بسنت وأزمة وعي المجتمع بالابتزاز الجنسي عبر الانترنت

03-01-2022 03:35 AM - عدد القراءات : 782
كتب د.عادل عبد الصادق*
صدم الرأي العام في مصر بقيام شابه في مقتبل العمر تبلغ 17 عاما تسمى "بسنت .خ "بالانتحار بعد قيام اشخاص بتركيب صور لها ونشرها في القرية التي تعيش فيها وهو الأمر الذي أصابها بالاكتئاب ودفعها لإنهاء حياتها بعد توقعها واحساسها بعدم تفهم الأهل والمقربين لها بحقيقة الأمر
بسنت وأزمة وعي المجتمع  بالابتزاز الجنسي عبر الانترنت
 وهو ما يعطي الضوء علي قضية تفهم المجتمع لادوات الابتزاز الجنسي وان فهمه ووعية هو الضمانة الحقيقة بعدم انتشار تلك المقاطع سواء اكانت حقيقية ام مفبركة  ، وذلك من قبيل ان كلا الحالتين يجرمها القانون باعتبارها انتهاك للخصوصية واشاعة الفاحشة وانتهاك حماية الاطفال دون سن 18 عاما ، وفي نفس الوقت عدم إتاحة الفرصة لظهور آخرين من وراء الستار باستغلال "تدين" المجتمع لارتكاب هذه الجرائم ، وتعكس قضية بسنت الفجوة  حجم التغير الذي طرأ في القيم ليس فقط في المدن بل في القرى ، ومن جهة اخري عكست حجم إدراك الجيل الجديد لهذه الادوات الرقمية ودورها في التلاعب بالصور والفيديوهات ومقارنة بمعرفة وادراك الأجيال الأكبر سنا .
ان قررت بسنت إنهاء حياتها ظنا منها أنها قفلت القضية ولكنها في نفس الوقت أعطت الضوء الأكبر لأزمة الوعي والتي يجب أن يتم معالجتها بمعرفة مخاطر التطبيقات الرقمية وكيفية إدارة أزمة نشر مثل هذا المحتوى المسيئ ، وذلك الى جانب اهمية موقف الأهل ومدى المساندة التي يجب أن تكون بجانب الضحية ،وبخاصة في امتصاص الضغوط النفسية ،فالجميع يجب ان يدرك ان اي منهم قد يتعرض لهذا الموقف  او ذاك ، ومن ثم فان إتاحة الفرصة لمن يسئ لأحد الأشخاص ستساهم في دفع المجتمع ضريبتين الاولى، هي زعزعة الثقة في استخدام التطبيقات الرقمية والتي يجب أن تستخدم في الخير وتنمية المجتمع ، واما الضريبة الثانية، فتتعلق  بخسارة أشخاص أبرياء كانوا ضحية لمجموعة من الاوغاد لم يردعهم ضمير ولا اخلاق .
وللاسف الشديد يكون الكثير من ضحايا الابتزاز الجنسي من القصّر والمراهقين والمراهقات ، والذين يفتقدوا الى الخبرة التي تؤهلهم للتعامل مع الموقف والتمييز بين التصرفات عبر المنصات الرقمية ، ويقوم من يمارس الابتزاز الجنسي عليهم بالتهديد  بنشر صور او مقاطع فيديو للضحية في وضع جنسي او محرج او يثير الانتقاد المجتمعي ، وساعدت عملية تنامي استخدام برامج تعديل الصور وتركيبها الى جانب فبركة الفيديوهات او تركيب اصوات في انتشار هذه الجرائم ، الى جانب المنصات الاجتماعية وبخاصة تطبيق الواتس اب.
وتتميز جرائم الابتزاز الجنسي بعدم وجود ارتفاع في التبليغ عنها وذلك بسبب الوعي الخاطئ بان مجرد الابلاغ هو جزء من الفضيحة ، وذلك على الرغم من حقيقة امكانية تعرض الذكر كما الانثى لجريمة الابتزاز الجنسي عبر الانترنت ، وهوما قد يدفع الضحية للامتثال الى مطالب المبتز وبخاصة دفع مبالغ مالية دون جدوى ،وياتي هذا مع تتعدّد دوافع  من يقف وراء جرائم الابتزاز الجنسي فمنها قد يكون مادّي سواء اكان فرد او عصابة ، وهناك من يقوم من ورائها تجار المخدرات او الاتجار في البشر، وقد يكون الهدف من وراء الابتزاز الجنسي هدفه جنسي بحت وممارسة الضغوط على الضحية لممارسة الجنس معها بالاكراة وقد يكون من وراء ذلك شخصيات مريضة تبحث عن التقليد او حب السيطرة او ممارسة النفوذ الذكوري على الضحية .
وان فضلت الضحية الصمت فانها تكون عرضة لاضطرابات نفسية شديدة والرهاب الاجتماعي والعزلة واضطرابات النوم وتراجع التحصيل الدراسي،والخوف ليس فقط من تاثير ما تم نشره او ادعاء علاقتها به بل كذلك باحتمالية قيام المبتز بنشر المزيد مما يحاول ان يلصقه بها من صور او فيديوهات او محادثات .وهو ما يؤثر في الحاق اضرار اخري تزيد من الشعور بالاكتئاب والوحدة ومن ثم تشعر الضحية بعبثية الحياة وان الانتحار ربما يقدم لها الخلاص من الامها ومن ضعوط النفس والمجتمع معا ، وتتطلب مواجهة جرائم الابتزاز الجنسي عبر الانترنت اهمية الوعي باجراءات الحماية مثل حظر الحسابات المتورطة او الابلاغ عنها لدى المنصات او نشر بيانات المبتز للتحذير منه ، والتاكد من هوية الحسابات عبر الشبكات الاجتماعية وبخاصة مع امكانية تزييف نوع او جنس صاحب الحساب او بتقديم بلاغ لدى السلطات الامنية .
وموقف الاهل ضروي لمساندة الضحية وتقديم الدعم النفسي ، والى جانب ذلك اهمية وعي المستخدمين بخطورة هذه الجريمة وعدم مشاركة المحتوى الجنسي وحجبة والابلاغ عن مروجيه ، وتفهم طبيعة التطبيقات الرقمية التي يمكن ان تساعد في خلق محتوى مزيف وغير حقيقي ،وبخاصة ان نظر المجتمع المحيط بالضحية يتسرع اولا بتوجية اللوم للضحية والتي هي بالاساس ضحية تصرفات وسلوكيات اخرين .
وقد نص قانون مكافحة الجريمة الالكترونية عام 2018، في المادة  25 على معاقبة من يعتدي على "المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه ،أو بإحدى العقوبتين، وتشمل العقوبة كل من نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أخباراً أو صوراً وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".

ونص القانون كذلك على معاقبة كل من "تعمد استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه بالحبس لمدة لا تقل عن عامين، ولا تجاوز 5 أعوام، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين".

وعلى الرغم من عدم ذكر جريمة التهديد والابتزاز الإلكتروني في نص القانون  الا ان قانون العقوبات المصري ينص على معاقبة من يهدد شخص بجريمة ضد النفس بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات، إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب أموال، أما إذا كان مصحوباً بطلب مال فقد تصل العقوبة للحبس 7 سنوات.

ومن ثم فإن القانون الخاص بمكافحة الجريمة الإلكترونية لن يفلح الا بوعي المجتمع به اولا ،ومدي تمتع المجتمع بقدرته علي منع انتشار هذه الجرائم  ثانيا .وبتغليظ عقوبة الابتزاز الجنسي عبر الانترنت ثالثا
 
*مديرمشروع  المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>