كيف يتم صناعة الفقاعات داخل المجتمع في العصر الرقمي ؟

17-05-2023 09:04 AM - عدد القراءات : 1227
كتب د.عادل عبد الصادق* مجلة احوال مصرية ، العدد 88 ،مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ابريل 2023 ، ص ص 67-78
أتاحت الثورة العلمية والتكنولوجية الفرصة غير المسبوقة في التواصل والتشبيك سواء عبر حرية انتقال الأفكار أو القيم أو الثروة ، وذلك عبر شبكات الاتصال والمعلومات ،وانتشارها الهائل ، ونفاذها داخل المجتمعات،ودفع هذا التغير الكمي إلى تغييرات أخرى كيفية وثقافية ،أحدثت تغييرات في طبيعة دور الفرد والمجتمع والدولة ،
كيف يتم صناعة الفقاعات داخل المجتمع  في العصر الرقمي ؟

 وظهر مجتمع شبكي جديد يتداخل فيه القيم المحلية بالأخرى العالمية،وظهرت تأثيرات المنصات الرقمية والاجتماعية في توظيف البيانات الشخصية عبر الخوارزميات للتعامل مع هذا الكم الهائل من البيانات ،وتوظيفها اقتصاديا عبر صناعة التأثير ومعالجة المحتوى،وباتت هناك  ثلاثة مجموعات من القيم تحت مرمى الشركات التقنية هي ، القيم الاجتماعية والقيم الدينية والقيم الذاتية ،وشكلت البيئة الرقمية دوائر مغلقة ، وفقاعات وزادت في نفس الوقت من وتيرة تأثيرها ومجالات انتشارها ،و ارتباط ذلك بدورها المعقد والمتنوع  والمرتبط بالنشاط الإنساني ، ومن ثم كان للسلوك السيبراني تأثير في تطبيقات الفقاعات على كافة الأنماط ذات الطبيعة الثقافية أو الاجتماعية او الاقتصادية وغيرها ،.

أولا ، دوائر و فقاعات في العصر الرقمي

 تتعدد تعريفات الفقاعة وفق المجال او النمط الذي تحدث فيه ، ولكنها تشترك في كونها حالة اضطراب أو عدم استقرار او طفرة تحدث نتيجة علاقة بين متغيرين هما حالة الثبات وحالة التغير ، او ما بين حالة الانفتاح وحالة الانغلاق ، وتتعدد الأوصاف ما بين فقاعة ام دائرة أم عزلة أو فجوة وغيرها ، وسيطر على ذلك التباين ما بين  الواقع او المتخيل او ما بين البعد الرقمي والبعد المادي ، أو ما بين الأرباح والخسائر ، وما بين الفرد والمجتمع أو ما بين القيم الأصيلة والقيم الدخيلة ، او ما بين تراكم الثروة أو المعرفة او السلطة ، وزادت وتيرة تلك التباينات او الفقاعات في ظل الثورة الرقمية والاتصالية والتي جعلت المتغير الرقمي حامل لكافة الخدمات الاقتصادية والثقافية والسياسية ومن ثم فان إي تغير يحدث فيه  ينعكس على كافة المجالات الاخري ، وذلك على خلاف الفقاعة الأولى لـ"الانترنت " التي ظهرت ما بين عامي 1998 وعام 2000 والتي تمثلت في ارتفاع أسعار الأسهم نتيجة النمو المتسارع في انتشار الانترنت ، وأصبح واقع الحال يشير إلى التأثير واسع المدى للمجال الرقمي في تشكل الفقاعات ذات الطبيعة الاجتماعية او الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية أو الأمنية وغيرها :،

1- الفقاعة الاقتصادية في العصر الرقمي ،

 جاء ذلك في ظل تصاعد العلاقة بين التكنولوجيا ورأس المال ،والتحول من "الإنتاج أو السلع تصنع المال إلى أن أصبح "المال يصنع المال" ، ثم مرحلة القدرة على التشبيك والتسويق تصنع "المال" ، وهو الأمر الذي انعكس على وجود وفرات مالية ضخمة لشركات لا تمتلك مصانع أو مواد خام بل تمتلك تطبيق رقمي قادر على تنظيم العلاقة فقط بين مقدم الخدمة والمستهلك . 

وذلك مع القدرات الهائلة في مجال الإعلانات الرقمية و قدرة شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير سلوك المستهلكين او المستثمرين والتأثير في أذواق ونمط الاستهلاك للملايين عبر الحدود ، وتساعد البيئة الرقمية في وجود علاقة طردية بين الطلب على السلعة او الأصول الرقمية وأسعارها ،وهو ما يدفع الى المزيد  من الاستثمار والطلب عليها ، ومن ثم يبدأ بعد ذلك التراجع في الأسعار و الانفجار في "البلونة" مثل حالة العملات المشفرة والتي بعد ارتفاع كبير في أسعارها تراجعت في قيمتها  في عام 2022 ولكن استطاعت أن تصحح أوضاعها وتعاود الصعود ولكن بعد فلتره أنواع معينة منها.    

