العقوبات السيبرانية بين التسييس والمشروعية في ضوء قواعد القانون الدولي

06-09-2022 04:25 PM - عدد القراءات : 900
كتب ACCR سارة فارس
صدر عن مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كراسة بعنوان العقوبات السيبرانية بين التسييس والمشروعية للدكتور عادل عبد الصادق مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني عدد 339 ،اغسطس 2022 وتطرح الدراسة قضية جديدة تتعلق بتصاعد وتبلور نمط جديد من العقوبات الدولية ،ظهر وبوضوح إبان الحرب الروسية- الأوكرانية ،الا وهو نمط العقوبات السيبرانية ، والذي أصبح أكثر شمولا وعمقا وتأثيرا مقارنة بنمط العقوبات التقليدية، وتناول مدخل الدراسة تاثير المتغير التكنولوجي
 العقوبات السيبرانية بين التسييس والمشروعية في ضوء قواعد القانون الدولي

والمجال السيبراني في تغير طبيعة العقوبات الدولية سواء على مستوى البيئة والسياق الدولي او على مستوى الأدوات او على مستوى التأثير والتأثر والفاعلية داخل النظام الدولي ،وتشير الدراسة إلى ان ما يزيد من وتيرة ووطأة تلك العقوبات الجديدة هي ارتباطها بالمجال السيبراني والذي بات يلعب دور استراتيجي وحيوي  في عمل البنية التحتية الكونية للمعلومات ،وكوسيط لممارسة الأنشطة الإنسانية المختلفة على مستوى الفرد والدولة والمجتمع، وحالة التداخل الوظيفي بين المجال السيبراني مع كافة المجالات الدولية كالبر والبحر والجو والفضاء الخارجى.

 وهو ما جعل منه مجالا استراتيجيا يحمل مصالح متصاعدة وفي ذات الوقت يواجه بمخاطر متصاعدة تتضمن القدرة على إلحاق الضرر بالغير عبر فرض عقوبات سيبرانية تهدف الى الحرمان القسري من الخدمات او التقنية او التواصل او التجارة  وغيرها للحد من الدور او القوة او النفوذ سواء من جانب الدول القومية او الفاعلين من غير الدول .

 ثم تتناول الدراسة  اطارا نظريا أخر يرتبط بتعريف العقوبات السيبرانية وخصائصها وأهدافها،وطبيعة الفاعلين في توظيفها ،والمستهدفين من فرضها سواء كانت دول ذات سيادة او شركات عابرة للحدود او أفراد ،وتميز الدراسة بين العقوبات السيبرانية ومفهوم السيادة الرقمية ، والعقوبات الاقتصادية ، ثم تتناول أنماط العقوبات السيبرانية و مراحل ومستويات الإسناد لفرض العقوبات السيبرانية.

وتعرج الدراسة لحالة توظيف العقوبات السيبرانية في السياسة الخارجية الأمريكية وتطورها التاريخي ، ومرتكزاتها وانماط تطبيقها ومدى فاعليتها، و طبيعة الضغوط المتصاعدة بالولايات المتحدة لمراجعة برامج العقوبات السيبرانية، ثم تتناول حالة اخرى مرتبطة هي نظام العقوبات السيبرانية في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوربي ، وطبيعته ومدى اختلافه او تشابه مع نظيره الامريكي ، ومحددات وإشكاليات بناء نظام أوربي للعقوبات السيبرانية.

وبعد استعرض احد اهم نموذجين لتطبيق العقوبات السيبرانية بحثت الدراسة في مدى مشروعية العقوبات السيبرانية وإشكاليات تطبيقها في ضوء مبادئ وقواعد القانون الدولي ،وفي ضوء اتفاقيات حرية التجارة العالمية والاستثمار. وطبيعة الإشكاليات القانونية في تطبيق العقوبات السيبرانية ،ثم تنتقل الدراسة الى معالجة قضية تطبيق العقوبات السيبرانية على قضية راهنة وهي الحرب الروسية-الاوكرانية ، وعلاقتها بحالة الصراع السيبراني بين روسيا والغرب من جهة وروسيا والولايات المتحدة من جهة اخرى ، ورصدت الدراسة ملامح العقوبات السيبرانية المفروضة والاستجابة الروسية لها ، ومدى فعاليتها ، و تاثير العقوبات السيبرانية الامريكية في زيادة التقارب الصينيالروسي .

