هل تسحب شركة هواوي البساط من تحت الشركات الغربية ؟

21-07-2019 03:18 PM - عدد القراءات : 674
كتب د.عادل عبد الصادق* مجلة آفاق المستقبل ، مركز الامارات للدراسات السياسية والاستراتيجية ، 2019
تصاعدت حدة الحرب الباردة الجديدة حول الاستحواذ على السوق والتكنولوجيا والأمن بين القوى الدولية منذ تولي " ترامب" السلطة عام 2016، وبخاصة بعد اتهام روسيا بالتدخل تقنيا في الانتخابات الأمريكية،وفرض عقوبات على الشركات الروسية في السوق الأمريكية ،والأمر ذاته تم اتخاذه مع الصين عبر أهم شركاتها،وهي شركة هواوي،منذ ديسمبر العام الماضي ،وذلك في إطار المزج بين اعتبارات الأمن القومي ومواجهة النفوذ الاقتصادي والتجاري للصين.
هل تسحب شركة هواوي البساط من تحت الشركات الغربية ؟

و تعد "هواوي"واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في الصين، وجزءًا رئيسيًا من مبادرة "صنع في الصين 2025" للمساعدة في بروز قادة ورواد في مجال الصناعات المتطورة. وتعد ثاني أكبر شركات إنتاج أجهزة الهواتف المحمولة في العالم.وفي منتصف العام الماضي تفوقت على شركة أبل الأميركية ، وفي سبيلها للهيمنة على تلك الصناعة إذا ما نجحت في تجاوز شركة سامسونج الكورية ،وتهدف بدورها لان تكون اللاعب الأول بنهاية عام 2019.

وتتميز "هواوي" بريادتها في مجال أبحاث شبكات الجيل الخامس"5G"،وبصغر حجم أجهزتها وأخفها وزناً والأرخص من منافسيها ،والأقل استهلاكها للطاقة بنسبة 30? ،ويوفر لها ذلك ميزات تنافسية في مجال التسويق والانتشار والصيانة  بأقل تكلفة.

وبالرغم من إعلان الولايات المتحدة إن موقفها من شركة هواوي[1] ليس له علاقة بالحرب التجارية مع الصين ،إلا أنها ما لبثت أن فرضت عليها قيودا على التعامل معها واتهمتها بالارتباط بالحكومة والجيش الصيني، وانتهاك العقوبات المفروضة على إيران، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية وسرقة الأسرار الصناعية،وغسيل الأموال وعرقلة العدالة وعدم الامتثال للقانون الأمريكي.وانعكس ذلك في ضغوط أمريكية في اتجاه تبلور رد فعل غربي أمام تمدد الشركة وتوسعها العالمي إلى جانب تخوف حلف الناتو .

وتمارس الولايات المتحدة حملة لإقناع حلفائها بتجميد أية تعاقدات مع "هواوي" خاصة بالجيل الخامس للشبكات على أساس أنها قد تحمل أبواب خلفية تستغل لتمكين الصين من التجسس على الاتصالات ، وتوافق مع ذلك أعضاء التحالف ألاستخباراتي المعروف بـ"العيون الخمس "والذي يضم الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.[2]

ويواجه السعي للحد من الانتشار العالمي لهيمنة"هواوي" على شبكات الجيل الخامس بإشكالية تخطي مجرد الرفض "الغربي"إلى العمل على تقديم خيارات بديلة بأسعار معقولة ، وهو ما يتطلب العمل على تعزيز الاستثمارات المحلية ،وبخاصة انه ليس هناك ثمة اتفاق داخل المعسكر الغربي ضد الصين،فعلي سبيل المثال يرتكز الموقف الألماني من انه من غير المنطقي استبعاد شركة من السوق على اعتبار أنها من بلد معين .

وإذا ما نجحت حملة الضغط لانسحاب "هواوي" من أوروبا كما فعلت من استراليا واليابان فانه من غير المرجح أن تستعيد شركة إريكسون ونوكيا الكثير من الأسواق التي خسرتها في السنوات الأخيرة بين عامي 2015 و 2018  ،وفي حين ذلك ارتفعت حصة "هواوي" من 24 ? إلى 28 ? بينما انخفضت حصة نوكيا من20 ? إلى 17?  وإريكسون من 15 ? إلى 13 ?.

ومن جهة أخري قد تؤدي الضغوط الغربية إلى حمل الصين لاتخاذ رد فعل انتقامي بطرد الشركات الغربية ،تبلغ مبيعات اريسكون في  السوق الصيني10? بقيمة 24.2 مليار دولار في عام 2018،وللشركة مركزين للبحث والتطوير،وتتمتع شركة نوكيا بحصة مماثلة من العائدات من الصين وهونج كونج وتايوان.


وعلى الرغم من إمكانية حظر نشاط "هواوي" تمامًا من أوروبا ،وهي  أكبر أسواقها خارج الصين ، فان ذلك لن يعوض خسارة الشركات الغربية في الصين ،وسيؤدي كذلك لبطء إطلاق الجيل الخامس في أوروبا،وستكون عملية الحظر معقده  ومكلفة خاصة في إيطاليا وبولندا وبريطانيا، ويستخدم معظم مشغلي شبكات الهواتف المحمولة في أوروبا البالغ عددهم حوالي 200 مشغل معدات شركة هواوي للجيل الرابع.