 وإبان جائحة "كوفيد 19 " حققت الشركات التقنية مكاسب طائلة خاصة  تلك التي تعمل في مجال تطبيقات  العمل والتعلم عن بعد ، وبدأت تلك الشركات تضخ استثمارات ضخمة في ذلك مع زيادة الطلب ، ولكن بعد انتهاء الجائحة بدأت تلك الشركات تعاني من الخسائر ومن ثم تراجع الطلب على خدماتها ، وسرحت جزء من عمالها ، وهو ما كشف أن تلك الشركات بنت خططها المستقبلية على الواقع بدون أن تمتلك خطة بديلة لأي تغييرات في المستقبل،

وساعدت عملية التحول الرقمي في مجال الشمول المالي والمدفوعات الرقمية إلى سهولة نقل واستقبال الأموال وإطلاق مشاريع للتمويل الجماعي ، وتعرض لمخاطر الاحتيال الالكتروني والنصب في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية ، وتعرض دوائر مغلقة إلى تلك التأثيرات حول حلم الثراء السريع بدون واقع خبره مثل أزمة "هوج بول" في مصر في 28 فبراير 2023. وما يزيد من خطورة تلك الظواهر حالة التضخم في الاقتصاد العالمي.ووجود خدمات رقمية تقدمها شركات عالمية عبر الحدود ولا يوجد لها مقر داخل البلدان التي تعمل من خلالها .

2-  الفقاعة الاجتماعية في العصر الرقمي

صعد مفهوم الفقاعة الاجتماعية إبان جائحة "كوفيد 19 "وذلك في محاولة للحد من الانتشار للعدوى والإبقاء على التواصل مع من لا يشتبه بإصابته ، ومن ثم التحرك في دائرة اجتماعية مختارة ، ولكن جاء ذلك مع الواقع التي فرضته منصات التواصل الاجتماعي والمتمثل في تصاعد دور البيانات الشخصية والتي يتم إنشاؤها ومشاركتها من قبل المستخدم وجميع أنواع التفاعلات التي يمتلكها المستخدم مع منشئي المحتوى الآخرين .[i]

والتي يتم التعامل معها وتوظيفها من قبل المنصات الرقمية عن طريق استخدام " الخوارزميات" ، والتي تعمل كمجموعة من التعليمات التي يجب على الكمبيوتر إتباعها ، وفق المعطيات التي تضعها مدخلات تلك البيانات ثم المخرجات،التي تعمل على تصنيف تلك "البيانات الضخمة" ،و توظيفها عبر التعلم الآلي في عملية الاستنتاج أو التنبؤ أو الاقتراح سواء بالأصدقاء او الموضوعات ، ويتم ذلك بناء على نشاط وسلوك المستخدم عبر تلك المنصات من جهة ، والتقاط هذا النشاط أيضا من مصادر أخري كالكاميرا او الميكروفون للهواتف الذكية للمستخدم ،إلى جانب توظيف برمجيات التتبع والتنقل عبر الخرائط على ارض الواقع.

 ويتم الرصد عبر الاجهزة الذكية بما يعرف بـ"ملفات الارتباط " وهي الآثار التي يتركها المستخدم على الجهاز نتيجة الزيارة او التفاعل ، والتي تساعد في معرفة ميول واتجاهات وعمر ومكان المستخدمين ، ومن ثم تقسيمهم إلى دوائر مغلقة قابلة لاستهلاك الإعلانات التي تتلاءم مع ميولهم  او رغباتهم ومن ثم تحقيق اعلي درجة من الفعالية للشركات المعلنة.

ومن جهة أخرى ساعدت منصات التواصل الاجتماعي في توفير أدوات وأسلحة للإقصاء مثل الحظر أو إلغاء الصداقة ، وخيار الإعجاب فقط -  قبل تغيره- ، والإبلاغ عن الحسابات الأخرى التي تعتبر منتهكة للخصوصية من وجهة نظر المستخدم، وانتقاء من يصلهم منشوره عبر المنصة.

 وأصبحت بذلك ساحات التواصل الاجتماعي تعلي من النشاط والتفاعل من خلالها كتعبير عن المشاركة والتفاعل والتأثير بغض النظر عن تحويل ذلك على ارض الواقع في التفاعلات الاجتماعية.

 وعلى الرغم من توفير أدوات جديدة لممارسة حرية الرأي والتعبير الا ان الممارسة تكشف غلبة البعد الثقافي للمستخدم عليها ،وأصبحت تستخدم كأدوات للانتقام الشخصي ، وحتى التعليقات على المنشور أصبحت نافذة للتأكيدات أو المساندات وليس بفتح حوار أخر بديل ، وانتقل ذلك إلى فلسفة المستخدمين في الحياة العملية من خلال استخدام خدمات الحجب للاتصال ومنع التواصل المادي مع من يختلف ،وذلك بديلا عن الحوار والتفاعل .

وتحولت الحياة الاجتماعية إلى معايير مادية ترتكز على الأخذ والعطاء فقط بدون مشاعر الإنسانية والألفة والصداقة الحقيقية ، وأصبحت العلاقات الاجتماعية عبر المنصات الرقمية تقاس وفق المعايير الكمية ، وعلى الرغم عاجزها  عن التحول إلى رأس مال بشري حقيقي يخدم الفرد أو المجتمع أو الدولة، لأنها تعمل في بيئة منغلقة  وغير قابلة للتحول إلى علاقات اجتماعية في الواقع المادي. 

