وكشف الصراع بين الطرفين عن التوظيف الناعم للمنصات الرقمية عبر الخوارزميات أو «البوتات» فى نشر الأخبار المضللة والمزيفة إلى تضليل الرأى العام وبناء تصورات وإدراكات غير حقيقية، أو عبر التوظيف الصلب بزيادة القدرات التدميرية للأسلحة مثل المسيرات بأنواعها المختلفة، والتى تعمل فى الجو والبحر.حيث حققت ايران تقدما كبيرا فيها ، والتى تعالج عدم التناسق بين المتصارعين إلى حد ما.
ومن جهة أخرى تصاعد دور العمليات النفسية فى الصراع، والتى لا تهدف فقط إلى القدرات العسكرية بين الطرفين، بل إنها تستهدف اصابة الجبهة الداخلية والتى يستمد منها أى نظام شرعيته وموارده وقدرته على التعبئة القومية لتحقيق الأهداف العليا للدولة، وفى صراع لم يقم فقط بين جيشين بل تم إشراك المدنيين والمنشآت المدنية فى المواجهة من أجل شن ضربات من خلف خطوط العدو وإرهاقه عسكريا والتأثير فى حاضنته الشعبية ،وهو ما يعكس عدم احتكار كلا الطرفين لمخاطبة الجبهة الداخلية فى ظل توظيف المنصات الرقمية وفرص التأثير فى الرأى العام المحلى والعالمي.
وتعد الأنماط غير العسكرية للصراع هى الأشد خطرا لتميزها بأنها تبحث عن التأثير العميق داخل المجتمع لأنها تستهدف العقول والقلوب ، والثقة ما بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وأنها تعمل فى وقت السلم أو الحرب، والعمل على تحويل التنوع داخل المجتمع إلى عنصر تهديد أمنى بهدف إضعافه؛ ومن ثم سهولة السيطرة عليه من الخارج، أو من الداخل عبر وكلاء محليين أو إقليميين. ومحاولة إسرائيل التدخل لدعم المعارضة الإيرانية. وجمع الصراع ما بين إسرائيل وإيران ما بين البعد السيبرانى والمادى وما بين الأمنى والتقنى والعنصر البشرى والتقني، وما بين استهداف الجبهة الداخلية ومراكز صنع القرار والسيطرة، وما بين البعد النفسى فى العمليات والبعد المادى التخريبي، وهذا النجاح الإسرائيلى فى الاختراق الأمنى لإيران ليس وليد الأزمة بل انه مبنى منذ مدة طويلة وتمت التغطية عليه فى الداخل خاصة فى ظل نظام عقائدى مغلق جعله غير قادر على المرونة فى إصلاح الثغرات الأمنية أو حتى بسرعة اكتشافها.
وفى المقابل هناك تفوق استخباراتى إسرائيلى مدعوم من دول حليفة، والذى ظهر فى الاغتيالات وتجنيد العملاء وإحداث تحول فى العنصر الاستخبارى من مجرد تقديم المعلومات إلى عنصر داخلى مقاتل، وتكوين الخلايا النائمة وتهريب مكونات المسيرات وأنظمة دفاعية إلى الداخل فى ظل عسكرة دخول البضائع والأفراد والأفكار عبر الحدود، والتطور من نمط تفخيخ سلاسل التوريد، التى كشفت عنه عملية البيجر ضد حزب الله إلى توطين إنتاج وتهريب مكونات المسيرات ولاسيما مع رخص تكلفتها واستخدامها المزدوج.
ومن جهة أخرى تم شن الهجمات السيبرانية المتبادلة وتوظيف الوسائل التقنية للرصد والمراقبة سواء عبر مصادر بشرية أو تقنية مثل أقمار التجسس أو البرمجيات، والتجنيد عبر المنصات الرقمية، واختراق الهواتف ووسائل الإعلام الرسمية. ومكنت القدرة على الوصول إلى قاعدة الجمهور المحلى بإتاحة الفرصة للتأثير فى الروح المعنوية، وممارسة الدعاية والشائعات للنيل من ثوابت الدولة الوطنية وإثارة الانقسام داخل المجتمع، وفى الوقت نفسه قيام إيران بعمليات مضادة فى التجسس والاختراق وجمع المعلومات من إسرائيل بالرغم من فارق القدرات بينهما،
وبذلك مع إضافة المجال السيبرانى أبعادا جديدة لإضعاف التماسك الوطني، الا انه أتاح فرصة لرفع شأن الأمة ودعم تماسكها خاصة وقت الأزمات والحروب، وهو ما ينعكس بشكل إيجابى فى مرونة المجتمع وقدرته على التكيف مع أنماط التهديدات الجديدة. ومن ثم فان النظام الإيرانى لن يسقط داخليا إلا بتدخل عسكرى مباشر لان الأزمة أدت إلى التفاف الشعب حوله فى مواجهة العدوان الخارجي، وهى الفزاعة التى حافظت على بقاء النظام وتماسكه. ومن جهة أخرى أصبحت مواجهة العمليات النفسية لا تقتصر على دور الدولة، بل أصبح للفرد والوعى الجمعى دور فيها، والتعاون بين كل مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية بما يعمل على تحصين الجبهة الداخلية، ويعزز من الثقة بين الحكومة والرأى العام، ورفع الوعى بالمخاطر، وامتلاك المهارات الرقمية وتطوير التعليم، وبناء الإنسان باعتباره هو مركز التنمية، والاستثمار فى القيم والشباب باعتبارهما رافعة التغيير المجتمعي، وأهمية الصناعة الرقمية الوطنية وبناء القدرات البشرية، وتحدى دور الشركات التقنية الكبرى وخطورة التوظيف الأمنى للمنصات الاجتماعية.
وتشجيع البحث والتطوير فى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالتصنيع العسكرى بما يجمع ما بين العلم والإنتاج والتطبيق، وتطوير الأنظمة الدفاعية وأسلحة الردع ضد المسيرات والتقنيات البازغة، وتوظيف الأقمار الاصطناعية، وإدراك أهمية ان سرعة التكيف مع معطيات النموذج التقنى العسكرى الجديد هو الذى سيؤثر على سيادة الدولة وقدرتها على توظيف قوتها الشاملة، وهو ما شكل تغيرا فى الفكر الأمنى والعسكري، وسيؤثر فى مستقبل ممارسة الدولة لسيادتها وحقها المشروع فى التنمية، وهو ما يتطلب التماسك الوطنى ضد محاولات الاختراق أو العرقلة، ومواجهة الأنماط غير التقليدية للصراع التى تتطلب القوة والدبلوماسية معا. وفى ظل تصاعد دور الذكاء الاصطناعى فى إعادة هيكل القوة فى النظام الدولي.
|