تخضير سلاسل القيمة العالمية

25-09-2022 06:35 AM - عدد القراءات : 74
كتب إريك بيرجلوف الاقتصادية
الموانئ المغلقة، وتأخيرات الشحن الطويلة الأمد، وارتفاع تكاليف النقل إلى عنان السماء، كل هذه أدلة على استمرار الدمار الذي ألحقته جائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19 بسلاسل القيمة العالمية. الآن، تعيد الشركات النظر في الأماكن التي ستتخذها موقعا لإنتاجها "أو تنقل إنتاجها إليها"، وما إذا كانت عملياتها تحتاج إلى الزيادة وبأي قدر، وأي المخزونات يجب عليها أن تحتفظ بها كمانع للصدمات في المستقبل.


تنتشر التأثيرات كالأمواج عبر الاقتصاد العالمي، فتوجد أسبابا إضافية لعدم اليقين وتعمل على إبطاء التعافي. علاوة على ذلك، مع وجود صناع السياسات حاليا في جلاسجو لحضور مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP26، تتزايد الضغوط في المطالبة بإزالة الكربون من الإنتاج والنقل على طول سلاسل القيمة العالمية.
يشكل مدى سرعة تحقق هذه الغاية أهمية كبرى. إذ تمثل سلاسل القيمة العالمية نصف الصادرات العالمية، وسجلت حصة الاقتصادات الناشئة والنامية في شبكات الإنتاج زيادة كبيرة منذ الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008. على سبيل المثال، لم يعد الاقتصاد منخفض أو متوسط الدخل في احتياج إلى إنتاج سيارة كاملة لدخول سلسلة توريد السيارات العالمية، بل يكفي أن يتخصص في مكون واحد صغير.
على هذه الخلفية يفحص تقرير حديث صادر عن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية تأثير الجائحة في سلاسل القيمة العالمية، ويوضح كيف يمكن أن تصبح الآن أدوات لتحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ الذي أبرم في 2015، الذي يتمثل في الحد من تأثير الانحباس الحراري الكوكبي، بحيث لا يتجاوز الارتفاع في درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.
تشير الأدلة من الأزمات السابقة التي عطلت بشكل كبير سلاسل توريد رئيسة "مثل زلزال جيجي في 1999، وكارثة فوكوشيما النووية في 2011"، إلى أن ضغوط الكفاءة القوية والاعتماد الشديد على الثقة الشخصية بعلاقات الموردين، من الأسباب التي ترجح العودة إلى الوضع السابق. وإذا استمر هذا النمط، فستثبت الارتباكات والاضطرابات الحالية التي أحدثتها الجائحة كونها مؤقتة، وستحل من تلقاء ذاتها مع عودة العالم إلى طبيعته.
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة، لأن جائحة كوفيد - 19 تضرب النظام الاقتصادي العالمي على نطاق أوسع كثيرا، ولفترة أطول كثيرا من معظم الصدمات السابقة. لا ينبع تأثير الجائحة الحالي من الإغلاق الأولي في الصين في أوائل 2020 ـ الذي تعافى منه الاقتصاد الصيني وسلاسل القيمة العالمية بسرعة ملحوظة ـ بقدر ما يرجع إلى الزيادة السريعة في الطلب الناجم عن التحفيز الحكومي الضخم وإطلاق العنان للمدخرات المتراكمة. كما أدى فتح الاقتصادات على نحو غير متزامن، إلى تضخيم ارتباكات العرض.
قد يستغرق الأمر أعواما لتحديد تأثير أزمة كوفيد - 19 في سلاسل القيمة العالمية. وقد تتسبب الجائحة في تحفيز إعادة النظر بشكل جوهري في كيفية تنظيم هذه السلاسل وأين يمكن إعادة توطين الإنتاج. أصبح مصطلح "الصمود"، أو القدرة على التعافي من الصدمات بسرعة، لفظة جديدة شائعة في هذه المناقشة. في الوقت ذاته، تعمل المخاوف الجيوسياسية على إيجاد الضغوط التي تحمل الاقتصادات على تقليل اعتمادها في العرض على الدول فرادى، بينما يجري الفصل بالفعل في صناعات التكنولوجيا الفائقة المهمة.