3- الفقاعة الدينية في العصر الرقمي

 دفعت شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية إلى تعزيز صناعة وإنتاج ونشر المحتوى الديني والتفاعل حوله سواء عبر منشورات او ملصقات او تلاوات دينية ، مع ظهور فاعلين دينين آخرين خارج اطار المرجعيات التقليدية، ورقمنه الاحتفالات الدينية وطرحها في زحمة البيانات والمنشورات ، والعمل على إنتاج مناسبات أخرى دينية قد تكون اقل أهمية ولكن يتم الترويج لها كذلك تحت دوافع اقتصادية ، وهو ما يجعل المستهلك للمحتوى الديني أمام نوع جديد من التدين وممارسة الطقوس ، ويتم ذلك قياسه كميا سواء عبر تحميلات الأدعية الدينية او التفاعلات على المنشورات الدينية او المشاهدات للمحتوى الديني ، ولكن عندما يتم قياس ذلك كيفيا نجد فجوة كبيرة بين ما يتم استهلاكه من المحتوى الديني ومدى انعكاس تأثيره على أرض الواقع سواء أكان فهما أو سلوكا ، و أصبح لا يعكس استهلاك المحتوى الديني بشكل عام اتساع نطاق التدين داخل المجتمع بالضرورة ، على مستوى المعاملات والسلوكيات أو أخلاقيات الشارع، فنحن الآن أمام ظاهرة تسليع الدين أو تحويل المحتوى الدينى إلى سلعة تباع وتشترى، ويتم ضخ العديد من الإعلانات حول هذه التطبيقات الدينية من أجل اتساع المستخدمين لها، وبالتالي اتساع نطاق الأرباح بغض النظر عن مردود ذلك واقعيا ودينيا.

4- الفقاعة السياسية في العصر الرقمي،

دفع تصاعد دور شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير في الرأي العام الى  لعب دورا سياسيا في العديد من الأزمات، وفي التأثير في النظم الانتخابية وبخاصة داخل الدول العريقة في الممارسة الديمقراطية ، ويتم استخدام الخوارزميات في انتشار المحتوى السياسي حيث تتيح تلك المنصات الفرصة لخلق دوائر مغلقة حول المرشحين ، وتعزيز إمكانية الترويح له إعلانيا عبر تلك المنصات بما يتوافق مع  الاهتمام السياسي . ويتم الحد من تعرض هؤلاء المستخدمين لأفكار وآراء سياسة معارضة ، وهو الأمر الذي يعمل على تدهور الثقافة السياسية ،وعدائية الخطاب السياسي وأحادية الرؤية تجاه  القضايا السياسية. ومن ثم يكون لذلك دور في التضليل وحجب المعلومات والعزلة  السياسية عن فهم باقي "أجزاء القصة" ، والتي تعد مدخل مهم للفهم الحقيقي وتنمية الإدراك والتحليل الذاتي .

ويتم  توظيف التزييف العميق إما في شن حروب شخصية للتأثير في العملية الانتخابية او عبر تزييف إرادة الناخب عبر نشر المعلومات والأخبار المضللة ، إلى جانب إتاحة  فرص القرصنة والتدخل في عملية التصويت الالكتروني ، وتدشين حسابات وهمية عبر المنصات الرقمية لخلق اتجاهات وهمية لا تعبر عن الأغلبية أو أجندة الرأي العام ، وقد برز هذا الدور في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي عام 2017 ، والتي خرجت بفارق ضئيل ، وبالرغم من ذلك كان هناك قطاع كبير غير راض عن هذه النتيجة وفوجئوا بها وهو الأمر الذي تكرر في الانتخابات الأمريكية عام 2016 .  ففور تنصيب "بايدن" فكان نتيجة الفقاعات السياسية هو إحداث استقطاب سياسي غير مسبوق عبر المنصات الرقمية ،يعصف بالتقاليد الديمقراطية ، ويغذي أعمال الشغب واقتحام "الكابيتول"، [ii] ونشرت مفوضية الاتحاد الاوربي مدونه في عام 2018 لتشجيع الحكومات والمنصات الرقمية للحد من الاستهداف الجزئي للناخبين وشفافية الإعلانات السياسية ، وقامت كل من شركتي ميتا وجوجل باتخاذ سياسات في هذا الإطار.  وتعد فضيحة شركة "ميتا " الفيسبوك والمعروفة بـ "كامبريدج أناليتيكا" في عام 2018 مثالا لكيفية جمع البيانات الشخصية للملايين من المستخدمين من دون موافقتهم لتوظيفها في الدعاية السياسية

5-الفقاعة المعرفية في العصر الرقمي

 على الرغم من إننا في عصر المعرفة والتي تتوافر مصادرها ومحركات بحثها عبر الانترنت ، ولكن أصبحت البيانات التي يتم تداولها غير حيادية وغير متاحة للكافة ، والمتاح بشكل مجاني منها يعمل في دائرة مغلقة من التكرار او التسطيح، ومن جهة أخرى إن توافر تلك البيانات والمعلومات لم تتحول الى معرفة ثم الى حكمة وبخاصة في ظل المجتمعات التي تعاني من الهيمنة الثقافية .

وتتحرك شركات الدعاية وفق دراسات في علم النفس والأعصاب حيث يلتقط الدماغ البشري بسهولة ما يتفق مع الخبرات او الآراء والمعلومات السابقة ،ولكن يمكن جذب انتباهه من خلال الأشياء والأفكار والقضايا الغير مألوفة ، او اتجاهات فكرية او دينية او جنسية غير تقليدية ، وهو ما يؤصل الى صعود صناعة التفاهة والمحتوى الهابط كعناصر جذب خاصة للأجيال الجديدة من المراهقين.

