الشركات المتعددة الجنسيات والتهرب من الضرائب

18-03-2023 05:25 AM - عدد القراءات : 124
كتب جوزيف ستيجليتز الاقتصادية
يبدو أن المجتمع الدولي يتحرك باتجاه ما يعده كثيرون اتفاقية تاريخية لوضع حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات. إنه الوقت المناسب أخيرا - لكن هذا قد لا يكون كافيا.
	 الشركات المتعددة الجنسيات والتهرب من الضرائب

بموجب القواعد القائمة، تستطيع الشركات أن تتهرب من سداد نصيبها العادل من الضرائب عن طريق تسجيل دخلها في مناطق اختصاص منخفضة الضرائب. في بعض الحالات، إذا كان القانون لا يسمح لها بالتظاهر بأن القدر الكافي من دخلها ينشأ في ملاذ ضريبي ما، فإنها تلجأ إلى نقل بعض أجزاء من أعمالها إلى مثل مناطق الاختصاص هذه.
أصبحت شركة أبل أفضل ممثل للتهرب الضريبي عن طريق تسجيل أرباح محققة من عملياتها الأوروبية في أيرلندا، ثم استخدام ثغرة أخرى لتجنب معظم معدل الضريبة السيئ السمعة في أيرلندا، الذي يبلغ 12.5 في المائة. لكن شركة أبل لم تكن وحدها في توجيه البراعة التي مكنتها من ابتكار منتجاتها التي نحبها نحو تجنب سداد الضرائب على الأرباح المكتسبة من بيعها لنا. تزعم هذه الشركات بحق أنها كانت تدفع كل دولار مستحق، لكنها كانت - ببساطة - تستغل بشكل كامل كل ما يقدمه النظام لها.
من هذا المنظور، يعد التوصل إلى اتفاق على إنشاء حد أدنى للضريبة العالمية 15 في المائة، خطوة كبيرة إلى الأمام. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. الواقع أن متوسط المعدل الرسمي الحالي أعلى بدرجة كبيرة. وعلى هذا، فمن الممكن، بل من المحتمل، أن يصبح الحد الأدنى العالمي هو المعدل الأقصى. وقد تحقق المبادرة التي بدأت كمحاولة لإجبار الشركات المتعددة الجنسيات على الإسهام بنصيبها العادل من الضرائب في إيرادات إضافية محدودة للغاية، أقل كثيرا من مبلغ الـ 240 مليار دولار سنويا، التي لا تدفع بالكامل. وتشير بعض التقديرات إلى أن البلدان النامية والأسواق الناشئة قد ترى أيضا جزءا صغيرا من هذه الإيرادات.
لا يتوقف منع هذه النتيجة على تجنب التقارب العالمي نزولا فحسب، بل يعتمد أيضا على ضمان تعريف واسع وشامل لأرباح الشركات، مثل التعريف الذي يحد من خصم التكاليف المرتبطة بالنفقات الرأسمالية، إضافة إلى الفائدة والخسائر قبل الدخول. وربما يكون من الأفضل الاتفاق على معيار محاسبي قياسي حتى لا تحل أساليب التهرب الضريبي الجديدة محل الأساليب القديمة. من المسائل الـمعضلة، خصوصا في المقترحات التي تقدمت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يسمى الركيزة الأولى، التي كان المقصود منها معالجة حقوق فرض الضرائب، التي لا تنطبق إلا على الشركات العالمية الأكبر حجما.
ومن الواضح أن النظام القديم لتسعير التحويل لم يكن على مستوى التحديات التي تفرضها عولمة القرن الـ 21، فقد تعلمت الشركات المتعددة الجنسيات كيف تتلاعب بالنظام لتسجيل أرباحها في مناطق اختصاص منخفضة الضرائب. لهذا السبب، تبنت الولايات المتحدة نهجا يقضي بتوزيع الأرباح بين الولايات بموجب صيغة تضع في الحسبان المبيعات، والتوظيف، ورأس المال.
قد تتأثر البلدان النامية والمتقدمة بشكل مختلف اعتمادا على الصيغة المستخدمة: التركيز على المبيعات من شأنه أن يلحق الأذى بالبلدان النامية المنتجة للسلع المصنعة، لكنه قد يساعد على معالجة بعض أوجه عدم المساواة المرتبطة بالعمالقة الرقميين. وفيما يتصل بشركات التكنولوجيا الضخمة، يجب أن تعكس قيمة المبيعات، قيمة البيانات التي تكتنزها هذه الشركات، التي تشكل أهمية بالغة لنموذج أعمالها. وقد لا تعمل ذات الصيغة في كل الصناعات. مع ذلك، ينبغي لنا أن نعترف بالتقدم المحرز في إطار المقترحات الحالية، بما في ذلك الابتعاد عن اختبار "الحضور المادي" لفرض الضرائب - وهو أمر لا معنى له في العصر الرقمي

