“الواقع +” كتاب جديد يدافع عن العالم الافتراضي

25-12-2021 04:59 AM - عدد القراءات : 675
كتب قراءة كرم نعمة
الفيلسوف الأسترالي ديفيد تشالمرز يرفض تشبيه العالم الافتراضي بألعاب الفيديو وبأنه مجرد هروب من المشاكل في العالم الحقيقي، ويدافع عن بناء حياة ذات معنى في عالم افتراضي. يمكن تفهّم دفاع أصحاب الإمبراطوريات التكنولوجية ومدراء شركات الذكاء الاصطناعي عن العالم الافتراضي الذي يغيّر حياتنا رأسا على عقب. لكن من العصيّ تفهّم الفلاسفة الذين يقفون في صفهم!
“الواقع +” كتاب جديد يدافع عن العالم الافتراضي

         يمكن تفهّم دفاع أصحاب الإمبراطوريات التكنولوجية ومدراء شركات الذكاء الاصطناعي عن العالم الافتراضي الذي يغيّر حياتنا رأسا على عقب. لكن من العصيّ تفهّم الفلاسفة الذين يقفون في صفهم!
فإذا كان سؤال أفلاطون قد تكرر منذ القدم بين الفلاسفة بشأن كيف نعرف أن عالمنا حقيقي، فإن السؤال نفسه يأخذ منحى أكثر أهمية اليوم بينما البشرية تمضي خلف الشركات التكنولوجية إلى العالم الافتراضي من دون تردد. وبدلا من الظلال على جدران الكهوف عند الإنسان البدائي، تضعنا اليوم العدسات والشاشات والقطع التي نربطها على معاصمنا في العالم الافتراضي.
ذلك ما يدفع الفيلسوف الأسترالي والأستاذ في جامعة نيويورك ديفيد تشالمرز إلى بعث رسالة اطمئنان مبكرة بشأن مستقبلنا مع العالم الافتراضي في كتابه الجديد “الواقع +” المؤمل صدوره خلال أسابيع.

 ستبقى فلسفة تشالمرز عن العالم الافتراضي مثيرة للإعجاب والجدل معا، لكن لن يحدث هذا التحول من العالم المادي إلى الافتراضي فجأة، بل سيكون تدريجيا

يرى تشالمرز أن العالم الافتراضي لا يمكن أن يكون متجذرا في رؤى الواقع المرير، معتبرا أن إمكانيات هذا العالم واسعة تماما كاحتمالات الواقع المادي. فنحن نعرف أن واقعنا يمكن أن يكون مذهلاً أو فظيعا، ذلك أيضا ما يتوقعه هذا الفيلسوف للواقع الافتراضي عندما يستحوذ على حياتنا تماما.
فعندما يجادل بأن الوقائع الافتراضية لديها القدرة على أن تكون غنية ومناسبة للناس وبمثابة مكان حقيقي، يواجه بسؤال عما إذا كان هذا المسعى يمكن أن يكون وراءه حياة ذات معنى، أم مجرد عوالم زائفة، مثل الصداقات الافتراضية التي نعيشها اليوم التي طالما وصفت بالفكرة البغيضة التي لا يمكن أن تصمد أمام الصداقات الحقيقية، ويزداد عدد الرافضين لأن يكونوا جزءا منها.
يرفض تشالمرز المتخصص في فلسفة الإدراك اللغوي تشبيه العالم الافتراضي بألعاب الفيديو وبأنه مجرد هروب من المشكلات الموجودة في العالم الحقيقي، ويدافع عن بناء حياة ذات معنى في عالم افتراضي عبر الدخول في مناقشات واتخاذ قرارات اجتماعية وسياسية عميقة بشأن المجتمع الافتراضي، بدلاً من اعتباره مجرد لعبة فيديو.
ويشبه الحال بأن البشرية ستدخل إلى ما يمكن تصوره بقارة جديدة غير مأهولة لتأسيس مجتمع سيهتم بقضايا مختلفة عن القضايا التي يعيشها الانسان في المجتمع الحقيقي القائم اليوم!
ولا يرى ذلك هروبا أو تخليا عن الواقع المادي تماما، وإنما يدفع باتجاه اعتبار الواقع الافتراضي مكملا للواقع المادي وليس بديلا عنه على الأقل في المدى القصير.
أفكار فيلسوف الإدراك الأسترالي ستكون بلا شك موضوع ترحيب للإمبراطوريات التكنولوجية التي تفتح خزائنها من اليوم للأموال التي ستجنيها من خدمات العالم الافتراضي، عندما يعتبر أن هناك حياة ذات معنى تنتظرنا فيها من الأهداف المهمة ما يجعلنا نعمل للوصول إليها. ثمة علاقات إيجابية مع أشخاص آخرين في ذلك العالم ستثمر عن تجارب ذاتية ملهمة. ويطالبنا بأن نكون مستعدين للانتقال إلى ذلك العالم وإن كان يحمّلنا خسائر في عملية الانتقال، ومن دون أن يعني ذلك أنه سيكون على قدم المساواة مع العوالم المادية من جميع النواحي.
ويشير إلى أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص سيجدون معنى مختلفا في العوالم الافتراضية لم تكن متاحة لهم في العالم المادي لأسباب متعلقة بإعاقات جسدية أو اضطهاد مجتمعي أو سياسي.