وتم توظيف المنصات الرقمية لنشر الأخبار المضللة والزائفة والتي أصبح لها تاثيرات سلبية ليس فقط على الثقافة العامة بل كذلك على الصحة والسلامة الجسدية وهو ما كشفت عنه جائحة كوفيد 19.ونشر نظريات المؤامرة والتي تعمل على تغييب الوعي الجمعي وإضعاف الثقة في القدرات الذاتية نحو التغيير ،بالإضافة الى تغييب التفكير العلمي لصالح إعادة إنتاج الخرافات وترويجها ،  

وتساعد هذه الظواهر في اضمحلال الحريات الفردية عبر المراقبة واسعة الانتشار،واستبدال الفكر والحكم المستقلين بالسيطرة "الآلية". ومن نتائج ذلك تعرض الأفراد إلى صدمات ثقافية عندما يحتكون مع العالم الواقعي ، ويفقدوا القدرة على تجنب او فلتره الأشخاص ذوي الآراء المختلفة او الأشكال غير المعتاد عليها عبر المنصات الرقمية ، وتتغافل "الخوارزميات " الطبيعة البشرية التي تجعل هناك حالة من التغير في الاهتمام او المواقف او الآراء بينما هي تحاول ان تضعه وفق تصنيف سابق فقط ،وحبيس تجربة سابقة ، بينما واقع الحال يشير إلى ان هناك  تغير في الإدراك وفق  العمر او المصلحة او الفكر ،ومن ثم فان طغيان التصور الفردي يضر بفهم حقيقة الأمور ، ويعزز من اتجاه الانعزالية والانطواء والتي تكون مقدمات للانتحار ، إلى جانب تعزيز العنصرية والتطرف والكراهية ضد المختلف بدلا من الاشتباك معه والقبول به كحقيقة التنوع في الحياة والكون.

6-الفقاعات الإعلامية في عصر المنصات الرقمية

أفرزت شبكات التواصل الاجتماعي ما يطلق علية أيضا بغرف الصدى Echo Chambers حيث يتعرض المستخدمون باستمرار الى قدر اقل من وجها النظر المخالفة لهم ومن ثم يعزلون فكريا في فقاعه المعلومات الخاصة بهم ، وبخاصة ان المستخدم يحصل على خدمات الاتصال والتواصل بدون مقابل ، ومن ثم فان عرض اراء مخالفة للمستخدم ستؤثر في استمراره في التصفح ، وليجد نفسه في النهاية سجين فقاعات لا يتم تداول فيها الا ما يتفق مع توجهاته السابقة او استهلاكه للمحتوى  وهي غرف"الصدى" .[iii]

وعلى الرغم من ان هذه الظاهرة ليست بجديدة فقد تم استخدامها في زمن وسائل الإعلام التقليدية في النظم الشمولية او الديمقراطية ، والتي كانت تتحكم في عملية تدفق المعلومات على اختلاف درجاتها ، وذلك بهدف تشكيل الرأي العام المساند للنظام السياسي ، وحمايته من الاختراق من الخارج او الرأي الأخر المخالف ، ولكن أضافت شبكات التواصل الاجتماعي أبعادا أخرى للظاهرة حيث القدرة على الانتشار الكثيف بين قاعدة عريضة من المستخدمين بدون تكلفة ، وتجهيل المصدر وغياب التنوع ، ويكون مصدر الأخبار صفحات او مؤثرون على المنصات الاجتماعية ، ويتم ضخ الأخبار والمعلومات دون تدخل بشري مباشر ، والتي ترتكز على تحليل عادات او أذواق استهلاك المستخدمين للمحتوى ، وذلك بغية تحقيق الأرباح من الإعلانات المستهدفة.

7- الفقاعة العسكرية والأمنية في العصر الرقمي

 أحدثت الثورة العلمية والتقنية ثورة أخرى في الشئون العسكرية ، وعلى الرغم من التقدم في مجال الدفاع والأمن والتسليح على الجيوش الحديثة إلا ان تصاعد دور العامل الرقمي أعطي تغييرات في مفاهيم الحرب والسلام ، وتم تطوير تطبيقات الذكاء اصطناعي لتقوم بحالة ردع مقاربة للدور الذي تقوم به الأسلحة غير التقليدية مثل النووية او الكيماوية ، واحدث عمليات الاتجاه الى عسكرة الروبوتات والأسلحة ذاتية القيادة تغييرات إستراتيجية كبري في مجال الحرب في العصر الرقمي ، وكان من أهم تطبيقات ذلك الطائرات بدون طيار والتي أحدثت تغيرا في أهمية أنماط التسلح التقليدي وفتحت أفاق أمام كيفية الاستحواذ على أسلحة أخرى مضادة لها لا تعتمد على قوة النيران مثل الأسلحة السيبرانية ، ودمج الفضاء في العمل العسكري . وظهرت تحديات أمنية جديدة تقتضي ان يكون الفرد ركيزة أساسية في المواجهة .وان يكون الإبداع والابتكار هو الذي يصنع الفارق والقوة وليست فقط المعايير التقليدية للقوة العسكرية .       

