البيانات الشخصية وسياسات الخصوصية الجديدة للواتس أب

11-02-2021 06:15 AM - عدد القراءات : 191
كتب د. عادل عبد الصادق
أعلنت شركة الفيس بوك عن نيتها نقل بيانات المستخدمين للواتس اب الي خوادم شركة الفيس بوك وشريطه موافقة المستخدمين بحلول 8 فبراير القادم ،وهو الأمر الذي أحدث الكثير من الجدل حول أمن وخصوصية البيانات الشخصية للمستخدمين على النحو الذي أرغم التطبيق على إرجاء تطبيق سياسة الخصوصية الجديدة حتى 15 مايو القادم,ورغم ذلك برزت مطالبات بهجرة الواتس آب الي غيره من التطبيقات، ومدعومة بمخاوف حول حماية البيانات الشخصية وخصوصية المستخدمين.
البيانات الشخصية  وسياسات الخصوصية الجديدة للواتس أب
وشغلت قضية تعديل الخصوصية للواتس اب بال الملايين من المستخدمين عبر العالم وفي منطقتنا ، وحملت اتجاهات التعامل معها اتجاهين ، الاتجاه الاول ، يري ان تلك الإجراءات تشكل تهديدا خطيرا لأمن البيانات الشخصية ، وهو ما يستلزم ضرورة تخلي المستخدمين عن الواتس لصالح تطبيقات أخرى .
الاتجاه الثاني ، إن الإجراءات الخاصة بتعديل سياسة الخصوصية لا تمثل تهديد خطير لأمن وحماية المستخدمين وبياناتهم الشخصية مع اعتماد الواتس اب على سياسة تشفير الرسائل . وتم على اثر ذلك شن حملات لمقاطعة التطبيق والبحث عن تطبيقات أخرى للتواصل الاجتماعي وفق ما يرى فيها المستخدمين أنها أكثر أمنا على البيانات الشخصية ، ولعل الإعلان المفاجئ للوتس اب عن تعديل الخصوصية أدى الى حالة من اللغط واتساع فجوة الثقة بين التطبيق ومستخدميه
،وبخاصة انه لم يرفقها اية حملات توعية للتعريف بالسياسات الجديدة ، وهو الأمر الذي دفع شركة الفيس بوك إلى الإعلان عن عدة إجراءات لكسب الثقة والتي منها الإعلان عن تأجيل تطبيق تلك السياسية حتى 15 مايو ، والتأكيد على ان تلك الإجراءات لا تمثل تهديدا لأمن البيانات الشخصية للمستخدمين ، والتأكيد على ان التطبيق لا يتمكن من قراءة الرسائل الخاصة ، وذلك لأنها تعتمد على التشفير من جانب المرسل والمستقبل ، وان "واتساب" لا يحتفظ بسجلات الرسائل الخاصة بالمستخدمين .
وان عملية مشاركة البيانات مع الفيس بوك تخضع كذلك الى التشفير بشكل لا يمكن لأي شخص معرفة مكان المستخدم الا اذا قام هو من تلقاء نفسه بمشاركة تلك المعلومة . وترسخ ذلك من خلال ما جاء في بيان أصدره تطبيق الواتس اب على حالات المستخدمين بشكل يمكنهم من الاطلاع علية ، وتم التأكيد من خلاله على ان كل ما يتم مشاركته مع الأصدقاء يبقى سرياً.و لا يوجد أي طرف ثالث في المشاركة. وان التطبيق لا يتشارك الأرقام ولا البيانات الشخصية ولا الموقع أو الرسائل. وعلى اية حال تبرز تلك القضية عدد من النقاط المهمة ،
أولا، يجب التأكيد على أنه لا يوجد أمن كامل او خصوصية كاملة في ظل البيئة الرقمية التي يسيطر عليها حالة من الاحتكار والهيمنة في تقديم خدمات التواصل الاجتماعي.وأصبح سوق البيانات الشخصية تتنافس فيه الشركات بكل شراسة، وبخاصة انها بمثابة الوقود الحيوي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ثانيا، ان ما أعلنته شركة الفيس بوك جاء بعد التحركات التي قامت بها شركة أبل ضد شركة الفيس بوك حول البيانات الشخصية.وان مشاركة بيانات الواتس مع الفيس بوك علي الرغم من أنه أول مرة يعلن ولكنه كان قائما بحكم أنهما شركة واحدة.وبخاصة أن التضخم الهائل في بيانات المستخدمين تحتاج إلى بنية تحتية متطورة .
