الأمية الجديدة في العصر الرقمي

11-10-2021 03:16 PM - عدد القراءات : 372
كتب د. عادل عبد الصادق
ألقت جائحة كوفيد 19" بظلال جديدة على أهمية التوجه الاستراتيجي التي تقوده الدولة في مجال التحول الرقمي ، و في ظل بيئة رقمية أصبح يسيطر عليها الانتشار المذهل للتطبيقات الرقمية من قبل كافة الفاعلين في مجال المعرفة والبحث والتعليم والتعلم ،
الأمية الجديدة في العصر الرقمي
وأثرت تلك المتغيرات في عناصر العملية التعليمية برمتها بدا من "الطالب "، والمعلم "، والمنهج الدراسي "و"المنشأة" التعليمية ،وفي ظل تصاعد دور المعرفة والابتكار وما يرتبط بذلك من تقاسم جديد للقوة والنفوذ في العصر الرقمي. وكان لذلك الواقع الجديد دورا ايجابيا في تأثير التطبيقات الرقمية على الأمية "التقليدية" والتي تركز على القراءة والكتابة من جهة ،والى جانب تصاعد قضية الأمية الرقمية من جهة أخرى ،والتي تعني " افتقاد القدرة على التعامل مع الحاسب الآلي والتواصل مع العالم الداخلي والخارجي من خلاله".
ولم يقتصر مدلول "الأمية الرقمية "على ذلك بل اتسع ليأخذ في اعتباره بعدين مهمين الأول، يتعلق بدور "الوعي" و"القيم" في محو الأمية الرقمية ،وأما الثاني، فيرتبط بدور المهارات الرقمية وضرورة ملاحقتها للحد من الفجوة المعرفية ، وانعكس ذلك التغير في متطلبات العرض والطلب على الوظائف
والتي أصبحت ترتبط بدورها بقدرة الأفراد في الدخول إلى السوق الجديد استنادا على ما يمتلكونه من مهارات تمكنهم من تعزيز التفاعل البناء مع التطبيقات الرقمية ،
ونتج عن أهمية ذلك ظهور نمط جديد من الفجوة الرقمية تواكبها زيادة مقابلة في التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين من يمتلكون تلك القدرات وبين غيرهم الذين لا يمتلكون قدرة الوصول ،وسواء تم ذلك على مستوى المعرفة الرقمية أو على مستوى الاستحواذ على الوظائف الجديدة او بالتفاوت في مستوى الدخل.
وأصبحت تلك المهارات الرقمية متغيره بطبيعتها وفق وتيرة التقدم التقني وطبيعة دور الإبداع والابتكار ،ومدى توافر الخدمات الرقمية وفق أذواق أو ميول المستهلكين ، وذلك مع ارتكاز السوق الرقمي بين الفاعلين فيه على المنافسة الشديدة في المعلومات والمعرفة والحكمة.
وأصبح لا يعني محو الأمية الرقمية فقط القدرة على استخدام التقنيات الرقمية،بل تتطلب كذلك القدرة على الاستدامة والبقاء ، والتي لن تتأتى الا من خلال الاستثمار في التعليم و نمط التفكير العلمي وغرس القيم الجديدة والمحفزة على التنمية الذاتية والمجتمعية. والقدرة على حل المشكلات والتي أصبحت أكثر تعقيدا عن ذي قبل،
وذلك الى جانب الوعي بالفرص والتحديات المرتبطة بها. وعلى الرغم من التصاعد في انتشار التطبيقات الرقمية إلا إن ذلك لم يواكبه حالة أخرى من زيادة الوعي بماهية مثل تلك التطبيقات أو الأدوات الجديدة المرتبطة او بالقضايا التي تثيرها والتي ترتبط بالمقام الأول بثقافة المستخدم دون غيره ، وهو ما يفسر تصاعد الاستخدام السلبي للثورة الرقمية على الأسرة و المجتمع ، وهو الذي لم يشهد حالة تدريجية من الانتشار التقني بل كانت هناك حالة مفاجئة في التطبيق والانتشار معا وصلت إلى حد "الصدمة" في التبني السريع
والذي جاء مدعوما في نفس الوقت بآليات السوق من قبل الشركات المشغلة والتي يحركها فقط البحث عن التوسع في السوق بغض النظر عن تبعات ذلك من النواحي الثقافية أو الاجتماعية ،بل كذلك بالنظر إلى قدرة البنية التحتية على امتصاص التضخم الهائل من المستخدمين ،ودخل بذلك المجتمع إلى حالة من الأمية الجديدة وهي الأكثر خطرا في تداعياتها على امن واستقرار المجتمع ، وذلك لأنه يتلازم مع الأمية الرقمية عدد أخر من الأزمات و الفجوات مثل الفجوة المعرفية والرقمية والاتصالية ، وهو الأمر الذي يعمل على تعميق التأثيرات السلبية ،
في مقابل القدرة على امتلاك الفرص الجديدة التي تمثلها الثورة الرقمية
وهو ما يجعل من قضية "ألاميه الرقمية " قضية متشابكة ومتداخلة بين الفرد والمجتمع من جهة وما بين المسئولية الفردية والجماعية من جهة أخرى ،ويحتاج ذلك الأمر إلى رؤية شاملة ترتكز على المهارات الأساسية المطلوبة ،والتي من ضمنها القدرات في مجال البحث وجمع المعلومات ، والاتصالات الفعالة ، والأمن الرقمي ، والمهارات الوظيفية ، والابتكار والتفكير النقدي إلى جانب أهمية الفهم الثقافي والاجتماعي لطبيعة البيئة الرقمية، ومواجهة الفجوة بين الريف والحضر وما بين الآباء والأبناء في مجال المعرفة الرقمية وإدراك تحديات تربية النشء والشباب.
وهو الأمر الذي يتطلب إعادة التفكير في ماهية الثقافة والنظم التعليمية القائمة وجعلها تبتعد عن الحفظ والتلقين إلى جانب الأبعاد الأخلاقية،والعمل على خلق توازن حقيقي بين تطبيقات التعلم "عن بعد " والتعليم "المدرسي" إلى جانب الموازنة بين الانغماس في التفاعل الرقمي وغيره من التفاعل الإنساني والاجتماعي ،
و ترسيخ ثقافة التعليم المستمر لمواجهة الطلب الجديد على المهارات والوظائف إلى جانب أهمية برامج التدريب وبناء القدرات بالتعاون مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وكافة أصحاب المصلحة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية ،ومن شأن ذلك أن يدعم قدرات الدولة في تنفيذ خطط التنمية المستدامة ،وتعزيز فرص تمكين الشباب من العيش والتعليم والعمل في العصر الرقمي.
*مدير المركز العربي لابحاث الفضاء الالكتروني


© 2012 جميع الحقوق محفوظة لــ المركز العربى لأبحاث الفضاء الالكترونى
>