المعلومات الشخصية وصراع الاستحواذ على العقول

11-06-2020 05:29 AM - عدد القراءات : 198
كتب د. عادل عبد الصادق
برزت المعلومات الشخصية المتراكمة عبر نشاط الملايين من المستخدمين عبر العالم للانترنت والاتصالات كأحد القضايا الهامة والمتزايدة في أهميتها مع تصاعد استخدام الأفراد، وارتباط ذلك بمحاولة الأجهزة الأمنية باستغلال المعلومات التي يتم نشرها او جمعها من اجل توظيفها إلى الحد الذي أصبحت محل تنافس شديد بين الشركات التجارية والأجهزة الأمنية من ناحية اوالتعاون فيما بينهما من ناحية أخرى على حساب حرية المستخدمين.
المعلومات الشخصية وصراع الاستحواذ على العقول
ونمت المعلومات الشخصية جراء انتشار أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وكاميرات المراقبة وسهولة الوصول إلى الانترنت، ودفع ارتباط الأفراد بالخدمات التكنولوجية لتوافر قابلية التعرض لاستخدام بياناتهم الشخصية للخطر ،والناتجة من نشاطهم الالكتروني في العديد من المواقع والخدمات والمراسلات والاتصالات ومحركات البحث والشبكات الاجتماعية والتطبيقات الصوتية والمرئية .
وضاعف ذلك المحتوى العالمي من المعلومات والمتوقع ان تصل إلى 35 زيتا بايت،
وعلى الرغم من ذلك فان هذا المعلومات غير متاحة لأغلب الحكومات وتظل تحت سيطرة الشركات المشغلة،ولا يتم إلا تحليل ,5% منها ولا يوجد جهة واحدة او قدرات كفيلة بتخزين هذا الكم الهائل من البيانات وهو ما تسعى إلية الولايات المتحدة من إقامة اكبر مركز بيانات في العالم.
ودفع هذا الكم الهائل من المعلومات إلى تطور مماثل في استخدام التقنيات المتقدمة في مراقبة وبحث وتتبع وتحليل الاتصالات وفي تقدم تقنيات وبرمجيات تصنيف المعلومات وجمعها وتحديد مصدرها،بالإضافة لرصد المواقع التي يتم زيارتها وحجم التفاعل حول الأفكار،وهو ما تستخدمه الشركات التجارية فيما يعرف بـ"الهندسة الاجتماعية "والتي تسهل من عملية نقل التأثير في الأفكار او الأذواق بما ينعكس تجاريا في التفاعل الايجابي مع الإعلانات.
وعلى المستوى الأمني والسياسي تعمل أجهزة الاستخبارات الدولية على الاستفادة من تلك المعلومات للتأثير في توجهات الأفراد ثم التأثير في المجتمعات ثم الدول بما يخدم أهداف الدول المحركة والمالكة في ذات الوقت إلى تلك التكنولوجيا او على الأقل تملك السيطرة عليها ، ولعب في ذلك البيئة الالكترونية متعددة الحدود ووصل الأمر إلى إن أصبحت الشركات تملك معلومات شخصية عن المواطنين في الدول أكثر مما لدى حكوماتهم ، فضلا عن توافر أجهزة ذكية تملكها شركات دولية ولا تملك هيئات تنظيم الاتصالات في الدول المستهلكة القدرة على الدخول لقواعد البيانات الخاصة بمواطنيها.
وأصبحت المعلومات المتزايدة في الحجم والأهمية مادة خصبة للصراع حول الحصول عليها من خلال تعزيز قدرات الاختراق او التجسس عبر نقل المعلومات بما يؤثر على السرية والإتاحة ويعرضها للاستغلال من قبل الشركات المشغلة او إجبارها على مد أجهزة أمنية بها،ويؤثر ذلك على ثقة المستخدمين في الخدمات عبر الانترنت والى تزايد المخاوف من انتهاك حقوق الإنسان الرقمية والتي اعتبرتها الأمم المتحدة يجب حمايتها كباقي حقوق الإنسان التي أكدتها المواثيق الدولية.