 ثانيا : ما وراء صناعة الفقاعات في العصر الرقمي

أصبح الإنسان في العصر الرقمي معرضا للعديد من الفقاعات مع تصاعد حالات عدم اليقين ، والتطور الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، وتطور تطبيقات التزييف العميق ، ووجود ثورة في الخيال البشري تحت وقع ما أفرزته الثورة الصناعية الرابعة من معطيات جديدة ، وكان من أهم إرهاصاتها الميتافيرس وانترنت الأشياء والعملات المشفرة والأصول الرقمية وغيرها ، والتي تحمل أنماط جديدة لتكوين الثروة والنفوذ والسيطرة وفي نفس الوقت تخضع لهيمنة وسيطرة مباشرة من الشركات التقنية الكبرى ، والتي تحركها عن قرب دول كبري توظفها لخدمة سياستها الخارجية ،وعلى الرغم من تميز المجتمعات التقليدية بمساحات تقليدية وثقافية للتفاعلات الاجتماعية والثقافية ، إلا إنها باتت تواجه مخاطر الرقمنة ، وبخاصة مع تلك المجتمعات التي أحدثت فيها الرقمنة تأثيرات سلبية أكثر من أي مجتمعات أخرى مرت بمراحل التحول الرقمي ذاته ، وهذا يرجع الى عدة متغيرات لعل أهمها ، الأول ، المتغير الجيلي ، حيث ان غالبية الهرم السكاني من الشباب ومن ثم كانوا هم الأكثر استخداما ومعاناة كذلك من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ، والثاني ، المتغير المؤسسي ، المرتبط بضعف دور المؤسسات السياسية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني بالقيام بدورها كمؤسسات وسيطة بين الحاكم والمحكومين ،  والثالث ، المتغير التقني ، مع الانتشار الكثيف لشبكات الاتصال والمعلومات وعلى النحو الذي فاق القدرة على استيعاب ذلك ثقافيا وعلميا ، والرابع ، المتغير التنموي ، صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتصاعد معدلات البطالة والفقر وتصاعد الفجوة بين الطبقات داخل تلك البلدان من جهة وبينها وبين غيرها من بلدان الشمال ،والتي أنتجت فجوة اللامساواة غير المسبوقة ، والخامس ، المتغير المرتبط بتراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والدينية والإعلامية الرسمية لصالح مؤثرين جدد ، والمتغير السادس، المرتبط بضعف سيادة القانون وسوء حالة التشريعات القانونية القادرة على مواكبة التحديات التي فرضتها الثورة العلمية والرقمية .

وأصبح المجتمع الرقمي يعيد تشكيل الواقع الاجتماعي والذات الإنسانية ،وأصبحت ممارسة الحرية كتعبير عن الذات المستقلة مهدده  فهي يحركها من بعيد خوزازميات ومصالح للشركات التقنية ومنصاتها وذلك في مقابل كون الإحساس  بـ"الذات" الفردية المستقلة تعبر عن العلاقة الوثيقة بين الإنسان وذاته، وتحكم تصوره لنفسه وخياله وتوقعاته وخياراته الحياتية،والتي تنبع من هرم الاحتياجات الأساسية له دون غيره .

ومن جهة أخرى أدت ضخامة البيانات والمعلومات إلى الاتجاه إلى الاختزال والتبسيط والتنميط بشكل يخفي التفاصيل والاختلافات الفرعية والنوعية ، وهو ما يعلى من السطحية في الفكر وتعزيز سياسة القطيع عبر مشاركات للمحتوى دون إعمال التفكير النقدي . 

وأصبح يمثل المستخدمين مصادر طوعية وغير طوعية للبيانات الشخصية والتي يتم تحليلها وفرزها وتصنيفها ليتم توجيه الإعلانات المستهدفة لهم ، وفق دوائر مغلقة لديها اهتمامات مختلفة ، والى جانب ذلك وجود فرص تكوين المجموعات الخاصة المعلنة والسرية ، وتشفير الاتصالات بما يجعل هناك جزر منعزلة عن الأخرى ، ومنفصلة عن الواقع الافتراضي من جهة وعن الواقع المادي من جهة أخرى ، وعلى الرغم من إحساس الفرد في العصر الرقمي بقدرته على تحقيق ذاته او إرادته الا انه يبقي تحت خطر التوجيه لا إراديا لاستهلاك محتوى معين والتفاعل حوله ، وبخاصة مع دراسة تلك المنصات الرقمية لعلم النفس التسويقي وبخاصة في استهداف جيل "Z" الأكثر انغماسا وتفاعلا عبر المنصات الرقمية

ثالثا: متغيرات بناء الفقاعات في العصر الرقمي

1- أن الشركات التقنية الكبري أصبحت بالفعل تتمتع بقوة حقيقية وكان من مفرداتها ممارسة سلطة المعرفة او الخدمة في مقابل دور اقتصاد السوق في تحقيق الأرباح ،

2- انه في العصر الرقمي تصاعدت المخاطر في مقابل التحول الرقمي والمكاسب المرتبطة به ، ومن ثم اصبحت معرضة لحالة عدم اليقين سواء باستقرار خدمات الشركات التقنية او حدوث ازمات غير متوقعه ، خامسا ، ان الاتجاه الى تنظيم الشركات التقنية الكبري كشركات خدمية وليس بقدرتها على تعزيز الفردية في تلبية الاحتياجات لاكتساب السوق .

3-  إقحام التقنية في العلاقات الشخصية، وفي التوازن بين المجال العام والخاص، ومجال العمل والمنزل ، ومدى قدرة الفرد على ممارسة الحرية الشخصية والخصوصية في ظل تنامي فرص الرقابة الجماعية على السلوك السيبراني والمادي له .

