«الميتافيرس» ودعم الاستثمارات الاقتصادية

28-03-2023 10:30 PM - عدد القراءات : 200
كتب أ.د. محمد العسيري
يتطور عالم التكنولوجيا بشكل سريع ومذهل للغاية وذلك وفقا مع تطور الابتكارات النوعية وما تجلبه من تقنيات جديدة ومتنوعة في غاية الأهمية مع مرور الوقت في جميع المجالات، ولعل هذه الابتكارات الحديثة مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي وتقنيات الإنترنت وتكنولوجيا البلوكتشين وغيرها،
«الميتافيرس» ودعم الاستثمارات الاقتصادية

فتحت أبوابا عدة للباحثين والمبتكرين والمطورين ليظهروا أفكارهم وإبداعاتهم من خلال تطوير هذه الابتكارات بشكل متجدد، ولعل عالم الميتافيرس هو أحد نتاج مجموعة واسعة من هذه التقنيات الابتكارية المختلفة التي تم دمجها بطرق أكثر إبداعا وإتقانا وابتكارا، لإنشاء بيئة افتراضية سلسة متكاملة عرف بها هذا المجال، ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى هذا العالم الجديد الذي ظهر وبدأ نجمه في البزوغ وبشكل لافت للنظر، لنتعرف عليه بشكل أكثر، ومدى الجدوى والفائدة من الاستثمار في مثل هذه التقنيات مع بعض الأمثلة لذلك.

ظهرت كلمة الميتافيرس الذي يفيد معناها "ما وراء العالم"، منذ نحو 30 عاما، ففي 1992، قام نيل تاون ستيفنسون أمريكي الجنسية وهو روائي معروف بأعماله في الخيالات التأملية، باستخدامها في روايته المسماة "تحطم الثلج"، التي تخيل فيها شخصيات افتراضية حية تلتقي في مبان ثلاثية الأبعاد وغيرها من بيئات الواقع الافتراضي، حيث يضع الشخصية الرئيسة في الرواية زوجا من النظارات الواقية للدخول إلى بيئة افتراضية في الحاسوب، وكانت افتراضاته حول معنى الميتافيرس دقيقة جدا وبشكل مدهش للواقع اليوم، ومع ذلك ما زال عالم الميتافيرس كمصطلح يعد مصطلحا حديثا وجديدا، حيث ما زالت التقنيات والتطبيقات الجديدة في هذا المجال قيد التطوير لبناء عديد من العوالم الافتراضية المتكاملة والشاملة.

يلعب الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وتقنيات الجيل الخامس، دورا مهما في تحقيق مفهوم تجربة الميتافيرس، حيث يمكن استخدام التعلم العميق وتقنيات الشبكات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي لتحسين هذه التجربة وتوفير بيئة افتراضية أكثر تفاعلية وذكاء، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضا لتحسين أداء الروبوتات والواجهات الافتراضية والخوارزميات اللازمة لتشغيل العالم الافتراضي، وهذا يساعد على إيجاد بيئة للتجربة متكاملة وحقيقية، ويمكن الدخول أو الوصول إلى هذا العالم الخيالي والمليء بالتقنيات من خلال استخدام أدوات خاصة مثل النظارات أو الخوذات التي تم صنعها خصيصا لذلك. يعد عالم الميتافيرس ابتكارا مهما في مجالات شتى، مثل التعليم والصحة والتجارة الإلكترونية والألعاب والترفيه وغيرها، حيث يتيح هذا العالم تجارب افتراضية جديدة ومثيرة للاهتمام، ولا شك أن هذا المجال يمثل تحديا كبيرا للمبتكرين والمطورين الذين يعملون على تطوير هذه التقنيات المختلفة والمتعلقة بهذا العالم، حيث يتطلب الأمر توفير تجارب افتراضية متكاملة، إضافة إلى توفير تقنيات أكثر تقدما لإنشاء بيئات افتراضية حقيقية تجذب الأفراد والشركات والمؤسسات للاستثمار والاستخدام في عديد من المجالات، ولذلك نرى كثيرا من الشركات حاليا تعمل على بناء وتطوير أساليب ومعدات لهذا العالم، ومن أبرز هذه الشركات على سبيل المثال، شركة فيسبوك وهي الشركة الرائدة الأولى التي اعتمدت على تقنية الميتافيرس وتم تعديل مسماها أخيرا إلى "ميتا"، وشركة مايكروسوفت التي أطلقت برنامج ميتافيرس الصناعي الذي يدعم تقنية العالم الافتراضي، وشركة Epic Games التي أطلقت مجموعة متنوعة من ألعاب الإثارة والقوة معتمدة على نظام الواقع المعزز الافتراضي، وشركة Mojo Lens التي تعمل حاليا على تطوير عدسات الواقع المعزز اللاصقة التي بنجاحها ستلغى الحاجة إلى سماعات الرأس والهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى، حيث بمجرد وضع هذه العدسات يمكن خوض عديد من التجارب الافتراضية المثيرة، وشركة Haptx الأمريكية حيث عملت على ابتكار قفازات في الواقع الافتراضي ذات مستشعرات إلكترونية يمكن من خلالها التحكم في الأيدي من على بعد آلاف الأميال وتعمل على توفير خيار للجراحين كذلك لإجراء العمليات عن بعد في عالم الميتافيرس، وغيرها عديد من الشركات التي تبنت استراتيجيات وطرقا مختلفة لدخول هذا العالم. ويعد عالم الميتافيرس ابتكارا جديدا في مجال التقنية والتكنولوجيا، ولذا تشير بعض الدراسات والتقارير الاقتصادية مثل تلك الصادرة من وكالة "بلومبيرج إنتليجنس"، إلى أن حجم الأسواق العالمية لتقنيات الميتافيرس في نمو مستمر، ففي 2021 قدرت بـ38.85 مليار دولار، وفي 2022 ارتفعت إلى 47.48 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 678.8 مليار دولار بحلول 2030. وفي المملكة نرى أنها تقوم بتنويع اقتصادها بشكل طردي بما يتماشى مع أهدافها المحددة في رؤية 2030، فهناك على سبيل المثال، استثمارات في مجالات عدة منها التقنيات المستقبلية بأكثر من تسعة مليارات دولار من شركات كبرى مثل مايكروسوفت وشركة أوراكل وشركة هواوي الصينية وأمازون وجوجل وغيرها، وأرى أن هذا العالم كتقنية جديدة لم تصل إلى شكلها النهائي بعد بل على العكس هي في تطور دائم ومستمر وتعد بيئة ما زالت خصبة للبحث والتطوير والابتكار، وقد يكون توجه الهيئات والمراكز البحثية والجامعات والشركات الناشئة في قطاع البحث والتطوير والابتكار لمثل هذه المجالات، سيوجد استثمارات اقتصادية واعدة ما يعزز مكانة المملكة بصفتها حاليا أكبر سوق رقمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>