اليابان أرض خصبة لبرامج الفدية .. المتسللون كسروا حاجز اللغة

22-06-2022 02:49 PM - عدد القراءات : 140
كتب ليو لويس من طوكيو الاقتصاديةFINANCIAL TIMES
مستشفى هاندا، التابع لمدينة تسوروجي، هو عبارة عن مستشفى متواضع الحجم وكئيب في ركن هادئ من جزيرة شيكوكو. إنه يطل على نهر، ووراءه تل، ويخدم سكانا من المسنين عددهم 8048 نسمة.
اليابان أرض خصبة لبرامج الفدية .. المتسللون كسروا حاجز اللغة

بالتالي، يعد المستشفى المكان المثالي للعصابات الإلكترونية الأكثر قسوة في العالم، لتوسيع نطاق هجومها على الحياة اليومية وتحويل جبهة حرب الفدية المعولمة إلى عمق آسيا، ومواجهة مشهد ضحايا جديد تماما.
في هذه المرحلة، عاد مستشفى هاندا إلى طبيعته تقريبا، فيما عدا قسمي الاعتذارات وتقارير الحوادث. لكن لمدة شهرين في نهاية العام الماضي، توقف المستشفى - لم يكن قادرا على قبول مرضى جدد وأداء وظائف أساسية بعد أن استهدف هجوم فدية "البقعة الحلوة" بالنسبة للمبتزين، ممثلة في السجلات الطبية.
الهجوم المطول على مستشفى ريفي ياباني أثناء تفشي الوباء من شأنه، تحت أي ظرف من الظروف، أن يقدم تذكيرا مخيفا بمدى سعي أفراد عصابات برامج الفدية، غير النادمين، لتحقيق مكاسب. كما أظهر عقد من الهجمات المتزايدة باطراد (الحوادث المبلغ عنها في المملكة المتحدة زادت أكثر من الضعف بين عامي 2020 و2021) لا توجد شركة أو مؤسسة محظورة بالنسبة لهم، ولا يوجد ضعف غير قابل للاستغلال.
الصناعات الطبية، والتعليمية، والقانونية، والمالية، والبنية التحتية هي أهداف مفضلة على وجه التحديد، لأن المخاطر كبيرة جدا والتهديدات مؤلمة للغاية. هم أيضا يصبحون أكثر تطورا. متوسط الوقت الذي يقضيه المتسلل داخل شبكة الشركة قبل طلب الفدية آخذ في الارتفاع. الوقت الإضافي، كما قال مسؤولون سابقون في مقر الاتصالات الحكومية خلال اجتماعات إعلامية قاتمة حول هذه القضية، يتم استغلاله في شحذ التهديد الأكثر إيلاما.
كما أن حجم المذابح المالية مستمر في الازدياد. في تقريرها لعام 2021، حسبت شركة آي بي إم سيكيورتي أن متوسط خسائر اختراق برامج الفدية، على مستوى العالم، وصل إلى مستوى قياسي بلغ 4.62 مليون دولار، رقم لا يشمل حتى دفع الفدية، التي يعتقد بعض الخبراء أنها تم تسليمها فيما لا يقل عن ثلث الحالات.


لكن حادثة هاندا، كما يقول مفاوضو الفدية الإلكترونية في "نيهون سايبر ديفنس" وهي وكالة تقدم المشورة للحكومة اليابانية ـ يضم فريقها الرئيس المؤسس للمركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة - تؤكد على اتجاه مهم. أقوى العصابات الإجرامية - فرق برامج الفدية الكبيرة الغنية بالموارد والمهنية التي يعتقد أنها تعمل بشكل رئيس خارج روسيا وبيلاروسيا وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية تستهدف الآن اليابان باعتبارها الضحية التالية والأكثر قابلية للضغط: دفاعاتها وتوقع تعرضها للهجوم منخفضان عموما، واستعداد الشركات والمؤسسات اليابانية للدفع مرتفع في هذه المرحلة.
منذ عدة أعوام، كانت الولايات المتحدة وأوروبا هي الهدف الرئيس لمهاجمي برامج الفدية، لكن حتى مع تبني العصابات استراتيجيات جديدة وإخفاء توسعها عبر الهياكل "التابعة"، أصبحت الأعمال التجارية في تلك البلدان أقل جاذبية. ومع تشبع تلك الأسواق بالنشاط الإجرامي، ازدادت خبرة الضحايا ومرونتهم. وأصبحت نسبة التكلفة إلى المكافأة لكل هجوم أصغر بكثير. وفرت نقاط الضعف الجديدة التي أنشأتها عمليات الإغلاق بسبب كوفيد والعمل عن بعد مكاسب غير متوقعة مربحة، لكن هذه الفوائد تتضاءل الآن.
بشكل ملائم للعصابات، هناك مراع نضرة في آسيا كانت حتى الآن غير مستغلة، وأحد أقوى الدفاعات الطبيعية لليابان - لغتها - تتلاشى بسرعة.
تعتمد هجمات برامج الفدية واختراقات النظام على نقطة وصول أولية. ويعتمد هذا غالبا على وقوع شخص، في شركة أو مؤسسة، في الفخ الذي وضع بعناية. في السابق كانت رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من وسائل التواصل تصنع الفخاخ بلغة يابانية ركيكة لدرجة أن الضحايا المقصودين يشعرون بأنها مصيدة. الآن، بمساعدة برامج الترجمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والعصابات الإجرامية المحلية، والمترجمين المحترفين الذين قد لا يعرفون كيف سيتم استخدام ما ترجموه، فإن الطعم متدل بلغة يابانية مقنعة بشكل خطير.
كان التأثير، كما يقول تنفيذيون في نيهون سايبر ديفنس، هو زيادة كبيرة في الهجمات في كل من اليابان وعلى عمليات الشركات اليابانية في جميع أنحاء العالم. لا يزال عدد الحوادث المبلغ عنها منخفضا للغاية - 146 فقط في 2021 - لكن من المحتمل أن يمثل جزءا صغيرا من الرقم الحقيقي.
لذلك تواجه اليابان معضلة "المخاطرة والمكافأة" القاتمة، المألوفة في أجزاء أخرى من العالم. هل يجب على الشركات والمؤسسات دفع الفدية؟ والأهم من ذلك، هل يجب على الحكومات أن تجعل الدفع قانونيا (كما هو الحال في المملكة المتحدة) أو غير قانوني (كما في الولايات المتحدة)؟ ستكتشف اليابان، مقابل ثمن، أن قدرة المجرمين على تصعيد تهديدهم محدودة فقط برغبتهم في أن تنتهي الحادثة برمتها بدفع أموال لهم.
الأمر غير المطروح على الطاولة، كما اكتشف مستشفى هاندا ومرضاه، هو الأمل في أن كونه غير معروف، وحجمه، وخط عمله، أمور يمكن أن تجعله محميا من المتسللين.



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>