نحو الفوز في معركة العقول والقلوب

12-02-2025 06:03 AM - عدد القراءات : 320
كتب د.عادل عبد الصادق
لاشك أن عملية الدخول في معركة كسب العقول والقلوب لدى الشباب تتطلب أن يكون لدى وسائل الإعلام والقائمين على الاتصال والفاعلين الثقافيين وغيرهم، القدرة على فهم دوافع هؤلاء الشباب للنزوع إلى العنف، وفهم السياق الاجتماعي والسياسي، وتعزيز القدرة على طرح البدائل والحلول للمشكلات الاقتصادية،
نحو الفوز في  معركة العقول والقلوب

ومن ثم فإن تفعيل الخطاب الإعلامي في مواجهة التطرف يحتاج إلى رؤية وإستراتيجية شاملة تعمل بشكل متوازي داخل الدولة، وتشارك فيها كافة المؤسسات المعنية بالشباب والثقافة وبالإعلام والمؤسسات الدينية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وغيرها، والعمل على تحديث المنصات الإعلامية لمؤسسات الدولة للعمل على مخاطبة الشباب بشكل أسرع، ومواجهة خطابات التحريض والكراهية بالمعلومات الصحيحة، والارتباط المباشر بين المسؤولين والشباب ومعرفة احتياجاتهم ومشكلاتهم. إن ترك الساحة خالية أمام تسويق الخطاب المتطرف يقع على مسؤولية مؤسسات الدولة، ومن ثم فإن الدور المنوط بها يجب أن يرتكز على ملئ الفراغ، سواء عند الشباب أو في وسائل الإعلام التقليدي أو الإلكتروني.

إن تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات، أمر مهم وضروري، لأنها أساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات، وبإمكانها وقف تدهور الطاقة البشرية وقيمة الوقت للعمل على استخدام الإعلام في إحداث تغيير قيمي ثم سلوكي على النحو الذي يؤدي إلى تعزز القيم المحفزة على التنمية، مثل قيمة العمل والإنجاز والتطوع.
إن من شأن طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي، إذا ما جرى استخدامها في مجتمع صحي، أن تسهم في الحوار البناء، والتعاضد الاجتماعي، وتعزيز ثقافة التسامح، إلى جانب تنمية رأس المال الاجتماعي، والذي من شأنه أن يحول تلك العلاقات المتكونة عبر الشبكات الاجتماعية إلى حالة إيجابية يتم توظيفها في المجال الاقتصادي، وتنمية الإبداع والابتكار، والتسامح وغيرها، وهو ما يستوجب الدفع بالترادف بتيار مدني قوي، عبر تنشيط دور المنظمات الأهلية والمؤسسات الثقافية، ودعم الاهتمام بتنوير الشباب والمواطنين، ورفع الوعي والمعرفة، وتحديث الدور والأدوات والآليات التي تتبعها الحكومات من أجل مواكبة التغيير، ورفع التحديات، وتعزيز فرص الاستفادة من الثورة المعلوماتية والاتصالية.
ولا شك أن العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله، خاصة أن الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعة بشكل عام، ومن ثم فإن العمل على تحسين الدخل والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية. ولا ينفصل ذلك عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة بين الشباب، لأنهم هم الكتلة الحرجة داخل المجتمع، وهم الأكثر استخداما لها، والأكثر ناشطية ومعاناة في الوقت نفسه من ظروف الواقع المعيش.
إن عملية إنقاذ الفرد والمجتمع والدولة من تدمير القيم الأصيلة عبر تلك الوسائط الإعلامية الجديدة، تتطلب أن يكون الشاب هو منصة الانطلاق في تلك المواجهة، عبر تعزيز ثقافته العامة، ورفع مستويات الخطاب الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، ليكون لها الدور الحاضن للشباب. ومن الضروري أن تلتزم وسائل الإعلام بالشفافية والمصداقية في طرح المعلومات، وتقوم بتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع، وذلك لأن ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر التعرض للخطاب المتطرف.
ولهذا، يجب العمل على تحديث الإطار التشريعي المنظم لوسائل الإعلام التقليدية، وتلك الخاصة بالإعلام الإلكتروني، وتبني تشريعات لمواجهة الجريمة الإلكترونية ونشر الكراهية والعنف عبر وسائل الإعلام، خاصة في ظل مجتمعات تمر بحالة انتقالية مثل المجتمعات العربية، وهو ما يستتبع أهمية دور الدولة بالتعاون مع غيرها بالتنسيق في الرؤى والخطط في المكافحة، فهو أمر مهم وحيوي سيمكن من سلك طريق النجاح لمكافحة التطرف والعنف، حيث إنه لا يمكن أن تقود الجزر المنعزلة حربا منفردة ضد الإرهاب والتطرف، بل يجب أن يتم ذلك في إطار التعاون الشامل والأمين والمهني في المكافحة.
كما أنه من الأهمية بمكان، رصد ظواهر الإرهاب وكشف الفاعلين والمتورطين، وطبيعة الممارسات الأمنية ضدهم أمام الرأي العام، وكشف زيف أفكارهم وخطابهم المتطرف، والعمل على تحسين القدرة على مواجهة العمليات النفسية عبر وسائل الإعلام، وعبر تعزيز الأمن الفكري، والعمل على تشجيع روح الاعتدال والوسطية، والحوار الهادئ، والتسامح وقبول الآخر، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو الثقافية أو الدينية، والعمل على تغيير المناهج التعليمية بشكل يجعلها قائمة على الفهم والنقد البناء، وليس الحفظ والتلقين، وذلك من أجل المساهمة في خلق جيل جديد قادر على بناء الحوار والفهم، الذي هو ركيزة لتنمية الإبداع والابتكار عند الشباب، الذين هم عماد الأمة وأساس نهضتها الحديثة. كما يجب العمل على تعزيز التكاثف الشعبي مع المؤسسات الأمنية في مكافحة الإرهاب وإطلاع الرأي العام على حجم المخاطر الناتجة عن ظاهرة الإرهاب، ورفع الوعي، باتخاذ كافة التدابير اللازمة في مواجهة التطرف والعنف، والعمل على تعزيز قيم المواطنة، وتدبير الوقت لدى الشباب، لأنها قيم لازمة للنهضة الاجتماعية والاقتصادية. وتعزيز قدرة وسائل الإعلام على اكتساب الأفراد - خاصة الشباب - جملة من الخصائص السلوكية، والاجتماعية، وذلك من خلال العديد من المؤثرات والحوافز والدوافع، لأن الإعلام يعد منصة مهمة وضرورية للعمل على تنوير الرأي العام، وتحديد أولويات المجتمع في مجال التنمية، وغربلة القيم المحلية التقليدية بشكل يجعلها قادرة على تعزيز التنمية والتقدم، ومن جهة أخرى أهمية العمل على تفسير السياسات والتطبيقات التي يقوم بها صانع القرار أمام الرأي العام، بما يجعله شريكا، سواء بالمراقبة أو بالمساهمة الفعلية في عملية التنمية، والتي تحتاج إلى وعي جماهيري- شعبي
.وتبقي حقيقة ان الاستثمار في تنمية الفكر والثقافة هي الحصانة الاكبر في معارك الافكار وليست ممارسة القوة بالضرورة.
 


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>