للإعلان عن الحرب أو التهديد أو بوقف إطلاق النار وهو ما يوفر فرص لاختراق الجبهة الداخلية وخاصة مع مخاطبة حسابات خاميني بالعبرية للشعب الإسرائيلي والعكس وقيام حساب ترامب بنقل مباشر للموقف .
وتصاعد حدة الحرب الإعلامية عبر المنصات الرقمية والتي تؤثر في التقدم في مجال الدبلوماسية والتفاوض.وتعكس تصاعد الشعبوية والإثارة للتأثير في جمهور المستخدمين و وهو ما يبرز الخلاف حول نتائج الضربة الأمريكية على المنشآت النووية في ايران ومصير اليورانيوم المخصب .
ومن جهة اخرى حدث تزايد في إشراك الرأي العام العالي في الصراع مع سهولة نقل المعلومات والأخبار عبر المنصات الرقمية بما يجعل منه طرفاً في الخطاب وفي المعالجة لمخرجات الصراع الدولي.،وهو ما يعكس عدم احتكار كلا الطرفين لمخاطبة الجبهة الداخلية في ظل توظيف المنصات الرقمية وفرص التأثير في الرأي العام المحلي والعالمي. ومكنت القدرة على الوصول إلى قاعدة الجمهور المحلي بإتاحة الفرصة للتأثير في الروح المعنوية، وممارسة الدعاية والشائعات للنيل من ثوابت الدولة الوطنية وإثارة الانقسام داخل المجتمع،
ويكشف ذلك عن أهمية العنصر البشري في توظيف القدرات السيبرانية أو في المرونة والصمود أمام الضربات العسكرية بما يوفر مناعة في تلقي الضربات وإعادة البناء بما يعلي من صراع الإرادة على صراع القدرات العسكرية والقدرة على توظيف العدوان الخارجي على التعبئة القومية والالتفاف الشعبي حول النظام الإيراني،وخاصة إن سيطرة البعد الأيدلوجي على النظام سرعان ما ضعف مع ضعف الإنجاز الاقتصادي والسياسي