تعد الزيادات الأخيرة في أسعار الطاقة تذكرة لنا بأن سلاسل القيمة العالمية تواجه تحديا أعظم مع سعي العالم إلى التعجيل بالوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر. مع توزع الإنتاج جغرافيا وشحن المنتجات الوسيطة ذهابا وإيابا عبر الحدود ولمسافات طويلة، تتصاعد الضغوط لإزالة التأثيرات من سلاسل القيمة العالمية. في الوقت ذاته، يتعين على الاقتصادات الناشئة والنامية أن تفي بمساهماتها المحددة على المستوى الوطني بموجب اتفاقية باريس.
لكن الاندفاع في اتجاه الإزالة من سلاسل القيمة العالمية يمثل أيضا فرصة عظيمة للتعجيل بالانتقال إلى صافي الصـفر. ولأن شبكات الإنتاج هذه تعتمد على قدرة شركاتها الرائدة على زيادة الكفاءة عبر سلسلة التوريد، فمن الممكن أن تضطلع هذه الشركات بدور مهم في دفع أجندة صافي الصـفر عبر الحدود والقطاعات. وتعهد عديد من هذه الشركات بالفعل بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، كما تفرض البنوك المركزية الضغوط على دائني هذه الشركات لحملهم على تقليل مخاطر المناخ في محافظ قروضهم.
على نحو مماثل، سينشأ حافز إضافي لدى الدول الراغبة في اجتذاب الاستثمارات في سلاسل القيمة العالمية والحفاظ عليها لتقديم البنية الأساسية الخضراء، بما في ذلك القدرة على الوصول إلى الطاقة المتجددة، وأنظمة النقل متعددة الأنماط الخالية من الانبعاثات، والنطاق العريض عالي السرعة. بالتالي، قد يصبح التحول الأخضر ميزة تنافسية للاقتصادات الناشئة والنامية التي تسعى إلى الانضمام إلى أنظمة الإنتاج العالمية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس. بدوره، من الممكن أن يؤدي الاهتمام المتزايد من جانب الحكومات إلى تشجيع الشركات الرائدة على الانخراط في استثمارات إزالة الكربون المشتركة.
لتحقيق الإمكانات الكاملة لهذه الحلقة الحميدة من ضغوط إزالة الكربون المفروضة على الشركات الرائدة في سلاسل القيمة العالمية والدول المضيفة، تجب زيادة الشفافية وإمكانية التتبع على مستويات الإنتاج وجوانب سلسلة القيمة كافة. في غياب القياس الدقيق لبصمات الكربون والتنفيذ المتسق للمعايير الدولية، تعجز قوى السوق والهيئات التنظيمية عن الاضطلاع بأدوارها الحيوية.
الواقع أن بنوك التنمية متعددة الأطراف قادرة على تسهيل الاستثمارات المستدامة على طول سلاسل القيمة، فتعمل على دمج أفضل التكنولوجيات والمعايير في حين تساعد على ضمان الشفافية وإمكانية التتبع فيما يتعلق بالانبعاثات من الغازات. يمكنها أيضا أن تساعد المستثمرين من القطاع الخاص على إدارة مخاطر السياسات، التي تعمل في الأغلب الأعم على تثبيط الاستثمار في البنية الأساسية. في غياب رأس المال الخاص والمؤسسي، لن تتمكن الاقتصادات الناشئة والنامية من إغلاق فجوة البنية الأساسية مع الدول المتقدمة.
لقد سلطت الجائحة الضوء على أهمية سلاسل القيمة العالمية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، خاصة في مساعدة الاقتصادات الناشئة والنامية على تسلق سلم القيمة المضافة وسد فجوة الرخاء. لكن الأزمة سلطت الضوء أيضا على الدور المحتمل الذي تستطيع سلاسل القيمة العالمية أن تضطلع به في التعجيل بالانتقال إلى صافي الصفر في مختلف الدول والقطاعات. وكما يدرك قادة العالم تمام الإدراك، سنكون في احتياج إلى كل أداة متاحة لضمان مستقبل مستدام.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>