هل تتأثر الشركات الناشئة بالأزمة البنكية؟

18-03-2023 05:25 AM - عدد القراءات : 180
كتب د. فهد بن عبد الله الحويماني الاقتصادية
ربما أحد أكبر المتضررين من تفاعلات الأزمة البنكية العالمية الأخيرة، وما سبق ذلك من تطورات على صعيد تضخم الأسعار ومعدلات الفائدة، هي الشركات الناشئة حول العالم. أزمة بنك وادي السيليكون، وهو البنك المفضل للشركات الناشئة في أمريكا، أوجعت الشركات الناشئة في أمريكا خصوصا، إلا أن هذه التطورات في مجملها ذات تأثيرات كبيرة في الشركات الناشئة في كل مكان. لماذا؟ وهل الشركات الناشئة في المملكة بمعزل عن هذه التقلبات؟
	 هل تتأثر الشركات الناشئة بالأزمة البنكية؟

الأوضاع الاقتصادية في المملكة لا شك تختلف عن أمريكا وأوروبا في عدة جوانب، وقد رأينا كيف حققت المملكة أعلى نمو اقتصادي بمقياس الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2022 من بين جميع دول مجموعة العشرين، بنمو وصل إلى 8.7 في المائة. كذلك تحقق أعلى حجم في استثمارات رأس المال الجريء للشركات الناشئة في المملكة بمقدار مليار دولار، وهو الأعلى تاريخيا وأقل قليلا من أعلى دول المنطقة في هذا المجال، وهي الإمارات بنحو 1.2 مليار دولار.

وبحسب الشركة الحكومية المعنية برأس المال الجريء فقد تضاعف إجمالي الاستثمارات في الشركات الناشئة 17 مرة منذ تأسيس الشركة عام 2018، ليصل الإجمالي لنحو 15 مليار ريال من قبل الشركة ذاتها أو الجهات التي تتعامل معها.

رغم ذلك هناك عدة تطورات لافتة تمت في العامين الماضيين لا شك أنها أثرت وربما ستؤثر بشكل أكبر مستقبلا في الشركات الصغيرة الباحثة عن التمويل. أحد أهم تلك التطورات هو الارتفاع السريع والمباغت لمعدلات الفائدة التي قام بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وما نتج عنه من إجراءات مماثلة على الصعيد المحلي.

ارتفاع معدلات الفائدة يضر بالكل وله تأثيرات اقتصادية كبيرة، لكن على مستوى الشركات الصغيرة الناشئة قد يكون الضرر أكبر مما هو في أماكن أخرى، وهو أمر اتضح في الآونة الأخيرة نتيجة تعثر بنك وادي السيليكون. لا يوجد في المملكة بنك تجاري يعمل بالطريقة التي يعمل بها بنك وادي السيليكون من حيث علاقته الحميمة بالشركات الناشئة، لكن في نهاية المطاف هو بنك يقدم خدمات مالية للشركات الناشئة التي وجدت نفسها الآن أمام تحديات كبيرة لم تكن في الحسبان فيما قبل.

أحد أهم عوامل نجاح بنك وادي السيليكون طيلة الأعوام الماضية، وسبب اعتماد الشركات الناشئة عليه، يعود لمنتج تمويلي موجه للشركات الناشئة التي في الأغلب تجد صعوبة في الحصول على ما تحتاج إليه من تمويل من خلال البنوك التقليدية، بسبب شروط القروض وضوابطها الائتمانية. المنتج عبارة عن تمويل يمنح فقط للشركات الناشئة التي تحصلت على استثمارات من شركات رأس المال الجريء، وهي كثيرة في منطقة وادي السيليكون، وهي شركات بحاجة إلى تمويل إضافي أو تمويل مؤقت يأخذها إلى الجولة التمويلية المقبلة أو لأي سبب آخر. البنك كان يمولهم بمبالغ تصل إلى 30 في المائة من حجم التمويل الذي تحصلوا عليه في آخر جولة.

غني عن القول إن هذه العلاقة بين بنك وادي السيليكون والشركات الناشئة هي التي تسببت في تمركز الودائع في بنك واحد، إلى جانب سوء إدارة البنك في استثمار هذه الودائع بالتزامن مع التراجعات الحادة في أسعار السندات التي كان يستثمر بها البنك، وأخيرا إلى وقوع إشكالية محاولة سحب كميات كبيرة من الودائع في وقت واحد.

الشركات الناشئة في المملكة ستتأثر، ليس بالضرورة بسبب مشكلات شبيهة بمشكلة بنك وادي السيليكون، لكن التأثير الكبير سببه ارتفاع تكاليف التمويل. هناك آليات للشركات الناشئة للحصول على التمويل، سواء من خلال شركات رأس المال الجريء أو المستثمرين المستقلين أو من خلال التمويل الجماعي، أو من خلال الاقتراض المباشر من أي من هذه الأطراف أو من البنوك التجارية.

تحديات ارتفاع معدلات الفائدة تؤثر في الشركات الناشئة بغض النظر إن حصلت على التمويل عن طريق التخلي عن جزء من الملكية، أو من خلال الاقتراض العادي أو الاقتراض مع التحويل إلى ملكية. هذا الأسلوب الأخير تمت صياغته بطريقة موحدة من قبل مؤسسة عقال، وهي مؤسسة معنية بالتنسيق بين رواد الأعمال والمستثمرين المستقلين، حيث أوجدت مذكرة خاصة بذلك، تتناسب مع البيئة المحلية وتعمل على غرار مذكرات التمويل المعروفة في منطقة وادي السيليكون.

ارتفاع معدلات الفائدة يرفع تكلفة رأس المال الجريء وبالتالي سترتفع حصص الملكية المطلوب من رواد الأعمال التخلي عنها، بل حتى عمليات التمويل الجماعي سترتفع تكلفتها، وذلك بسبب ارتفاع العائد المطلوب من قبل الأفراد المشاركين في التمويل الجماعي. لذا لا شك أننا سنرى تراجعا ملحوظا في نشاطات الشركات الناشئة، بل إننا فعليا لاحظنا ذلك في 2022.

الحقيقة أن نشاط الشركات الناشئة تزايد عقب الأزمة المالية العالمية في 2008، بسبب تقلص فرص التوظيف في ذاك الوقت وسهولة التمويل وتدني تكلفته، فنتجت عن ذلك ابتكارات عديدة وانتعاش في مجال ريادة الأعمال. أما الآن فنحن أمام ظروف مختلفة تماما، لا تبدو في ظاهرها معينة ولا مشجعة لنشاطات رواد الأعمال، إلا إن تم توظيف إمكانات اقتصاد المملكة وتميزه في دعم هذه الجهود والتغلب على هذه التحديات.

غير صحيح ذاك الاعتقاد الشائع بأن تراجع الشركات الناشئة يصب في مصلحة الشركات الكبيرة الناضجة، المبني على فرضية أن ذلك يؤدي إلى تقلص المنافسة التي تواجهها الشركات الكبيرة، سواء في منتجاتها أو في فرصها التمويلية. سبب عدم صحة ذلك هو أن الازدهار التاريخي للشركات الكبيرة في الأعوام الماضية، منذ أزمة 2008، تزامن مع النشاط المفرط لريادة الأعمال والشركات الناشئة، ولا ننسى أن كثيرا من المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركات الكبيرة اليوم ولدت من رحم الشركات الناشئة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>