وترصد الدراسة ملامح تهديد العقوبات السيبرانية لمرتكزات المجال السيبراني كمجال مفتوح وحر امام الجميع وعلاقة ذلك بتهديد نموذج حوكمة الانترنت العالمي ، والتي برزت بشكل اكبر بعد وقائع الطلب الاوكراني بفصل روسيا عن شبكة الانترنت.

 و ظهرت مقاومة فاعلة من جانب تيار حوكمة الانترنت للعقوبات السيبرانية في مقابل تيار ممارسة السيادة السيبرانية وإضفاء الأبعاد الجيو سياسية على المجال السيبراني ، وتشير الدراسة الى محاولة امريكية لإنقاذ وحدة وعالمية شبكة الانترنت بالإعلان عن وثيقة مستقبل الانترنت والتحديات امام تفعيلها،وتؤكد الدراسة على اهمية جهود الأمم المتحدة لتبني اتفاقية دولية للجرائم السيبرانية للتواصل للتوافق الدولي العام حول مواجهة النشاط السيبراني العدائي وتوفير مظلة اممية للعقوبات السيبرانية.

وتتوقع الدراسة ان يكون لممارسة العقوبات السيبرانية تأثير في مستقبل النظام المالي العالمي في ظل ظهور العملات الرقمية والعملات المشفرة في التفاعلات الدولية ، ودورها في توفير قنوات للتهرب من العقوبات ،وتصاعد الاتجاه نحو بناء نظم مدفوعات وطنية رقمية ،وبناء نظام مالي دولي جديد خارج نطاق الرقابة الدولية الخاضعة للهيمنة الأمريكية.  

وترصد الدراسة طبيعة التحديات والفرص لبناء نظام دولي للعقوبات السيبرانية وان الممارسة الدولية لها  غلب عليها الطابع السياسي من جهة والطابع الاحادى من جانب الدول خارج مظلة الأمم المتحدة من جهة أخرى ، وهو ما يحد من مشروعيتها ليس فقط لطبيعة موقف القانون الدولي واتفاقية التجارة العالمية بل كذلك بقدرتها على إحداث حالة من الاضطراب العالمي لا تنال فقط من النظم السياسية الحاكمة بل تنال كذلك  من حياة ورفاهية الشعوب ،وتمثل تحديا للمقولات الغربية حول سياسة  انترنت شامل وحر ومفتوح للجميع ، وتكشف الدراسة أن هناك ثمة حالة من التلاعب بالعولمة من جانب الدول الغربية والذي وظف الشبكة لدعم القيم الليبرالية واقتصاد السوق ولكن عندما شكل الانترنت منصة لبروز قوى جديدة بدأ يتم ممارسة الحمائية الدولية والتي هي باب خلفي للعقوبات السيبرانية وتهديد لحرية التجارة العالمية والتغول في ممارسة مخاوف الأمن القومي لتمرير أجندة سياسية تتعلق بمحاولة الحفاظ على الأحادية القطبية في النظام الدولي .

 . وهو الأمر الذي يتطلب أهمية تفعيل دور المنظمات الدولية ذات الصلة وبخاصة الأمم المتحدة في حشد المجتمع الدولي للحفاظ على مكتسبات الحضارة الإنسانية والحفاظ على البعد العالمي لحوكمة للانترنت ،وحيادية الشبكة والحد من توظيف المجال السيبراني في النزاعات والحروب المستقبلية سواء عبر فرض عقوبات سيبرانية او شن هجمات سيبرانية او أي أنشطة معادية من شأنها التأثير على الاستخدام السلمي للفضاء السيبراني ،وأهمية اعتباره مرفق دولي وتراث مشتركا للإنسانية .    



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>