في حقيقة الأمر هناك ما يشكل جدلا بشأن الاحتمالات الإيجابية للعالم الافتراضي. التي يراها ديفيد تشالمرز في كتابه الذي كان موضوع احتفاء مبكر في الصحافة الأميركية. فنحن لم نصلح بعد مشاكلنا مع العصر الرقمي الذي لم تتراجع فيه اللامساواة، قبل الانتقال إلى العصر الافتراضي. صحيح أن العوالم الافتراضية لديها ما تقدمه مثل التجربة الحية للبشرية التي مثلتها الرقمية. لكن تلك العوالم لا يمكن أن تكون حلا سحريا وقارة مثالية كما يصفها مؤلف كتاب “الواقع+”.
يقول تشالمرز إن المحاكاة اليومية المتاحة وتكنولوجيا الواقع الافتراضي مازالت بدائية، ويطالبنا بمنح هذه التقنية خمسين أو مئة عام أخرى لنحصل على محاكاة للعالم لا يمكن تمييزها أساسا عن الواقع المادي.
لكنه عندما يجابه بالديكارتية الحتمية عن محاكاة الوجود المادي للمرء “أنا أفكر إذن أنا موجود” يتراجع قليلا أمام افتراض أن يكون خطاب الكائن المصطنع في العالم الافتراضي موجود بالفعل ويفكر أيضا. ويقول تشالمرز “محاكاة الفلسفة الديكارتية ليست جزءا من أطروحتي للعالم الافتراضي، وعليّ أن أبقى محايدا هنا. ولن أندفع بفكرة أن التكنولوجيا يمكن أن تجسد مقولة ديكارت”. لكنه يقول أيضا “مع ذلك، في السنوات الأخيرة، أصبحت لدينا أسباب متزايدة لأخذ هذه الفرضية على محمل الجد من حقيقة أننا نشعر بأن هذه التكنولوجيا ممكنة وفق فلسفة ديكارت التي بقيت مجرد احتمالية منذ إطلاقها”
وفي كلتا الحالتين، سواء كنا في الواقع المادي أو في محاكاة افتراضية، ستكون هناك مخلوقات واعية في جوهرها – وفق مؤلف “الواقع+” – وسوف تتفاعل مع العالم في الخارج لأن مجرد وجود هذه المحاكاة يعني أننا أمام عالم منظم وواسع يصنعه الواقع الافتراضي من حولنا.
مع أن تشالمرز بحكم تجربته المعرفية العميقة يتفهم ارتباط الناس بمعتقدات الواقع المادي، لكنه يرى أيضا أن هذه المعتقدات يمكن أن تتدفق من عالم افتراضي. ويجادل بشأن مفهوم العالم أقل واقعية مما كنا نعتقد. ويبدي استعداده لإقناع الرافضين لهذه الفكرة، متذرعا بأن واقعية العالم مرتبطة بشكل مناسب بوعينا القائم.
في كل الأحوال ستبقى فلسفة تشالمرز عن العالم الافتراضي مثيرة للإعجاب والجدل معا، لكن لن يحدث هذا التحول من العالم المادي إلى الافتراضي فجأة، بل سيكون تدريجيا، ولن تكون تلك القفزة شاقة على الإنسانية، وسيبقى سؤال الوعي قائما هنا، فهل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي واعيا في يوم ما، يجيب ديفيد تشالمرز بسؤال مقابل عن ماهية الوعي أصلا، الذي مازال لغزا، لذلك لا نعرف بعد كيف يمكن أن ينشأ الوعي في نظام رقمي، لأننا لا نعرف أصلا كيف ينشأ الوعي في أنظمتنا البيولوجية.


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>