الفضاء ساحة التنافس المنظور

14-05-2022 09:21 AM - عدد القراءات : 239
كتب د. عبدالرحمن الطريري
غزو الفضاء بدأ في خمسينيات القرن الماضي حينما أطلق الاتحاد السوفياتي أول مركبة فضاء في العالم بهدف استكشاف أسرار الفضاء، إضافة إلى التحدي للولايات المتحدة زعيمة المعسكر الرأسمالي، وبهذا الحدث العلمي والتقني الكبير تداعى سياسيو أمريكا وعلماؤها لمواجهة هذا الخطر الجسيم، وما يحمله من رسائل سياسية، وعلمية، وأيديولوجية، لتستنفر أمريكا كل جهودها وإمكاناتها البشرية والمادية ومختبراتها لتطلق مركبتها بعد أعوام، المعروفة أبولو، التي نزلت على سطح القمر، كما أعلن في حينه، مع ما قيل فيما بعد من تشكيك بشأن النزول على سطح القمر.
الفضاء ساحة التنافس المنظور
تواصلت الجهود البحثية المتمثلة في غزو واكتشاف الفضاء بإنفاق سخي، وجهود يبذلها علماء الفضاء، خاصة "ناسا" الأمريكية وروسيا، لتلحق بهما الآن الصين، ليتحول الموضوع إلى تنافس وسباق حميمين لكشف المجهول في هذا الكون الشاسع، ومعرفة أسراره رغبة في إشباع الفضول العلمي، وتحقيق المكاسب المأمولة من ريادة وهيمنة في كل المجالات.
قبل بضعة أعوام قرأت خبرا مفاده أن أحد رجال الأعمال الأمريكان اليهود تملك مساحة في المريخ بهدف الاستثمار مستقبلا فيما إذا ثبتت مناسبة المريخ للسكن الآدمي، كما تناولت وسائل الإعلام منذ فترة ما أطلق عليه الرحلات السياحية في الفضاء، وبالفعل انطلقت مركبة بثلاثة أشخاص في رحلة سياحية مع أنها لم تستغرق فترة طويلة، وإنما ساعات، ولم نسمع أو نقرأ شيئا عن مشاعر وانطباعات وخبرة الأفراد المشاركين في هذه الرحلة، رغم تكلفتها العالية.
إزاء الخبرين السابقين يجدر بنا أن نسأل: هل جهود اكتشاف الفضاء والتعرف على أسراره ذات قيمة علمية عالية، وذات قيمة اقتصادية جيدة توازي التكاليف الباهظة التي تنفقها الدول المهتمة بهذه الأبحاث؟ وهل هذا النوع من الأبحاث حكر على الدول المتقدمة علميا وتقنيا، أم إن الأمر متاح لكل من يملك الإرادة والإمكانات العلمية والمادية اللازمة؟
ما من شك أن التكلفة المادية لهذا النوع من الأبحاث باهظة، ولا يلمس لها مردود اقتصادي في الوقت الراهن، مع أن التكلفة بدأت بالتراجع نتيجة الخبرات المتراكمة في تصنيع المركبات، وتفادي الأخطاء، وتطوير مواد أقل تكلفة، ولا يمكن الجزم متى تتضح الصورة بشأن القيمة الاقتصادية لهذه الأبحاث إلا أن من المؤكد أن حضور التفكير الاستراتيجي للاستمرار على قمة الهرم العالمي، والتحكم فيه، وتوجيه سياساته، تمثل أساسا جوهريا لهذا النشاط البحثي.
من مبادئ التفكير الاستراتيجي الفعال ضمان استمرارية أي نشاط، فاكتشاف الفضاء وأبحاثه مكلف، لذا لا أعتقد أن التكاليف المادية لـ "ناسا" تعتمد فقط على ما يمكن أن تخصصه الحكومة الفيدرالية، رغم ضخامة ذلك، حيث يصل إلى ما نسبته 35 في المائة من ميزانية البحث العلمي، وذلك بعد اعتماد الكونجرس لها، وإنما هناك شراكات مع رجال أعمال، وشركات تنظر للأمر من خلال الاستثمار طويل الأمد الذي قد لا تظهر فوائده في وقت قصير، ولذا الأوقاف تمثل أساسا لاستمرار هذا النشاط كل هذه العقود التي مضت وما سيأتي، كما أعتقد أن "ناسا" تحديدا لديها منتجات معرفية، وابتكارات، وخدمات إعلامية، ودعائية، يتم تبادلها مع جهات مستفيدة مقابل ثمن مادي تحصل عليه "ناسا".
لا يمكن تصور أن فكرة دراسات، وأبحاث الفضاء حدثت مصادفة، وإنما هي نتاج فترة تتسم فيها الدول الرائدة في هذا المجال بالحيوية، والاقتدار، في كل المجالات، والإرادة الحاسمة، غير المترددة، والرؤية الثاقبة في آفاق المستقبل، وتم بناء عليها وضع خطة استراتيجية يتم من خلالها تكوين واستقطاب العلماء في كل مجالات المعرفة ذات العلاقة، كالهندسة، والطيران، والفلك، والفضاء، والعلوم والتقنية، والتصنيع، وعلم النفس، والاجتماع، والحاسب الآلي. تجدر الإشارة إلى أن اختيار رواد الفضاء يمر بمراحل معقدة يدخل ضمنها التأكد من توافر خصائص فيمن سيتم اختياره، منها: مستوى الذكاء، والقدرة على تحمل الضغوط، والتركيز، والتنظيم العقلي، والحماس، والحيوية، وحب الاستكشاف، وتوافر المعرفة ذات العلاقة.
اكتشاف الفضاء لم يعد حكرا على دول بعينها، ودخلت المملكة والإمارات ضمن هذه الدول.

 

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>