يعد بعض المراقبين "الركيزة الأولى" دعما للحد الأدنى من الضرائب، وبالتالي فإنهم لا يهتمون بغياب المبادئ الاقتصادية التي توجه بناءها. إن جزءا صغيرا فقط من الأرباح التي تتجاوز عتبة بعينها يمكن تخصيصه - وهذا يعني ضمنا أن الحصة الإجمالية في الأرباح التي سيجري تخصيصها صغيرة حقا. ولكن مع السماح للشركات بخصم كل مدخلات الإنتاج، بما في ذلك رأس المال، تعـد ضريبة دخل الشركات في حقيقة الأمر ضريبة على الريع أو الأرباح الصافية، ويجب أن تكون كل هذه الأرباح الصافية قابلة للتخصيص. وبالتالي، فإن مطالبة بعض البلدان النامية بإخضاع حصة أكبر من أرباح الشركات لإعادة التخصيص تصبح أكثر من معقولة.
لا يخلو الأمر من جوانب أخرى مزعجة في هذه المقترحات، فبقدر ما يمكن اكتشافه "كانت الشفافية أقل، وكانت المناقشة العامة للتفاصيل أقل مما كنا نتوقع". يتعلق أحد هذه الجوانب بتسوية المنازعات، التي من الواضح أنها من غير الممكن أن تدار باستخدام أشكال التحكيم السائدة الآن في اتفاقيات الاستثمار، ولا ينبغي أن تترك لبلد الشركة "الأصلي"، "خاصة مع الشركات الطليقة غير المقيدة التي تبحث عن مواطن مواتية". تتلخص الإجابة الصحيحة في إنشاء محكمة ضريبية عالمية تتمتع بالشفافية، والمعايير، والإجراءات المتوقعة من عملية قضائية في القرن الـ21.
تتعلق سمة إشكالية أخرى للإصلاحات المقترحة بحظر "الإجراءات الأحادية"، والمقصود منها ظاهريا الحد من انتشار الضرائب الرقمية. لكن العتبة المقترحة بمقدار 20 مليار دولار تترك عديدا من الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى خارج نطاق الركيزة الأولى، ومن يدري ما الثغرات التي قد يجدها محامو الضرائب الأذكياء؟ نظرا إلى المخاطر التي تهدد القاعدة الضريبية لأي بلد - ومع صعوبة إبرام اتفاقيات دولية واكتساب الشركات المتعددة الجنسيات قدرا عظيما من القوة - فربما يضطر صناع السياسات للجوء إلى تدابير أحادية الجانب.
من غير المنطقي أن تتنازل البلدان عن أي من حقوقها الضريبية لمصلحة الركيزة الأولى المحدودة التعسفية. ولا تتناسب الالتزامات المطلوبة مع الفوائد المقدمة.
الواقع أن قادة مجموعة العشرين يحسنون صنعا بالموافقة على حد أدنى للضريبة العالمية بما لا يقل عن 15 في المائة. وبصرف النظر عن المعدل النهائي الذي يشكل الحد الأدنى لـ 139 دولة تتفاوض حاليا على هذا الإصلاح، سيكون من الأفضل أن تفرض بعض الدول على الأقل معدلا أعلى، سواء من جانب واحد أو كمجموعة. تخطط الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لمعدل 21 في المائة.
من الأهمية بمكان معالجة مجموعة من القضايا التفصيلية المطلوبة للتوصل إلى اتفاق ضريبي عالمي، ومن المهم خصوصا التعامل مع البلدان النامية والأسواق الناشئة، التي لم تكن أصواتها دوما مسموعة بوضوح كما ينبغي لها.
في المقام الأول من الأهمية، سيكون من الضروري إعادة النظر إلى القضية في غضون خمسة أعوام، وليس سبعة أعوم، كما هو مقترح حاليا. وإذا لم تزدد الإيرادات الضريبية، بما يتفق مع الوعود، وإذا فشلت الأسواق النامية والناشئة في اكتناز حصة أكبر في هذه الإيرادات، فسيكون من الواجب زيادة الحد الأدنى للضريبة وإعادة ضبط صيغ تخصيص "الحقوق الضريبية".



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>