كيف يتجنب العالم صدمة مماثلة لـ"أوميكرون" في المستقبل؟

03-12-2021 10:02 AM - عدد القراءات : 290
كتب بقلم: David Fickling المصدر: بلومبرغ
كيف نضمن حصول العالم على لقاحات "كوفيد-19" اللازمة لمنع ظهور مزيد من المتغيرات مثل سلالة "أوميكرون" الأحدث؟ تتمثل إحدى الاستجابات، الشائعة والمُقلقة للنداءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وغيرها لزيادة توافر الجرعات في الاقتصادات الناشئة، في الإشارة إلى أن العرض، فعلياً، ليس المشكلة، وإنما الطلب.
كيف يتجنب العالم صدمة مماثلة لـ"أوميكرون" في المستقبل؟

في هذا الإطار توفر جنوب إفريقيا، حيث رُصِد "أوميكرون" للمرة الأولى، نقطة بيانات واحدة تدعم هذه الفرضية. فعلى الرغم من حقيقة أنه بالكاد جرى تطعيم 24% من سكان الدولة الإفريقية بشكل كامل، فإنّ وزارة الصحة طلبت من شركتَي "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson) و"فايزر" (.Pfizer Inc) تعليق تسليم اللقاحات، لأن مخزونها الحالي كان أكثر من كافٍ مقارنةً بمعدلات الاستهلاك المتدنية الحالية.

لكي نكون واضحين، يبدو جلياً أن الطلب خارج الدول الغنية ليس هو العامل المقيّد الرئيسي للتلقيح. ووفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة "اليونيسف"، تُعَدّ الدول الـ51 التي لديها اتفاقيات توريد للقاحات تكفي لتغطية سكانها بالكامل، دولاً ذات دخل مرتفع باستثناء 14 دولة.

اقرأ أيضاً: لضمان توفير اللقاحات.. إصلاح منظمة التجارة العالمية يتحول إلى معركة من أجل البقاء

من ناحية أخرى، تعتبر الطاقة الإنتاجية لتصنيع اللقاحات، التي تقدر بواقع 11.435 مليار جرعة هذا العام حسب قاعدة البيانات الموجودة لدى جامعة "ديوك"، ببساطة، غير كافية لتلقيح كل شخص على ظهر هذا الكوكب بجرعات مزدوجة. لكن الدول الغنية، حيث جرى تطوير معظم اللقاحات، تمكّنت من انتزاع نصيب الأسد من إنتاج كل من الجرعات التلقيحية الأولى، والثانية، والثالثة المعززة، حتى الآن.

مشكلة قديمة

ذلك الوضع من المحتمل أن يتغير في العام المقبل، إذ تشير أرقام "اليونيسف" إلى أنه سيكون لدينا القدرة على إنتاج نحو 23.53 مليار جرعة، وهو معدل أكثر من كافٍ لتلقيح كل شخص على ظهر هذا الكوكب ثلاث مرات. وفي هذه المرحلة قد يشكل التردد في العالم غير الملقح مشكلة حقيقية، بل إن كل ما نقوم به الآن من المرجح أن يزيد الأمر سوءاً.

غير أن معالجة إحجام الناس عن اتخاذ إجراءات ضد الأمراض الوبائية ليست بمشكلة حديثة. في الواقع، من ذروة القضاء على الجدري في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى الحملة الحالية للقضاء على آخر بقايا شلل الأطفال ودودة غينيا، تدخل محاولات معالجة إحجام الناس عن اتخاذ إجراءات ضد الأمراض الوبائية في صميم عمل منظمات مثل منظمة الصحة العالمية عاماً تلو عام.

اقرأ أيضاً: السباق بين اللقاحات والسلالات الجديدة.. صراع البشرية مع "كوفيد" لن ينتهي قريباً

بذلك تصبح الدروس المستفادة من هذه التجربة للدول منخفضة الدخل واضحة إلى حد ما، إذ يحتاج الناس إلى خبراء خارجيين في الصحة العامة لإبداء اهتمام حقيقي بالمشكلات التي يواجهونها، بدءاً من نقص مياه الشرب والصرف الصحي ومرافق الطهي النظيفة، إلى الأمراض المهملة والمتوطنة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا والإسهال.