4-  تأثير حالة الاتصال الآنية في تشكيل بيئات رقمية مفتته على الرغم من التصور الظاهرى انها بيئة متماسكة ، ولكنها متنوعة بدوافع ذاتية او عبر تشجيع تغير الهويات والاهتمامات تحت ردح آلة الدعاية العميقة ،وهو ما يكون له تأثير في تأثير النشاط السيبراني في الحراك الاجتماعي والاستحواذ على الثروة والنفوذ .   

5-  تأثير البيئات الرقمية في هيكلة البنية الاجتماعية في ظل حالة الاتصال شبكيا ، وعلاقة ذلك بإنتاج نماذج للدمج والتهميش في نفس الوقت ،وإحداث فجوة رقمية بين من لديه القدرة على الاتصال ومن لا يقدر من جهة وبين من يملك المعرفة للولوج والتفاعل وبين من لا يستطيع ذلك ، ومن ثم يكون هناك حالة من إنتاج حالات لا مساواة وإعادة إنتاج علاقات القوة وفق ذلك المتغير الجديد .

6- قدرة التقنية الرقمية في صناعة الإعلام بما نجم عنه تغيير دور الفاعلين الثقافيين والاجتماعيين  وبروز فاعلون جدد تجاوزا المؤسسات التقليدية المعنية بالإعلام والثقافة نتيجة قدرتهم على فهم مهارات الاتصال في العصر الرقمي ، وبخاصة عبر المنصات التواصل الاجتماعي .

7- التأثير النفسي والفيسولوجي للفرد عندما يتشارك المعلومات الشخصية مع الآخرين، وإفراز الدوبامين في الدماغ، وكسر الإحساس بالعزلة "الظاهرية" ولكن يتعرض كذلك للمقارنة الشكلية والاجتماعية بما يؤثر على تقدير الذات والرضا وبخاصة عبر المنصات التي تتعامل مع الصور مثل انستجرام .

8- انخفاض القدرة على التواصل الحقيقي وجهًا لوجه نتيجة قضاء أوقات طويلة على المنصات الرقمية ،وهو ما يقلل الشعور بالانتماء الأسري ،و يقلل من القدرة على التعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات اجتماعية ناجحة.

9- : ان تزايد درجات الاعتماد علي البيئة الرقمية أتاحت كذلك فرص انتشار الصدمات عبر الحدود ، وانتشار تأثيرها ، مثل القرصنة  والهجمات الالكترونية او الأعطال الطبيعية . كحالة انقطاع الفيسبوك ما يزيد على 6 ساعات عام 2021. بالإضافة إلى الأعطال التي تصيب الشبكات الاجتماعية الأخرى او انقطاع خدمة الانترنت او كابلات  الانترنت .

رابعا ،  تحديات الفقاعات في العصر الرقمي 

يقف وراء ضخامة تأثير المتغير الرقمي في تشكيل وصيرورة عمل  الفقاعات وتوسيع نطاق انتشارها عدد من العوامل التي تقف وراء ذلك ،وذلك وفق عدد من المفارقات التي طرحتها البيئة الرقمية [iv] ، وهي الأولى ، مفارقة "اجتماعية" تتعلق بانه على الرغم من ان البيئة الرقمية أتاحت القدرة على  التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء عبرها ولكن لا تقوم بمقام الصداقات  الأخرى خارج البعد الرقمي .

 ومفارقة ثانية، تتعلق  بـ" الاختيار"ففي حين أصبح للفرد القدرة على إطلاق إرادته الحرة في القيام بالسلوك والتسوق عبر المنصات الرقمية الا ان ذلك الشخص قد خضع بالفعل الى مؤثرات شكلت اختياراته. ويصبح المستخدمين  محاصرين من قبل الخوارزميات التي تستخدمها شركات التواصل الاجتماعي لزيادة وقت التصفح ومن ثم تحقيق أرباح من الإعلانات لها، وتقديم مؤثرات رقمية جذابة وفق الاهتمام المسبق ، ،و مفارقة ثالثة ترتبط بـ "المعني" فمع صعود الذكاء الاصطناعي في التحليل والوظائف في مقابل الذكاء البشري  ، كان لذلك تأثير على ذاتية ومعنى وجود الإنسان. والمفارقة الربعة ،ترتبط بـ"الإنتاج "وعلاقته بالاستهلاك ومدى علاقة ذلك بالذوق الفعلي  لـ"الزبون" في تلبيه رغباته مقابل قيام أرباب العمل والإنتاج بالتسويق لتلك المنتجات.،وهناك مفارقة خامسة "المعرفة "فبالرغم من تحول الإنترنت كمصدر هائل المعلومات المجانية الا إنها لا تتحول بالضرورة الى معرفة وإبداع.

وهناك مفارقة سادسة هي "الحقيقة" بالرغم من توافر أدوات جديدة لتقصي الحقيقة مثل صور الأقمار الصناعية ،والمعرفة مفتوحة المصدر ، ووسائل التواصل الاجتماعي  الا ان تلك التقنية قد تستخدم كذلك في التزييف وتغييب الوعي وتقدم أدلة وأخبار مزيفة فيما يطلق عليه بعصر ما "مجتمع ما بعد الحقيقة" ،وتتعلق المفارقة  السابعة بـ" الألفة" بالرغم من توفير المنصات الرقمية وسائل للترفيه والتسلية والشعور بالسعادة الا أنها قد تتحول الى مصدر للقلق والخوف ونشر التشاؤم والخوف والاكتئاب. والتلاعب بالحالات  النفسية والعاطفية للمستخدمين من خلال  ما يتم تداوله  من أخبار سلبية  تتسبب في انتشار العدوى العاطفية  عبر الشبكات الاجتماعية.واستمرار حالات الشحن العاطفي ثم التفريغ بسرعة بحثا عن ملهاه أخرى .  وتوجد عدد من تحديات الفقاعات في العصر الرقمي لعل اهمها ،

