الشركات التقنية فى أتون الحرب التجارية

05-05-2025 10:58 AM - عدد القراءات : 313
كتب د.عادل عبد الصادق الاهرام 3 مايو 2025
جاء تعليق ترامب لفرض الرسوم الجمركية على الهواتف الذكية والكمبيوتر وأشباه الموصلات وعدد من الأجهزة والمكونات التقنية الأخرى، ليوقف لبعض الوقت إشعال بارود الحرب التجارية. وفى انتظار تطور آليات تطبيقات وعد ترامب بجعل أمريكا عظيمة مجددا، وإصلاح الخلل فى الاقتصاد الأمريكي، وليعكس ذلك موقفا تاريخيا لمعالجة أمراض تراكمت لأكثر من نصف قرن لأكبر قوة اقتصادية وعسكرية مع تبنى سياسة حرية السوق، والتى تسببت فى تراجع الصناعة الأمريكية واختلالات كبيرة فى الثروة والدخل والعجز فى الميزان التجارى .
الشركات التقنية فى أتون الحرب التجارية


وهى محاولة بدأها كذلك سلفه بايدن، بتبنى قانون «أشباه الموصلات»، وجاء فرض الرسوم الجمركية كأحد أدوات الإصلاح والتى تحمل ايجابيات فى حماية الشركات المحلية من المنافسة غير المشروعة وزيادة الطلب على السلع المحلية وإمكانية تحويل ذلك إلى نمو فى الوظائف بما يحسن من العجز التجاري، إلى جانب إمكانية توظيفها كأدوات ضغط انتقامية لتحسين شروط التفاوض ولكنها تحمل كذلك تأثيرات أخرى سلبية كزيادة التكاليف وتحفيز التضخم ونقص المعروض من المنتجات ،وتباطؤ النمو الاقتصادى ، فضلا عن تأثير ذلك فى الإضرار بالعلاقات التجارية الدولية ومبادئ حرية التجارة العالمية .

وبالتالى فإن عملية التطبيق للرسوم الجمركية سيكون لها خاسرون ورابحون منها وفى القلب من المعركة يأتى دور شركات التقنية الأمريكية وذلك مع ضخامة مكاسبها من الأسواق الرقمية وتعقد سلاسل الإمداد لديها ،وكونها كانت الأكثر استفادة من العولمة ،وشكلت فى الوقت ذاته قوة اقتصادية عالمية للولايات المتحدة، وأصبحت ذراعا طولى فى سياساتها الخارجية .ولتتحول كذلك إلى لاعب فى السياسة المحلية والتصرف كجامعة ضغط تفوق قدرات المجمع الصناعى العسكرى .

وفى اول اختبار تلك الرسوم الجمركية لحقت بالشركات التقنية الأمريكية خسائر لقيمتها السوقية تجاوزت تريليون دولار بسبب عدم اليقين فى السوق وتراجع أسهمها ، وحمل ذلك مخاطر ترتبط كذلك بالإضرار بالتحالف غير المسبوق بين ترامب والشركات التقنية والذى يعد السمة الأبرز لولاية ترامب الثانية وعلى النحو الذى سيؤثر فى وعودها فى ضخ الاستثمارات فى الداخل، والإضرار من جهة أخرى بقوتها النسبية فى مواجهة صعود الشركات التقنية الصينية.

وكانت تعارض الشركات التقنية ترامب بشدة فى ولايته الأولى ، وكانت تميل إلى دعم قضايا الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين. وهو ما عبر عنه ترامب بإطلاق منصته الاجتماعية تروث، وذلك بالرغم من دور ميتا السلبى فى فوز ترامب بعد الاتهامات بإتاحة منصتها للتدخل الروسى فى الانتخابات ..

ونجح ترامب فى دعم الشركات التقنية لحملته الانتخابية بالمليارات وتحول ماسك إلى داعم رئيسى له ، ودعمت كذلك حفلة تنصيبه بما يقدر بـ 250 مليون دولار ، ولم يقتصر الدعم على الشركات الأمريكية بل رأت الأخرى الصينية أن الفرصة سانحة لإحداث تحول فى موقف الإدارة الأمريكية منها.وهذا التحول اللافت أثار استياء قادة الحزب الديمقراطى ورأوا فيه أن موقف الشركات التقنية المؤيدة لترامب يمثل خطرا يتمثل فى دعم حكم الأقلية بما يمثل تهديدا للديمقراطية .

وبعد وصوله للسلطة أعلن ترامب تأييده ومساندته للشركات الأمريكية تجاه السياسية التنظيمية للاتحاد الأوربى ووصفها بأنها محاولة استغلال ، وقام كذلك بتعليق عملية حظر تطبيق تيك توك داخل الولايات المتحدة،وتعهد بجعل الولايات المتحدة «عاصمة العملات المشفرة» وعقد أول قمة لها منتقدا سياسة بايدن تجاه تنظيم العملات المشفرة والأصول الرقمية ، والتى يراها جزءا من الابتكارات والتى من شانها جعل أمريكا عظيمة ،وألغى ترامب كذلك الأمر التنفيذى لبايدن بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعى و الذى رآه كذلك معوقا للابتكار ويضع قيودا على التفوق الأمريكي.

وبلغت قيمة استثناءات تطبيق الرسوم الجمركية نحو 390 مليار دولار من الواردات بينها أكثر من 101 مليار دولار من الصين. وهو ما يصب فى صالح الشركات الأمريكية العاملة فى الصين، وفى صالح وادى السيلكون.وذلك بالرغم من المكاسب النسبية لعملية الإعفاء للشركات العاملة فى مجال الذكاء الاصطناعى وأشباه الموصلات والخسائر المتوقعة للشركات العاملة فى مجال التجارة الالكترونية.

وعبر تيار قوى داخل الشركات التقنية الأمريكية بأن إعادة التجميع والتصنيع فى الداخل سيتطلب المزيد من الوقت وإجراءات بناء الثقة إلى جانب الحوافز الاقتصادية للسوق، ويأتى ذلك بعد أن أشار مسح صدر مؤخرا إلى أنّ أكثر من أربعة من كل خمسة رؤساء تنفيذيين يتوقعون ارتفاعاً فى التكاليف، ونحو ثلاثة أرباع الرؤساء التنفيذيين يتوقعون أن تُلحق الرسوم الجمركية ضرراً بأعمالهم ،وفيما قال حوالى الثلثين إنهم لا يدعمون الرسوم المقترحة من إدارة ترامب.

وليعكس ذلك التراجع عن قوة الشركات التقنية وأن هناك ثمة إمكانية لفتح الباب للتقدم فى المفاوضات التجارية مع الصين وغيرها, خاصة مع فشل تجربة الحمائية الأمريكية ضد شركة هواوى الصينية وذلك مع إدراك ترامب أهمية الحفاظ على قوة الشركات الأمريكية والحفاظ على مكاسبها فى الأسواق الخارجية، ومن ثم فإن اتجاه إشعال معركة بين الشركات التقنية الكبرى سواء الأمريكية أو الصينية سيكون الخاسر الأكبر منها هم المستهلكون من جهة والإضرار بمبادئ منظمة التجارة العالمية وهو ما يسرع وتيرة البحث عن نظام اقتصادى تجارى جديد يوازن ما بين القوى الصاعدة والمهيمنة فى الأسواق الرقمية والتجارة الدولية، وتعزيز قدرة الدول النامية للخروج بأكبر مكاسب فى مجال الصناعة والتجارة الدولية.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>