ويعرض تسريب المعلومات الشخصية حياة المواطنين للخطر ويعزز من تعاون الشركات مع الحكومات للحصول على المعلومات الشخصية الخاصة بالمعارضين لنظم الحكم،وهو ما يجعله تعاونا سياسيا وليس جنائيا بالتأكيد.
وعلى الرغم من وجود مطالب وبخاصة لدى مدعوا الأمن بالإبقاء على تلك الممارسات من قبيل انه إذا تم منع الحكومة من التجسس على مهددي الأمن القومي فان ذلك يمكن ان يساعد في نمو مصادر التهديد للأمن وهو ما يؤدي إلى تقليص الحريات المدنية وانتهاك خصوصية الأفراد "الضعفاء" في حين يتم استخدامه من قبل الشركات والأجهزة الأمنية في تحقيق الشفافية والرقابة والسيطرة "الاقوياء"، او ان يتم استغلال الانترنت كساحة للتجسس على نشاطات المستخدمين مع إخفاء نشاط الفاعلين عن أعين الرقابة البرلمانية او القضائية .
ومع تحالف المال والسلطة بين الشركات والأجهزة الأمنية أصبح المستخدمين معرضين للخطر وهو ما يتطلب العمل الجدي على تعزيز ثقافة امن المعلومات الشخصية ومتطلبات الأمن والخصوصية،والتي يجب ان يتم حمايتها في التشريعات القانونية،وأهمية دعم دور المجتمع المدني في الرقابة على أداء تلك الشركات،وتبني قواعد عالمية لاستخدام البيانات الشخصية تلزم جميع الشركات .
وقدم برنامج "بريزم" الأمريكي للتجسس دليلا مباشرا وقويا على المخاطر الكبيرة التي تهدد الحريات المدنية،وخطر التحول الى عصر الدول البوليسية والفاشية،وبخاصة مع العلم انه واحد من تطبيقات التجسس التي يتم استخدامها والتي تصل الى الآلاف داخل أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
ويمكن ان تعرض المعلومات الشخصية الأفراد إلى الابتزاز من جانب القراصنة وتضر بالأشخاص العاديين مع استغلال معلوماتهم تحت ذريعة الاشتباه في انتمائهم او توجهاتهم وهو ما يضر بالحريات المدنية،ومن شان ذلك التأثير على حرية التعبير و فرص الابتكار والإبداع لدى الأفراد وتضعهم فريسة للشركات التجارية والتي لا تبغي الا البحث عن الأرباح،وقد استغل السياسيون والأجهزة الأمنية الخوف من الإرهاب والجريمة في العمل على تعزيز المخاوف الأمنية من اجل تمرير ممارسات وتشريعات استثنائية تمثل اعتداءا صارخا على حقوق الإنسان .
وعلى الرغم من ان تقنيات جمع المعلومات والتجسس قد تكون مفيدة في تتبع الحركات الإرهابية أو الإجرامية إلا إنها ليست كافية وحدها بل هناك أبعاد أخرى تدخل في إطار المواجهة ، ويتم استخدام تلك التقنيات كأدوات تنتهك الحريات المدنية بدعوى تطبيقها فقط على المواطنين غير الامريكين،والذين يخرجون من نطاق ولاية القانون،وهو مثالا صارخا للازدواجية والتمييز،وتقليص حرية تدفق المعلومات وحرية التعبير والاتصال وانتهاك الخصوصية،ويقدم ذلك لتوغل نفوذ المؤسسات الأمنية الكبرى المتعاونة او المتحالفة مع الشركات المحتكرة للتكنولوجيا على حساب الحريات وهو ما يمثل تأثيرا مدمرا للقيم الديمقراطية .
*مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>