ورغم القيود والحملة الإعلامية الغربية فقد باعت "هواوي" في العام الماضي أكثر من مائتي مليون هاتف محمول وحصلت عل أعلى العلامات التجارية قيمة بالعالم للعام الثاني على التوالي وبلغ نموها 40% عام 2018.

وترتكز "هواوي" على السوق الصيني ويمثل نصف إيراداتها، وفي حالة وجود خسارة أو تراجع لها في الأسواق الأوروبية يمكن أن تعوضه في الأسواق الناشئة .

وتعاملت" هواوي" مع الأزمة بشكل منفتح على الاتهامات ونفت وجود أية مخاطر أمنية في أجهزتها ،وربطت ذلك بخطوات عملية بتدشين معمل في مدينة "بون" بألمانيا لاختبار سلامة معداتها وفق معايير الأمن السيبراني،ووافقت على إعادة تقييم أجهزتها في بريطانيا وأنفقت ملياري دولار أمريكي،وافتتحت كذلك في مارس الجاري مركزا للشفافية للأمن السيبراني في بلجيكا.[3]

وهو الأمر الذي ساعد "هواوي" في تفسير الحظر وتسويقه على انه يمثل تحيزا سياسيا وايديولوجيا ضدها ، ولا يعكس أية مخاوف أمنية حقيقة،وهو ما جعلها تعلن بثقة أنها إذا ما تم إغلاق السوق الغربي أمامها ،فإنها ستستمر في العمل في الشرق وفي البحث عن أسواق أخري بديلة ، وبخاصة في الدول النامية ،ولكونها تعمل بالفعل في أكثر من 170 دولة، ويمكن ذلك "هواوي "أن تحتل المركز الأول في المبيعات عالميا بدون السوق الأمريكي. وإحراز"هواوي" تقدما في تطبيقات الجيل الخامس على مدار السنوات العشر الماضية،بما يجعلها تتفوق على منافسيها العالميين لعام تقريباً،وهو ما يمثل عنصر جذب للدول التي تستعد للانتقال للجيل الخامس.

وهو الأمر الذي يعرض الحملات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة  ضدها إلى الفشل وبخاصة مع تقديم "هواوي" ميزات تفضيلية وتنافسية، ومن جهة أخري الارتباط بالصورة الذهنية للصين والتي تحتفظ بالشراكة من اجل التعاون وليس بالسعي إلى الهيمنة علي الدول الأخرى ، فضلا عن الميراث الغربي الاستعماري.

وعلى أية حال إن عملية الربط بين التجارة الحرة والأمن القومي ليست بجديدة ، وذلك لان من يرتبطون بمصالح السوق المفتوح والمتشككون في الأمننه، سيطلبون رؤية أدلة تدعم الادعاءات بأن الشركة الصينية أو غيرها قد تجسست بالفعل على المحادثات ونقل البيانات.وهو ما قد يدفع في المقابل أنصار التعاطي الأمني بالقول بأن الأدلة يجب أن تظل سرية لحماية عمليات الاستخبارات.

وفي ظل حقيقة انه لا أمن كامل فانه إذا كانت تعاني "هواوي" من مشكلات أمنية فان هناك شركات غربية مثل سيسكو واريكسون تعاني كذلك من المشكلات نفسها ، وبالرغم من أنها لا تملكها الحكومة الصينية إلا انه يصعب نفي العلاقة بينهما.

وتملك الصين أكثر من ورقة ضغط، منها ورقة الديون الأمريكية، بقيمة 1.17 تريليون دولار، واحتمال تجميدها بما سيؤدي لهزة كبيرة في الاقتصاد الأمريكي والأسواق العالمية، إلى جانب اللجوء للتضييق على الشركات الأمريكية العاملة في الصين .

واستندت الأوساط الغربية على تصديق الحزب الشيوعي في يونيو 2017 على قانون الاستخبارات الوطني للسماح بالتجسس الاستباقي"،وهو ما يغفل حقيقة أن النشاط الاستخباراتي يجب أن يكون دفاعيا بطبيعته.

وتأتي المواقف الأمريكية  في محاولة لكبح تقدم الصين ومنعها من الهيمنة الاقتصادية ، وذلك رغم  نفي الصين سعيها لذلك ،وتعد عملية التوظيف السياسي للتجارة الدولية جزء من الريبة التي يشعر بها السياسيين وصناع القرار الأمريكيين تجاه الصين بشكل عام.

وتتجاوز عملية تفسير قضية "هواوي " من كونها قضية تجارية واقتصادية لتصبح ذات طبيعة إستراتيجية ، وذلك في ظل فتح الصين والولايات المتحدة جبهة جديدة للصراع من أجل السيطرة على الشبكات العالمية التي توفر الإنترنت. وإتاحة تطبيقات الجيل الخامس من الشبكات ،وعلاقة ذلك بظهور جيل جديد من التكنولوجيا اللاسلكية و تعزيز الاتصال في "إنترنت الأشياء" ، والتي ستساهم في إتاحة شبكة مراقبة واسعة النطاق ، وتوسيع عدد الأهداف المحتملة للتجسس بشكل كبير ،وذلك مع سعي الحكومات إلى ضمان أن تكون شبكة الجيل الخامس آمنة وموثوق بها.