ثالثا، على الرغم مما يروجه البعض لاستخدام تطبيق شبيه للواتس اب مثل سيجنال أو غيره الى ان الواقع يشير الى أنه لا توجد خدمة مجانية ،وحتى أن جاءت في إطار الإعلان عن أهداف براقة من طرف شركات وليدة ولكن لا يوجد ثمة ضمانة بعدم تحولها إلي تحقيق أهداف خفية ثم تتحول إلي أهداف تجارية معلنة مع حجم التوسع في السوق ،
رابعا ، أهمية التعامل بحذر من قبل المستخدمين بشأن ما ينشروه من بيانات شخصيه عنهم أو عن الغير، و الوعي بشروط الاستخدام وإعطاء الصلاحيات لتلك الشركات للولوج الى بياناتهم.لانهم بذلك يساهمون بطريقة أو بأخرى بزيادة ثروة شركات التواصل الاجتماعي ونعرض خصوصياتنا للخطر وكذلك الأمن القومي..
خامسا ، علي الرغم من بعض التقدم في المنطقة العربية بشان حماية البيانات الشخصية ما زلنا نعاني من عدم وجود تشريعات وقوانين تحافظ علي البيانات الشخصية للمستخدمين،والتي من شأنها أن تعزز قوتنا تجاه الشركات العالمية المتخصصة في التواصل الاجتماعي .
سادسا، قدم الاتحاد الأوروبي تجربة رائدة في مجال حماية البيانات الشخصية باعتماد اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية لمواطني دول الاتحاد الأوروبي عام 2018.وبهدف مواجهة أيضا تغول تلك الشركات علي سيادة الدول وخصوصية المستخدمين.
سابعا، ان اكبر جزء من المعركة ضد تلك الشركات للحافظ علي البيانات الشخصية هو التكتل الإقليمي وبخاصة في المنطقة العربية والتي تعد سوقا ضخمة لتلك الشركات العابرة للحدود وما تزال تمارس أعمالها وتجني أرباحها بدون أن تخضع للضرائب من قبل الدول التي تعمل عبرها.
ثامنا، الواقع يشير أنه ليس لدينا لا تطبيقات للتواصل الاجتماعي بديلة أو تقنيات أو برمجيات ،وهو ما يضعف القدرة علي المنافسة في مجال التواصل الاجتماعي ومواجهة انتهاكات الخصوصية. ويهدد أمننا بجعل منها منصة للتهديدات السيبرانية أو تطبيقات الحروب النفسية. وهو ما يعزز أهمية الترويج لأهمية وجود تطبيقات واستثمارات وطنية في مجال الشبكات الاجتماعية.
تاسعا، استطاعت الشبكات الاجتماعية أن تلعب دور مهم في دعم التنمية وبخاصة في الدول ذات التطبيقات الوطنية مثل الصين ودول جنوب شرق آسيا وروسيا وغيرها ، وكذلك في مجال دور وعي المستهلك بأهمية استخدام التطبيقات الوطنية بغض النظر عن الرقابة الحكومية.
عاشرا ، تقوم الشركات الأمريكية الخمس الكبري في مجال التواصل الاجتماعي علي حالة الفوضى الحالية في استخدام البيانات الشخصية ،ويحقق لها ذلك ثروات طائلة في مقابل محاولات تنظيم نشاط تلك الشركات وإخضاعها للشروط والمعايير التي تسنها الحكومات ،ولعل من ضمنها إقامة مراكز للبيانات لتلك الشركات داخل الدول التي تعمل بها .
أخيرا ،
تبرز أهمية البيانات الشخصية والسيطرة عليها بين ثلاثة أطراف رئيسية هي الحكومة التي ينتمي لها المواطن وبين الشركات المقدمة للخدمة وبين حق المستخدم في السيطرة والتحكم في بياناته الشخصية ، وهو ما يتطلب الخروج بصيغه توافقية ترتكز علي الحق في الخصوصية.
ويمكن ان تدفع تلك التحديات إلى دور الوعي بالخصوصية وبأهمية تدشين شبكات تواصل اجتماعية وطنية قائمة علي الخبرات في مجال البرمجة والتقنية ورأس المال والسوق الضخم ،ودعم الحكومات العربية ،ويأتي ذلك بعد ان تحولت الشبكات الاجتماعية الي منصات لدعم عملية التنمية المستدامة من قبل الحكومات ،وبخاصة في مجال توظيف البيانات الضخمة في مجال التنمية والصحة والتجارة والتعليم وغيرها؛.
*مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>