1-، عملية الربط بين القدرة على جذب الانتباه وتحقيق الأرباح للشركات التقنية،وهو ما يعرف بـ" اقتصاد الانتباه" والذي يعتمد في نموذجه الاقتصادي على جذب الانتباه وإبقاء المستخدمين نشيطين وفاعلين عبر المنصات الرقمية .وصعود دور الفرد كقائم بالاتصال وظهور المؤثرين للبحث عن ذاتهم وعن دورهم ولكن من خلال إنتاج محتوى يكون الكثير منه هابط بدلا من التركيز على صنع معرفة حقيقية .

2-، طبيعة الفجوة المعرفية والرقمية والتي ترتبط بمدى امتلاك الفرد المهارات الرقمية الجديدة في حيث يفشل آخرون اما لأسباب ثقافية او اقتصادية ، والتي تتحول الى قوة وتأثير لهؤلاء الأفراد بغض النظر عن مقاييس المجتمع التقليدية سواء كانت بناء على التعليم او الخبرة وتصبح الفئات الأضعف هي المعرضة للمخاطر مثل الأطفال او النساء او المهمشين .[v]

3- ، التوسع للشركات التقنية في السوق لزيادة ارباحها بغض النظر عن تبعات ذلك على المجتمع الإنساني ،وتقديم ذلك على انه محاولة لحل المشكلات عبر التقنية وانها مرادفه للتقدم بغض النظر عن أهمية الأبعاد الاجتماعية والثقافية الحاضنة لها .

4- ، تصاعد أهمية البيانات الشخصية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمل المنصات الرقمية  والتي وصلت الى الملايين  من المستخدمين ، واعتمادها على الإعلانات الرقمية كمصدر للإرباح من هذه الخدمات التي تقدمها ،   .

5- ،انعكاس البيئة الرقمية في  تكوين الأمزجة والسمات الشخصية وتحيزاتها الثقافية مثل حالات الانفعال الحاد ، امتلاك عقلية نرجسية، وفرص تنامي سلوك يشبه التوحد والإدمان و التنمر.وهذا بدوره يفرض تدني احترام الذات وضعف القدرة على التواصل الإنساني ،وضعف المرونه في مواجهة الأزمات ، والإفراط في استهلاك المحتوى ، وضعف البصر او السمنة لقضاء وقت أطول أمام الشاشات وبخاصة من الأطفال والمراهقين . ويترجم ذلك الى سلوك الشخص باحاطة  نفسه بأفكار أو أشخاص تتشابه معه ، ولدية الشعور بعدم الثقة في قبول أفكار جديدة او أصدقاء جدد ،

6-، تنامي الاتجاه نحو  سيطرة الصورة على الجسد وتحويلها الى اقتصاد قائم عليها والمتمثل في صعود مهن التجميل والإنفاق على اللياقة البدنية وأدوات التجميل وفق مقاييس لجمال الصورة تخضع لمؤثرات رقمية ولكنها تترك بصمتها في  الذهنية والحكم على الأخر ، إلى جانب ما تضعه مراكز صناعة التجميل خارج المعايير الطبيعية . والهوس بالجسد والتقليد والتشبيه بالمشاهير والمؤثرين عبر المنصات الرقمية. ،وغلبة  "الصورة " كذلك  مقابل " المحتوى " وحاسة "البصر" مقابل "اللمس" ، [vi] وربما دفع ذلك رواد الروبوتات والذكاء الاصطناعي في محاولة لإضفاء حاسة اللمس والتقريب من الشكل البشري

خامسا ، فرص كسر الدوائر والخروج من الفقاعات .

كان للعصر الرقمي تأثير عميق على القيم الاجتماعية والمتمثلة بعلاقة الفرد بمحيطة والعلاقات العائلية وعلاقات العمل ، إلى جانب مجموعه القيم الدينية عبر تأثير المنصات الرقمية في دور الدين وطبيعة التغير في دور رجال الدين والمؤسسات الدينية ، وأصبحت المنصات الرقمية تعبر عن حالة التغير في  القيم الذاتية والتي ترتبط برؤية الإنسان لذاته ن وقدرته على بناء قدراته ومهاراته وامتلاكه المعرفة والتحرر من القيود ، ومن ثم عملت الثورة الرقمية على إعادة تكوين الدوائر وجعلها مغلقة بدلا من الانفتاح ،وانتقائية بدلا من العشوائية ، وعدم امتلاكها القدرة على بناء الجسور مع الأخر وليس ببناء أسوار ، ومن ثم تضررت العلاقات الاجتماعية والقيم الدينية والذاتية حيث أصبح الإنسان يبحث عن التأثير من اجل البحث عن الذات وليس ببناء وعيه وإحساسه بمعنى الحياة ، وعلى الرغم من الحرية الظاهرية التي يراه الا انه أصبح يعيش رهينة وحبيس خوارزميات تحدد له ما يرغب فيه والتي تتطور مع تطور تطبيقات "التكنولوجيا العصبية" وتطوير الخوارزميات لترجمة نشاط الدماغ  وفق  ما نشعر به أو نراه أو نتخيله أو نفكر فيه. الى جانب تدخل التطور البيوتكنولوجي مع التطور في عمليات تحرير الجينات وإدخال التقنية في وظائف الجسم ، وتتوقف رؤية ذلك من كونه تحدي الى فرصة الى قدرة الإنسان على بناء الوعي وتطبيق إرادته الحرة في قيادة التقنية بدلا من ان تقوده هي الى المجهول .  