فعند تثبيت عدد أكبر من معدات "هواوي" في شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، يصبح من الصعب على وكالة الأمن القومي الأمريكي "جمع كل شيء" وهو ما من شأنه أن يهدد الهيمنة السيبرانية للاجهزه الاستخباراتية الأمريكية.وبخاصة مع إجازة القوانين الأمريكية للحكومة إجبار شركات الاتصالات للمساعدة في برنامجها للمراقبة العالمية، وهو ما كشفه "ادوارد سنودون "عام 2013.

فإن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة هو عدم وجود أدلة ملموسة باتهام "هواوي" بجمع المعلومات الاستخبارية لصالح بكين ، وهو ما يساعد " هواوي" للانتقال من مركز الدفاع إلى الهجوم من خلال إطلاق اتهامات مماثلة بتجسس الولايات المتحدة على الاتصالات الدولية والصين ، واتهامها بممارسة الحمائية الدولية  في مقابل حرية التجارة والعولمة ، وهو ما يكشف عن الصراع "الجديد" بين الليبرالية في مقابل الحمائية ،وذلك على الرغم من استفادة الشركات الغربية من العولمة في توسيع أسواقها وزيادة أرباحها. وتأتي عملية رفع الدعاوي القضائية من جانب "هواوي" ضد الحكومة الأمريكية تعبيرا عن لجوئها للوسائل القانونية ،وتعبيرا عن الثقة في إجراءاتها ،وفي إطار حملة علاقات عامة لجذب الانتباه لوسائل الإعلام العالمية بعيدا عن الفوز بأسواق في أماكن أخرى.

ومن ثم فان المنافسة بين شركة هواوي والولايات المتحدة ستكون في"أسواق ثلاث" سوق يقع خارج نشاطها وسوق مفتوح للأعمال التجارية ، وسوق أخر متنازع علية.وهو ما يعني إن المنافسة ألكبري مع" هواوي" لن تكون على الأراضي الغربية .

وتسعى "هواوي " للحفاظ على أسواقها وتوسيعها ولكسب المزيد من الثقة انتهجت أسلوبا أكثر انفتاحا للقبول بالتدقيق والرقابة من جانب الحكومات على منتجاتها ،ومن جهة أخري الظهور بكونها مستقلة عن الحكومة الصينية، ومنحها أولوية للسلامة والأمن عند تقديم الخدمات التكنولوجية ، ومستفيدة في ذلك من تنافسية السوق الصيني ،والتحول من التصنيع إلى الاقتصاد الموجه ،وتوسيع نطاق عملها لزيادة الإنتاج وتقليل التكلفة ،وهو ما يضمن لها وضع أفضل للتوسع في السوق الدولي ،ويضيف رصيد استراتيجي لتحقيق الطموح القومي الصيني لتصبح مؤثرة على المستوى العالمي.

ويعد رد الفعل الأمريكي العنيف ضد "هواوي" جزء من  صراع جيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين حول التكنولوجيا التي ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي مثل الاستحواذ على الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها المختلفة كالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء،وبخاصة إن التخلف في الجيل الخامس أو الذكاء الاصطناعي سيكون بمثابة هزيمة عسكرية لأحدهما ،وتسيطر الصين على حجم الإنفاق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 48% تليها الولايات المتحدة بقيمة 38% بينما باقي العالم 13%.،وتشير التوقعات إلى إن الذكاء الاصطناعي سيساهم بنسبة  45? من إجمالي المكاسب الاقتصادية بحلول عام 2030.[4]

ونافلة القول، أنه مثلما شكل النفط الجغرافيا السياسية للقرن العشرين ، فان الدول في القرن الحادي عشر أصبحت تتصارع الآن على البيانات الشخصية وطرق تحليلها وتطبيقاتها للاستحواذ على قوة المستقبل والسيادة السيبرانية.

 

 

 

 

 

 



[1] اختار مؤسسها المهندس السابق في المؤسسة العسكرية كلمةً من القاموس الصيني "هواوي" لشركته، والتي تعني بالعربية "الإنجاز الرائع للصين".

[2]David E. SangerJulian E. BarnesRaymond Zhong and Marc Santora, In 5G Race With China, U.S. Pushes Allies to Fight Huawei,POLITICS,The New York Times Company,Jan.26,2019. https://goo.gl/sW1RN7

[3] Huawei opens a cybersecurity transparency center in the heart of Europe, techcrunch.com,6/3/2019. https://goo.gl/9BohV9, Visted,22/3/2019

 

[4] عادل عبد الصادق ،الثورة الصناعية الرابعة ..تحديات وفرص الاستحواذ على القوة الجديدة ، (دراسات ، مجلة أحوال مصرية ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، العدد ، 71 شتاء 2018 )،ص 15-27   



© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>