بشكل مثالي، يجب أن تشكل اللقاحات جزءاً من حزمة من التدابير لتحسين الصحة، وليس حملة تُطلَق لمرة واحدة بشكل مفاجئ في المجتمعات النائية. وإذا كانت كل من دوافع أولئك الذين يقودون حملات التلقيح والتأثيرات المباشرة على أولئك الذين يتلقون الجرعات غير واضحة، فقد يؤدي ذلك إلى بث الشك ونظريات التآمر في نفوس السكان، خصوصاً بين الفئات الضعيفة منهم.

أسباب الفشل

بالنظر إلى الأمور بهذه الطريقة، يتضح لماذا تتأهب استراتيجيتنا الحالية لتبوء بالفشل. فمن خلال عدم ضمان الجرعات الكافية للعالم، وتخزين تلك الموجودة لدينا، ترسل الدول الغنية رسالة قوية مفادها أن التطعيمات ليست مهمة حقاً.

في هذا الإطار، لدى إفريقيا جنوب الصحراء، على وجه الخصوص، مبرراتها للتشكك بأمر المشورة الخارجية. ولأسباب لا تزال غير واضحة، لكنها قد تتعلق بشباب السكان (نحو شخص واحد من كل 20 إفريقياً فوق سن الستين، مقارنة بنحو ربع الأوروبيين والأمريكيين الشماليين)، كما كانت معدلات الوَفَيَات والمرض الشديد جراء الإصابة بـ"كوفيد-19" أقل بكثير من نظيراتها في أجزاء أخرى من العالم، الأمر الذي يجعل جنوب إفريقيا العريقة والموسرة نسبياً تشكل استثناءً ملحوظاً.

اقرأ أيضاً: دبلوماسية اللقاحات لا تؤتي ثمارها.. وحان الوقت لنهج جديد

لكن بعكس شلل الأطفال، الذي غالباً ما يتسبب في تشوهات بارزة في الساق والعمود الفقري، فإن تأثيرات "كوفيد" ليست واضحة بشكل خاص، ما يجعل عملية إقناع المتشككين بالتطعيم أكثر صعوبة، ومن ثَم فإننا عندما نطلب من الأفارقة تناول جرعات اللقاح بمجرد إتاحتها فإننا فعلياً نناشدهم أن يتعاونوا معاً من أجل سكاننا الأكبر سناً، فيما نقدم نحن القليل من الأدلة على التضامن معهم.

الدروس المستفادة

على الجانب الآخر تنطوي هذه المعركة على بعض المزايا، فقد أصبحت إفريقيا بالفعل أكثر تحضراً من معظم دول آسيا، ما يعني انعزال عدد أقل من سكان الريف عن المعلومات الصحية الروتينية، وعلى الرغم من نقص التمويل فإن أنظمتها الصحية العامة معدة جيداً لمواجهة "كوفيد" لأن الأمراض المعدية شكّلت دائماً التهديد الرئيسي للسكان المحليين، وهو ما يتناقض مع المخاطر الصحية لدى الدول الغنية التي توجه الموارد أكثر نحو أمراض الشيخوخة، مثل السرطان وأمراض القلب.

وعليه فإنّ الكفاح الطويل والمرير لطرح لقاحات شلل الأطفال ومضادات الفيروسات القهقرية ومضادات السل يعني أيضاً أن لدينا السبق في معرفة المشكلات التي ينبغي معالجتها.

لذلك، علينا الالتفات إلى تلك الدروس والعمل بسرعة على تلافي الأخطاء. وفي حين أن التعداد المنخفض لسكان إفريقيا الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً قد يحميهم من التفشيات الكبرى، فإنّ إرث فيروس نقص المناعة البشرية وانتشار نقص التغذية يعني أن عدداً كبيراً بشكل استثنائي من السكان يعانون من ضعف في جهاز المناعة، ما يساعد على تحور متغيرات جديدة مثيرة للقلق من سلالات الفيروسات التاجية مثل "كوفيد".

قد تشعر الدول الغنية بالأمان خلف الحواجز التي أقامتها من التعزيزات وقيود السفر. غير أن تلك الدفاعات ستظل تحت هجوم مستمر إلى أن تتم حماية العالم بأكمله.

 



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>