العالم بحاجة إلى حبل نجاة رقمي

11-08-2022 01:10 PM - عدد القراءات : 187
كتب ريكاردو بوليتي الاقتصادية
عند وقوع الأزمات، توفر التكنولوجيات الرقمية شريان حياة للمحافظة على أداء الأفراد والمجتمعات والشركات. بدءا من جائحة فيروس كورونا إلى النزاعات العنيفة والكوارث الطبيعية، سمحت لنا التكنولوجيات بمواصلة العمل والتعلم والتواصل.
	 العالم بحاجة إلى حبل نجاة رقمي


ولعبت وسائل استجابة صناع السياسات لحالات الطوارئ هذه دورا حاسما. خصوصا، كما تظهر الورقة الجديدة الصادرة عن لجنة التنمية التابعة لمجموعة البنك الدولي، فقد أدى التنظيم الأكثر مرونة إلى تسريع التحول الرقمي وإطلاق العنان للابتكار. في السياق العالمي الحالي لعديد من الأزمات المتداخلة، يجب أن يصبح هذا التنظيم هو القاعدة. تشكل الهياكل الأساسية الآمنة والقادرة على الصمود للإنترنت ضرورة أساسية.
أثناء الجائحة، مع اعتماد حياتنا على الإنترنت بشكل كبير، ارتفع معدل استخدام الإنترنت في جميع أنحاء العالم. ففي 2020، استخدم 800 مليون شخص الإنترنت لأول مرة، واستخدمت 58 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل المدفوعات الرقمية لتقديم الإغاثة من فيروس كورونا.
لإدارة هذه الطفرة، تحركت الحكومات والهيئات التنظيمية في أكثر من 80 دولة بسرعة لتغيير القواعد، بما في ذلك تلك التي تحكم تخصيص الموجات الإذاعية أو ما يسمى الطيف الإذاعي ـ الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات اللاسلكية. في غانا، خصصت الجهات التنظيمية طيفا إذاعيا مؤقتا للشبكات المطلوبة بشدة، وتم منح جميع مزودي خدمات الهاتف المحمول الإذن بتوسيع التغطية. نتج عن ذلك خدمة ذات جودة أفضل لأكثر من 30 مليون مشترك في خدمة الهاتف المحمول، ما سمح لهم بممارسة عملهم والتعلم عبر الإنترنت والوصول إلى الخدمات الأساسية.
كما ساعدت الأنظمة القادرة على الصمود التكنولوجيات الرقمية على توفير الدعم الحاسم للأشخاص الذين يعيشون في أوضاع هشة وفي حالات الصراع. ففي أوكرانيا، أدى وجود اتصال قوي بالإنترنت من خلال روابط الأقمار الاصطناعية، حتى أثناء تعرض البنية التحتية الأرضية للهجوم، إلى تمكين الحكومة من التواصل مع مواطنيها في الوقت المناسب.
وفي بداية الحرب، كان من المتوقع أن يتسبب القصف والهجمات الإلكترونية في تعطيل شبكات الإنترنت، لكن الابتكارات مثل وصلات الأقمار الاصطناعية أبقت البلاد متصلة عبر الإنترنت. هنا أيضا، اتخذت الحكومة الأوكرانية إجراءات سريعة وحاسمة لتسريع الأذونات وتكييف القواعد.
ومع ذلك، لا يصبح شريان الحياة الرقمي فاعلا إلا إذا كان محميا من الهجمات الإلكترونية، وهو أمر تعرفه أوكرانيا جيدا. لأعوام عديدة، كانت البلاد ساحة اختبار للهجمات على البنية التحتية الإلكترونية. وقد نفذ القراصنة موجات من الهجمات التي ضربت مراكز التوزيع ومراكز الاتصال وشبكة الكهرباء في أوكرانيا

إن أوكرانيا ليست استثناء. يمكن لجميع الدول أن تصبح عرضة لهذه الغارات. وقعت الولايات المتحدة ضحية للهجمات الإلكترونية العام الماضي التي عطلت أكبر خط أنابيب للوقود لديها، ما ترك عديدا من الأمريكيين في طوابير طويلة لملء خزانات الغاز الخاصة بهم. وفي إفريقيا، تعرض مستخدمو الإنترنت الكينيون لأكثر من 14 مليون حادث متعلق بهجمات البرمجيات الخبيثة في 2020.
إن الطبيعة، شأنها في ذلك شأن الهجمات الإلكترونية، يمكن أن تلحق أضرارا بالبنية التحتية للاتصالات، الأمر الذي يتطلب رد فعل قادرا على الصمود. لقد أدى الانفجار البركاني الذي وقع في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، إلى جعل مملكة تونغا تعيش ظلاما رقميا. تسبب الانفجار في قطع كابل الاتصالات الوحيد تحت البحر في تونغا وعرض البلاد إلى 38 يوما من العزلة عن الإنترنت ومعظم العالم الخارجي. أثارت هذه الأزمة مناقشات حول كيفية تعزيز الشبكة وأنظمة الاستجابة للطوارئ حتى لا يصبح سكان تونغا عرضة لخطر الظلام الرقمي مرة أخرى.
للتخفيف من حدة هذه المشكلات، يجب أن يشكل إطلاق العنان للرقمنة أولوية قصوى حتى في فترات الهدوء النسبي. تتطلب التقنيات التحويلية التي يحتمل أن تكون سريعة التطور من صناع السياسات تعزيز التمويل واللوائح والمؤسسات التي تجعل من السهل اختبار الأفكار الجديدة في الحياة الواقعية. وبدأ بعض الدول إحراز تقدم ملموس. تستخدم كازاخستان التنظيم القادر على الصمود لتحويل عمليات الطاقة البالغة الأهمية إلى عمليات رقمية ولا مركزية وخالية من الكربون.
إن إفساح المجال لإمكانات الرقمنة لمصلحة الناس من خلال التنظيم المحدد الأهداف من شأنه أيضا أن يساعد على سد الفجوة الرقمية وتحسين الرفاهية. وأظهرت الأبحاث الحديثة أن توافر الوصول إلى الإنترنت بأقل تكلفة من شأنه زيادة فرص العمل لدى الأسر ذات الدخل المنخفض.
توفر دول مثل سانت فنسنت وجزر جرينادين وماليزيا خططا منخفضة التكلفة للمستخدمين الأكثر فقرا. يشكل الوصول الرقمي ضرورة أساسية بالنسبة إلى الأشخاص في مختلف أنحاء العالم، خاصة سكان المناطق الريفية، والفقراء، والنساء، والنازحين الذين يفتقرون إلى وسائل الاتصال الإلكترونية. في نيجيريا وتنزانيا، انخفضت معدلات الفقر بسبع نقاط مئوية في المناطق المتصلة بالإنترنت.
مع مواجهة العالم حالات طوارئ متعددة، يحتاج صناع السياسات إلى تعبئة الاتصال الرقمي لتحسين الرفاهية اليومية للسكان الأكثر ضعفا. في الوقت الحالي، يتحرك الابتكار بسرعة كبيرة لدرجة أن عديدا من المسؤولين، خاصة في الدول النامية، يجدون صعوبة في مواكبة وضمان وصول فوائد الرقمنة إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. ومع ذلك، ينبغي ألا نحتاج إلى أزمة لتسريع التحول. لقد حان الوقت لبناء شريان حياة رقمي - قبل وقوع الكارثة المقبلة.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>