اتجاهات مستقبل الصراع السيبراني ما بين إسرائيل وإيران 

على الرغم من تحول المجال السيبراني لساحة للحرب الباردة بين إسرائيل وإيران إلا أنه تحول وقت الصراع إلى ساحة مرادفة للعمل العسكري التقليدي والذي استمر طيلة 12 يوميا ، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران في 21 يونيو 2025 إلا أن هناك ثمة حالة من الانتقال إلى الحرب الباردة مجددا تعبيرا عن استمرار الصراع ، وعن الاختلاف حول المصالح المادية ، والاختلاف حول نتائج العمل العسكري ، إلى جانب معايير النصر والهزيمة بين الطرفين.وهو ما يمثل بيئة مواتية للإبقاء على حالة الاستنفار في أنشطة العمل الأمني والاستخباري بين الطرفين ، واللذين يعكسان قدراً كبيراً في الاختلال في الموازين العسكرية التقليدية ،إلا أن الفجوة تتقلص في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي  وتوظيف المجال السيبراني عسكريا ، وهو الأمر الذي يعمل على تحقيق مزايا نسبية للطرف الأضعف وهو إيران ، وخاصة إن صدمة الضربات الجوية والكشف عن حالات التجسس والتجنيد في الداخل سيدفع الإيرانيون إلى إعادة هيكلة أجهزتها الأمنية وتشديد الرقابة عبر الحدود ، وذلك إلى جانب صعود عامل الوعي الشعبي جراء التعرض للعدوان الإسرائيلي – الأمريكي ، وهو ما يوفر قاعدة جديدة لإعادة إنتاج شرعية النظام الإيراني . في مواجهة العدوان الخارجي، وهي الفزاعة التي حافظت على بقاء النظام وتماسكه.وهو ما ينعكس على نحو إيجابي في مرونة المجتمع وقدرته على التكيف مع أنماط التهديدات الجديدة..
وتميزت العمليات السيبرانية بين الطرفين عن سيطرة الغموض الاستراتيجي والاستعانة بمجموعات قرصنة غير مرتبطة على نحو مباشر بالدولة ، ويتوقع أن يستمر صعود توظيف هذا النمط في المستقبل مع صعوبات تطبيق القانون الدولي الإنساني في الحرب السيبرانية أو اعتبار الهجمات السيبرانية هجوما مسلحا وفق القانون الدولي . وكشف الصراع عن عدم وجود إجماع عالمي على القواعد والقوانين التي تحكم الصراع السيبراني. وذلك بالرغم من بذل الأمم المتحدة جهودا لوضع مبادئ توجيهية لسلوك الدول في الفضاء السيبراني .وهو ما يزيد توظيفه في التوتر الجيوسياسي بين القوى الدولية في المستقبل.
ومن جهة أخرى تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في التزييف العميق وإنتاج محتوى مضلل وإعادة استخدام محتوى مرتبط بمناطق صراعات أخرى ، وتصاعد دور المعلومات المضللة وقت النزاعات المسلحة في محاولة للتأثير في الرأي العام وشن تطبيقات الحرب النفسية
ومحاولة السيطرة على المعلومات المتدفقة إلى الداخل بعد أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة للصراع بين الطرفين ، والمحتمل أن يستمر الصراع السيبراني بين البلدين خارج الحدود بهدف التأثير في البنية التحتية الحيوية وسلاسل الإمداد والتوريد ، وإمكانية توظيف أطراف ثالثة للقيام بعمليات سيبرانية مضادة ، وفي ظل تصاعد تورط الشركات الكبرى التقنية في الصراع  والشبكات الاجتماعية .
ويفرض الصراع حقيقة أن من يحصل على التقنية الجديدة في أيدي قواته المسلحة بشكل أسرع سوف يفوز في معارك المستقبل ، وهو الأمر الذي يدفع إلى أهمية  الاستثمار المكثف في الطائرات المسيرة ونظم الردع لها ، والدور الحيوي للمهارات  البشرية ، والإبداع والابتكار في المرونة والصمود وقت الأزمات والحروب ،والتي ستحفز كذلك القدرة على تنمية الصناعات الدفاعية والهجومية.
وتحديث استراتيجيات الأمن القومي للدول لتأخذ في اعتبارها تلك المتغيرات الجديدة ، وخاصة التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي ، والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص وكافة أصحاب المصلحة مثل وزارة التعليم والدفاع والجامعات ومراكز البحث والتقنية،
ويعكس ذلك مستقبل توظيف المسيرات في الحروب الحديثة وتغير العقيدة الأمنية ، والتي تفرض تحديات أمام النظم العسكرية التقليدية ، وهو ما يجبر العديد من الدول إلى البحث عن تلك التهديدات الجديدة وكيفية التحصين الداخلي ،وكيفية فهم  حروب المستقبل والتي ستهيمن عليها الأنظمة العسكرية المستقلة أو ذاتية التوجيه ، وفي ظل تحول المسيرات من البعد النظري إلى التطبيقي في ساحات القتال الفعلية ، وهو ما كان لها دور في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان وفي الحرب الروسية الأوكرانية وفي الصراع بين إسرائيل وإيران . وخاصة مع التطور المتسارع لقدرات المسيرات الدفاعية أو الهجومية أو الاستطلاعية ، وهو ما كشفت عن قدرات أوكرانيا وإسرائيل والقدرات الأكثر تقدما لدى المجمع الصناعي العسكري الأميركي .
ومن جهة أخرى أصبحت مواجهة العمليات النفسية لا تقتصر على دور الدولة، بل أصبح للفرد والوعي الجمعي دوراً فيها، والتعاون بين كافة مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية بما يعمل على تحصين الجبهة الداخلية، ويعزز من الثقة بين الحكومة والرأي العام، ورفع الوعي بالمخاطر، وامتلاك المهارات الرقمية وتطوير التعليم، وبناء الإنسان باعتباره هو مركز التنمية، والاستثمار في القيم والشباب باعتبارهما رافعة التغيير المجتمعي، وأهمية الصناعة الرقمية الوطنية وبناء القدرات البشرية، وتحدي دور الشركات التقنية الكبرى وخطورة التوظيف الأمني للمنصات الاجتماعية.
وأهمية تشجيع البحث والتطوير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالتصنيع العسكري بما يجمع ما بين العلم والإنتاج والتطبيق، وتطوير الأنظمة الدفاعية وأسلحة الردع ضد المسيرات والتقنيات البازغة، وتوظيف الأقمار الاصطناعية، وإدراك أهمية إن سرعة التكيف مع معطيات النموذج التقني العسكري الجديد هو الذي سيؤثر في سيادة الدولة وقدرتها على توظيف قوتها الشاملة، وهو ما شكل تغيرا في الفكر الأمني والعسكري، وسيؤثر في مستقبل ممارسة الدولة لسيادتها وحقها المشروع في التنمية، وهو ما يتطلب التماسك الوطني ضد محاولات الاختراق أو العرقلة، ومواجهة الأنماط غير التقليدية للصراع التي تتطلب القوة والدبلوماسية معا. وفي ظل تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في إعادة هيكل القوة في النظام الدولي.
وأصبحت القوة السيبرانية للدولة ترتبط بقدرتها على السيطرة على الجبهة الداخلية ومراقبة التهديدات الامنية المحتملة ، والعمل على تقوية ودعم القدرات السيبرانية على مستوى الدفاع والهجوم  والردع، ومدى قدرة الدولة على السيطرة واستغلال بيئة المعلومات الجديدة سواء عبر اجهزتها المعنية او عبر توظيف الاستخبارات مفتوحة المصدر ،وهو  ما يرتبط بتوظيف الاستخبارات الخارجية من اجل  خدمة الامن القومي للدولة ،ومن جهة اخرى كيفية تحقيق الدولة للاستفادة من الثورة الرقمية اقتصاديا وتعزيز مكاسبها التجارية ودعم نمو الصناعات الرقمية الوطنية واستراتيجيات وطنية للامن السيبراني وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الجيش والاجهزة الامنية ، وقدرة الدولة  على تدمير او تعطيل قدرات البينة التحتية للقوة المعادية ، وامكانيات تحقيق التعاون الدولي سواء في مجال الاستخبارت او تعزيز القدرات السيبرانية والمشاركة في الجهود الدولية لإعادة تعريف القواعد السيبرانية على المستوى الدولي .



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>