وتميز البيان بتغليب المصلحة العامة الدولية ، وضمان ان يكون الذكاء الاصطناعى مفتوحا وشاملا وشفافا وأخلاقيا وآمنا وموثوقا، ومواجهة الفجوة الرقمية ومركزية السوق، بما يتيح فرص الانتعاش الاقتصادى والتنمية المستدامة. والاستفادة من المزايا الإيجابية للذكاء الاصطناعى وتوفير البيئة المناسبة للابتكار، ودور ذلك فى إعادة تشكيل المهارات والوظائف ومستقبل العمل.وكشفت مناقشات القمة عن تأثير دول مهيمنة تحاول الحفاظ على مكاسبها وأخرى تحاول اللحاق وثالثة تسعى للحصول على الدعم الدولي، والخلاف ما بين المصادر المفتوحة فى مقابل الاحتكار والهيمنة فى التعامل مع موارد الذكاء الاصطناعى .
وفى ظل اختلاف الرؤى الدولية للتعامل مع حوكمة الذكاء الاصطناعى والتى يحركها البحث عن التوافق ما بين مدخل التركيز على المصلحة الوطنية فى التعامل مع المخاطر الأمنية للذكاء الاصطناعى او التعامل مع المخاطر الوجودية او المصلحة الدولية المشتركة.
وعلى الرغم من معارضة الولايات المتحدة لفكرة التنظيم إلا أنها انتهجت أسلوبا مختلفا يتمثل فى الدخول فى عمليات التنظيم وإفسادها من الداخل او بقيادة عملية تنظيم مواز مع حلفائها بما يعكس حالة الاستقطاب الدولي. وهى ترى إن محركات السوق قادرة على تحقيق التنظيم دون تدخل كبير من الدولة وإمكانية قيام الشركات بتنظيم نفسها دون الزام خارجى ، وترى الولايات المتحدة أن الحوكمة ستقوض من التطوير والابتكار وحرية السوق، وستحد من قوة شركاتها بما يدفعها لحماية مركزها المهيمن عبر فرض القومية الاقتصادية والرسوم الجمركية ضد الشركات غير الأمريكية.
وفى المقابل تأتى الرؤية الصينية من خلال دور الدولة وفرض سيادتها على عملية الحوكمة بما يخدم أهدافها القومية، وهو الأمر الذى عزز من موقفها المتقدم فى توظيف طريق الحرير الرقمى فى دعم الدول النامية. وبينما ترى وجهة النظر الأوروبية ان عملية التنظيم تلك لا يجب أن تترك لاعتبارات السوق أو أهواء الشركات التقنية، وان تعتمد على الأطر التنظيمية والأخلاقية، وانتهت بتبنى قانون الاتحاد الأوروبى للذكاء الاصطناعى فى العام الماضي.
ويأتى ذلك فى ظل حالة الضعف الرقمى التى تعانيها أوروبا فى مقابل صعود صينى وهيمنة تقليدية أمريكية ، ومعاناة الدول النامية من خطر التهميش، ومن ثم أصبح من المصلحة الدولية عدم حصر التقدم بين أمريكا والصين فى الذكاء الاصطناعي، وأهمية تعزيز الشراكة الدولية من أجل أن يستفيد الجميع من فرص الذكاء الاصطناعي، وفى الوقت نفسه العمل على تبنى قواعد عالمية تسمح بالانطلاق والتقدم والابتكار.
وتكشف الممارسة الدولية الحالية ان هناك تحديات امام عملية تحويل الذكاء الاصطناعى للحوكمة وللصالح العام الرقمى والتى منها محاولة تسييس وأمننة الحوكمة بدلا من وضعها فى إطارها الصحيح، ويأتى ذلك فى ظل إلغاء ترامب القيود التنظيمية التى فرضها بايدن على الذكاء الاصطناعى لتعزيز القدرة التنافسية الأمريكية، والتى تم وصفها بأنها احد أبعاد الأمن القومى الامريكي، وأيضا عدم توافر الثقة المتبادلة بين القوى الدولية فى ظل حالة التوتر الجيوإسترايجى ومخاطر عسكرة الذكاء الاصطناعي، والادعاء بان الأنظمة الاستبدادية توظف الذكاء الاصطناعى لبسط سيطرتها على المواطنين فى الداخل والخارج. وان التعاون معها يعرض البلدان الديمقراطية لخطر الاختراق والسيطرة على البنية التحتية المعلوماتية. وهناك تحديات ذاتية أخرى ترتبط بأنظمة الذكاء الاصطناعى وخصائصها والتى تتطور على نحو غير مسبوق، وتفرض تحدى مواجهة مخاطرها، والاستجابة لها سواء على المستوى التنظيمى او السياساتي. وعلى الرغم من ادراك الشركات لأهمية الحوكمة إلا أنها تخشى ان يحد ذلك من تميزها النسبى فى الإبداع والابتكار، وجنى ثمار استثماراتها فى البحث والتطوير والمهارات البشرية.
ولكن قدم التطبيق الصينى «ديك سيك» تجربة فريدة بالاعتماد على المصدر المفتوح وعلى الإتاحة المجانية، وهو ما شكل تأثيرا مدويا لدى شركات الذكاء الاصطناعى الأمريكية، خاصة فى ظل معاناة النموذج الأمريكى من اتهامات بسوء استغلال البيانات وحرية السوق فى انتهاك الحقوق والحريات. وعلى الرغم من قدرات الذكاء الاصطناعى فى تحقيق تقدم مذهل إلا أنها تشكل خطرا على المجتمع البشرى فى حالة عدم تنظيمها، وأهمية مشاركة جميع الدول فى تقاسم الفوائد على قدم المساواة، ومما يساعد فى ذلك تميز تطبيقات الذكاء الاصطناعى بالانتشار الافقى بما يتيح اكبر فرصة للتبنى أمام أكبر عدد من الدول مقارنة بالتقنيات الأخرى والتى تركزت معرفتها بين قلة من الدول حاولت حوكمتها بما يضمن احتكارها، وان فوائد ومخاطر الذكاء الاصطناعى عابرة للحدود وبما يعزز معها المسئولية المشتركة، وأهمية تعزيز التكامل الدولى بين الجهود والمبادرات المختلفة خاصة فى مجال التمويل، والتقدم نحو الاستخدامات المدنية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتبنى المجتمع الدولى المعايير الأخلاقية، والبناء على ما تم إنجازه فى مجال الحوكمة مثل تبنى الميثاق الرقمى العالمي، وتوصيات اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ولكن ما زال الأمر يتطلب جولات أخرى قادمة من الحوار العالمى حول حوكمة الذكاء الاصطناعى من اجل أن يصبح أكثر استدامة وخدمة للبشرية.
|