وعلى الرغم من مقولات شبكة انترنت واحدة مفتوحة للجميع والي يرددها المعسكر الليبرالي بقيادة الدول الغربية والتي ما هي الا وسيلة لتوظيفها في اقتصاد السوق والأفكار واختراق المجتمعات عبر السيطرة على العقول والأذواق والقيم ، وذلك من قبل شركات تقنية عملاقة بنت ثرواتها الطائلة من حالة الفوضى في التعامل مع البيانات الشخصية ، وباتت الحلقة الأضعف في المواجهة الدول النامية والتي لم تستطع ان تتعامل وتتكيف مع المتغيرات الكبري التي فرضتها الثورة العلمية والتقنية ، ومن ثم أصبحت تدور في فلك التبعية الثقافية قبل الاقتصادية ، وأصبحت هي الأكثر تأثرا بعملية صنع الفقاعات بكافة أنماطها لافتقادها البنية التحتية والثقافية والاقتصادية ،والتي تحفظ مرونة المجتمعات في مواجهة المتغيرات العابرة للحدود ، ومن ثم فان عملية الخضوع للهيمنة التقنية مع قابلية المجتمعات المحلية لذلك يأتي نتيجة ضعف التعليم والثقافة ، وتحكم طرق وحجم التفاعل البناء أو الصدمة أو المزيد من التدهور المجتمعي او العجز عن إنتاج ثقافة محلية قادرة على الصمود إمام رياح العولمة العاتية .

ومن ثم لا يجب ان تترك الشركات التقنية الكبرى  بدون تنظيم وممارسة السيادة الوطنية عليها في التعامل مع المحتوى في تطوير الخوارزميات التي تعتمد عليها . وعلى الرغم من تطبيقات المنصات الرقمية  ليست محايدة أو موضوعية أو بعيدة عن السياسة بشكل كلي إلا إن نمط استخدامها يتوقف على درجات الوعي والثقافة المتحصلة لدى المستخدم .

وأهمية التوازن بين التفاعلات الرقمية والاخري الاجتماعية المادية والتي تشكل صمام الأمان لمنع الجيل الجديد من الانغماس في التفاعل الرقمي ، وبخاصة الاهتمام بالأنشطة الرياضية والفنية والدينية والثقافية ، والتي تساعد في بناء الشخصية المتزنة ، والقادرة على التفكير النقدي الذي يميز ما بين  الغث والثمين ،والحد من المساعدة في صناعة التفاهة لصالح التفكير العلمي الجاد الذي يبني المجتمع ، ويتطلب ذلك أهمية دور المؤسسات المعنية بالتنشئة الاجتماعية والدينية والإعلامية ، لمواجهة ظواهر الفقاعات وخطرها على الفرد والمجتمع والدولة ، وأهمية بناء الوعي لدي المستخدم ،وكسر تلك الدوائر المغلقة ، والخروج من الغرف المغلقة الى المساحات المفتوحة ، والانفتاح على الأخر المختلف وبخاصة لدى الشباب والمراهقين و الذين مع القيم يشكلان محركا التغيير داخل اي مجتمع ، وذلك من اجل إثراء المعرفة والحكمة بمشاركة الجميع ولمصلحتهم كذلك في ظل عصر رقمي مليء بالتحديات والفرص ، وبحثا عن إنسان يحافظ على حريته وإرادته الحرة ، وان يقود التقنية ويتحكم فيها بدلا من ان تتحكم فيه هي وتحوله إلى أرقام ميتة مطيعة وقابلة للاستعباد الجديد في العصر الرقمي .

 


[i]HOLLY OBER, How to burst your bubble: broadening your social media horizons, the University of California ,February 3, 2021, https://bit.ly/3ZOafcS
[ii] Sruthi Medepalli and Alara Dasdan, Isolated in online social spaces: The filter bubble algorithm, Lynbrook High School’, FEBRUARY 19, 2021, https://bit.ly/3F4BoAq
[iii]  د. عمّار العاني، هل أنت سجين “غرف الصّدى”؟، مقالات، المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني ،  5 مارس 2023  ، https://bit.ly/3mw7grr
[iv] د.عادل عبد الصادق، هل نحن قادرون على تحقيق السعادة في العصر الرقمي ؟، مجلة الديمقراطية ، مؤسسه الأهرام ، العدد 73 يناير 2019 ،ص ص 113-120
[v]Umair Haque, The Social Media Bubble, Harvard Business Publishing, March 23, 2010,
[vi] وقد حدث خلاف بين رؤية كل من أرسطو و أفلاطون حول مكانة اللمس والبصر ، فرأى افلاطون أن "البصر" أفضل وأعلى من اللمس لأنه أقرب إلى العقل حيث الأفكار في  المقابل، بينما رأى أرسطو أن "اللمس" هو أكثر الحواس حساسية وذكاء وعالمية، وانه هو الوسيط بين الداخل والخارج، وبين الذات والآخر، وبين ما هو إنساني وغير إنساني،الى جانب دوره في التواصل والترجمة والتأويل

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>